كتاب الإيمان

(‏1‏)‏ باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم

وبيان الدليل على التبري ممن لا يؤمن بالقدر، وإغلاظ القول في حقه‏.‏

قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري رحمه الله‏:‏ بعون الله نبتدئ‏.‏ وإياه نستكفي‏.‏ وما توفيقنا إلا بالله جل جلاله‏.‏

1 - ‏(‏8‏)‏ أبو خيثمة زهير بن حرب‏.‏ حدثنا وكيع، عن كهمس، عن عبدالله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر‏.‏ ح وحدثنا عبيدالله بن معاذ العنبري‏.‏ وهذا حديثه‏:‏ حدثنا أبي‏.‏ حدثنا كهمس، عن ابن بريدة، عن يحيى بن يعمر؛ قال‏:‏ كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني‏.‏ فانطلقت أنا وحميد بن عبدالرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا‏:‏ لو لقينا أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر‏.‏ فوفق لنا عبدالله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد‏.‏ فاكتنفته أنا وصاحبي‏.‏ أحدنا عن يمينه والأخر عن شماله‏.‏ فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي‏.‏ فقلت‏:‏ أبا عبدالرحمن‏!‏ إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم‏.‏ وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر‏.‏ وأن الأمر أنف‏.‏ قال‏:‏ فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني‏.‏ والذي يحلف به عبدالله بن عمر‏!‏ لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر‏.‏ ثم قال‏:‏ حدثني أبي عمر بن الخطاب، قال‏:‏ بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب‏.‏ شديد سواد الشعر‏.‏ لا يرى عليه أثر السفر‏.‏ ولا يعرفه منا أحد‏.‏ حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فاسند ركبتيه إلى ركبتيه‏.‏ ووضع كفيه على فخذيه‏.‏ وقال‏:‏ يا محمد‏!‏ أخبرني عن الإسلام‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وتقيم الصلاة‏.‏ وتؤتي الزكاة‏.‏ وتصوم رمضان‏.‏ وتحج البيت، إن استطعت إليه سبيلا‏"‏ قال‏:‏ صدقت‏.‏ قال فعجبنا له‏.‏ يسأله ويصدقه‏.‏ قال‏:‏ فأخبرني عن الإيمان‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر‏.‏ وتؤمن بالقدر خيره وشره‏"‏ قال‏:‏ صدقت‏.‏ قال‏:‏ فأخبرني عن الإحسان‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏أن تعبد الله كأنك تراه‏.‏ فإن لم تكن تراه، فإنه يراك‏"‏‏.‏ قال‏:‏ فأخبرني عن الساعة‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ما المسؤول عنها بأعلم من السائل‏"‏ قال‏:‏ فأخبرني عن أمارتها‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏أن تلد الأمة ربتها‏.‏ وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان‏"‏‏.‏ قال ثم انطلق‏.‏ فلبثت مليا‏.‏ ثم قال لي‏:‏ ‏"‏يا عمر‏!‏ أتدري من السائل‏؟‏‏"‏ قلت‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم‏"‏‏.‏

‏[‏ش ‏(‏أول من قال بالقدر‏)‏ معناه أول من قال بنفي القدر فابتدع وخالف الصواب الذي عليه أصل الحق‏.‏ ويقال القدر والقدر، لغتان مشهورتان‏.‏
واعلم أن مذهب أهل الحق إثبات القدر‏.‏ ومعناه أن الله تبارك وتعالى قدر الأشياء في القدم، وعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعال وعلى صفات مخصوصة‏.‏ فهي تقع على حسب ما قدرها سبحانه وتعالى‏.‏ ‏(‏فوفق لنا‏)‏ معناه جعل وفقا لنا‏.‏ وهو من الموافقة التي هي كالالتحام‏.‏ يقال أتانا لِتـِيفاق الهلال وميفاقه، أي حين أهل، لا قبله ولا بعده‏.‏ وهي لفظة تدل على صدق الاجتماع والالتئام‏.‏ ‏(‏فاكتنفته أنا وصاحبي‏)‏ يعني صرنا في ناحيتيه‏.‏ وكنفا الطائر‏:‏ جناحاه‏.‏ ‏(‏ويتقفرون العلم‏)‏ ومعناه يطلبونه ويتبعونه‏.‏ وقيل معناه يجمعونه‏.‏ ‏(‏وذكر من شأنهم‏)‏ هذا الكلام من كلام بعض الرواة الذين دون يحيى بن يعمر‏.‏ يعني وذكر ابن يعمر من حال هؤلاء، ووصفهم بالفضيلة في العلم والاجتهاد في تحصيله والاعتناء به‏.‏ ‏(‏وإن الأمر أنف‏)‏ أي مستأنف، لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى‏.‏ وإنما يعلمه بعد وقوعه‏.‏ ‏(‏ووضع كفيه على فخديه‏)‏ معناه أن الرجل الداخل وضع كفيه على فخدي نفسه‏.‏ وجلس على هيئة المتعلم‏.‏ ‏(‏فعجبنا له يسأله ويصدقه‏)‏ سبب تعجبهم أن هذا خلاف عادة السائل الجاهل‏.‏ إنما هذا كلام خبير بالمسئول عنه، ولم يكن في ذلك الوقت من يعلم ذلك غير النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏(‏الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه الخ‏)‏ قال القاضي عياض رحمه الله‏:‏ هذا الحديث قد اشتمل على شرح جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة، من عقود الإيمان وأعمال الجوارح وإخلاص السرائر والتحفظ من آفات الأعمال حتى إن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه‏.‏ ‏(‏أمارتها‏)‏ الأمارة والأمار، بإثبات الهاء وحذفها هي العلامة‏.‏ ‏(‏ربتها‏)‏ في الرواية الأخرى ربها، على التذكير، وفي الأخرى بعلها، وقال‏:‏ يعين السراري‏.‏ ومعنى ربها وربتها، سيدها ومالكها وسيدتها ومالكتها‏.‏ ‏(‏العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان‏)‏ أما العالة فهم الفقراء‏.‏ والعائل الفقير‏.‏ والعيلة الفقر‏.‏ وعال الرجل يعيل عيلة، أي افتقر‏.‏ والرعاء ويقال فيهم‏:‏ رعاة، ومعناه أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان‏.‏ ‏(‏فلبث مليا‏)‏ هكذا ضبطناه من غير تاء، وفي كثير من الأصول المحققة لبثت، بزيادة ياء المتكلم‏.‏ وكلاهما صحيح‏.‏ ‏(‏مليا‏)‏ أي وقتا طويلا‏]‏‏.‏

2 - ‏(‏8‏)‏ حدثني محمد بن عبيد الغبري، وأبو كامل الجحدري، وأحمد بن عبدة‏.‏ قالوا‏:‏ حدثنا حماد بن زيد، عن مطر الوراق، عن عبدالله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر؛  قال‏:‏ لما تكلم معبد بما تكلم به في شأن القدر، أنكرنا ذلك‏.‏ قال فحججت أنا وحميد بن عبدالرحمن الحميري حجة‏.‏ وساقوا الحديث‏.‏ بمعنى حديث كهمس وإسناده‏.‏ وفيه بعض زيادة ونقصان أحرف‏.‏

‏[‏ش ‏(‏حجة‏)‏ هي بكسر الحاء وفتحها لغتان‏.‏ فالكسر هو المسموع من العرب‏.‏ والفتح هو القياس‏]‏‏.‏

3 - ‏(‏8‏)‏ وحدثني محمد بن حاتم‏.‏ حدثنا يحيى بن سعيد القطان‏.‏ حدثنا عثمان بن غياث‏.‏ حدثنا عبدالله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر، وحميد بن عبدالرحمن؛  قالا‏:‏ لقينا عبدالله بن عمر‏.‏ فذكرنا القدر وما يقولون فيه‏.‏ فاقتص الحديث كنحو حديثهم‏.‏ عن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه شيء من زيادة، وقد نقص منه شيئا‏.‏

4 - ‏(‏8‏)‏ وحدثني حجاج بن الشاعر‏.‏ حدثنا يونس بن محمد‏.‏ حدثنا المعتمر عن أبيه، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عمر، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحو حديثهم‏.‏

5 - ‏(‏9‏)‏ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب‏.‏ جميعا عن ابن علية، قال زهير‏:‏ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أبي حيان، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏  كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بارزا للناس فأتاه رجل فقال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ ما الإيمان‏؟‏ قال ‏"‏أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث الآخر‏"‏ قال يا رسول الله‏!‏ ما الإسلام‏؟‏ قال‏"‏ الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا‏.‏ وتقيم الصلاة المكتوبة‏.‏ وتؤدي الزكاة المفروضة‏.‏ وتصوم رمضان‏"‏‏.‏ قال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ ما الإحسان‏؟‏ قال ‏"‏أن تعبد الله كأنك تراه‏.‏ فإنك إن لا تراه فإنه يراك‏"‏‏.‏ قال‏:‏ يا رسول الله ‏!‏ متى الساعة‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ما المسؤول عنها بأعلم من السائل‏.‏ ولكن سأحدثك عن أشرا طها إذا ولدت الأمة ربها فذاك من أشراطها‏.‏ وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس فذاك من أشراطها‏.‏ وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان فذاك من أشراطها‏.‏ في خمس لا يعلمهن إلا الله‏"‏ ثم تلا صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير‏}‏‏.‏ ‏[‏31- سورة لقمان، آية 34‏]‏
قال ثم أدبر الرجل‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ردوا على الرجل‏"‏ فأخذوا ليردوه فلم يروا شيئا‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏هذا جبريل‏.‏ جاء ليعلم الناس دينهم‏"‏
‏[‏ش ‏(‏بارزا‏)‏ أي ظاهرا ومنه قوله تعالى‏:‏ وترى الأرض بارزة ‏[‏الكهف، 47‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وبرزوا لله جميعا‏}‏ ‏[‏إبراهيم، 21‏]‏ ‏(‏أشراطها‏)‏ واحدها شرط‏.‏ والأشراط العلامات، وقيل مقدماتها‏.‏ وقيل صغار أمورها قبل تمامها‏.‏ وكله متقارب‏.‏ ‏(‏البهم‏)‏ الصغار من أولاد الغنم، الضأن والمعز جميعا‏.‏ وقيل أولاد الضأن خاصة، واقتصر عليه الجوهري في صحاحه ‏.‏ والواحدة بهيمة‏.‏ وهي تقع على المذكر والمؤنث‏]‏‏.‏
6 - ‏(‏9‏)‏ حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير‏.‏ حدثنا محمد بن بشر‏.‏ حدثنا أبو حيان التيمي، بهذا الإسناد، مثله‏.‏ غير أن في روايته ‏"‏إذا ولدت الأمة بعلها‏"‏ يعني السراري‏.‏
‏[‏ش ‏(‏السراري‏)‏ هو بتشديد الياء ويجوز بتخفيفها‏.‏ لغتان معروفتان‏.‏ الواحدة سرية، بالتشديد لا غير‏.‏ والسرية الجارية المتخذة للوطء، مأخوذة من السر وهو النكاح‏]‏‏.‏


7 - ‏(‏10‏)‏ حدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا جرير‏.‏، عن عمارة ‏(‏وهو ابن القعقاع‏)‏، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏سلوني فهابوه أن يسألوه‏.‏ فجاء رجل فجلس عند ركبتيه‏.‏ فقال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ ما الإسلام‏؟‏ قال ‏"‏لا تشرك بالله شيئا‏.‏ وتقيم الصلاة‏.‏ وتؤتى الزكاة‏.‏ وتصوم رمضان‏"‏ قال‏:‏ صدقت‏.‏ قال‏:‏ يا رسول الله ‏!‏ ما الإيمان‏؟‏ قال ‏"‏أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتابه، ولقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث، وتؤمن بالقدر كله‏"‏ قال‏:‏ صدقت‏.‏ قال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ ما لإحسان‏؟‏ قال ‏"‏أن تخشى الله كأنك تراه‏.‏ فإنك إن لا تكن تراه فإنه يراك‏"‏ قال صدقت‏.‏ قال ‏:‏ يا رسول الله‏!‏ متى تقوم الساعة‏؟‏ قال‏"‏ ما المسئول عنها بأعلم من السائل‏.‏ وسأحدثك عن أشراطها‏.‏ إذا رأيت المرأة تلد ربها فذاك من أشراطها‏.‏ وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها‏.‏ وإذا رأيت رعاء البهم يتطاولون في البنيان فذاك من أشراطها‏.‏ في خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله‏.‏ ثم قرأ‏:‏ ‏{‏إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير‏}‏‏.‏ ‏[‏31/ سورة لقمان، آية 34‏]‏
قال ثم قام الرجل‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ردوه على‏"‏ فالتمس فلم يجدوه‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏هذا جبريل أراد أن تعلموا‏.‏ إذا لم تسألوا‏"‏‏.‏

‏[‏ش ‏(‏الصم البكم‏)‏ المراد بهم الجهلة السفلة الرعاع‏.‏ كما قال سبحانه وتعالى‏:‏ صم بكم عمى‏.‏ ‏[‏البقرة، 18‏]‏ أي لما لم ينتفعوا بجوارحهم هذه فكأنهم عدموها‏.‏ هذا هوا الصحيح في معنى الحديث‏.‏ ‏(‏تعلموا‏)‏ ضبطناه على وجهين‏:‏ تعلموا، أي تتعلموا‏.‏ والثاني تعلموا‏.‏ وهما صحيحان‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏2‏)‏ باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام
8 - ‏(‏11‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبدالله الثقفي، عن مالك بن أنس ‏(‏فيما قرئ عليه‏)‏، عن أبي سهل، عن أبيه؛ أنه سمع طلحة بن عبيدالله يقول‏:‏
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد‏.‏ ثائر الرأس‏.‏ نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول‏.‏ حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فإذا هو يسأل عن الإسلام‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏خمس صلوات في اليوم والليلة‏"‏ فقال‏:‏ هل علي غيرهن‏؟‏ قال ‏"‏لا‏.‏ إلا أن تطوع‏.‏ وصيام شهر رمضان‏"‏ فقال‏:‏ هل علي غيره‏؟‏ فقال ‏"‏لا‏.‏ إلا أن تطوع‏"‏ وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة‏.‏ فقال‏:‏ هل علي غيرها‏؟‏ قال‏"‏ لا‏.‏ إلا أن تطوع‏"‏ قال، فأدبر الرجل وهو يقول‏:‏ والله‏!‏ لا أزيد على هذا ولا أنقص منه‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أفلح إن صدق‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ثائر‏)‏ هو برفع ثائر، صفة لرجل‏.‏ وقيل يجوز نصبه على الحال‏.‏ ومعنى ثائر الرأس، قائم شعره منتفشه‏.‏ ‏(‏نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول‏)‏ روى نسمع ونفقه، بالنون المفتوحة فيهما‏.‏ وروى يسمع ويفقه‏.‏ والأول هو الأشهر الأكثر الأعرف‏.‏ وأما دوي صوته فهو بعده في الهواء‏.‏ ومعناه شدة صوت لا يفهم‏.‏ ‏(‏أفلح إن صدق‏)‏ قيل‏:‏ هذا الفلاح راجع إلى قوله‏:‏ لا أنقص خاصة‏.‏ والأظهر أنه عائد إلى المجموع‏.‏ بمعنى أنه إذا لم يزد ولم ينقص كان مفلحا‏.‏ لأنه أتى بما عليه‏.‏ ومن أتى بما عليه فهو مفلح‏.‏ وليس في هذا أنه إذا أتى بزائد لا يكون مفلحا‏.‏ لأن هذا مما يعرف بالضرورة فإنه لإذا أفلح بالواجب، فلأن يفلح بالواجب والمندوب أولى‏]‏‏.‏
9 - ‏(‏11‏)‏ حدثن يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد‏.‏ جميعا عن إسماعيل بن جعفر، عن أبي سهيل، عن أبيه، عن طلحة بن عبيدالله، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ بهذا الحديث‏.‏ نحو حديث مالك‏.‏ غير أنه قال‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
