الجزء السادس

 ( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلامه امر الملك الخزندار ان يعطيه الف دينار فعند ذلك سل سيفه الابتر اسرع من لمح البصر وضرب الرعيني على عاتقه خرج من علائقه ثم مال على الطواشية والخدام بضرب الحسام وبعد ذلك هجم على الخيام كسبع الاجام فقتل الرجال ومدد الابطال ووقع في السودان الضجيج والصياح والعويل والنواح فخرجت الابطال من المضارب وركبوا ظهور الجنائب فتقلدوا بالسيوف وهجموا على بني مرة صفوف وهم لم يعلموا سبب ذلك الويل من شدة سواد الليل غير انهم ظنوا بني مرة قد خدعوهم حتى اتوا معهم إلى بلادهم فقتلوا ملكهم وغدروهم فلما رأى جساس ماحل بقومه من السودان استعظم ذلك الشأن فركب جواده وتبعه اجناده واضطر ان يدافع عن نفسه ويحامي عن أبناء نفسه فقاتل تلك الليلة حتى استقتل وفعلت رجاله مثلما فعل وكانت ليله مهولة وحادثه غير مأموله كثر فيها القتل والجراح إلى وقت الصباح وكان المهلهل لم بلغ القصد والامل بذلك العمل ارسل عبده في الحال إلى الاطلاع في طلب الفرسان والابطال وحضروا عند طلوع النهار واحاطوا بالأعادي من اليمين واليسار وحكموا فيهم ضرب السيف البتار واستمر الحرب والصدام بين القوم ثلاثة أيام حتى ابلاهم المهلهل بالويل والدمار وقتل منهم كل بطل مغوار واسد كرار وكان من جملة المقتولين الامير غطاس قائد جيش السودان فلما رأت الجيش ماحل به من الهوان ولت الادبار وأوسعت في جوانب القفار وكذلك انهزم جساس ومن تبعه من الناس وتفرقوا بالفلاة وهم يقصدون النجاة ورجع الزير مع قومه غالبين غانمين ظافرين ودخل القصر بالعز والنصر وصحبته اكابر القواد الذين عليهم الاعتماد وهم يثنون على المهلهل ويقولون لا عدمنا طلعتك ايها البطل فبسيفك نلن المراد وقهرنا الاعادي والحساد فلا زالت ايامك في سعود وعدوك مقهور ومكمود ثم انه اكلوا الطعام وشربوا المدام وباتوا تلك الليلة في سرور وافراح على ذلك الانتصار واما الامير جساس فأنه بات في قلق ووسواس وندم على ما فعل وقطع من سلامته الامل ولا سيما لما بلغته الاخبار بأن الاختلاف والانكسار الذي جرى عليهم في الليل والنهار كان بحيلة المهلهل الاسد الكرار فزاد همه وعظم حزنه وغمه فكانت قبائل العرب يطلب منها المساعدة على قتال بني تغلب وانظمت عدة قبائل برسم المساعدة وصاروا يدا واحده وكذلك انظم مع الزير جملة قبائل مشاهير فحتى لم يبق في بلاد العرب قبيله الا وانضمت مع بني تغلب .

 

( قال الراوي ) من غريب الاتفاق المستحق التسطير في الاوراق بأن الامير مهلهل حرج ذات يوم في عشرة الاف بطل ومعه الامير كتيف وكان من أشراف تغلب وفرسانه الغضاريف وتبطن في جوانب القفر ليجس أحوال بني بكر فمر في قبيلة من قبائل العرب يقال لهم بنو تميم وهم من فرع تغلب وكانت هذه القبيلة ذات خيرات جزيله واجتمع المهلهل بفرسانها وسيدها الامير عمر وقال لهم اركبوا معنا يا نبي تميم لقتال بني بكر فأبوا وقالوا عن فرد لسان لا نحارب من لم يحاربنا من العربان فقال المهلهل اما شملتكم الحرب لحد الان فقالوا الا يا فارس الميدان فقال فوحق الاله الخالق ماكنت اظن انها شملت كل من في المغارب والمشارق ومادام الامر كذلك يوجوه العرب تنحوا عن منازلكم خوفا من حلول الحرب واقصدوا غير هذه الديار مرادنا ان نقاتلهم تحت ستور الاعتبار فأن حاربناهم لا تأمنون على انفسكم من شرهم وأذاهم لأنكم فرع من قبيلة بني تغلب فأن تقيمون منكم لهذا السبب فقالوا ما علينا من بئس فانهم يحاربون من يعترض لهم من الناس اغتاظ المهلهل من هذا الكلام وكان عليه اشد من ضرب الحسام فتركهم وسار من الاثر بمن معه من العسكر وجد في قطع القفار والتقى بقوم من بني بكر في ذلك الجوار فكبسهم تحت ظلام الليل وابلاهم بالذل والويل فسلبى اموالهم وقتل رجالهم وأخذ رؤوس ساداتهم العظام ورجع في الظلام وطرح الرؤوس بين خيام القوم المعتزلين من بني تميم المذكورين الذين كانوا راقدين ثم تركهم وارتحل وسار على عجل فلما استيقظت بنو تميم من المنام ورأت الرؤوس بين اطناب الخيام فأيقنوا انها مكيده من المهلهل فزاد بهم الخوف والوجل وعلموا انهم لابد ان العدو يتهمهم في ذلك العمل فنهضوا وارتحلوا من اطلالهم بموشيهم واموالهم وانظموا إلى قبيلة تغلب والتجؤا بالمهلهل فارس العجم والعرب فلم يبق قبيله من قبائل العربان في ذلك الزمان الا شملتها الحرب والهوان .

