يوم الخميس والموعد الملكي-- الجزء الثاني من الفصل الثاني من القصة الاولى

وهكذا سارت الأمور كما يشتهيان وتَعَزَّز مركزهما بين الناس وفي مجتمعاتهم وحتى بين القيِّمين على إدارة شؤون البلاد والعباد وكان يوم الخميس هذا يوم الموعد المضروب فتهيَّئا  ولبسا أفخر الثياب وتعطَّرا  بأحسن العطور واختارا لهذه المناسبة العطر الذي تغلب عليه رائحة الياسمين. وعند قروب الموعد إعتلى كل منهما صهوة جواده واتجها صوب القصور التي إليها دُعُوا،  فوصلاها في تمام الوقت المحدد وترجَّلا وأتى من الخدم من أخذ الجوادين  وساقهما إلى مربطهما.  واستقبلهما على الباب من مَثَّل الداعين وسار أمامهما دالاًّ الطريق من قاعة إلى قاعة ومن بستان إلى آخر وكلها ضمن مبنى القصر إلى أن وصلا إلى قاعة العرش حيث رحَّب الملك " مرداح" بهما وقدَّمهما إلى الملكة "رونق" فلثما أطراف أصابعها دلالة على الإحترام لها ثُم سلَّما على الأميرة "ياسمين" وانتظرا حتى يُسمح لهما بالجلوس وأتت الإشارة فجلسا وانتظرا الملك ليأذن لهما بالكلام.

 

وكان الكلام كما كان منتظراً بدأ بشكر "ورد" و"المحارب" على إنقاذهما للإميرة "ياسمين" يوم ظهر الوحش الأسود وهو تِننِين قوي كثير البشاعة . يظهر أن الملك يعرف بوجوده ويخفيه حتى لا يخاف الناس وكان ظهوره مفاجئاً لأن المرة الأخيرة التي ظهر فيها كانت من قرون لم يظهر بعدها ، لهذا أراد أن لا يُعمم هذه المعرفة وأخفى الأمر عن كل الناس لا يعرفه إلا هو والملكة والأميرة لأن هذه العائلة هي المسؤولة ولا أحد غيرها ولهذا يجب على كل فرد من العائلة أن يعرف ولا يُفشي بالسِر  لأي كان.

 

بعد الشكر طلب الملك منهما أن يُعلماه بما يريدان الجائزة أن تكون . إستأذن "ورد" وقام من مقعده وحيَّا الملك وقال: إنه لشرف عظيم لي ولزميلي وصديقي "الأمير المحارب" أن نكون في حضرتكم والملكة والأميرة وإننا وقد جئنا الجزيرة دون إرادتنا بل بسبب غرق السفينة التي أقلَّتنا ، وأُنقذنا وعوملنا بالكثير من الكرم والإحترام من كل من لَقِينا وبالأخص من صيادين أنقذانا واستضافانا في بيوتهما حتى عادت إلينا صحتنا دون أن يسألا حتى عن إسمائنا ولم يطلبا بدلا لكل ما قاما به بل أصَّرا علينا أن نبقى في ضيافتهما إلى أن نقرر ما نريد. وقال: إنه لن ينسى فضلهما أبدا وأن هذا هو شعور زميله كما أنه لن ينسى أهل هذه البلاد الطيبة والتي يكُنُّ لهم المحبة والإحترام. وأكمل قصته الطويلة ألخّصها نظراً لأنها تحوي الكثير من التفاصيل واختصاراً أيضاً للوقت.

 

أما بشأن الوحش فإنهما ولحسن حظهما كانا في رحلة للتعرف عما غاب عنهم من مناطق الجزيرة المختلفة وسمعا الصوت الخشن والنافر للوحش،  هَمَاّ للمساعدة وقد  ساعدا مرافقي سمو الأميرة "ياسمين" بقتالهم للوحش وكان كل منهم على قدر عال من الشجاعة والنخوة وحاربوا بكفاءة و"الأمير المحارب" وهو شاركا في المعركة، وقد كانت بالواقع معركة صعبة وقد تعاون الكل على الوحش مما أدَّى إلى النتيجة المرجوة.

 

أثلج ما قاله "ورد" قلب الملك ونال إعجاب الملكة والأميرة. وهنا سأل الملك عنهما ومن أين أتيا ولماذا كانوا على مقربة من الجزيرة وكيف غرقت السفينة ومن كان عليها وما سبب ركوبهما سفينة تجوب البحار وهو وشعبه لا علم لهم بما هو خارج الجزيرة ولم يكونوا على علمٍ بوجود آخرين في أماكن أخرى وهم ليسوا على علم  بوجود بلاد أخرى على كل حال. وهو يريد أيضا وبالتحديد أن يعرف قصة بناء البيت الذي يحكي الناس عنه بتعجب وإعجاب .

وهنا طلب "ورد" السماح له بالإجابة على هذه الأسئلة وقال إن الإجابة عليها تحتاج إلى وقت طويل وهو يعرف أن للملك أعمال وأشغال ومسؤوليات أخرى تفوق بأهميتها هذه القصة. أجاب الملك بأن معرفته بما هو خارج مملكته أهم من مشاغله اليومية وهناك من يقوم مقامه  في الوقت اللازم لسماع الرواية.

 

وهكذا سارت الأمور ودعاهم الملك للبقاء معه والعائلة كي يسمعوا  القصة كاملة فيبدأ "ورد" و" الأمير المحارب" برواية ما حدث ويستمران بها إلى موعد العشاء  فيأكلون معا ويرتاح الجميع لساعة من الزمن ثم يستأنفون الحديث.

 

وعليه بدأ "ورد" يَقُصُّ على السامعين أخباره بدءًا بالتعريف بالإنس والجن وكيف يلتقيان وأنهما من عالمين متوازيين، يعيشان في مساحة واحدة أي مكان واحد دون أن يشعر أحدهما بوجود الآخر اللهم إلا قلة من كبار قومهم الذين يعرفون ذلك لأن "القدرة العظمى" منحتهم هذا الحق وكلَّفتهم بالإعتناء بشركائهم في المكان الواحد المشترك وأحيانا يساعدوهم أو من هو في حاجة لذلك. من يكلِّف أفراد جماعته بالمساعدة أو الإتصال بالبشر هم من سمحت لهم "القدرة العظمى" بذلك.

 

وكان في ذهنه كما ولا شك تعلمون،  أن يقول لهم الحقيقة كاملة غير منقوصة بكل مضامينها فيعرف السامعون مدى وأهمية ما يسمعون وبالتالي يأتي جوابهم عن فهم كامل وتقييم ذكي للطلب ويأتيه جواب طلبه حاسماً لا لبس فيه. فإذا كانت الإجابة بالموافقة  تطوى القضية لأن ما هدفوا لإتمامه تَمَّ. أما إذا رفض الطلب عندها ينسى السامعون، أي الملكين والأميرة، ما سمعوا على لسانه وكأنهم لم يلتقوا بهما ولم يَسرد "ورد" على مسامعهم القصة العجيبة الغريبة على البشر وينتقل هو إلى الخطة البديلة والتي يستغرق تنفيذها وقتا أطول. أي أن رفض الطلب يُفقد السامعين الذاكرة المخصصة لإستيعاب ما سمعوا فينسونه بكليته.