‏"‏أفلح، وأبيه، إن صدق‏"‏ أو ‏"‏دخل الجنة، وأبيه، إن صدق‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏3‏)‏ باب السؤال عن أركان الإسلام
10 - ‏(‏12‏)‏ حدثني عمرو بن محمد بن بكير الناقد‏.‏ حدثنا هاشم بن القاسم أبو النضر‏.‏ حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس بن مالك؛ قال‏:‏
نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء‏.‏ فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية‏.‏ العاقل‏.‏ فيسأله ونحن نسمع‏.‏ فجاء رجل من أهل البادية‏.‏ فقال‏:‏ يا محمد‏!‏ أتانا رسولك‏.‏ فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏صدق‏"‏ قال‏:‏ فمن خلق السماء‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏فمن خلق الأرض‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الله‏"‏ قال‏:‏ فمن نصب هذه الجبال، وجعل فيها ما جعل‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏الله‏"‏ قال‏:‏ فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم‏"‏ قال‏:‏ وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏صدق‏"‏ قال‏:‏
فبالذي أرسلك‏.‏ آلله أمرك بهذا‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم‏"‏ قال‏:‏ وزعم رسولك أن علينا زكاة أموالنا ‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏صدق‏"‏ قال‏:‏ فبالذي أرسلك‏.‏ آلله أمرك بهذا‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ نعم‏"‏ قال‏:‏ وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا‏.‏ قال
‏"‏صدق‏"‏ قال‏:‏ فبالذي أرسلك‏.‏ آلله أمرك بهذا‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ نعم‏"‏ قال‏:‏ وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏صدق‏"‏ قال‏:‏ ثم ولى قال‏:‏ والذي بعثك بالحق‏!‏ لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن‏.‏ فقال‏:‏ النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏لئن صدق ليدخلن الجنة‏"‏‏.‏
‏[‏ش‏(‏العاقل‏)‏ لكونه أعرف بكيفية السؤال وآدابه والمهم منه‏.‏ وحسن المراجعة‏.‏ فإن هذه أسباب عظم الانتفاع بالجواب‏.‏ ولأن أهل البادية هم الأعراب‏.‏ ويغلب فيهم الجهل والجفاء‏.‏ والبادية والبدو بمعنى‏.‏ وهو ما عدا الحاضرة والعمران‏.‏ والنسبة إليها بدوي، والبداوة الإقامة بالبادية‏.‏ وهي بكسر الباء عند جمهور أهل اللغة‏.‏ ‏(‏زعم رسولك‏)‏ قوله زعم وتزعم مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه، دليل على أن زعم ليس مخصوصا بالكذب والقول المشكل فيه‏.‏ بل يكون أيضا في القول المحقق والصدق الذي لا شك فيه‏.‏ ‏(‏فمن خلق السماء الخ‏)‏ هذه جملة تدل على أنواع من العلم‏.‏ قال صاحب التحرير‏:‏ هذا من حسن سؤال هذا الرجل وملاحة سياقته وترتيبه‏.‏ فإن سأل أولا عن صانع المخلوقات من هو‏؟‏ ثم أقسم عليه به أن يصدقه في كونه رسولا للتأكيد وتقرير الأمر‏.‏ لا لافتقاره إليها‏.‏ كما أقسم الله تعالى على أشياء كثيرة‏]‏‏.‏
11 - ‏(‏12‏)‏ حدثني عبدالله بن هاشم العبدي‏.‏ حدثنا بهز‏.‏ حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت؛ قال‏:‏ قال أنس‏:‏
كنا نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء‏.‏ وساق الحديث بمثله‏.‏
*3* ‏(‏4‏)‏ باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة
12 - ‏(‏13‏)‏ حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ حدثنا عمرو بن عثمان‏.‏ حدثنا موسى بن طلحة‏.‏ قال‏:‏ حدثني أبو أيوب؛ أن أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر‏.‏ فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها‏.‏ ثم قال‏:‏
يا رسول الله‏!‏ أو يا محمد‏!‏ أخبرني بما يقربني من الجنة وما يباعدني من النار‏.‏ قال‏:‏ فكف النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ثم نظر في أصحابه‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏لقد وفق أو لقد هدي‏"‏ قال ‏"‏كيف قلت‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ فأعاد‏.‏ فقال
النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏تعبد الله لا تشرك به شيئا‏.‏ وتقيم الصلاة‏.‏ وتؤتي الزكاة‏.‏ وتصل الرحم‏.‏ دع الناقة‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها‏)‏ هما بكسر الخاء والزاي‏.‏ قال الهروي في الغريبين‏:‏ قال الأزهري‏:‏ الخطام هو الذي يخطم به البعير‏.‏ وهو أن يؤخذ حبل من ليف أو شعر أو كتان فيجعل في أحد طرفيه حلقة يسلك فيها الطرف الآخر، حتى يصبر كالحلقة‏.‏ ثم يقلد البعير، ثم يثني على مخطمه‏.‏ فإذا ضفر من الأدم فهو جرير‏.‏ فأما الذي يجعل في الأنف دقيق فهو الزمام‏.‏ هذا كلام الهروي عن الأزهري‏.‏ وقال صاحب المطالع‏:‏ الزمام للإبل ما تشد به رؤوسها من حبل وسير ونحوه، لتقاد‏.‏ ‏(‏لقد وفق هذا‏)‏ قال أصحابنا المتكلمون‏:‏ التوفيق خلق قدرة الطاعة‏.‏ والخذلان خلق قدرة المعصية‏.‏ ‏(‏وتصل الرحم‏)‏ أي تحسن إلى أقاربك ذوي رحمك بما تيسر على سبيلك حالك وحالهم‏.‏ من إنفاق أو سلام أو زيادة، أو طاعتهم أو غير ذلك‏.‏ ‏(‏دع الناقة‏)‏ إنما قاله لأنه كان ممسكا بخطامها أو زمامها ليتمكن من سؤاله بلا مشقة‏.‏ فلما حصل جوابه قال‏:‏ دعها‏]‏‏.‏
13 - ‏(‏13‏)‏ وحدثني محمد بن حاتم، وعبدالرحمن بن بشر؛ قالا‏:‏ حدثنا بهز‏.‏ حدثنا شعبة‏.‏ حدثنا محمد بن عثمان بن عبدالله بن موهب، وأبوه عثمان؛ أنهما سمعا موسى بن طلحة يحدث عن أبي أيوب، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ بمثل هذا الحديث‏.‏
14 - ‏(‏13‏)‏ حدثنا يحيى بن يحيى التيمي‏.‏ أخبرنا أبو الأحوص‏.‏ ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن موسى بن طلحة، عن أبي أيوب؛ قال‏:‏
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال‏:‏ دلني على عمل أعمله يدنيني من الجنة ويباعدني من النار‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏تعبد الله لا تشرك به شيئا‏.‏ وتقيم الصلاة‏.‏ وتؤتي الزكاة‏.‏ وتصل رحمك‏"‏ فلما أدبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن تمسك بما أمر به دخل الجنة‏"‏ ‏.‏ وفي الرواية ابن أبي شيبة ‏"‏إن تمسك به‏"‏‏.‏
15 - ‏(‏14‏)‏ وحدثني أبو بكر بن إسحاق‏.‏ حدثنا عفان‏.‏ حدثنا وهيب‏.‏ حدثنا يحيى بن سعيد، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة؛ أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏
يا رسول الله‏!‏ دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏تعبد الله لا تشرك به شيئا‏.‏ وتقيم الصلاة المكتوبة‏.‏ وتؤدي الزكاة المفروضة‏.‏ وتصوم رمضان‏"‏ قال‏:‏ والذي نفسي بيده‏!‏ لا أزيد على هذا شيئا أبدا، ولا أنقض منه‏.‏ فلما ولى، قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا‏"‏‏.‏
16 - ‏(‏15‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب‏.‏ واللفظ لأبي كريب‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر؛ قال‏:‏
أتى النبي صلى الله عليه وسلم النعمان بن قوقل فقال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أرأيت إذا صليت المكتوبة‏.‏ وحرمت الحرام‏.‏ وأحللت الحلال‏.‏ أأدخل الجنة‏؟‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏نعم‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏وحرمت الحرام وأحللت الحلال‏)‏ قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى‏:‏ الظاهر أنه أراد به أمرين أن يعتقده حراما، وأن لا يفعله‏.‏ بخلاف تحليل الحلال، فإنه يكفي فيه مجرد اعتقاده حلالا‏]‏‏.‏
17 - ‏(‏15‏)‏ وحدثني حجاج بن الشاعر، والقاسم بن زكرياء‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا عبيدالله بن موسى، عن شيبان، عن الأعمش، عن أبي صالح، وأبي سفيان، عن جابر؛ قال‏:‏
قال النعمان بن قوقل‏:‏ يا رسول الله‏!‏ بمثله‏.‏ وزادا فيه‏:‏ ولم أزد على ذلك شيئا‏.‏
18 - ‏(‏15‏)‏ وحدثني سلمة بن شبيب‏.‏ حدثنا الحسن بن أعين‏.‏ حدثنا معقل ‏(‏وهو ابن عبيدالله‏)‏ عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏
أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات وصمت رمضان‏.‏ وأحللت الحلال وحرمت الحرام‏.‏ ولم أزد على ذلك شيئا‏.‏ أأدخل الجنة‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم‏"‏ قال‏:‏ والله‏!‏ لا أزيد على ذلك شيئا‏.‏
‏(‏5‏)‏ باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام
19 - ‏(‏16‏)‏ حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير الهداني‏.‏ حدثنا أبو خالد ‏(‏يعني سليمان بن حيان الأحمر‏)‏، عن أبي مالك الأشجعي، عن سعد بن عبيدة، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏بني الإسلام على خمسة‏.‏ على أن يوحد الله‏.‏ وإقام الصلاة‏.‏ وإيتاء الزكاة‏.‏ وصيام رمضان‏.‏ والحج‏"‏ فقال رجل‏:‏ الحج وصيام رمضان‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ صيام رمضان والحج‏.‏ هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
20 - ‏(‏16‏)‏ وحدثنا سهل بن عثمان العسكري‏.‏ حدثنا يحيى بن زكرياء حدثنا سعد بن طارق؛ قال‏:‏ حدثني سعد بن عبيدة السلمي، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال‏:‏
‏"‏بني الإسلام على خمس‏.‏ على أن يعبد الله ويكفر بما دونه‏.‏ وإقام الصلاة‏.‏ وإيتاء الزكاة‏.‏ وحج البيت‏.‏ وصوم رمضان‏"‏‏.‏
21 - ‏(‏16‏)‏ وحدثنا عبيدالله بن معاذ‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ حدثنا عاصم‏(‏وهو ابن محمد بن زيد بن عبدالله بن عمر‏)‏، عن أبيه؛ قال‏:‏ قال عبدالله‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏بني الإسلام على خمس‏.‏ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله‏.‏ وإقام الصلاة‏.‏ وإيتاء الزكاة‏.‏ وحج البيت‏.‏ وصوم رمضان‏"‏‏.‏
22 - ‏(‏16‏)‏ وحدثني ابن نمير‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ حدثنا حنظلة‏.‏ قال‏:‏ سمعت عكرمة بن خالد يحدث طاوسا؛ أن رجلا قال لعبدالله بن عمر‏:‏
ألا تغزو‏؟‏ فقال‏:‏ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إن الإسلام بني على خمس‏.‏ شهادة أن لا إله إلا الله‏.‏ وإقام الصلاة‏.‏ وإيتاء الزكاة‏.‏ وصيام رمضان‏.‏ وحج البيت‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏6‏)‏ باب الأمر بالأيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين، والدعاء إليه، والسؤال عنه، وحفظه، وتبليغه من لم يبلغه
23 - ‏(‏17‏)‏ حدثنا خلف بن هشام‏.‏ حدثنا حماد بن زيد، عن أبي حمزة؛ قال‏:‏ سمعت ابن عباس‏.‏ ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ له‏.‏ أخبرنا عباد بن عباد، عن أبي جمرة، عن ابن عباس؛ قال‏:‏
قدم وفد عبدالقيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقالوا‏:‏ يا رسول الله‏!‏ إنا، هذا الحي من ربيعة، وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر‏.‏ فلا نخلص إليك إلا في شهر الحرام‏.‏ فمرنا بأمر نعمل به، وندعو إليه من وراءنا‏.‏ وقال‏:‏ ‏"‏آمركم بأربع‏.‏ وأنهاكم عن أربع‏.‏ الإيمان بالله ‏(‏ثم فسرها لهم فقال‏)‏ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله‏.‏ وإقام الصلاة‏.‏ وإيتاء الزكاة‏.‏ وأن تؤدوا خمس ما غنمتم‏.‏ وأنهاكم عن الدباء‏.‏ والحنتم‏.‏ والنقير‏.‏ والمقير‏"‏ زاد خلف في روايته ‏"‏شهادة أن لا إله إلا الله‏"‏ وعقد واحدة‏.‏
‏[‏ش ‏(‏قدم وفد عبدالقيس‏)‏ قال صاحب التحرير‏:‏ الوفد الجماعة المختارة من القوم، ليتقدموهم في لقي العظماء والمصير إليهم في المهمات‏.‏ واحدهم وافد‏.‏ ‏(‏إنا هذا الحي‏)‏ فالحي منصوب على التخصيص‏.‏ قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح‏:‏ الذي نختاره نصب الحي على التخصيص‏.‏ ويكون الخبر في قولهم من ربيعة‏.‏ وأما معنى الحي، فقال صاحب المطالع‏:‏ الحي اسم لمنزل القبيلة‏.‏ ثم سميت القبيلة به، لأن بعضهم يحيى ببعض‏.‏ ‏(‏فلا نخلص إليك إلا في الشهر الحرام‏)‏ معنى نخلص نصل‏.‏ ومعنى كلامهم إنا لا نقدر على الوصول إليك، خوفا من أعدائنا الكفار إلا في الشهر الحرام‏.‏ فإنهم لا يتعرضون لنا، كما كانت عادة العرب من تعظيم الأشهر الحرام وامتناعهم من القتال فيها‏.‏ وشهر الحرام المراد به جنس الأشهر الحرم‏.‏ وهي أربعة أشهر كما نص عليه القرآن العزيز‏.‏ وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب‏.‏ وسمي الشهر شهرا لشهرته وظهوره‏.‏ ‏(‏الدباء‏)‏ هو القرع اليابس، أي الوعاء منه‏.‏ ‏(‏الحنتم‏)‏ الواحدة حنتمة‏.‏ وقد اختلف فيه‏.‏ فأصح الأقوال وأقواها أنها جرار خضر‏.‏ والثاني أنها الجرار كلها‏.‏ والثالث أنها جرار يؤتي بها من مصر مقيرات الأجواف‏.‏ والرابع جرار حمر أعناقها في جنوبها يجلب فيها الخمر من مصر‏.‏ والخامس أفواهها في جنوبها يجلب فيها الخمر من الطائف‏.‏ وكان ناس ينتبذون فيها يضاهون به الخمر‏.‏ والسادس جرار كانت تعمل من طين وشعر وأدم‏.‏ ‏(‏النقير‏)‏ جذع ينقر وسطه‏.‏ ‏(‏المقير‏)‏ هو المزفت، وهو المطلي بالقار وهو الزفت‏.‏ وقيل‏:‏ الزفت نوع من القار‏.‏ والصحيح الأول‏.‏ وأما معنى النهي عن هذه الأربع فهو أنه نهي عن الانتباذ فيها، وهو أن، يجعل في الماء حبات من ثمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو ويشرب وإنما خصت هذه بالنهي لأنه يسرع إليها الإسكار فيها‏.‏ فيصير حراما نجسا‏)‏‏.‏
24 - ‏(‏17‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار‏.‏ وألفاظهم متقاربة‏.‏ قال أبو بكر‏:‏ حدثنا غندور، عن شعبة‏.‏ وقال الآخران‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن أبي جمرة؛ قال‏:‏