 

( قال الراوي ) ولما عظم الامر على جساس وضاقت به الانفاس فصمد إلى العابد نعمان الذي تقدم ذكره قبل الان فوقع عليه وشكا حاله اليه وبكى بين يديه وطلب منه ان يسير بالعجل ويقصد الامير مهلهل ويطلب منه كف الحرب والطعان من الزمان لحينما ترتاح النفوس والقلوب من هول تلك الحرب التي اهلكت الرجال ورملت النساء ويتمت الاطفال فلما سمع قوله رق له فسار إلى عند المهلهل في الحال وطلب منه ان يكف القتال ولو برهه قصيره ومده يسيره وذلك لراحه القبيلتين وحير الفريقين فأجابه إلى ذلك المرام لأنه كان يحبه دون باقي الانام وامر بتوقيف الحرب عن القوم من ذلك اليوم واشتغل المهلهل في تلك الايام بالملاهي وشرب المدام واكل الطعام وسماع الاصوات والانغام ومغازلة النساء في الصباح والمساء وكان جساس يترقب على المهلهل الفرص ليقتله ويزيل ما بقلبه من الغصص فبلغه في بعض الايام ان الزير طريح الفراش في الخيام من كثرة شري المدام وان اخواته قد خرجوا للصيد ولا يرجعون الا بعد ثلاثة ايام فجمع اخوته واعلمهم بذلك الخبر واتفق رايهم انه بعد غروب الشمس يركب اخوهم سلطان في جماعه من الفرسان ويكبس سالم الزير على حين غفله ولما كان الليل ركب سلطان في ثلاثة الاف بطل وقصد حي المهلهل ولما صار هناك هجم عليه وهو راقد في الخيمة سكران فأحاطت به الفرسان وقبضوا عليه واوثقوه كتافا ثم نزلوا عليه بالسيوف إلى ان أثخنوه بالجراح واتلفوه حتى صار عبره لمن اعتبر وكان دمه يسيل كالمطر فزادت افرحهم وزالت اتراحهم وقالوا لقد بلغنا الارب ورفعنا الحرب عن العرب . ثم انهم وضعوه في جلد جاموس وأخذوه إلى عند اخته ضباع وقالوا لها لقد اتيناك بقاتل ولدك فخذيه واشفي منه غليل كبدك فياما قتل ويتم ورمل فما هان عليها ذلك الامر لكنها اظهرت لهم السرور والفرح وقالت ان جزاء الغدار الحرق بالنار ثم تركوها وساروا واما هي فقد احتارت في امرها وزادت احزانها عليها وانه وان قتل ولدها فانه سيد للقبيلة ذكرا لا يبور على مدى الدهور. فبينما هي في بحر الافتكار واذا به قد فاق من غشوته وصحى من سكرته وقال وهو على اخر رمق سبحان الحي الدائم ثم صاح يطلب عبده شهوان وهو يظن انه في ذلك المكان فقالت له ضباع قد انتقموا منك أعداك فأصحى فقد ذقت الموت والهلاك فلما رأى ذاته عند أخته وهو على تلك الحال انشد وقال:

 

قال الزير أبو ليلى المهلهل ونار الحزن توقد في حشاه

فكان كليب ملك البرايا أتى جساس غدره بالفلاه

جلست في مكانه أخذ لثأره وكنت أنعيه صباحا مع مسا

فقال الشيخ كف الحرب عاجل ولا تقتل لسيف ولا قناة

جلست بخيمتي والدن جنبي وعندي العبد ما عندي سواه

وقومي كلهم للصيد راحوا فعرفوا القوم مع باقي العداه

أتوني والمقدر كان كائن وحلى كل مما أن تراه

اتوا بي لعندك يا أخت حتى تنالي الثأر يا غاية مناه

كليني يا ضباع أو أقتليني انا أخوك اذا احتبك القناه

فانتي تشبهي اللبوات حقا واني مشبه سبع الفلاه

فألقيني بصندوق مزفت وأرميني ببحر في مياه

أيا أسما أفعلي انت بأصلك ربيعه بيننا ما غباه

 

(قال الراوي) فلما فرغ الزير من كلامه غاب عن الوجود وصار في صفة المفقود وكانت ضباع لما سمعت من أخيها هذا الكلام صار الضيا في عينيها ظلام ثم انها جاءت بصندوق كبير فوضعت فيه سالم الزير وزفتته وطلته بالقار وكان عندها عبدان أمرتهما ان يحملا ذلك الصندوق ويلقياه في البحر فحملاه وسارت هي معهما تحت جنح الظلام إلى ان وصلا إلى شاطئ البحر فطرحاه هناك في البحر ثم بكت ضباع عندما غاب عنها اخيها ورجعت تنوح من فؤاد أحرقت قلبي بفراقك يا جميل المحامل وفخر الاواخر ثم أنشدت تقول بهذه الابيات:

 

تقول ضباع من قلب حزين أيا عيني فزيدي في بكاها

كواني البين في أول زماني رماني الدهر في أعظم بلاها

أيا دمعي فزيدي في سخاك على محزونة فقدت أخاها

لقد كان ملوك البرايا ومن أعلا ملوك الارض جاها

كليب جساس الذي قتله طعنه طعنة برمحه في قفاها

ترك دمه على الارض فاير بحربة مسمعه من السم سقاها

وقام الزير كي يأخذ بثأره فقاتل آل مرة ثم هفاها

لقد قتله سلطان بغدر اثني عشر ألف حملة فناها

فقال خذوه إلى اخته الحزينة لتأخذ ثار ولدها مع أخيها

فحطيه في صندوق مقفل ومن بني مرة ما يعلم حداها

وقلت له روح يا جمل المحامل أيا عود بيتي انحناها

وقلت قتلته يا فخر قومك أيا حطاما للجائع عشاها

أيا يوما اخذه الموج عاجل وموج البحر يلطم في مداها

فقلت له روح ايا سبع بغاب بيوم الحرب ما تعطي قفاها

وهذا صار في عصر الجليله اله العرش يعدمها صباها

فسر يا ريح واخبر اليمامة لتصبح ثم تمسي في بكاها

 

ثم رجعت إلى الحي وصبرت حتى رجعت أخوتها وبني عمها من الصيد فأعلمتهم بتلك القضية وما حل بالزير وقالت والله انكم بعد المهلهل تتعبون مع جساس فتأسفوا جميعهم عليه وبكوا من فؤاد موجوع ثم ان ضباع كتمت ما فعلت بأخيها وشاع الخبر انها احرقته بالنار وأخذت الثأر ولما شاع الخبر وانتشر بين الناس فرحت بنو مرة وجساس واما أخوة الزير فانهم شقوا ثيابهم من فرط أحزانهم وأخذوا يعددوه ويندبوه بالأشعار ويذكرون ما له من محاسن الآثار وكان أكثرهم حزنا أخوه عدي الذي يقول فيه:

 

أيا ويلي فدمع العين هلا على الخدين من دمعي صبابه

على فقد الفتى مهلهل أنور العين تدري ما أصابه

غدونا كلنا للصيد عنه وهو جالس كأنه سبع غابه

وعند رجوعنا لم نلتقيه فأحرق وسط مهجتنا غيابه

فمن يوم أخيه كليب ولى فلا يسرح ولا يلقى صحابه

وما فارق محله طول عمره ولا نعرف له مده غيابه

مهلهل راح من اولاد مرة وسهم البين ذر لنا غرابه

وبعده كيف عاد يصير فينا لان جساس ما تحمل عذابه

ترى بعده سيمحقنا جميعا يشتتنا ولا يخشى عتابه

أيا أخوتي ماذا نسوي واين نروح من هذه العصابة

تعالى أخي يا درعان قولي فقلبي والحشا يا أمير ذابه

أيا سراف يا ناصر تعالوا أيا هزوز يا منيه شبابه

ويا حنبل ويا باقي الامارة تعالوا واسمعوا مني الخطابة

تقول الزير ولى وراح منا قتيل ويندفن تحت الترابة

 

وأما سلطان فقد رجع مسرورا ووقف امام أخيه جساس وأخذ ينشد:

 

والمهلهل ناصب الخيمة بعيد في وسط البستان له يا حبيب

وحده يسكر بليله والنهار رحت انا اليه من بعد المغيب

في ثلاثة الاف فارس غانمين كل فارس مثل سبع وديب

هجمت عليه يا أخي بالعجل ووقعنا عليه بضرب عجيب

ضربه جساس بالغ بالسيوف حتى صار دمه جاري صبيب

ضربه حتى قطع من النفس وانطرح بلا مسعف ولا حبيب

ثم أخذ لأخته ضباع لتأخذ بثأر ولدها الحبيب

أخذته حرقته بنار ولقته على جمر نار اللهيب

هذا الذي فعلت بعدك يا همام يا حما البيض في يوم النكيب

 

( قال الراوي ) فبما انتهى سلطان من كلامه شكره جساس على اهتمامه وقال بارك الله فيك يا همام فان فعلك هذا يبقى مدى الايام ثم ساروا إلى الحي وهم في افراح وسرور وانشراح ولما وصلوا الصيوان جلس جساس في الديوان واجتمعت حوله الابطال والفرسان ثم امر بدق الطبول ونفخ الزمور وعمل وليمه عظيمه لها قدر وقيمه فاجتمع فيها خلق كثير من كل أمير وسيد خطير ورقصت النساء والبنات ودارت بينهم الافراح والمسرات وانشرحت خواطر السادات وكان عندهم ذلك النهار من أعظم الاعياد الكبار .

 

( قال الراوي ) وكان لما بلغ بنو قيس حقيقة الخبر ان المهلهل مات واندثر غابوا عن الوجود وايقنوا بالموت الاحمر فزادت بليتهم وعظمت مصيبتهم فمنهم من ارتحلوا من الديار وقصدوا الامير جساس وطلبوا منه الامان دون باقي الناس فأعطاهم الامان وجعلهم من جملة الخدم والغلمان ولم يبق عند أخوة الزير الاشراف الا شر ذمه يسيرة وعصبة حقيرة فقصدهم جساس بالأبطال ودار بهم من اليمين والشمال فسلموا أمرهم اليه ووقعوا عليه فنهب أموالهم وأخذ نوقهم وجمالهم ثم أشرط عليهم أن لا يوقدوا نارا في الليل والنهار ولا يركبوا على ظهور الخيل بل يصيروا مكانهم في الخيام فأجابوه إلى ذلك المرام خوفا من الاندثار ونزول الدمار وبعد هذا رجع إلى الديار بالفر والاستبشار فعظم شأنه وتايد بالعز مكانه وسار في مقام عظيم وحكم على السبعة أقاليم .