كنت أترجم بين يدي ابن عباس، وبين الناس فأتته امرأة تسأله عن نبيذ الجر‏.‏ فقال‏:‏ إن وفد عبدالقيس أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من الوفد‏؟‏ أو من القوم‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏
ربيعة، قال‏:‏ ‏"‏مرحبا بالقوم‏.‏ أو بالوفد‏.‏ غير خزايا ولا الندامى‏"‏‏.‏ قال‏:‏ فقالوا‏:‏ يا رسول الله‏!‏ إنا نأتيك بشقة بعيدة‏.‏ وإن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر‏.‏ وإنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر الحرام‏.‏ فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا، ندخل به الجنة‏.‏ قال‏:‏ فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع‏.‏ قال‏:‏ أمرهم بالأيمان بالله وحده‏.‏ وقال‏:‏ ‏"‏هل تدرون ما الإيمان بالله‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم قال‏:‏ ‏"‏شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله‏.‏ وإقام الصلاة ‏.‏ وإيتاء الزكاة‏.‏ وصوم رمضان‏.‏ وأن تؤدوا خمسا من المغنم‏"‏ ونهاهم عن الدباء والحنتم والمزفت‏.‏ قال شعبة‏:‏ وربما قال‏:‏ النقير‏.‏ قال شعبة‏:‏ وربما قال‏:‏ المقير‏.‏ وقال‏:‏ ‏"‏احفظوه وأخبروا به من ورائكم‏"‏‏.‏ وقال أبو بكر في روايته ‏"‏من ورائكم‏"‏ وليس في روايته المقير‏.‏
‏[‏ش‏(‏كنت أترجم بين يدي ابن عباس وبين الناس‏)‏ كذا هو في الأصول‏.‏ وتقديره‏:‏ بينا يدي ابن عباس، بينه وبين الناس‏.‏ فحذف لفظة بينه لدلالة الكلام عليها‏.‏ ويجوز أن يكون المراد‏:‏ بين ابن عباس وابن عباس‏.‏ وأما معنى الترجمة فهو التعبير عن لغة بلغة قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمة الله تعالى‏:‏ وعندي أنه كان يبلغ كلام ابن عباس إلى من خفي عليه من الناس‏.‏ إما من زحام منع من سماعه فأسمعه‏.‏ وأما لاختصار منع من فهمه فأفهمهم، أو نحو ذلك‏.‏ قال‏:‏ وإطلاقه لفظ الناس يشعر بهذا‏:‏ قال‏:‏ وليست الترجمة مخصوصة بتفسير لغة بلغة أخرى، فقد أطلقوا على قولهم‏:‏ باب كذا اسم الترجمة‏.‏ لكونه يعبر عما يذكره بعده‏.‏ هذا كلام الشيخ والظاهر أن معناه أنه يفهمهم عنه ويفهمه عنهم‏.‏ ‏(‏نبيذ الجر‏)‏ الجر اسم جمع‏.‏ الواحدة جرة‏.‏ ويجمع أيضا على جرار‏.‏ وهو هذا الفخار المعروف‏.‏ ‏(‏مرحبا بالقوم‏)‏ منصوب على المصدر‏.‏ استعملته العرب وأكثرت منه‏.‏ تريد به البر وحسن اللقاء‏.‏ ومعناه صادفت رحبا وسعة‏.‏ ‏(‏غير خزايا ولا الندامى‏)‏ هكذا هو في الأصول‏.‏ الندامى بالألف واللام‏.‏ وخزايا بحذفها والرواية فيه بنصب الراء في غير على الحال‏.‏ وأما الخزايا فجمع خزيان‏.‏ كحيران وحيارى‏.‏ وسكران وسكارى‏.‏ والخزيان المستحي‏.‏ وقيل الذليل المهان‏.‏ وأما الندامى، فقيل إنه جمع ندمان بمعنى نادم‏.‏ وهي لغة في نادم‏.‏ حكاها القزاز صاحب جامع اللغة، والجوهري في صحاحه‏.‏ وعلى هذا هو على بابه‏.‏ وقيل هو جمع نادم أتباعا للخزايا‏.‏ وكان الأصل نادمين‏.‏ فأتبع لخزايا تحسينا للكلام‏.‏ وهذا الاتباع كثير في كلام العرب، وهو من فصيحه‏.‏ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏اِرجعن مأزورات، غير مأجورات‏"‏‏.‏ وأما معناه فالمقصود أنه لم يكن منكم تأخر عن الإسلام ولا عناد‏.‏ ولا أصابكم أسر ولا سباء‏.‏ ولا ما أشبه ذلك مما تستحيون بسببه أو تذلون أو تهانون أو تندمون‏.‏ ‏(‏من شقة بعيدة‏)‏ الشقة بضم الشين وكسرها، لغتان مشهورتان‏.‏ أشهرهما وأفصحهما الضم‏.‏ وهي التي جاء بها القرآن ن العزيز والشقة السفر البعيد‏.‏ وسميت شقة لأنها تشق على الإنسان‏.‏ وقيل‏:‏ هي المسافة‏.‏ وقيل‏:‏ الغاية التي يخرج الإنسان إليها فعلى القول الأول، يكون قولهم‏:‏ بعيدة، مبالغة في بعدها‏.‏ ‏(‏بأمر فصل‏)‏ قال الخطابي وغيره‏:‏ هو البيان الواضح الذي ينفصل به المراد ولا يشكل‏]‏‏.‏
25 - ‏(‏17‏)‏ وحدثني عبيدالله بن معاذ‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ ح وحدثنا نصر بن علي الجهضمي‏.‏ قال‏:‏ أخبرني أبي‏.‏ قالا جميعا‏:‏ حدثنا قرة بن خالد، عن أبي جمرة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث‏.‏ نحوا حديث شعبة‏.‏ وقال‏:‏
‏"‏أنهاكم عما ينبذ في الدباء والنقير والحنتم المزفت وزاد ابن معاذ في حديثه عن أبيه قال‏:‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج، أشج عبدالقيس ‏"‏إن فيك خصلتين يحبهما الله‏:‏ الحلم والأناة‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏الحلم والأناة‏)‏ أما الحلم فهو العقل‏.‏ وأما الأناة فهي التثبت وترك العجلة‏]‏‏.‏
26 - ‏(‏18‏)‏ حدثنا يحيى بن أيوب‏.‏ حدثنا ابن علية‏.‏ حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال‏:‏ حدثنا من لقي الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبدالقيس‏.‏ قال سعيد‏:‏ وذكر قتادة أبا نضرة، عن أبي سعيد الخدري في حديثه هذا؛ أن أناسا من عبدالقيس قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏
يا نبي الله‏!‏ إنا حي من ربيعة‏.‏ وبيننا وبينك كفار مضر‏.‏ ولا نقدر عليك إلا في أشهر الحرم فمرنا بأمر نأمر به من وراءنا، وندخل به الجنة، إذا نحن أخذنا به‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏آمركم بأربع‏.‏ وأنهاكم عن أربع‏.‏ اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا‏.‏ وأقيموا الصلاة‏.‏ وآتوا الزكاة‏.‏ وصوموا رمضان‏.‏ وأعطوا الخمس من الغنائم‏.‏ وأنهاكم عن أربع‏.‏ عن الدباء‏.‏ والحنتم‏.‏ والمزفت والنقير‏"‏‏.‏ قالوا‏:‏ يا نبي الله‏!‏ ما علمكم بالنقير‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏بلى‏.‏ جذع تنقرونه‏.‏ فتقذفون فيه من القطيعاء‏"‏‏(‏قال سعيد‏:‏ أو قال ‏"‏من التمر‏)‏ ثم تصبون فيه من الماء‏.‏ حتى إذا سكن غليانه شربتموه‏.‏ حتى إن أحدكم ‏(‏أو إن أحدهم‏)‏ ليضرب ابن عمه بالسيف‏"‏‏.‏ قال وفي القوم رجل أصابته جراحة كذلك‏.‏ قال وكنت أخبأها حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقلت‏:‏ ففيم نشرب يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏في أسقية الأدم، التي يلاث على أفواهها‏"‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله‏!‏ إن أرضنا كثيرة الجرذان‏.‏ ولا تبقى بها أسقية الأدم‏.‏ نبي الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبدالقيس ‏"‏إن فيك لخصلتين يحبهما الله‏.‏ الحلم والأناة‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏فتقذفون فيه من القطيعاء‏)‏ تقذفون‏:‏ معناه تلقون فيه وترمون‏.‏ والقطيعاء نوع من التمر صغار يقال له شريز‏.‏ ‏(‏ليضرب ابن عمه بالسيف‏)‏ معناه إذا شرب هذا الشراب سكر فلم يبق له عقل، وهاج به الشر، فيضرب ابن عمه الذي هو عنده من أحب أحبابه‏.‏ ‏(‏أسقية الأدم التي يلاث على أفواهها‏)‏ الأدم جمع أديم وهو الجلد الذي تم دباغه‏.‏ ومعنى يلاث على أفواهها، يلف الخيط على أفواهها ويربط به‏.‏‏(‏الجرذان‏)‏ جمع جرذ كصرد وصردان‏.‏ والجرذ نوع من الفار‏.‏ كذا قاله الجوهري وغيره وقال الزبيدي في مختصر العين‏:‏ هو الذكر من الفار‏]‏‏.‏
27 - ‏(‏18‏)‏ حدثني محمد بن المثنى وابن بشار‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد، عن قتادة؛ قال‏:‏ حدثني غير واحد لقي ذاك الوفد‏.‏ وذكر أبا نضرة عن أبي سعيد الخدري؛ أن وفد عبدالقيس لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ بمثل حديث ابن علية‏.‏ غير أن فيه ‏"‏وتذيفون فيه من القطيعاء أو التمر والماء‏"‏ ولم يقل‏(‏قال سعيد أو قال من التمر‏)‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏وتذيفون‏)‏ من ذاف يذيف، كباع يبيع‏.‏ ومعناه تخلطون‏]‏‏.‏
28 - ‏(‏18‏)‏ حدثني محمد بن بكار البصري‏.‏ حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج‏.‏ ح وحدثني محمد بن رافع واللفظ له‏.‏ حدثنا عبدالرزاق‏.‏ أخبرنا ابن جريج‏.‏ قال‏:‏ أخبرني أبو قزعة؛ أن أبا نضرة أخبره، وحسنا أخبرهما؛ أن أبا سعيد الخدري أخبره؛ أن وفد عبدالقيس لما أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم قالوا‏:‏
يا نبي الله‏!‏ جعلنا الله فداءك‏.‏ ماذا يصلح لنا من الأشربة‏؟‏ فقال ‏"‏لا تشربوا في النقير‏"‏ قالوا‏:‏ يا نبي الله‏!‏ جعلنا الله فداءك‏.‏ أو تدري ما النقير‏؟‏ قال ‏"‏نعم‏.‏ الجذع ينقر وسطه‏.‏ ولا في الدباء ولا في الحنتمة وعليكم بالمُوكَى‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏جعلنا الله فداءك‏)‏ ومعناه يقيك المكاره‏.‏ ‏(‏عليكم بالموكى‏)‏ معناه الذي يوكى أي يربط فُوْهُ بالوِكَاءِ، وهو الخيط الذي يربط به‏]‏‏.‏
‏(‏7‏)‏ باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام
29 - ‏(‏19‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم، جميعا عن وكيع‏.‏ قال أبو بكر‏:‏ حدثنا وكيع عن زكرياء بن إسحاق‏.‏ قال‏:‏ حدثني يحيى بن عبدالله بن صيفي عن ابن معبد، عن ابن عباس، عن معاذ بن جبل‏.‏ قال أبو بكر‏:‏ ربما قال وكيع‏:‏ عن ابن عباس؛ أن معاذا قال‏:‏ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال‏:‏
‏"‏إنك تأتي قوما من أهل الكتاب‏.‏ فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله‏.‏ فإن هم أطاعوا لذلك‏.‏ فأعلمنهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم‏.‏ فإن هم أطاعوا لذلك‏.‏ فأعلمنهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة‏.‏ فإن هم أطاعوا لذلك‏.‏ فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم‏.‏ فإن هم أطاعوا لذلك‏.‏ فإياك وكرائم أموالهم‏.‏ واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏وكرائم أموالهم‏)‏ الكرائم جمع كريمة‏.‏ قال صاحب المطالع‏:‏ هي جامعة الكمال الممكن في حقها، من غزارة لبن وجمال صورة أو كثرة لحم أو صوف‏.‏ ‏(‏فإنه ليس بينها وبين الله حجاب‏)‏ أي أنها مسموعة لا ترد‏]‏‏.‏
30 - ‏(‏19‏)‏ حدثنا ابن أبي عمر‏.‏ حدثنا بشر بن السري‏.‏ حدثنا زكرياء بن إسحاق‏.‏ ح وحدثنا عبد بن حميد‏.‏ حدثنا أبو عاصم، عن زكرياء بن إسحاق، عن يحيى بن عبدالله بن صيفي، عن أبي معبد، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن‏.‏ فقال‏:‏
‏"‏إنك ستأتي قوما‏"‏ بمثل حديث وكيع‏.‏
31 - ‏(‏19‏)‏ حدثنا أمية بن بسطام العيشي‏.‏ حدثنا يزيد بن زريع‏.‏ حدثنا روح‏(‏وهو ابن القاسم‏)‏، عن إسماعيل بن أمية، عن يحيى بن عبدالله بن صيفي، عن أبي معبد، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال‏:‏
‏"‏إنك تقدم على قوم أهل الكتاب‏.‏ فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل‏.‏ فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم‏.‏ فإذا فعلوا، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم‏.‏ فإذا أطاعوا بها، فخذ منهم وتوق كرائم أموالهم‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏8‏)‏ باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله‏.‏ ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، يؤمنوا بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وأن من فعل ذلك عصم نفسه وماله إلا بحقها، ووكلت سريرته إلى الله تعالى‏.‏ وقتال من منع الزكاة أو غيرها من حقوق الإسلام، واهتمام الإمام بشعائر الإسلام
32 - ‏(‏20‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد‏.‏ حدثنا ليث بن سعد، عن عقيل، عن الزهري‏.‏ قال‏:‏ أخبرني عبيدالله بن عبدالله بن عتبة ابن مسعود، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر‏:‏ كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏ فمن قال‏:‏ لا إله إلا الله فقد عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه‏.‏ وحسابه على الله‏"‏‏.‏ فقال أبو بكر‏:‏ والله‏!‏ لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال‏.‏ والله‏!‏ لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه‏.‏ فقال عمر بن الخطاب‏:‏ فوالله‏!‏ ما هو إلا رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال‏.‏ فعرفت أنه الحق‏.‏
‏[‏ش ‏(‏وحسابه على الله‏)‏ معناه أي فيما يستسرون به ويخفونه، دون ما يخلون به في الظاهر من الأحكام الواجبة‏.‏ ‏(‏عقالا‏)‏ قد اختلف العلماء قديما وحديثا فيها‏.‏ فذهب جماعة منهم إلى أن المراد بالعقال زكاة عام‏.‏ وهو معروف في اللغة بذلك‏.‏ وذهب كثير من المحققين إلى أن المراد بالعقال الحبل الذي يعقل به البعير‏]‏‏.‏
33 - ‏(‏21‏)‏ وحدثنا أبو الطاهر وحرملة بن يحيى وأحمد بن عيسى قال‏:‏ أحمد، حدثنا‏.‏ وقال الآخران‏:‏ أخبرنا ابن وهب‏.‏ قال‏:‏ أخبرني يونس، عن ابن شهاب‏.‏ قال‏:‏ حدثني سعيد بن المسيب؛ أن أبا هريرة أخبره؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏ فمن قال‏:‏ لا إله إلا الله عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه‏.‏ وحسابه على الله‏"‏‏.‏
34 - ‏(‏21‏)‏ حدثنا أحمد بن عبدة الضبي‏.‏ أخبرنا عبدالعزيز ‏(‏يعني الداوردي‏)‏، عن العلاء‏.‏ ح وحدثنا أمية بن بسطام، واللفظ له‏.‏ حدثنا يزيد بن زريع‏.‏ حدثنا روح عن العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله‏.‏ ويؤمنوا بي وبما جئت به‏.‏ فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها‏.‏ وحسابهم على الله‏"‏‏.‏
35 - ‏(‏21‏)‏ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر‏.‏ وعن أبي صالح، عن أبي هريرة‏.‏ قالا‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏أمرت أن أقاتل الناس‏"‏ بمثل حديث ابن المسيب عن أبي هريرة‏.‏ ح وحدثني أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا وكيع‏.‏ ح وحدثني محمد بن المثنى‏.‏ حدثنا عبدالرحمن ‏(‏يعني ابن مهدي‏)‏ قالا جميعا‏:‏ حدثنا سفيان عن أبي الزبير، عن جابر؛ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏ فإذا قالوا‏:‏ لا إله إلا الله عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها‏.‏ وحسابهم على الله‏"‏‏.‏ ثم قرأ‏:‏ ‏{‏إنما أنت مذكر‏.‏ لست عليهم بمسيطر‏}‏ ‏[‏88 / الغاشية / آية 21، 22‏]‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏إنما أنت مذكر‏.‏ لست عليهم بمسيطر‏)‏ معناه إنما أنت واعظ‏.‏ والمسيطر‏:‏ المسلط‏.‏ وقيل‏:‏ الجبار‏.‏ وقيل‏:‏ الرب‏]‏‏.‏
36 - ‏(‏22‏)‏ حدثنا أبو غسان المسمعي، مالك بن عبدالواحد‏.‏ حدثنا عبدالملك بن الصباح، عن شعبة، عن واقد بن محمد بن زيد بن عبدالله بن عمر، عن أبيه، عن عبدالله بن عمر؛ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله‏.‏ ويقيموا الصلاة‏.‏ ويؤتوا الزكاة‏.‏ فإذا فعلوا عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها‏.‏ وحسابهم على الله‏"‏‏.‏
37 - ‏(‏23‏)‏ وحدثنا سويد بن سعيد وابن أبي عمر‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا مروان ‏(‏يعنيان الفزاري‏)‏، عن أبي مالك، عن أبيه؛ قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏
‏"‏من قال‏:‏ لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه‏.‏ وحسابه على الله‏"‏‏.‏
38 - ‏(‏23‏)‏ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا أبو خالد الأحمر‏.‏ ح وحدثنيه زهير بن حرب‏.‏ حدثنا يزيد بن هارون‏.‏ كلاهما عن أبي مالك عن أبيه؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏
‏"‏من وحد الله‏"‏ ثم ذكر بمثله‏.‏
*3* ‏(‏9‏)‏ باب الدليل على صحة إسلام من حضرة الموت، ما لم يشرع في النزع، وهو الغرغرة‏.‏ ونسخ جواز الاستغفار للمشركين‏.‏ والدليل على أن من مات على الشرك، فهو في أصحاب الجحيم‏.‏ ولا ينقذه من ذلك شيء من الوسائل
39 - ‏(‏24‏)‏ وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي‏.‏ أخبرنا عبدالله بن وهب‏.‏ قال‏:‏ أخبرني يونس عن ابن شهاب‏.‏ قال‏:‏ أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبيه؛ قال‏:‏ لما حضرت أبا طالب الوفاة‏.‏ جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل، وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
‏"‏يا عم‏!‏ قل‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏ كلمة أشهد لك بها عند الله‏"‏ فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية‏:‏ يا أبا طالب‏!‏ أترغب عن ملة عبدالمطلب‏؟‏ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم‏:‏ هو على ملة عبدالمطلب‏.‏ وأبي أن يقول‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أما والله‏!‏ لأستغفرن لك ما لم أنه عنك‏"‏ فأنزل الله عز وجل‏:‏ ‏{‏ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم‏}‏ ‏[‏9 / التوبة / الآية 113‏]‏‏.‏ وأنزل الله تعالى في أبي طالب، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين‏}‏‏.‏ ‏[‏28 /القصص/ آية 56‏]‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏لما حضرت أبا طالب الوفاة‏)‏ المراد قربت وفاته وحضرت دلائلها، وذلك قبل المعاينة والنزع‏.‏ ولو كان في حال المعاينة والنزع لما نفعه الإيمان‏]‏‏.‏
40 - ‏(‏24‏)‏ وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد‏.‏ قالا‏:‏ أخبرنا عبدالرزاق‏.‏ أخبرنا معمر‏.‏ ح وحدثنا حسن الحلواني وعبد بن حميد‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا يعقوب ‏(‏وهو ابن إبراهيم بن سعد‏)‏ قال‏:‏ حدثني أبي عن صالح‏.‏ كلاهما عن الزهري بهذا الإسناد‏.‏ مثله‏.‏ غير أن حديث صالح انتهى عند قوله‏:‏ فأنزل الله عز وجل فيه‏.‏ ولم يذكر الآيتين‏.‏ وقال في حديثه‏:‏ ويعودان في تلك المقالة‏.‏ وفي حديث معمر مكان هذه الكلمة‏.‏ فلم يزالا به‏.‏
41 - ‏(‏25‏)‏ حدثنا محمد بن عباد وابن أبي عمر‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا مروان عن يزيد ‏(‏وهو ابن كيسان‏)‏ عن أبي حازم، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه، عند الموت‏:‏
‏"‏قل‏:‏ لا إله إلا الله، أشهد لك بها يوم القيامة‏"‏ فأبي‏.‏ فأنزل الله‏:‏ إنك لا تهدي من أحببت‏.‏ الآية‏.‏ ‏[‏28 / القصص / آية 56‏]‏‏.‏
42 - ‏(‏25‏)‏ حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون‏.‏ حدثنا يحيى بن سعيد‏.‏ حدثنا يزيد بن كيسان، عن أبي حازم الأشجعي، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه‏:‏
‏"‏قل‏:‏ لا إله إلا الله، أشهد لك بها يوم القيامة‏"‏ قال‏:‏ لولا أن تعيرني قريش‏.‏ يقولون‏:‏ إنما حمله، على ذلك، الجزع‏.‏ لأقررت بها عينك‏.‏ فأنزل الله‏:‏ ‏{‏إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء‏}‏‏.‏ ‏[‏28 / القصص / آية 56‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏10‏)‏ باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا
43 - ‏(‏26‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب‏.‏ كلاهما عن إسماعيل بن إبراهيم‏.‏ قال أبو بكر‏:‏ حدثنا ابن علية عن خالد‏.‏ قال‏:‏ حدثني الوليد بن مسلم، عن حمران، عن عثمان؛ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة‏"‏‏.‏
حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي‏.‏ حدثنا بشر بن المفضل‏.‏ حدثنا خالد الحذاء، عن الوليد أبي بشر؛ قال‏:‏ سمعت حمران يقول‏:‏ سمعت عثمان يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏.‏‏.‏‏.‏ مثله سواء‏.‏
44 - ‏(‏27‏)‏ حدثنا أبو بكر بن النضر بن أبي النضر‏.‏ قال‏:‏ حدثني أبو النضر هاشم بن القاسم‏.‏ حدثنا عبيدالله الأشجعي، عن مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير‏.‏ قال فنفذت أزواد القوم‏.‏ قال حتى هم بنحر بعض حمائلهم‏.‏ قال فقال عمر‏:‏
يا رسول الله‏!‏ لو جمعت ما بقي من أزواد القوم، فدعوت الله عليها‏.‏ قال ففعل‏.‏ قال فجاء ذو البر ببره‏.‏ وذو التمر بتمره‏.‏ قال ‏(‏وقال مجاهد وذو النواة بنواه‏)‏ قلت‏:‏ وما كانوا يصنعون بالنوى‏؟‏ قال‏:‏ كانوا يمصونه ويشربون عليه الماء‏.‏ قال فدعا عليها‏.‏ حتى ملأ القوم أزودتهم‏.‏ قال فقال عند ذلك‏:‏ ‏"‏أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله‏.‏ لا يلقي الله بهما عبد، غير شاك فيهما، إلا دخل الجنة‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏حمائلهم‏)‏ جمع حمولة‏.‏ وهي الإبل التي تحمل‏.‏ ‏(‏أزودتهم‏)‏ قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح‏:‏ الأزودة جمع زاد‏.‏ وهي لا تملأ‏.‏ إنما تملأ بها أوعيتها‏.‏ قال‏:‏ ووجهه عندي أن يكون المراد حتى ملأ القوم أوعية أزودتهم، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه‏.‏ قال القاضي عياض‏:‏ ويحتمل أنه سمى الأوعية أزواد باسم ما فيها، كما في نظائره‏]‏‏.‏
45 - ‏(‏27‏)‏ حدثنا سهل بن عمان وأبو كريب محمد بن العلاء، جميعا عن أبي معاوية‏.‏ قال أبو كريب‏:‏ حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد ‏(‏شك الأعمش‏)‏ قال‏:‏ لما كان غزوة تبوك، أصاب الناس مجاعة‏.‏ قالوا‏:‏
يا رسول الله‏!‏ لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏افعلوا‏"‏ قال فجاء عمر، فقال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ إن فعلت قل الظهر‏.‏ ولكن ادعهم بفضل أزوادهم‏.‏ وادع الله لهم عليها بالبركة‏.‏ لعل الله أن يجعل في ذلك‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏نعم‏"‏ قال فدعا بنطع فبسطه‏.‏ م دعا بفضل أزوادهم‏.‏ قال فجعل الرجل يجيء بكف ذرة‏.‏ قال ويجيء الآخر بكف تمر‏.‏ قال ويجيء الآخر بكسرة‏.‏ حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير‏.‏ قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة‏.‏ م قال ‏"‏خذوا في أوعيتكم‏"‏ قال فأخذوا في أوعيتهم‏.‏ حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوه‏.‏ قال فأكلوا حتى شبعوا‏.‏ وفضلت فضلة‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله‏.‏ لا يلقى الله بهما عبد، غير شاك، فيحجب عن الجنة‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏نواضحنا‏)‏ النواضح من الإبل، التي يستقي عليها‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ الذكر منها ناضح، والأنثى ناضحة‏.‏ ‏(‏وادهنا‏)‏ قال صاحب التحرير‏:‏ قوله وادهنا ليس مقصودة ما هو المعروف من الادهان‏.‏ وإنما معناه اتخذنا دهنا من شحومها‏.‏ ‏(‏الظهر‏)‏ المراد بالظهر هنا الدواب‏.‏ سميت ظهرا لكونها يركب على ظهرها‏.‏ أو لكونها يستظهر بها ويستعان على سفر‏.‏ ‏(‏لعل الله أن يجعل في ذلك‏)‏ فيه محذوف تقديره‏:‏ يجعل في ذلك بركة أو خيرا، أو نحو ذلك‏.‏ فحذف المفعول به لأنه فضلة‏.‏ وأصل البركة كثرة الخير وثبوته‏.‏ ‏(‏بنطع‏)‏ هو بساط متخذ من أديم‏.‏ وكانت الأنطاع تبسط بين أيدي الملوك والأمراء حين أرادوا قتل أحد صبرا ليصان المجلس من الدم‏]‏‏.‏
46 - ‏(‏28‏)‏ حدثنا داود بن رشيد‏.‏ حدثنا الوليد ‏(‏يعني ابن مسلم‏)‏ عن ابن جابر‏.‏ قال‏:‏ حدثني عمير بن هانئ‏.‏ قال‏:‏ حدثني جنادة بن أبي أمية‏.‏ حدثنا عبادة بن الصامت؛ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏من قال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء‏"‏‏.‏
‏(‏28‏)‏ وحدني أحمد بن إبراهيم الدورقي‏.‏ حدثنا مبشر بن إسماعيل، عن الأوزاعي، عن عمير بن هانئ، في هذا الإسناد بمثله غير أنه قال‏:‏
‏"‏لأدخله الله الجنة على ما كان من عمل‏"‏ ولم يذكر ‏"‏من أي أبواب الجنة الثمانية شاء‏"‏‏.‏
47 - ‏(‏29‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد‏.‏ حدثنا ليث عن ابن عجلان، عن محمد بن يحيى بن حيان، عن ابن محيريز، عن الصنابحي، عن عبادة بن الصامت؛ أنه قال‏:‏ دخلت عليه وهو في الموت، فبكيت فقال‏:‏ مهلا‏.‏ لم تبكي‏؟‏ فوالله‏!‏ لئن استشهدت لأشهدن لك‏.‏ ولئن شفعت لأشفعن لك‏.‏ ولئن استطعت لأنفعنك‏.‏ ثم قال‏:‏
والله‏!‏ ما من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خير إلا حدثتكموه إلا حديثا واحدا‏.‏ وسوف أحدثكموه اليوم، وقد أحيط بنفسي‏.‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله‏.‏ حرم الله عليه النار‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏مهلا‏)‏ معناه أنظرني‏.‏ قال الجوهري‏:‏ يقال مهلا يا رجل، بالسكون وكذلك للاثنين والجمع والمؤنث‏.‏ وهي موحدة بمعنى أمهل‏.‏ فإذا قيل لك‏:‏ مهلا‏.‏ قلت‏:‏ لا مهل والله‏.‏ ولا تقل‏:‏ لا مهلا‏.‏ وتقول‏:‏ ما مهل، والله، بمغنية عنك شيئا‏.‏ ‏(‏وقد أحيط بنفسي‏)‏ معناه قربت من الموت وأيست من النجاة والحياة‏]‏‏.‏
48 - ‏(‏30‏)‏ حدثنا هداب بن خالد الأزدي‏.‏ حدثنا همام‏.‏ حدثنا قتادة‏.‏ حدثنا أنس بن مالك عن معاذ بن جبل؛ قال‏:‏ كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل‏.‏ فقال‏:‏
‏"‏يا معاذ بن جبل‏!‏‏"‏ قلت‏:‏ لبيك رسول الله وسعديك‏.‏ ثم سار ساعة‏.‏ ثم قال ‏"‏يا معاذ بن جبل‏!‏‏"‏ قلت‏:‏ لبيك رسول الله وسعديك‏.‏ ثم سار ساعة‏.‏ ثم قال ‏"‏يا معاذ بن جبل‏!‏‏"‏ قلت‏:‏ لبيك رسول الله وسعديك‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏هل تدري ما حق الله على العباد‏؟‏‏"‏ قال قلت‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ قال ‏"‏فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا‏"‏ ثم سار ساعة‏.‏ ثم قال ‏"‏يا معاذ بن جبل‏!‏‏"‏ قلت‏:‏ لبيك رسول الله وسعديك‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك‏"‏ قال قلت‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ قال ‏"‏أن لا يعذبهم‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ الردف والرديف هو الراكب خلف الراكب‏.‏ ‏(‏مؤخرة الرحل‏)‏ هو العود الذي يكون خلف الراكب‏.‏ ‏(‏لبيك رسول الله وسعديك‏)‏ الأظهر أمن معنى لبيك إجابة لك بعد إجابة للتأكيد‏.‏ وقيل‏:‏ معناه قربا منك وطاعة لك‏.‏ ومعنى سعديك أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة‏]‏‏.‏
49 - ‏(‏30‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن معاذ بن جبل؛ قال‏:‏ كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ على حمار يقال له عفير‏.‏ قال‏:‏ فقال‏:‏
‏"‏يا معاذ‏!‏ تدري ما حق الله على العباد وما حق الله على العباد‏؟‏‏"‏ قال قلت‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فإن حق الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا‏.‏ وحق العباد على الله عز وجل أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا‏"‏ قال قلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أفلا أبشر الناس‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا تبشرهم‏.‏ فيتكلموا‏"‏‏.‏
50 - ‏(‏30‏)‏ حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار‏.‏ قال ابن المثنى‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر‏.‏ حدثنا شعبة، عن أبي حصين والأشعث ابن سليك؛ أنهما سمعا الأسود بن هلال يحد ث عن معاذ بن جبل؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ يا معاذ‏!‏ أتدري ماحق الله على العباد‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ ‏[‏قال‏؟‏‏؟‏‏]‏ ‏"‏أن تعبد الله ولا يشرك به شئ‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏أتدري ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك‏؟‏‏"‏ فقال‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏أن لا يعذبهم‏.‏
51 - ‏(‏30‏)‏ حدثنا القاسم بن زكرياء‏.‏ حدثنا حسين، عن زائدة، عن أبي حصين، عن الأسود بن هلال؛ قال‏:‏ سمعت معاذا يقول‏:‏ دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجبته‏.‏