 

(قال الراوي ) اما اخوه المهلهل فانهم بعد هذا العمل رحلوا من اطلالهم بأولادهم واطفالهم ونزلوا في وادي الشعاب وهم يبكي وانتحاب وذل وعذاب وصبروا على حكم رب الارباب هذا ما جرى لهؤلاء من العبر واما الزير الاسد الغضنفر فانه لما القته اخته في البحر كما سبق الخبر فقذفته الامواج في البحر العجاج إلى ان ساقته التقادير الإلهية إلى مدينه بيروت وكان اسمها الخبرية وملكها يدعى حكمون ابن عزرا وكان من اجل الملوك قدرا واتفق والامر المقدر ان ثمانية من الصيادين بينما هم يصطادون سمك نظروا ذلك الصندوق في البحر العجاج تلعب فيه الرياح وتقذفه طوارق الامواج فقال احدهم للأخر انظر يا صمويل هذا صندوق يا رؤبل قد ساقه الينا اله إسرائيل ثم انهم قصدوه في الحال وسحبوه إلى الشاطئ بالحبال وذلك بعد تعب ونكد ما عليه من مزيد فقال رئيس الشختور لباقي الاعوان تعالوا حتى نفسه علينا الان قبل ان نفتحه يا اخوان فنأخذ كل واحد منا حقه قدر ما يستحقه فأجابه بعض الرجال ما هو مرادك بهذا المقال فقال ان لي النصف ولكم الاخر لأني صاحب الشختور والرئيس الاكبر فقال وحق خمار العذير ما تنال منه شيء يا شبير ثم وقع بينهم الخصام وتشاتموا بالكلام فضرب احدهم الرئيس بسكين فقتله وكان للرئيس أخ فضربه القاتل بالمقذاف فجندله وما زالوا يتقاتلون طمعا بالمال حتى قتل منهم عده رجال ولم يسلم سوى رجل واحد واتفق بالأمر المقدر ان حكمون كان قد خرج في تلك الساعة مع أكابر دولته للصيد والقنص فمر من ذلك المكان فوجد الصندوق والرجل والقتلى مطروحة على الارض فوقف وسال الصياد عن السبب فاخبره بواقعه الحال فتأمل الملك في الصندوق فتعجب من كبره وثقله واراد ان يعرف ما فيه فأمر بحمله إلى السرايا وارتد راجعا مع باقي رجاله فلما صار هناك امر بفتحه ففتحوه واذا رجل طويل القامه عريض الهامه واسع المنكبين كبير القدمين مثخن بالجراح من ضرب السيوف وطعن الرماح وقال الملك لحواشيه ما وجدتم فيه قالوا يا ملك الزمان فيه انسان كانه من عفاريت السيد سليمان له عيون كعيون السباع فلما نظر الملك خاف وارتاع وقال للاتباع كم له من الزمان يا ترى في هذا المكان .

 

(قال الراوي ) وكان عند هذا الملك حكمون طيب ماهر اسمه شمعون فتقدم إلى الزير وهو مطروح وجس زلقومه وعرق الروح فوجده يختلج في اعضائه فقا ل للملك ان الرجل في قيد الحياه فقال له هل تقدر ان تشفيه وانا أعطيك ما تشتهي قال نعم يا مولاي ثم نهض على الاقدام وقال بسم الله العلي العظيم فشمر عن زنوده واخذ إسفنجة وبللها بالماء الخارج ومسح الجروح ووضع المرهم على القروح ثم جاء بالعسل النحل فغلاه وفتح فمه واسقاه وفي برهه قصيره اختلجت اعضاءه وتحركت وفتح عيناه فنظر وتأمل في ذلك المحفل فرأى جماعه من الرجال صفر الوجوه بسوالف طوال فاعتراه الانذهال وشكر الاله المتعال فقال له حكمون من انت ومن تكون وما هو اسمك ؟فقال اسمي الموحد انا عبد الاله العظيم رب موسى وبرهيم فقال ما هي قصتك وسبب وضعك في هذا الصندوق ؟ فقال كنا اربعه سياس عند الملوك وكنت انا المقدم وعلى الجميع فحسدوني وضربوني ذات يوم بقصد انهم يقتلوني فغبت عن الوجود من الم الضرب ولم ار نفسي الا في هذا المكان.

 

فقال الملك للحكيم خذه إلى عندك وداويه باء لعلاج حتى يشفي وبعد ذلك احضره إلى عندي فأخذه الحكيم إلى داره وعالجه مده من الزمان حتى ختمت جراحه وتحسنت احواله فأتى به إلى عند الملك ولما دخل سلم عليه وتمثل بين يديه فقال له الملك كيف انت الان يا موحد ؟ فقال له بحسب انظارك الشريفة وقد شفيت وحصلت على دوام العافية فلله در هذا الحكيم فانه يستحق الانعام والاكرام فمهما انعمت عليه فاني سأعطيك اياه فابتسم الملك من هذا الكلام وانعم على الحكيم ثم التفت إلى المهلهل وقال أعلمني بحالك وكيفية احوالك واشار الملك يقول:

 

قال أبو ستير حكمون الملك يا موحد استمع مني المقال

هات احكليلي على ما صار فيك ما علمت وما فعلت من الفعال

حتى طعنت يا موحد بالرماح جروحك كثيره بسيوف صقال

يا موحد انت اغليوم مليح قرم فارس خيل ما انت نذل قولي

عن ذي الجرح كيف صار وما سببهم قول يا سبع الرجال

ثم أعلمني على ما قد اقول يا زكي الاصل عن عم وخال

في بلادك اتوك الغانمين يضربون الشور لك معهم مقال

بعد هذا قل لنا عن صنعتك الذي تأكل منها خبزك حلال

 