فقال‏"‏ هل تدري ماحق الله على الناس‏"‏ نحو حديثهم‏.‏
52 - ‏(‏31‏)‏ حدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا عمر بن يونس الحنفي‏.‏ حدثنا عكرمة بن عمار‏.‏ قال حدثني أبو كثير قال‏:‏ حدثني أبو هريرة؛ قال‏:‏
كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ معنا أبو بكر وعمر، في نفر‏.‏ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا‏.‏ فأبطأ علينا‏.‏ وخشينا أن يقتطع دوننا‏.‏ وفزعنا فقمنا‏.‏ فكنت أول من فزع‏.‏ فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النجار‏.‏ فدرت به أجد له بابا‏.‏ فلم أجد‏.‏ فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة ‏(‏والربيع الجدول‏)‏ فاحتفزت كما يحتفز الثعلب‏.‏ فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال‏"‏ أبو هريرة‏؟‏‏"‏ فقلت‏:‏ نعم‏.‏ يا رسول الله‏.‏ قال‏"‏ ما شأنك‏؟‏‏"‏ قلت‏:‏ كنت بين أظهرنا‏.‏ فقمت فأبطأت علينا‏.‏ فخشينا أن تقطع دوننا‏.‏ ففزعنا‏.‏ فكنت أول من فزع‏.‏ فأتيت هذا الحائط‏.‏ فاحتفزت كما يحتفز الثعلب‏.‏ وهؤلاء الناس ورائي‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏يا أبا هريرة‏!‏‏"‏ ‏(‏وأعطاني نعليه‏)‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏اذهب بنعلي هاتين‏.‏ فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله‏.‏ مستيقنا بها قلبه‏.‏ فبشره بالجنة‏"‏ فكان أول من لقيت عمر‏.‏ فقال‏:‏ ما هاتان النعلان يا أبا هريرة‏!‏ فقلت‏:‏ هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ بعثني بهما‏.‏ من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه، بشرته بالجنة‏.‏ فضرب عمر بيده بين ثديي‏.‏ فخررت لأستي‏.‏ فقال‏:‏ ارجع يا أبا هريرة‏.‏ فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فأجهشت بكاء‏.‏ وركبني عمر‏.‏ فإذا هو على أثرى‏.‏ فقال لي رسول الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما لك يا أبا هريرة‏؟‏ ‏"‏ قلت‏:‏ لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به‏.‏ فضرب بين ثديي ضربة‏.‏ خررت لأستي‏.‏ قال‏:‏ ارجع‏.‏ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يا عمر‏!‏ ما حملك على ما فعلت‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ بأبي أنت وأمي‏.‏ أبعثت أبا هريرة بنعليك، من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه، بشره بالجنة‏؟‏ قال ‏"‏نعم‏"‏ قال‏:‏ فلا تفعل‏.‏ فإني أخشى أن يتكل الناس عليها‏.‏ فخلهم يعملون‏.‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ فخلهم‏"‏‏.‏
33 - ‏(‏21‏)‏ وحدثنا أبو الطاهر وحرملة بن يحيى وأحمد بن عيسى قال‏:‏ أحمد، حدثنا‏.‏ وقال الآخران‏:‏ أخبرنا ابن وهب‏.‏ قال‏:‏ أخبرني يونس، عن ابن شهاب‏.‏ قال‏:‏ حدثني سعيد بن المسيب؛ أن أبا هريرة أخبره؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏[‏ش ‏(‏كنا قعودا حول رسول الله عليه وسلم‏)‏ قال أهل اللغة‏.‏ يقال‏:‏ قعدنا حوله وحوليه وحواليه وحواله أي على جوانبه‏.‏ ‏(‏أظهرنا‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ يقال‏:‏ نحن بين أظهركم وظهريكم وظهرانيكم، أي بينكم‏.‏ ‏(‏وخشينا أن يقتطع دوننا‏)‏ أي يصاب بمكروه من عدو‏.‏ ‏(‏وفزعنا‏)‏ الفزع يكون بمعنى الروع وبمعنى الهبوب للشيء والاهتمام به‏.‏ وبمعنى الإغاثة‏.‏ فتصح هذه المعاني الثلاثة‏.‏ أي ذعرنا لاحتباس النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏(‏حائطا‏)‏ أي بستانا‏.‏ وسمى بذلك لأنه حائط لا سقف له‏.‏ ‏(‏الجدول‏)‏ النهر الصغير‏.‏ ‏(‏فاحتفزت كما يحتفز الثعلب‏)‏ معناه تضاممت ليسعني المدخل‏.‏ ‏(‏أبو هريرة‏)‏ معناه‏:‏ أنت أبو هريرة‏؟‏ ‏(‏لأستي‏)‏ هو اسم من أسماء الدبر‏.‏ والمستحب في مثل هذا، الكناية عن قبيح الأسماء، واستعمال المجاز والألفاظ التي تحصل الغرض، ولا يكون في صورتها ما يستحيا من التصريح بحقيقة لفظه‏.‏ ‏(‏فأجهشت‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ يقال‏:‏ جهشت جهشا وجهوشا‏.‏ وأجهاشا‏.‏ قال القاضي عياض، رحمه الله‏:‏ هو أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو متغير الوجه متهيئ للبكاء، ولما يبك بعد‏.‏ ‏(‏بكاء‏)‏ منصوب على المفعول له‏.‏ ‏(‏وركبني عمر‏)‏ فمعناه تبعني ومشى خلفي في الحال بلا مهلة‏.‏ ‏(‏بأبي أنت وأمي‏)‏ معناه أنت مفديّ، أو أفديك بأبي وأمي‏]‏‏.‏
53 - ‏(‏32‏)‏ حدثنا إسحاق بن منصور‏.‏ أخبرنا معاذ بن هشام‏.‏ قال‏:‏ حدثني أبي، عن قتادة قال‏:‏ حدثنا أنس بن مالك؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم، ومعاذ بن جبل رديفه على الرحل،
قال‏"‏ يا معاذ‏!‏‏"‏ قال لبيك رسول الله وسعديك‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏يا معاذ‏!‏‏"‏ قال لبيك رسول الله وسعديك‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏يا معاذ‏!‏‏"‏ قال‏:‏ لبيك رسول الله وسعديك‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، إلا حرمه الله على النار‏"‏ قال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏إذا يتكلوا‏"‏ فأخبر بها معاذ عند موته، تأثما‏.‏
‏[‏ش ‏(‏تأثما‏)‏ قال أهل اللغة‏.‏ تأثم الرجل إذا فعل فعلا يخرج به من الإثم‏.‏ ومعنى تأثم معاذ أنه كان يحفظ علما يخاف فواته وذهابه بموته‏.‏ فخشي أن يكون ممن كتم علما، وممن لم يمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ سنته‏.‏ فيكون آثما، فاحتاط‏]‏‏.‏
54 - ‏(‏33‏)‏ حدثنا بن فروخ‏.‏ حدثنا سليمان ‏(‏يعني ابن المغيرة‏)‏ قال‏:‏ حدثنا ثابت، عن أنس بن مالك؛ قال‏:‏ حدثني محمود بن الربيع، عن عتبان بن مالك؛ قال‏:‏ قدمت المدينة‏.‏ فلقيت عتبان‏.‏ فقلت‏:‏ حديث بلغني عنك‏.‏ قال‏:‏
أصابني في بصري بعض الشيء‏.‏ فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى أحب أن تأتيني فتصلى في منزلي‏.‏ فأتخذه مصلى‏.‏ قال فأتى النبي صلى اله عليه وسلم ومن شاء الله من أصحابه‏.‏ فدخل وهو يصلى في منزلي‏.‏ وأصحابه يتحدثون بينهم‏.‏ ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك بن دخشم‏.‏ قالوا‏:‏ ودوا أنه دعا عليه فهلك‏.‏ وودوا أنه أصابه شر‏.‏ فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة‏.‏ وقال‏:‏ ‏"‏أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ إنه يقول ذلك‏.‏ وما هو في قلبه‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار، أو تطعمه‏"‏‏.‏ قال أنس فأعجبني هذا الحديث‏.‏ فقلت لابني‏:‏ اكتبه‏.‏ فكتبه‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ثم أسندوا عظم ذلك وكبره‏)‏ عظم أي معظمه‏.‏ ومعنى ذلك أنهم تحدثوا وذكروا شأن المنافقين وأفعالهم القبيحة وما يلقون منهم، ونسبوا معظم ذلك إلى مالك‏]‏‏.‏
55 - ‏(‏33‏)‏ حدثني أبو بكر بن نافع العبدي‏.‏ حدثنا بهز‏.‏ حدثنا حماد‏.‏ حدثنا ثابت، عن أنس؛ قال‏:‏ حدثني عتبان بن مالك؛ أنه عمي ‏.‏ فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏
تعالى فخط لي مسجدا‏.‏ فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏وجاء قومه‏.‏ ونعت رجل منهم يقال له مالك بن الدخشم‏.‏ ثم ذكر نحو حديث سليمان بن المغيرة‏.‏
‏[‏ش ‏(‏فخط لي مسجدا‏)‏ أي أعلم لي على موضع لأتخذه مسجدا، أي موضعا، أجعل صلاتي فيه متبركا بآثارك‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏11‏)‏ باب الدليل على أن من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، فهو مؤمن، ولإن ‏[‏وإن‏؟‏‏؟‏‏]‏ ارتكب المعاصي الكبائر
56 - ‏(‏34‏)‏ حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر المكي، وبشر بن الحكم‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا عبدالعزيز ‏(‏وهو ابن محمد‏)‏ الدراوردي، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد، عن العباس بن عبدالمطلب؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول‏"‏ ذاق طعم الإيمان، من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏من رضي‏)‏ قال صاحب التحرير رحمة الله‏:‏ معنى رضيت بالشيء قنعت به واكتفيت به ‏.‏ ولم أطلب معه غيره‏.‏ فمعنى الحديث لم يطلب غير الله تعالى، ولم يسع في غير طريق الإسلام، ولم يسلك إلا ما يوافق شريعة محمد صلى الله عليه وسلم‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏12‏)‏ باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها، وفضيلة الحياء، وكونه من الإيمان
57 - ‏(‏35‏)‏ حدثنا عبيدالله بن سعيد، وعبد بن حميد‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا أبو عامر العقدي‏.‏ حدثنا سليمان بن بلال، عن عبدالله ابن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال‏:‏ ‏"‏الإيمان بضع وسبعون شعبة‏.‏ والحياء شعبة من الإيمان‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏الإيمان بضع وسبعون شعبة‏)‏ قال القاضي عياض رحمه الله‏:‏ البضع والبضعة، بكسر الباء فيهما وفتحها، هذا في العدد‏.‏ وأما بضعة اللحم فبالفتح لا غير‏.‏ والبضع في العدد ما بين الثلاث والعشر‏.‏ وقيل‏:‏ من ثلاث إلى تسع‏.‏ وأما الشعبة فهي القطعة من الشيء‏.‏ فمعنى الحديث بضع وسبعون خصلة‏.‏ ‏(‏والحياء شعبة من الإيمان‏)‏ قال الإمام الواحدي رحمه الله‏:‏ قال أهل اللغة‏:‏ الاستحياء من الحياء‏.‏ واستحيا الرجل من قوة الحياة فيه لشدة علمه بمواقع الغيب‏.‏ قال‏:‏ فالحياء من قوة الحي ولطفه وقوة الحياة‏]‏‏.‏
58 - ‏(‏35‏)‏ حدثنا زهير بن حرب‏.‏ حدثنا جرير، عن سهيل، عن عبدالله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الإيمان بضع وستون شعبة‏.‏ فأفضلها قول لا إله إلا الله‏.‏ وأدناها إماطة الأذى عن الطريق‏.‏ والحياء شعبة من الإيمان‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏إماطة الأذى‏)‏ أي تنحيته وإبعاده‏.‏ والمراد بالأذى كل ما يؤذى من حجر أو مدر أو شوك أو غيره‏]‏‏.‏
59 - ‏(‏36‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعمرو الناقد، وزهير بن حرب‏.‏ قالوا‏:‏ حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه؛ سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يعظ أخاه في الحياء‏.‏ فقال‏:‏
‏"‏الحياء من الإيمان‏"‏‏.‏
‏[‏ش‏(‏يعظ أخاه في الحياء‏)‏ أي ينهاه عنه ويقبح له فعله ويزجره عن كثرته‏.‏ فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك‏]‏‏.‏
‏(‏36‏)‏ حدثنا عبد بن حميد‏.‏ حدثنا عبدالرزاق‏.‏ أخبرنا معمر، عن الزهري، بهذا الإسناد‏.‏ وقال‏:‏ مر برجل من الأنصار يعظ أخاه‏.‏
60 - ‏(‏37‏)‏ حدثنا محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار‏(‏واللفظ لابن المثنى‏)‏ قالا‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر‏.‏ حدثنا شعبة، عن قتادة؛ قال سمعت أبا السوار يحدث؛ أنه سمع عمران بن حصين يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال‏:‏ ‏"‏الحياء لا يأتي إلا بخير‏"‏ فقال بشير بن كعب‏:‏ إنه مكتوب في الحكمة‏:‏ أن منه وقار ومنه سكينة‏.‏ فقال عمران‏:‏ أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن صحفك‏.‏61 - ‏(‏37‏)‏ حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا حماد بن زيد، عن إسحاق؛ ‏(‏وهو ابن سويد‏)‏ أن أبا قتادة حدث؛ قال‏:‏ كنا عند عمران بن حصين في رهط منا‏.‏ وفينا بشير بن كعب‏.‏ فحدثنا عمران يومئذ قال‏:‏
قال رسول الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الحياء خير كله‏"‏ قال أنه قال‏:‏ ‏"‏الحياء كله خير‏"‏ فقال بشير بن كعب‏:‏ إنا لنجد في بعض الكتب أو الخدمة أن منه سكينة ووقارا للهز ومنه ضعف‏.‏ قال فغضب عمران حتى احمرتا عيناه‏.‏ وقال ألا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعارض فيه‏؟‏ قال فأعاد عمران الحديث‏.‏ قال فأعاد بشير‏.‏ فغضب عمران‏.‏ قال، فمازلنا نقول فيه‏:‏ إنه منا يا أبا نجيد‏!‏ إنه لا بأس به‏.‏
‏[‏ش ‏(‏حتى احمرتا عيناه‏)‏ كذا هو في الأصول‏.‏ وهو صحيح جار على لغة‏:‏ أكلوني البراغيث‏.‏ ومثله‏:‏ وأسروا النجوى الذين ظلموا‏.‏ ومثله‏:‏ يتعاقبون فيكم ملائكة‏.‏ ‏(‏إنه منا، إنه لا بأس به‏)‏ معناه ليس هو ممن يتهم بنفاق أو زندقة أو بدعة أو غيرها مما يخالف به أهل الاستقامة‏]‏‏.‏
حدثنا إسحاق بن إبراهيم‏.‏ أخبرنا النضر‏.‏ حدثنا أبو نعامة العدوى‏.‏ قال‏:‏ سمعت حجير بن الربيع العدوى يقول، عن عمران ابن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ نحو حديث حماد بن زيد‏.‏
(‏13‏)‏ باب جامع أوصاف الإسلام
62 - ‏(‏38‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا ابن نمير‏.‏ ح وحدثنا قتيبة بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم، جميعا عن جرير‏.‏ ح وحدثنا أبو كريب‏.‏ حدثنا أبو أسامة، كلهم عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن سفيان بن عبدالله الثقفي؛ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ قل لي في الإسلام قولا، لا أسأل عنه أحدا بعدك ‏(‏وفي حديث أبي أسامة غيرك‏)‏
قال ‏"‏ قل آمنت بالله فاستقم‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏قل آمنت بالله فاستقم‏)‏ قال القاضي عياض رحمه الله‏:‏ هذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا‏.‏ أي وحدوا الله وآمنوا به‏.‏ ثم استقاموا فلم يحيدوا عن التوحيد، والتزموا طاعته سبحانه وتعالى إلى أن توفوا على ذلك‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏14‏)‏ باب بيان تفاضل الإسلام، وأي أموره أفضل