فلما فرغ حكمون من مقاله قال له الزير أعلم ايها الملك الجليل صاحب الفضل الجميل ان سألت عن حسبي ونسبي ووظيفة ابي فانه كان ملك من ملوك العربان ثم غدر به الزمان حتى صار يسوس الخيل وانا تبعت مهمته وهذه وظيفتي ومهنتي واشار يقول:

 

قال أبو ليلى المهلهل في قصيد يا ملك حكمون يا حكم الخصال في بلادي ان سالت عن الجلوس مجلسي في الوسط فوق اعلا الجبال وان سالت عن الشور كل الشور لي ما أحد يقدر يخالف لي مقال وان وقع الحرب وضرب السيوف فالعذارى هللت فوق الجمال والسيوف الجدب عاد لها مرير والقتول تلول عادت كالرمال فذاك اليوم انا اعز الملاح ما مثالي في اليمن وفي الشمال وان اتاني ضيف انا اعز الضيوف واشبع للضيف من لحم الجمال والفتى المعروف منجد يا امير ابن وائل ذاك لي امير خال ان كنت تسال يا ملك عن صنعتي،  صنعتي حاصود في رؤوس الرجال اما ابي فكان ذو قدر عظيم مال فيه الدهر يا حكمون مال صار سايس بعد عزة للخيول بالكرامة بعد عزة والدلال وانا قد صرت سايس بعده اسوس الخيل ما مثلي مثال وجروحاتي هي من عص الحصان قد ضربني برجله اربع نعال قمت من كدري ضربته في حشاه راحت السكين للعزال لأجل ذاك المهر سوى هل فعال وارموني بالدل مع كثر الخيال.

 

فلما سمع حكمون هذا الكلام من الزير غضب عليه وقال له انت كذاب فقد اخبرتني قبل الان رفاقك قتلوك واليوم تقول الحصان ضربني فتكذب علي وتحرني فلو كنت من الاكارم ما جرت عليك هذه العظائم ثم صمم على قتله فتشفعت فيه اكابر دولته ووضعوه في الحبس وبقي هناك مده سنه كامله وكان يسطو على المحابيس ويأكل طعامهم فضجوا منه الناس وشكوا امرهم إلى الملك وقالوا له اذا كان هذا سايس كما يقول فاجعله يسوس الخيل لأنه يقاسمنا على طعامنا غصبا وقهرا وهذا الامر لا يطاق فدعه يشتغل ويأكل خبزه بعرق جبينه فاستدعاه الملك اليه وقال له هل انت ماهر يا موحد بساسه الخيل قال نعم فقال سلموه خيلنا فاذا وجدنا له معرفه في ذلك اكرمناه . (قال الراوي ) وكان كثيرا ما ينفرد بنفسه ويتذكر اهله وعشيرته وما هو فيه من الإهانة والاسر ويبكي ويقول يا ليت شعري ما جرى على اخلي من بعدي لان الاسير كما يخفى على الحاذق البصير بمنزله العبد الحقير ولو كان من بيت شهير وعالم نحير فكيف من تكون جناب الامير سالم الزير الذي قهر الابطال والمغاوير وشاع ذكره عند الملوك المشاهير فانه بعد ذلك العز والاحترام وعلو الجاه ورفعه المقام وقع في اسر بني إسرائيل فكان الموت عليه اهون من هذا القبيل ولكنه سلم امره إلى الله وقام ينتظر نفوذ حكمه وهو يتأمل الفرج والخلاص من شرك الاقناص ونكان قد انتخب له فرسا من اطايب الافراس كانت طويله العنق قصير هالراس واجود من القمير فرس جساس فاعتنى بتربيتها حتى حالت فأخذها إلى الشاطئ البحر وربطها هناك فخرج عليها حصان من البحر فشب عليها فراحت حامل وبعد عام ولدت مهر ادهم وكان كامل الاوصاف ململم فسماه الاخرج لخروج اباه من البحر ثم فعل معها ذلك العمل في الثاني فولدت له مهر اخر كانه الابجر حصان عنتر فسماه أبو جحلان واعتنى بهما دون باقي الخيل وكان يسوسهما في النهار والليل واستمر على تلك الحال مده اربع سنين وهو يطلب الفرج من رب العالمين .

 

حرب برجيس الصليبي مع اليهودي 

( قال الراوي ) واتفق في تلك الايام ان برجيس الصليبي أحد ملوك الاروام خارج مع احيه سمعان في مائتي الف عنان من بلاد كسروان وتلك الحدود لمحاربه حكمون اليهودي وذكر رواه الاخبار عظماء الاعصار بان مدينه حكمون كانت نفس مدينه بيروت كانت مزخرفه البنيان وكثيره الحوانيت والبيوت ولما اقترب اليها برجيس بالعساكر النصرانية نصب خيامه في الأشرفية وكتب كتابا إلى حكمون يقول فيه الملك برجيس بن ميخائيل إلى حكمون ملك بنو إسرائيل اما بعد فانك قد خالفت الشروط ولم ترسل لنا الخروج المربوط وقد مضى خمسه اعوام وانت تحاولنا بالكلام فاقتضى اننا قصدناك الان بالأبطال والفرسان كأنها مرده الجان لا تخاف طعن الرماح ولا نكل الحرب والكفاح فان دفعت الخراج المطلوب من عشر مالك توقفنا عن حربك وقتالك والا وحق من اوجد الانسان والمسيح الذي ولد بلا دنس خربنا ديارك وطفينا نارك وقلعنا اثارك وجعلنا الولايات اليهودية تابعه للأقاليم المسيحية فاسرع في رد الحرب قبل حلول العذاب ثم انه ختم الكلام بهذا الشعر والنظام : .... على ما قال برجيس الصليبي كريم الوالدين أيا وجدا شديد الباس ما بين الترابا على السادات دوما مستجدا اذل القوم في سيفي ورمحي اقد الشوش والهامات قدا انا قاصد لحكمون اليهودي فاعلمه بما قد استجدا واخبره بفرساني وجيشي وما عولت ان افغله جدا بهم من كل قوم ليث اروع يصد الخليل في الميدان صدا يريد المال ارسله سريعا وان لم يمتثل امري فردا وعشر الخيل مع عشر العذارى بنات قد زهوا وجها وقدا.