63 - ‏(‏39‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد‏.‏ حدثنا ليث‏.‏ ح وحدثنا محمد بن رمح بن المهاجر‏.‏ أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبدالله بن عمرو؛ أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أي الإسلام خير‏؟‏ قال
‏"‏تطعم الطعام‏.‏ وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف‏"‏‏.‏
64 - ‏(‏40‏)‏ وحدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبدالله بن عمرو بن سرح المصري‏.‏ أخبرنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، أنه سمع عبدالله بن عمرو بن العاص يقول‏:‏ إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أي المسلمين خير‏؟‏ قال‏:‏
‏"‏من سلم المسلمون من لسانه ويده‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏من المسلمون من لسانه ويده‏)‏ معناه من لم يؤذ مسلما بقول ولا فعل‏.‏ وخص اليد بالذكر لأن معظم الأفعال بها‏]‏‏.‏
65 - ‏(‏41‏)‏ حدثنا حسن الحلواني وعبد بن حميد، جميعا عن أبي عاصم‏.‏ قال عبد‏:‏ أنبأنا أبو عاصم، عن ابن جريج؛ أنه سمع أبا الزبير يقول‏:‏ سمعت جابرا يقول‏:‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول
‏"‏ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده‏"‏‏.‏
66 - ‏(‏42‏)‏ وحدثني سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي‏.‏ قال‏:‏ حدثني أبي‏.‏ حدثنا أبو بردة بن عبدالله بن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أي الإسلام أفضل‏؟‏ قال‏:‏
‏"‏من سلم المسلمون من لسانه ويده‏"‏‏.‏ وحدثنيه إبراهيم بن سعيد الجوهري‏.‏ حدثنا أبو أسامة قال‏:‏ حدثني بريد بن عبدالله بهذا الإسناد‏.‏ قال‏:‏ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أي المسلمين أفضل‏؟‏ فذكر مثله‏.‏
*3* ‏(‏15‏)‏ باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان
67 - ‏(‏43‏)‏ حدثنا إسحاق بن لإبراهيم، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر، ومحمد بن بشار، جميعا عن الثقفي‏.‏ قال ابن أبي عمر‏:‏ حدثنا عبدالوهاب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏ ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان‏.‏ من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‏.‏ وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله‏.‏ وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏وجد بهن حلاوة الإيمان‏)‏ قال العلماء رحمهم الله‏:‏ معنى حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضي الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وإيثار ذلك على عرض الدنيا‏.‏ ومحبة العبد ربه سبحانه وتعالى، بفعل طاعته وترك مخالفته ‏.‏ وكذلك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏(‏يعود أو يرجع في الكفر‏)‏ فمعناه يصير‏.‏ وقد جاء العود والرجوع بمعنى الصيرورة‏]‏‏.‏
68 - ‏(‏43‏)‏ حدثنا محمد بن المثنى‏.‏ وابن بشار‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر‏.‏ حدثنا شعبة قال‏:‏
سمعت قتادة يحدث عن أنس، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏ثلاث من كن فيه وجد طعم الإيمان‏.‏ من كان يحب المرء لا يحب إلا لله‏.‏ ومن كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما‏.‏ ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏يعود أو يرجع في الكفر‏)‏ فمعناه يصير‏.‏ وقد جاء العود والرجوع بمعنى الصيرورة‏]‏‏.‏
‏(‏43‏)‏ حدثنا لإسحاق بن منصور‏.‏ أنبأنا النضر بن شميل‏.‏ أنبأنا حماد، عن ثابت، عن أنس، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو حديثهم‏.‏ غير أنه قال‏:‏
‏"‏من أن يرجع يهوديا أو نصرانيا‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏16‏)‏ باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين‏.‏ ولإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة
69 - ‏(‏44‏)‏ وحدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا إسماعيل بن علية‏.‏ ح وحدثنا شيبان بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا عبدالوارث، كلاهما عن عبدالعزيز، عن أنس؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يؤمن عبد ‏(‏وفي حديث عبدالوارث الرجل‏)‏ حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين‏"‏‏.‏
70 - ‏(‏44‏)‏ حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار، قالا‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر‏.‏ حدثنا شعبة‏.‏ قال‏:‏ سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك؛ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏أحب إليه من ولده الخ‏)‏ قال ابن بطال والقاضي عياض وغيرهما، رحمة الله عليهم‏:‏ المحبة ثلاثة أقسام محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد، ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد، ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس‏.‏ فجمع صلى الله عليه وسلم أصناف المحبة في محبته‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏17‏)‏ باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير
71 - ‏(‏45‏)‏ حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار، قالا‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر‏.‏ حدثنا شعبة‏.‏ قال‏:‏ سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ‏(‏أو قال لجاره‏)‏ ما يحب لنفسه‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏لا يؤمن أحدكم‏)‏ قال العلماء رحمهم الله‏:‏ معناه لا يؤمن الإيمان التام‏.‏ وإلا فأصل الإيمان يحصل لمن لم يكن بهذه الصفة‏]‏‏.‏
72 - ‏(‏45‏)‏ وحدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا يحيى بن سعيد عن حسين المعلم، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏والذي نفسي بيده‏!‏ لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ‏(‏أو قال لأخيه‏)‏ ما يحب لنفسه‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏18‏)‏ باب بيان تحريم إيذاء الجار
73 - ‏(‏46‏)‏ حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر، جميعا عن إسماعيل قال‏:‏ أخبرني العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏بوائقه‏)‏ البوائق جمع بائقة‏.‏ وهي الغائلة والداهية والفتك‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏19‏)‏ باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير، وكون ذلك كله من الإيمان
74 - ‏(‏47‏)‏ حدثني حرملة بن يحيى‏.‏ أنبأنا ابن وهب‏.‏ قال‏:‏ أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
‏"‏من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت‏.‏ ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره‏.‏ ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه‏"‏‏.‏
75 - ‏(‏47‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا أبو الأحوص عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه‏.‏ ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت‏"‏‏.‏
76 - ‏(‏47‏)‏ وحدثنا إسحاق بن إبراهيم‏.‏ أخبرنا عيسى بن يونس عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي حصين‏.‏ غير أنه قال‏:‏ ‏"‏فليحسن إلى جاره‏"‏‏.‏
77 - ‏(‏48‏)‏ حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن عبدالله بن نمير، جميعا عن ابن عيينة، قال ابن نمير‏:‏ حدثنا سفيان بن عمرو؛ أنه سمع نافع بن جبير يخبر عن ابن شريح الخزاعي؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
‏"‏من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره‏.‏ ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلكرم ضيفه‏.‏ ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏20‏)‏ باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان‏.‏ وأن الإيمان يزيد وينقص‏.‏ وأن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر واجبان
78 - ‏(‏49‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا وكيع بن سفيان‏.‏ ح وحدثنا محمد بن المثنى‏.‏ حدثنا محمد بن جعفر‏.‏ حدثنا شعبة كلاهما عن لقيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب‏.‏ وهذا حديث أبي بكر‏.‏ قال‏:‏
أول من بدأ بالخطبة، يوم العيد قبل الصلاة، مروان‏.‏ فقام إليه رجل‏.‏ فقال‏:‏ الصلاة قبل الخطبة‏.‏ فقال‏:‏ قد ترك ما هنالك‏.‏ فقال أبو سعيد‏:‏ أما هذا فقد قضى ما عليه‏.‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏من رأى منكم منكرا فليغيره بيده‏.‏ فإن لم يستطع فبلسانه‏.‏ ومن لم يستطع فبقلبه‏.‏ وذلك أضعف الإيمان‏"‏‏.‏
79 - ‏(‏49‏)‏ حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء‏.‏ حدثنا أبو معاوية‏.‏ حدثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري‏.‏ وعن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد الخدري‏.‏ في قصة مروان، وحديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثل حديث شعبة وسفيان‏.‏
80 - ‏(‏50‏)‏ حدثني عمرو الناقد، وأبو بكر بن النضر، وعبد بن حميد،واللفظ لعبد‏.‏ قالوا‏:‏ حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد‏.‏ قال‏:‏ حدثني أبي عن صالح بن كيسان، عن الحارث، عن جعفر بن عبدالله بن الحكم، عن عبدالرحمن بن المسور، عن أبي رافع، عن عبدالله بن مسعود؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب‏.‏ يأخذون بسنته ويقتدون بأمره‏.‏ ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف‏.‏ يقولون ما لا يفعلون‏.‏ ويفعلون ما لا يؤمرون‏.‏ فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن‏.‏ وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل‏"‏‏.‏ قال أبو رافع‏:‏ فحدثت عبدالله بن عمر فأنكره علي‏.‏ فقدم ابن مسعود فنزل بقناة‏.‏ فاستتبعني إليه عبدالله بن عمر يعوده‏.‏ فانطلقت معه‏.‏ فلما جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث فحدثنيه كما حدثته ابن عمر‏.‏ قال صالح‏:‏ وقد تحدث بنحو ذلك عن أبي رافع‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ثم إنها تخلف‏)‏ الضمير في إنها هو الذي يسميه النحويون ضمير القصة والشأن‏.‏ ومعنى تخلف تحدث‏.‏ وأما الخلوف فهو جمع خلف وهو الخالف بشر‏.‏ وأما بفتح اللام فهو الخالف بخير‏.‏ هذا هو الأشهر‏.‏ ‏(‏فنزل بقناة‏)‏ هكذا هو في بعض الأصول المحققة‏.‏ وهو غير مصروف للعلمية والتأنيث‏.‏ وقناة واد من أودية المدينة، عليه مال من أموالها‏]‏‏.‏
‏(‏50‏)‏ وحدثنيه أبو بكر بن إسحاق بن محمد‏.‏ أخبرنا ابن أبي مريم‏.‏ حدثنا عبدالعزيز بن محمد‏.‏ قال‏:‏ أخبرني الحارث بن الفضيل الخطمي‏.‏ عن جعفر بن عبدالله بن الحكم، عن عبدالرحمن بن المسور بن مخرمة، عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، عن عبدالله بن مسعود؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏ما كان من نبي إلا وقد كان له حواريون يهتدون بهدية ويستنون بسنته‏"‏ مثل حديث صالح‏.‏ ولم يذكر قدوم ابن مسعود واجتماع ابن عمر معه‏.‏
‏[‏ش ‏(‏يهتدون بهديه‏)‏ أي بطريقته وسمته‏.‏ ‏(‏واجتماع ابن عمر معه‏)‏ هذا مما أنكره الحريري في كتابه درة الغواص، فقال‏:‏ لا يقال اجتمع فلان مع فلان وإنما يقال اجتمع فلان وفلان‏.‏ وقد خالفه الجوهري فقال في صحاحه‏:‏ جامعه على كذا أي اجتمع معه‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏21‏)‏ باب تفاضل أهل الإيمان فيه، ورجحان أهل اليمن فيه
81 - ‏(‏51‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا أبو أسامة‏.‏ ح وحدثنا ابن نمير‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ ح وحدثنا أبو كريب‏.‏ حدثنا ابن إدريس‏.‏ كلهم عن إسماعيل بن أبي خالد‏.‏ ح وحدثنا يحيى بن حبيب الحارثي، واللفظ له‏.‏ حدثنا معتمر، عن إسماعيل، قال‏:‏
سمعت قيسا يروي عن أبي مسعود‏.‏ قال‏:‏ أشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده نحو اليمن، فقال‏:‏ ‏"‏ألا إن الإيمان ههنا‏.‏ وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين‏.‏ عند أصول أذناب الإبل‏.‏ حيث يطلع قرنا الشيطان‏.‏ في ربيعة ومضر‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ألا إن الإيمان ههنا‏)‏ قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله، رادا على من صرف نسبة الإيمان إلى اليمن عن ظاهره‏:‏ ولو جمع أبو عبيد ومن سلك سبيله طرق الحديث بألفاظه‏.‏ كما جمعها مسلم وغيره، وتأملوها، لصاروا إلى غير ما ذكروه، ولما تركوا الظاهر، ولقضوا بأن المراد اليمن وأهل اليمن‏.‏ على ما هو مفهوم من إطلاق ذلك‏.‏ ثم إنه صلى الله عليه وسلم وصفهم بما يقضي بكمال إيمانهم ورتب عليه‏"‏ الإيمان يمان‏"‏ فكان ذلك إشارة للإيمان إلى من أتاه أهل اليمن‏.‏ ‏(‏الفدادين‏)‏ جمع فداد‏.‏ وهذا قول أهل الحديث والأصمعي وجمهور أهل اللغة‏.‏ وهو من الفديد وهو الصوت الشديد‏.‏ فهم الذين تعلوا أصواتهم في إبلهم وخيلهم وحروثهم، ونحو ذلك‏.‏ ‏(‏حيث يطلع قرنا الشياطين في ربيعة ومضر‏)‏ قوله‏:‏ ربيعة ومضر، بدل من الفدادين‏.‏ وأما قرنا الشيطان فجانبا رأسه‏.‏ وقيل هما جمعاه اللذان يغريهما بإضلال الناس‏.‏ وقيل شيمتاه من الكفار‏]‏‏.‏
82 - ‏(‏52‏)‏ حدثنا أبو الربيع الزهراني أنبأنا حماد‏.‏ حدثنا أيوب‏.‏ حدثنا محمد عن أبي هريرة‏.‏ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ جاء أهل اليمن‏.‏ هم أرق أفئدة‏.‏ الإيمان يمان‏.‏ والفقه يمان‏.‏ والحكمة يمانية‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏الإيمان يمان‏)‏ يمان ويمانية هو بتخفيف الياء عند جماهير أهل العربية‏.‏ لأن الألف المزيدة فيه عوض من ياء النسب المشددة، فلا يجمع بينهما‏.‏ ‏(‏والفقه‏)‏ الفقه هنا عبارة عن الفهم في الدين‏.‏ واصطلح بعد ذلك الفقهاء وأصحاب الأصول على تخصيص الفقه بإدراك الأحكام الشرعية العملية، بالاستدلال على أعيانها‏.‏ ‏(‏والحكمة‏)‏ الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى، المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به‏.‏ والضد عن أتباع الهوى والباطل‏]‏‏.‏