 

(قال الراوي ) ان الملك برجيس سلم الكتاب إلى قائد اسمه فرنسيس وامر ان يسير لعند حكمون فيعطيه الكتاب ويأتيه بسرعه الجواب فامتثل القائد امر مولاه وجد في قطع الفلاه إلى ان دخل البلد وقصد حكمون دون أحد فلما وصل اليه سلم واعطاه الكتاب وتمثل بين يديه وكان عند حكمون جماعه من اخيار اليهود وهم يطالعون في التوراة والتلمود ولما فض الكتاب وقراه وعرف حقيقه معناه احمرت عيناه وصاح على الرسول صوت مثل الغول وقال هكذا يكتب لي برجيس يا خبيث يا تعيس فلولا العار يا ابن الاشرار لكنت قطعت راسك واخمدت انفاسك فاذهب وقل لمولاك ان يستعد للحرب والعراك فاني لا اهابه ولا احسب حسابه فخرج فرنسيس من بين يديه وهو ينفض غبار الموت عن عينيه ثم صاح الملك حكمون على اخيه صهيون ووزيره فسمون وقال لهما استعدوا للقتال وفرقا السلاح على العساكر والابطال فقد اتتنا العساكر المسيحية والابطال النصرانية وقد عسكروا في الأشرفية  فأجاباه إلى ما امر في الحال جهز العساكر وفرقا عليها السلاح والسيوف والرماح ولما بلغ الملك برجيس كلام حكمون صار مثل المجنون وعول ثاني يوم على الحرب والصدام .

 

( قال الراوي ) وعند اشراق الصباح استعد حكمون للحرب والكفاح فخرج من البلاد بالعساكر والعدد وحوله الكهنة والاحبار وهم يتلون التوراة والاسفار املا بالفوز والانتصار وكان برجيس قد ركب في ذلك النهار بذلك الجيش وتقدم طالبا القلاع والاسوار بقوة واقتدار وعلى راسه البيارق والصلبان ومن حوله القسوس والرهبان وهم يتلون الزبور و الانجيل بالتنغيم و التهليل ولما التقى العسكران تقاتل الجمعان في ساحة الميدان ولتقت الفرسان النصرانية بالأبطال الإسرائيلية في تلك البرهة وهجموا على بعضهم هجمات قوية وتضاربوا بالسيوف المشرفية وكانت الامة العيسوية قد فتكت بالغصبه العبرانية واذاقتها في ذلك اليوم من الاهوال اعظم بليه وقتلت مقتلتاً عظيمة وفيه رجع حكمون وهو يتأسف ويتلهف على حل ما بعسكره من الويل و التلف ودخل إلى البلد مع الجيش وأغلق الابواب وقصد القصر وهو خارج عن دائرة الصواب ونزل برجيس خارج المدينة وكان قد أمتلك ذلك النهار ثلاثة قلاع حصينة .

 

( قال الراوي ) وكان المهلهل قد سمع صياح القوم فسأل عن الخبر فأعلموه بواقعه الحال فتاقت نفسة إلى القتال ومصادمة الأبطال فأخذ قصبه بيده وصعد إلى السور ليشاهد تلك الامور وكان ذلك المكان بقرب قصر حكمون فنظر القوم وهم يقاتلون فكان كلما نظر النصارى غلبوا أو ظفروا يقول لليهود تقدموا ولا تنكسروا وكان يهدر كالرعد القاصف أو كالريح العاصف وهو راكب على الحيط كما يركب الحصان ويضربه برجلية ويصيح على الفرسان وأستمر على تلك الحال إلى أن رجع حكمون إلى البلد وهو في غم ونكد وكان لحكمون بنت كالقمر أسمها [ ستير ] نظرت من الشباك أفعال الزير فتعجبت من أفعاله وغريب أعماله . فلما رجع أبوها سألته عن حالته وما جرى له في قتاله فاعلمها بواقعة الحال انتصار النصارى في القتال فبعد ذلك أخبرته أبنته [استير ] بما رأته في ذلك اليوم من أعمال الزير وقالت: إذا كانت اعماله صحيحة فأنه يكسر هذا العسكر ويذيقه الموت الاسمر ثم اشارت تقول :

 

تقول ستير أسمع من كلامي نظرت اليوم في عيني العجائب

نظرت اليوم من هذا الموحد فعال قد تعيد الرأس شايب

فلما دقت الطبل النصارى وقد هجمت عسكرها تحارب

والتقت العساكر بالعساكر وراح السيف يعمل في المناكب

فقد ابصرت احوال الموحد غرائب قد فعلها من عجائب

ركب للحيط سواه حصانه كانه يا ابي قاصد يحارب

ويزعق ثم يلكز في كعابه إلى أن قد جرى دمه سكايب

ويهدر مثل ليث أروع ترج الارض منه والكتائب

يريد الحيط يطلع فيه يغزى وقلبه للقا والحرب طالب

اذا ولت رجالك قال باطل وان ولت عداك قال طالب

ينخي الناس واحد بعد واحد قتل روحه وهو الحيط راكب

فهذا قد نظرته اليوم حقا من الصبح إلى وقت المغارب

فلا أدري أهو عاقل صميدع ولا أدري أم مجنون خائب

 

( قال الراوي ) فلما فرغت ستير من شعرها ونظامها وفهم ابوها فحوى كلامها اراد ان يستدعيه اليه فقالت له من الصواب ان يركب أخوك نهار غد ويقاتل العدا وان تبقى في القصر فلعله يفعل كما فعل بالأمس فتشاهد أعماله وتختبر احواله فليس الخبر كمشاهدة النظر فاستصوب كلامها وبات تلك الليلة في قلق وضجر ولما اصبح الصباح أمر أخاه أن يركب بالعسكر ويخرج لقتال النصارى فركب أخوه في عسكر اليهود وانتشرت على راسه الرايات والبنود فالتقته جموع النصارى مثل الاسود وصياح الابطال وهمهمة الرجال واشتد بينهم القتال وعظمت الاهوال وجرى الدم وسال فلما سمع الزير التهب قلبه بنار الاشتعال فصعد على السور وهو حزين النفس وفعل كما فعل بالأمس وكان كثيرا يقول يالثارات كليب من جساس المخذول وهو ينخى القوم ويقول اليوم ولا كل يوم وكان حكمون ينظر اليه مع ابنته فتعجب من فعله وهول صورته فأمرها أن تناديه ليحضر أمام دولته فنادته فالتقت اليها ولباها وقد تعجب من حسن رؤياها قالت ابي يدعوك أن تحضر اليه فنزل وصعد إلى القصر ودخل على الملك وسلم عليه وقبل الارض بين يديه فقال له حكمون ان كنت قادر على ما تقول وانت من الفرسان الفحول فانزل وقاتل هنا في هذا النهار المهول فان لنا عليك جميل وأفضال وأن كسرت الاعداء بلغناك الآمال وأغنيناك بالمال وأطلقناك من الاسر والاعتقال . فأمر الملك بأن يعطوه جوادا من أطايب الخيل ودرعا وسيفا فأتوا له بجواد فقال لهم هذا لا يحملني ثم أتكى عليه بيده فكسر أضلاعه فأتوا له بآخر جواد ففعل به كذلك ومازال على تلك الحال حتى قتل عشرة خيول فتعجب الملك من قوة بأسه وشدة مراسه ثم أتوا له بعدة حرب وجلاد ففعل كذلك إلى ان أتوه بعدة حرب الملك حكمون فلبسها وكانت من أحسن العدد وأعتقل بالزبر والكس المهند وركب على ظهر حصانه الاخرج الذي كان ينتظر منه الفرج وأخذ في يمينه الرمح الاسمر والتفت على حكمون وقال اليوم تنظر فعالي وتعاين حربي وقتالي وتذكرني على طول الدوام ايها الملك الهمام ثم أنه لكز الحصان وقوم السنان وانطلق إلى ساحة الميدان بقلب أقوى من الصوان وقد هان عليه الموت تحت أرجل الخيل عند بلوغ القصد والمأمول وكانت النصارى قد كسرت اليهود وفتكت بهم فتك الاسود فلما رأى المهلهل تلك الحالة استعد للحرب والقتال وتقدم صهيون أخو الملك حكمون وقال شدوا عزمكم وقاتلوا خصمكم ثم خاض المجال وطلب الميسرة في الحال وقاتل فمدد أكثرها على الرمال وتأخرت عنه الرجال ورأت النصارى تلك الفعال فاعتراها الانذهال وهجموا عليه من اليمين والشمال فأبلاهم بالذل والويل وقتل جماعة من فرسان الخيل وكان كلما كثرت عليه الكتائب وضايقته العساكر والمواكب يتذكر أخوه كليب الاسد الغالب فيهاجم هجوم السباع ولا يخاف ولا يرتاع فعند ذلك تأخرت عنه الفرسان وتوقفت عن قتاله الفرسان وتوقفت عن قتاله الفرسان وكان برجيس من فرسان المعارك فلما بلغه ذلك نما غيظه وزاد وهجم بالعساكر والاجناد طالبا ساحة الميدان ومن حوله القسوس والرهبان وعلى راسه الرايات والألوية فلما اقتربت من تلك الناحية وقعت عينه على صهيون أخو الملك حكمون فتقدم الارض قتيلا وفي دمه جديلا فعند ذلك ضجت طوائف اليهود ولما رأوا أميرهم مفقود فاستغاثوا بالتوراة والتلمود فالتقاهم برجيس كالنمرود وقتل منهم كل فارس معدود وكان المهلهل يقاتل من بعيد الفرسان الصناديد ويمددها على وجه الصعيد فلما رأى طوائف اليهود متأخرة بعد ان كانت ظافرة وهم يصيحون ويندبون على فقد صهيون فلما عرف بالظن الطوية أخذته الغيرة والحميه فقصد الملك برجيس إلى ذلك المكان وفي الطريق التقى بأخيه سمعان وهو ينخى الابطال والفرسان فهجم عليه هجمه الاسد وضربه بالسيف المهند القاه على وجه الارض يختبط بعضه ببعض فلما قتل الامير سمعان حمل جيش النصارى على الزير من كل مكان عند ذلك دقت النواقيس وحمل أيضا برجيس وتبعه كل أسقف وقسيس . ولما رأت اليهود أفعال المهلهل أيقنت ببلوغ الامل فارتدت إلى قدام بعد ذلك الانهزام التقت الرجال بالرجال والابطال بالأبطال وعظمت الاهوال ومازالوا على تلك الحال إلى ان ولى النهار وأقبل الليل بالاعتكار فافترقوا عن بعضهم البعض وزالت كل قبيله في ناحية من الارض.