83 - ‏(‏52‏)‏ حدثنا محمد بن المثنى‏.‏ حدثنا ابن أبي عدي‏.‏ ح وحدثني عمرو الناقد‏.‏ حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق‏.‏ كلاهما عن ابن عون، عن محمد، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله‏.‏
84 - ‏(‏52‏)‏ وحدثني عمرو الناقد وحسن الحلواني، قالا‏:‏ حدثنا يعقوب ‏(‏وهو ابن إبراهيم ابن سعد‏)‏ ‏.‏ حدثنا أبي عن صالح، عن الأعرج، قال‏:‏
قال أبو هريرة‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ أتاكم أهل اليمن‏.‏ هم أضعف قلوبا وأرق أفئدة‏.‏ الفقه يمان والحكمة يمانية‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏أضعف قلوبا وأرق أفئدة‏)‏ المشهور أن الفؤاد هو القلب‏.‏ فعلى هذا يكون كرر لفظ القلب بلفظين‏.‏ وهو أولى من تكرير بلفظ واحد‏.‏ وأما وصفها باللين والرقة والضعف فمعناه أنها ذات خشية واستكانة، سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير، سالمة من الغلط والشدة والقسوة التي وصف بها قلوب الآخرين‏]‏‏.‏
85 - ‏(‏52‏)‏ حدثنا يحيى بن يحيى قال‏:‏ قرأت على مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏رأس الكفر نحو الشرق‏.‏ والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل، الفدادين، أهل الوبر‏.‏ والسكينة في أهل الغنم‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏الفخر والخيلاء‏)‏ الفخر هو الافتخار وعد المآثر القديمة تعظيما‏.‏ والخيلاء‏:‏ الكبر واحتقار الناس‏.‏ ‏(‏والسكينة في أهل الغنم‏)‏ فالسكينة الطمأنينة والسكون، على خلاف ما ذكره من صفة الفدادين‏]‏‏.‏
86 - ‏(‏52‏)‏ وحدثني يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر، عن إسماعيل بن جعفر، قال ابن أيوب‏:‏ حدثنا إسماعيل‏.‏ قال‏:‏ أخبرني العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة‏.‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏الإيمان يمان‏.‏ والكفر قبل المشرق‏.‏ والسكينة في أهل الغنم‏.‏ والفخر والرياء في الفدادين أهل الخيل والوبر‏"‏‏.‏
87 - ‏(‏52‏)‏ وحدثني حرملة بن يحيى‏.‏ أخبرنا ابن وهب؛ قال‏:‏ أخبرني يونس عن ابن شهاب؛ قال‏:‏ أخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن؛ أن أبا هريرة قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏
‏"‏الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر‏.‏ والسكينة في أهل الغنم‏"‏‏.‏
88 - ‏(‏52‏)‏ وحدثنا عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي‏.‏ أخبرنا أبو اليمان‏.‏ أخبرنا شعيب عن الزهري، بهذا الإسناد‏.‏ مثله‏.‏ وزاد ‏"‏الإيمان يمان والحكمة يمانية‏"‏‏.‏
89 - ‏(‏52‏)‏ حدثنا عبدالله بن عبدالرحمن‏.‏ أخبرنا أبو اليمان عن شعيب، عن الزهري‏.‏ حدثني سعيد بن المسيب؛ أن أبا هريرة قال‏:‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏
‏"‏جاء أهل اليمن‏.‏ هم أرق أفئدة وأضعف قلوبا‏.‏ الإيمان يمان والحكمة يمانية‏.‏ السكينة في أهل الغنم‏.‏ والفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر‏.‏ قبل مطلع الشمس‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏مطلع‏)‏ موضع الطلوع‏.‏ أما مطلع، بفتح اللام، فهو مصدر مثل الطلوع‏]‏‏.‏
90 - ‏(‏52‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا‏:‏ حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏أتاكم أهل اليمن‏.‏ هم ألين قلوبا وأرق أفئدة‏.‏ الإيمان يمان والحكمة يمانية‏.‏ رأس الكفر قبل المشرق‏"‏‏.‏
‏(‏52‏)‏ وحدثنا قتيبة بن سعيد وزهير بن حرب، قالا‏:‏ حدثنا جرير عن الأعمش بهذا الإسناد‏.‏ ولم يذكر ‏"‏رأس الكفر قبل المشرق‏"‏‏.‏
91 - ‏(‏52‏)‏ وحدثنا محمد بن المثنى‏.‏ حدثنا ابن أبي عدي‏.‏ ح وحدثني بشر بن خالد‏.‏ حدثنا محمد ‏(‏يعني ابن جعفر‏)‏ قالا‏:‏ حدثنا شعبة عن الأعمش بهذا الإسناد‏.‏ مثل حديث جرير‏.‏ وزاد ‏"‏والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل‏.‏ والسكينة والوقار في أصحاب الشاء‏"‏‏.‏
92 - ‏(‏53‏)‏ وحدثنا إسحاق بن إبراهيم‏.‏ أخبرنا عبدالله بن الحارث المخزومي، عن ابن جريج، قال‏:‏ أخبرني أبو الزبير؛ أنه سمع جابر بن عبدالله يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏غلظ القلوب، والجفاء، في المشرق‏.‏ والإيمان في أهل الحجاز‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏22‏)‏ باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون‏.‏ وأن محبة المؤمنين من الإيمان‏.‏ وأن إفشاء السلام سبب لحصولها
93 - ‏(‏54‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا‏.‏ ولا تؤمنوا حتى تحابوا‏.‏ أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم‏؟‏ أفشوا السلام بينكم‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ولا تؤمنوا‏)‏ بحذف النون من آخره‏.‏ وهي لغة معروفة صحيحة‏.‏ وأما معنى الحديث فقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ولا تؤمنوا حتى تحابوا‏"‏ معناه لا يكمل ولا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحاب‏.‏ ‏(‏أفشوا السلام بينكم‏)‏ فيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم، من عرفت ومن لم تعرف‏]‏‏.‏
94 - ‏(‏54‏)‏ وحدثني زهير بن حرب‏.‏ أنبأنا جرير عن الأعمش بهذا الإسناد‏.‏ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏والذي نفسي بيده‏!‏ لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا‏"‏ بمثل حديث أبي معاوية ووكيع‏.‏
*3* ‏(‏23‏)‏ باب بيان أن الدين النصيحة
95 - ‏(‏55‏)‏ حدثنا محمد بن عباد المكي‏.‏ حدثنا سفيان‏.‏ قال‏:‏ قلت لسهيل‏:‏ إن عمرا حدثنا عن القعقاع، عن أبيك‏.‏ قال‏:‏
ورجوت أن يسقط عنى رجلا‏.‏ قال فقال‏:‏ سمعته من الذي سمعه منه أبي‏.‏ كان صديقا له بالشام‏.‏ ثم حدثنا سفيان عن سهيل، عن عطاء بن يزيد، عن تميم الداري؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏الدين النصيحة‏"‏ قلنا‏:‏ لمن‏؟‏ قال ‏"‏لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعاماهم‏.‏
‏[‏ش ‏(‏الدين النصيحة‏)‏ قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله‏:‏ النصيحة كلمة جامعة‏.‏ معناها حيازة الحظ للمنصوح له‏.‏ ومعنى الحديث‏:‏ عماد الدين وقوامه النصيحة‏.‏ كقوله ‏"‏الحج عرفة‏"‏ أي عماده ومعظمه عرفة‏.‏ ‏(‏لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم‏)‏ أما النصيحة لله تعالى فمعناها منصرف إلى الإيمان به ونفي الشريك عنه‏.‏ وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد في نصح نفسه‏.‏ فالله سبحانه وتعالى غنى عن نصح الناصح‏.‏ وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله‏.‏ لا يشبهه شيء من كلام الخلق، والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابه‏.‏ وأما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتصديقه على الرسالة والإيمان بجميع ما جاء به‏.‏ وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به‏.‏ والمراد بأئمة المسلمين الخلفاء وغيرهم ممن يقوم بأمور المسلمين من أصحاب الولايات‏.‏ وأما نصيحة عامة المسلمين، وهم من عدا ولاة الأمور، فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم‏]‏‏.‏
96 - ‏(‏55‏)‏ حدثني محمد بن حاتم‏.‏ حدثنا ابن مهدي‏.‏ حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن تميم الداري، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ بمثله‏.‏
‏(‏55‏)‏ وحدثني أمية بن بسطام‏.‏ حدثنا يزيد ‏(‏يعني ابن زريع‏)‏‏.‏ حدثنا روح ‏(‏وهو ابن القاسم‏)‏ حدثنا سهيل عن عطاء بن يزيد‏.‏ سمعه وهو يحدث أبا صالح عن تميم الداري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
بمثله‏.‏
97 - ‏(‏56‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا عبدالله بن نمير وأبو أسامة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير؛ قال‏:‏
بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم‏.‏
98 - ‏(‏56‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن نمير، قالوا‏:‏ حدثنا سفيان عن زياد بن علاقة‏.‏ سمع جرير بن عبدالله يقول‏:‏
بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم‏.‏
99 - ‏(‏56‏)‏ حدثنا سريج بن يونس ويعقوب الدورقي، فالا‏:‏ حدثنا هشيم عن سيار، عن الشعبي، عن جرير؛ قال‏:‏
بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة‏.‏ فلقنني ‏"‏فيما استطعت‏"‏ والنصح لكل مسلم‏.‏ قال يعقوب في روايته‏:‏ قال‏:‏ حدثنا سيار‏.‏
(‏24‏)‏ باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي، ونفيه عن المتلبس بالمعصية، على إرادة نفي كماله
100 - ‏(‏57‏)‏ حدثني حرملة بن يحيى بن عبدالله بن عمران التجيبي‏.‏ أنبأنا ابن وهب‏.‏ قال‏:‏ أخبرني يونس عن ابن شهاب‏.‏ قال‏:‏ سمعت أبا سلمة بن عبدالرحمن وسعيد بن المسيب يقولان‏:‏ قال أبو هريرة‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن‏.‏ ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن‏.‏ ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن‏"‏‏.‏ قال ابن شهاب‏:‏ فأخبرني عبدالملك بن أبي بكر بن عبدالرحمن؛ أن أبا بكر كان يحدثهم هؤلاء عن أبي هريرة‏.‏ ثم يقول‏:‏ وكان أبو هريرة يلحق معهن ‏"‏ولا ينهب نهبة ذات شرف، يرفع الناس إليه فيها أبصارهم، حين ينتهبها، وهو مؤمن‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏لا يزني الزاني وهو مؤمن ‏.‏‏.‏‏.‏ الخ‏)‏ هذا الحديث مما اختلف العلماء في معناه‏.‏ فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان‏.‏ ‏(‏نهبة‏)‏ النهبة‏:‏ هي ما ينهبه‏.‏ ‏(‏ذات شرف‏)‏ معناه ذات قدر عظيم‏.‏ وقيل ذات استشراف يستشرف الناس لها، ناظرين إليها، رافعين أبصارهم‏]‏‏.‏
101 - ‏(‏57‏)‏ وحدثني عبدالملك بن شعيب الليث بن سعد‏.‏ قال‏:‏ حدثني أبي عن جدي، قال‏:‏ حدثني عقيل بن خالد‏.‏ قال‏:‏ قال ابن شهاب‏:‏ أخبرني أبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة؛ أنه قال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏لا يزني الزاني‏"‏ واقتص الحديث بمثله‏.‏ يذكر مع ذكر النهبة‏.‏ ولم يذكر ذات شرف‏.‏
قال ابن شهاب‏:‏ حدثني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ بمثل حديث أبي بكر هذا‏.‏ إلا النهبة‏.‏
102 - ‏(‏57‏)‏ وحدثني محمد بن مهران الرازي‏.‏ قال‏:‏ أخبرني عيسى بن يونس‏.‏ حدثنا الأوزاعي، عن الزهري، عن ابن المسيب وأبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ بمثل حديث عقيل، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة‏.‏ وذكر النهبة‏.‏ ولم يقل‏:‏ ذات شرف‏.‏
103 - ‏(‏57‏)‏ وحدثني حسن بن علي الحلواني‏.‏ حدثنا يعقوب بن إبراهيم‏.‏ حدثنا عبدالعزيز بن المطلب عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، مولى ميمونة، وحميد بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ح وحدثنا محمد ابن رافع‏.‏ حدثنا عبدالرزاق‏.‏ أخبرنا معمر عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
‏(‏57‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد‏.‏ حدثنا عبدالعزيز ‏(‏يعني الدراوردي‏؟‏‏؟‏‏)‏ عن العلاء بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ كل هؤلاء بمثل حديث الزهري‏.‏ غير أن العلاء وصفوان بن سليم ليس في حديثهم ‏"‏يرفع الناس إليه فيها أبصارهم‏"‏ وفي حديث همام ‏"‏يرفع إليه المؤمنون أعينهم فيها وهو حين ينتهبها مؤمن‏"‏ وزاد ‏"‏ولا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن‏.‏ فإياكم إياكم‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ولا يغل‏)‏ هو من الغلول، وهو الخيانة، بفتح الياء وضم الغين وتشديد اللام‏.‏ ‏(‏فإياكم إياكم‏)‏ فهكذا هو في الروايات‏:‏ إياكم إياكم‏.‏ مرتين‏.‏ ومعناه احذروا احذروا‏]‏‏.‏
104 - ‏(‏57‏)‏ حدثني محمد بن المثنى‏.‏ حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن ذكوان، عن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن‏.‏ ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن‏.‏ ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن‏.‏ والتوبة معروضة بعد‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏والتوبة معروضة بعد‏)‏ قد أجمع العلماء على قبول التوبة ما لم يغرغر‏.‏ وللتوبة ثلاثة أركان‏:‏ أن يقلع عن المعصية، ويندم على فعلها، ويعزم أن لا يعود إليها‏]‏‏.‏
105 - ‏(‏57‏)‏ حدثني محمد بن رافع‏.‏ حدثنا عبدالرزاق‏.‏ أخبرنا سفيان عن الأعمش، عن ذكوان، عن أبي هريرة، رفعه، قال ‏"‏لا يزني الزاني‏"‏ ثم ذكر بمثل حديث شعبة‏.‏
*3* ‏(‏25‏)‏ باب بيان خصال المنافق