 

( قال الراوي ) وكان الملك برجيس قد صعب عليه قتل أخيه سمعان وندم على مجيئه إلى تلك الاوطان وكذلك استعظم حكم قتل أخيه صهيون فكانت مصيبة عظيمة على الملكين وداهيه جسيمة على الفريقين ولما أصبح الصباح واشرق بنورة ولاح ركبت العساكر واصطفت وانقسمت إلى ميامن ومياسر فتقاتلوا بالرماح والخناجر والسيوف البواتر فكان الزير كالأسد الكاسر وجرى للأبطال في ذلك اليوم من الاهوال ما يشيب رؤوس الاطفال واستمروا على تلك الحال وهم في اشد قتال وخصام عشرة ايام على التمام وكان الزير قد فتك فتكا عظيما وقتل من النصارى عددا من الملوك الكبار أصحاب السطوة والاقتدار أمره نافذ في جميع الاقطار فخاف من الانكسار والوقوع بيد المهلهل الجبار فجمع اركان دولته ووزراء مملكته وعقدوا بينهم ديوانا فاستقر رأيهم على المصالحة وتوقيف الحرب بعد المصادقة والمصالحة وأن يرحلوا بأمان من الاوطان ويبقوا مع حكمون كالأصحاب والاخوان على طول الزمان ثم ان الملك برجيس ارسل إلى حكمون بعض وزرائه المعتبرين يعلمه بذلك ويأتيه بالخبر اليقين فسار الوزير إلى عند الملك حكمون وأعلمه بواقعة الحال ففرح حكمون وباقي الامه العبرانية لانهم كانوا يخافون سطوة الملوك النصرانية فأجابه إلى المطلوب وحمد الله الذي اناله من غوائل الحروب وهكذا تم الانفاق ووقع الصلح والوفاق ورجع برجيس من تلك الافاق بمن معه من الرفاق بعد ان رتب على الملك حكمون مالا معلوما يدفعه كل سنة إلى خزينة الملك. .

 

( قال الراوي ) وعظمت منزلة الزير عند حكمون وقال مثلك تكون الفرسان فأنت اليوم عندي كالولد وأعز من الروح في الجسد فلولاك كنت في حال تعيس واستولى علينا الملك برجيس وكانت الاميرة ستير قد شاهدت افعال الزير فأثنت عليه وقد مال قلبها اليه ثم قالت لأعد مناك ايها النحرير فانك تستحق الاكرام والخلع وكان الملك قد مال اليه كل الميل فقدمه عن جميع فرسان الخيل ورفع منزلته على الكبير والصغير ولقبه بالأمير وانعم عليه بنشان من الماس ليمتاز به على كبار الناس واكرمه غاية الاكرام واجلسه على سفرة الطعام ولما فرغوا من الاكل وشرب المدام قال له الملك تمنى علي ايها الامير والسيد الخطير فمهما طلبت أعطيتك أياه بدون تأخير فطلب منه الزير أن يعطيه السيف والدرع والمهر الاخرج وأعلم حكمون بنفسه وطلب منه ان يجهز له سفينه ويرسله إلى مدينة حيفا ومن هناك يسير وحده إلى مرج بني عامر محل اقامته لان نفسه اشتاقت إلى اهله وعشيرته فلما سمع حكمون بواقعة حاله وانه المهلهل زاد مقامه عنده وقال له هذه بلادي وما أملك واموالي بين يديك فأقيم عندنا طول عمرك فأننا والله لان نسى جميلك ومعروفك قال الزير لابد لي من الذهاب لأنني لحد الان ما أخذت بثأري ولا طفيت من العدا لهيب ناري عند ذلك أهداه الحصان الاخرج وأعطاه السيف والرمح وعدة الحرب وجهز له مركبا من أحسن المراكب وأمر القبطان بمداراته وامتثال اوامره وانه بعد ان يرجع له عند الوداع الله يبلغك آمالك فلا تقطع عنا أخبارك فسلم عليه المهلهل ودعا له بطول العمر ثم رجع حكمون إلى المدينة وسافر المركب بالتهليل وفي اليوم الرابع أشرقت السفينة إلى ميناء حيفا والقت مرساها ونزل المهلهل إلى البلد وبقي الحصان في المركب وأمر القبطان ان يحافظ عليه لوقت الطلب ومن هناك تسربل بالسلاح تحت الثياب وقصد دياره فالتقى بطراف ان ناصر وهو حافي عريان وقد كان من الاعيان ومن أصحاب الزير فأقبل اليه وسلم عليه فرد الزير السلام ثم عرفه بنفسه وأخبره بما جرى عليه من الاول إلى الاخر فقال أهلا وسهلا بقدومك علينا فوالله كنا قد قطعنا الامل من سلامتك فالحمد لله على اجتماعنا فقم بنا إلى ربعن حتى ننظر أهلك لانهم دائما في ذكرك فقال الزير اني لا أذهب إلى هناك حتى اذهب إلى حي بني مرة وانظر باقي قومنا الذين التجأوا إلى جساس فسر معي إلى هناك فسار ناصر معه وهو فرحان وجدا في مسيرهما حتى وصلا إلى أحياء بني مرة فالتقيا بالأمير سالم المهيأ قاصدا الصيد مع جماعته .