106 - ‏(‏58‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا عبدالله بن نمير‏.‏ ح وحدثنا ابن نمير‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ حدثنا الأعمش‏.‏ ح وحدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا وكيع‏.‏ حدثنا سفيان‏.‏ عن الأعمش، عن عبدالله بن مرة، عن مسروق، عن عبدالله بن عمرو قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏أربع من كن فيه كان منافق خالصا‏.‏ ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق‏.‏ حتى يدعها‏:‏ إذا حدث كذب‏.‏ وإذا عاهد غدر‏.‏ وإذا وعد أخلف‏.‏ وإذا خاصم فجر‏"‏ غير أن في حديث سفيان ‏"‏وإن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏أربع من كن فيه‏)‏ الذي قاله المحققون والأكثرون، وهو الصحيح المختار أن معناه‏:‏ إن هذه الخصال خصال نفاق‏.‏ وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم‏.‏ لا أنه منافق في الإسلام، فيظهره وهو يبطن الكفر‏.‏ ‏(‏كان منافقا خالصا‏)‏ معناه شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال‏.‏ ‏(‏وإذا خاصم فجر‏)‏ أي مال عن الحق وقال الباطل والكذب‏.‏ قال أهل اللغة‏:‏ وأصل الفجور الميل عن القصد‏]‏‏.‏
107 - ‏(‏59‏)‏ حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد، واللفظ ليحيى‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا إسماعيل بن جعفر‏.‏ قال‏:‏ أخبرني أبو سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏آية المنافق ثلاث‏:‏ إذا حدث كذب‏.‏ وإذا وعد أخلف‏.‏ وإذا ائتمن خان‏"‏‏.‏
108 - ‏(‏59‏)‏ حدثنا أبو بكر بن إسحاق‏.‏ أخبرنا ابن أبي مريم‏.‏ أخبرنا محمد بن جعفر‏.‏ قال‏:‏ أخبرني العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب، مولى الحرقة، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏من علامات المنافق ثلاثة‏:‏ إذا حدث كذب‏.‏ وإذا وعد أخلف‏.‏ وإذا ائتمن خان‏"‏‏.‏
109 - ‏(‏59‏)‏ حدثنا عقبة بن مكرم العمى‏.‏ حدثنا يحيى بن محمد بن قيس أبو زكير‏.‏ قال‏:‏ سمعت العلاء بن عبدالرحمن يحدث بهذا الإسناد‏.‏ وقال
‏"‏آية المنافق ثلاث‏.‏ وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم‏"‏‏.‏
110 - ‏(‏59‏)‏ وحدثني أبو نصر التمار وعبدالأعلى بن حماد، قالا‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث يحيى بن محمد عن العلاء‏.‏ ذكر فيه ‏"‏وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏26‏)‏ باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم‏:‏ يا كافر
111 - ‏(‏60‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا محمد بن بشر وعبدالله بن نمير، قالا‏:‏ حدثنا عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏إذا كفر الرجل أخاه‏)‏ الأرجح أن ذلك يؤول به إلى الكفر‏.‏ وذلك أن المعاصي، كما قالوا، يريد الكفر‏.‏ ويخاف على المكثر منها أن يكون عاقبة شؤمها المصير إلى الكفر‏.‏ ووجه آخر معناه‏:‏ فقد رجع إليه تكفيره‏.‏ فليس الراجع حقيقة الكفر، بل التكفير‏]‏‏.‏
‏(‏60‏)‏ وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي، ويحيى بن أيوب، وقتيبة بن سعيد، وعلي بن حجر، جميعا عن إسماعيل بن جعفر‏.‏ قال يحيى بن يحيى‏:‏ أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن عبدالله بن دينار؛ أنه سمع ابن عمر يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏أيما امرئ قال لأخيه‏:‏ يا كافر‏.‏ فقد باء بها أحدهما‏.‏ إن كان كما قال‏.‏ وإلا رجعت عليه‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏27‏)‏ باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم
112 - ‏(‏61‏)‏ وحدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا عبدالصمد بن عبدالوارث‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ حدثنا حسين المعلم، عن ابن بريدة، عن يحيى بن يعمر؛ أن أبا الأسود حدثه عن أبي ذر؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏
‏"‏ليس من رجل ادعي لغير أبيه وهو يعلمه، إلا كفر‏.‏ ومن ادعى ما ليس له فليس منا‏.‏ وليتبوأ مقعده من النار‏.‏ ومن دعا رجلا بالكفر، أو قال‏:‏ عدو الله، وليس كذلك‏.‏ إلا حار عليه‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ليس من رجل ادعى لغير أبيه‏)‏ فيه تأويلان‏.‏ أحدهما‏:‏ أنه في حق المستحيل‏.‏ والثاني‏:‏ كفر النعمة والإحسان وحق الله تعالى وحق أبيه‏.‏ وليس المراد الكفر الذي يخرجه من ملة الإسلام‏.‏ والتعبير بالرجل جري مجري الغالب‏.‏ وإلا فالمرأة كذلك‏.‏ ‏(‏حار عليه‏)‏ باء ورجع وحار بمعنى واحد‏]‏‏.‏
113 - ‏(‏62‏)‏ حدثني هارون بن سعيد الأيلي‏.‏ حدثنا ابن وهب، قال‏:‏ أخبرني عمرو، عن جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك؛ أنه سمع أبا هريرة يقول‏:‏
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا ترغبوا عن آبائكم‏.‏ فمن رغب عن أبيه فهو كفر‏"‏‏.‏
114 - ‏(‏63‏)‏ حدثني عمرو الناقد‏.‏ حدثني هشيم بن بشير‏.‏ أخبرنا خالد عن أبي عثمان‏.‏ قال‏:‏
لما ادعي زياد، لقيت أبا بكرة فقلت له‏:‏ ما هذا الذي صنعتم‏؟‏ إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول‏:‏ سمع أذناي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول‏:‏ ‏"‏من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه، يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام‏"‏ فقال أبو بكرة‏:‏ وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
‏[‏ش ‏(‏لقيت أبا بكرة فقلت له‏)‏ معنى هذا الكلام الإنكار على أبي بكرة‏.‏ وذلك أن زيادا هذا المذكور هو المعروف بزياد بن أبي سفيان‏.‏ ويقال فيه زياد بن أبيه‏.‏ ويقال‏:‏ زياد بن أمه‏.‏ وهو أخو أبي بكرة لأمه‏.‏ وكان يعرف بزياد بن عبيد الثقفي‏.‏ ثم ادعاه معاوية بن أبي سفيان وألحقه بأبيه أبي سفيان، وصار من جملة أصحابه، بعد أن كان من أصحاب علي رضي الله عنه‏]‏‏.‏
115 - ‏(‏63‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة وأبو معاوية، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن سعد وأبي بكرة، كلاهما يقول‏:‏
سمعته أذناي‏.‏ ووعاه قلبي‏.‏ محمدا صلى الله عليه وسلم‏.‏ يقول‏:‏ من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ووعاه قلبي‏)‏ أي حفظه‏.‏ ‏(‏محمدا صلى الله عليه وسلم‏)‏ نصب محمدا على البدل من الضمير في سمعته أذناي‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏28‏)‏ باب بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر
116 - ‏(‏64‏)‏ حدثنا محمد بن بكار بن الريان، وعون بن سلام، قالا‏:‏ حدثنا محمد بن طلحة‏.‏ ح وحدثنا محمد بن المثنى‏.‏ حدثنا عبدالرحمن بن مهدي‏.‏ حدثنا سفيان‏.‏ ح وحدثنا محمد بن المثنى‏.‏ حدثنا محمد بن جعفر‏.‏ حدثنا شعبة كلهم عن زبيد، عن أبي وائل، عن عبدالله بن مسعود؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏سباب المسلم فسوق‏.‏ وقتاله كفر‏"‏ قال زبيد‏:‏ فقلت لأبي وائل‏:‏ أنت سمعته من عبدالله يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
وليس في حديث شعبة قول زبيد لأبي وائل‏.‏
‏[‏ش ‏(‏سباب المسلم فسوق‏)‏ السب في اللغة‏:‏ الشتم والتكلم في عرض الإنسان بما يعيبه‏.‏ والفسق في اللغة‏:‏ الخروج والمراد به، في الشرع، الخروج عن الطاعة‏.‏ وأما معنى الحديث فسب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة‏.‏ وفاعله فاسق‏.‏ ‏(‏وقتاله كفر‏)‏ الظاهر من قتاله المقاتلة المعروفة‏.‏ قال القاضي‏:‏ ويجوز أن يكون المراد المشارة والمدافعة‏]‏‏.‏
117 - ‏(‏64‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن المثنى، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن منصور‏.‏ ح وحدثنا ابن نمير‏.‏ حدثنا عفان‏.‏ حدثنا شعبة عن الأعمش، كلاهما عن أبي وائل، عن عبدالله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثله‏.‏
*3* ‏(‏29‏)‏ باب بيان معنى قول النبي صلى اله عليه وسلم ‏"‏لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض‏"‏
118 - ‏(‏65‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن الليثي، وابن بشار، جميعا، عن محمد بن جعفر، عن شعبة‏.‏ ح وحدثنا عبيدالله بن معاذ‏.‏ واللفظ له‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ حدثنا شعبة، عن علي بن مدرك، سمع أبا زرعة يحدث عن جده جرير؛ قال‏:‏
قال لي النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع‏.‏ ‏"‏استنصت الناس‏"‏ ثم قال ‏"‏لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏حجة الوداع‏)‏ سميت بذلك لأن النبي صلى الله عيه وسلم ودع الناس فيها‏.‏ وعلمهم، في خطبته فيها، أمر دينهم‏.‏ وأوصاهم بتبليغ الشرع فيها إلى من غاب عنها‏.‏ يجوز فيها الكسر سماعا، والفتح قياسا‏.‏ ‏(‏استنصت‏)‏ معناه‏:‏ مرهم بالإنصات ليسمعوا هذه الأمور المهمة والقواعد التي سأقررها لكم وأحملكموها‏.‏ ‏(‏كفارا‏)‏ أظهر الأقوال أنه فعل كفعل الكفار‏.‏ وهو اختيار القاضي عياض رحمه الله‏]‏‏.‏
119 - ‏(‏66‏)‏ وحدثنا عبيدالله بن معاذ‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ حدثنا شعبة عن واقد بن محمد عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثله‏.‏
120 - ‏(‏66‏)‏ وحدثني أبو بكر بن أبي شيبة وأبو بكر بن خلاد الباهلي، قالا‏:‏
حدثنا محمد بن جعفر‏.‏ حدثنا شعبة عن واقد بن محمد بن زيد؛ أنه سمع أباه يحدث، عن عبدالله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع ‏"‏ويحكم ‏(‏أو قال‏.‏ ويلكم‏)‏ لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ويحكم أو قال ويلكم‏)‏ قال القاضي‏:‏ هما كلمتان استعملتهما العرب بمعني التعجب والتوجع‏.‏ قال سيبويه‏:‏ ويل كلمة لمن وقع في هلكة‏.‏ وويح ترحم‏.‏ وحكى عنه‏:‏ ويح زجر لمن أشرف على الهلكة‏]‏‏.‏
‏(‏66‏)‏ حدثني حرملة بن يحيى‏.‏ أخبرنا عبدالله بن وهب‏.‏ قال‏:‏ حدثني عمر بن محمد؛ أن أباه حدثه عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثل حديث شعبة عن واقد‏.‏
*3* ‏(‏30‏)‏ باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة
121 - ‏(‏67‏)‏ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا أبو معاوية‏.‏ ح وحدثنا ابن نمير ‏(‏واللفظ له‏)‏ حدثنا أبي ومحمد بن عبيد‏.‏ كلهم عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏اثنتان في الناس هما بهم كفر‏.‏ الطعن في النسب والنياحة على الميت‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏31‏)‏ باب تسمية العبد الآبق كافرا
122 - ‏(‏68‏)‏ حدثنا علي بن حجر السعدي‏.‏ حدثنا إسماعيل ‏(‏يعني ابن علية‏)‏ عن منصور بن عبدالرحمن، عن الشعبي، عن جرير؛ أنه سمعه يقول‏:‏
‏"‏أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم‏"‏‏.‏ قال منصور‏:‏ قد والله روي عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ولكني أكره أن يروي عني ههنا بالبصرة‏.‏
123 - ‏(‏69‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا حفص بن غياث، عن داود، عن الشعبي، عن جرير؛ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏أيما عبد أبق فقد برئت منه الذمة‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏الذمة‏)‏ معناه لا ذمة له‏.‏ قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله‏:‏ الذمة هنا يجوز أن تكون هي الذمة المفسرة بالذمام، وهي الحرمة‏.‏ ويجوز أن يكون من قبيل ما جاء في قوله‏:‏ له ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏ أي ضمانه وأمانته ورعايته‏]‏‏.‏
124 - ‏(‏70‏)‏ حدثنا يحيى بن يحيى‏.‏ أخبرنا جرير عن مغيرة، عن الشعبي؛ قال‏:‏
كان جرير بن عبدالله يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏32‏)‏ باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء
125 - ‏(‏71‏)‏ حدثنا يحيى بن يحيى‏.‏ قال‏:‏ قرأت على مالك، عن صالح بن كيسان، عن عبيدالله بن عتبة، عن زيد بن خالد الجهني؛ قال‏:‏
صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر السماء كانت من الليل‏.‏ فلما انصرف أقبل على الناس فقال‏:‏ ‏"‏هل تدرون ماذا قال ربكم‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏قال‏:‏ أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر‏.‏ فأما من قال‏:‏ مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال‏:‏ مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏بالحديبية‏)‏ في القاموس‏:‏ الحديبية كدويهية‏.‏ وقد تشدد‏:‏ بئر قرب مكة حرسها الله تعالى‏.‏ أو لشجرة حدباء كانت هناك‏.‏ ‏(‏في إثر السماء‏)‏ هو إثر وأثر لغتان مشهورتان‏.‏ أي بعد المطر‏.‏ والسماء‏:‏ المطر‏.‏ ‏(‏بنوء‏)‏ قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله‏:‏ النوء في أصله ليس هو نفس الكوكب، فإنه مصدر ناء النجم ينوء أي سقط وغاب‏.‏ وقيل‏:‏ أي نهض وطلع‏]‏‏.‏
126 - ‏(‏72‏)‏ حدثني حرملة بن يحيى وعمرو بن سواد العامري ومحمد بن سلمة المرادي‏.‏ قال‏:‏ المرادي‏:‏ حدثنا عبدالله بن وهب عن يونس‏.‏ وقال الآخران‏:‏ أخبرنا ابن وهب‏.‏ قال‏:‏ أخبرني يونس عن ابن شهاب‏.‏ قال‏:‏ حدثني عبيدالله بن عتبة؛ أن أبا هريرة قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ألم تروا إلى ما قال ربكم‏؟‏ قال‏:‏ ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين‏.‏ يقولون‏:‏ الكواكب وبالكواكب‏"‏‏.‏
‏(‏72‏)‏ وحدثني محمد بن سلمة المرادي‏.‏ حدثنا عبدالله بن وهب عن عمرو بن الحارث‏.‏ ح وحدثني عمرو بن سواد‏.‏ أخبرنا عبدالله بن وهب‏.‏ أخبرنا عمرو بن الحارث؛ أن أبا يونس مولى أبي هريرة حدثه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين‏.‏ ينزل الله الغيث‏.‏ فيقولون‏:‏ الكوكب كذا وكذا‏"‏، وفي حديث المرادي ‏"‏بكوكب كذا وكذا‏"‏‏.‏
127 - ‏(‏73‏)‏ وحدثني عباس بن عبدالعظيم العنبري‏.‏ حدثنا النضر بن محمد‏.‏ حدثنا عكرمة ‏(‏وهو ابن عمار‏)‏ حدثنا أبو زميل‏.‏ قال‏:‏ حدثني ابن عباس قال‏:‏
مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر‏.‏ قالوا‏:‏ هذه رحمة الله‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ لقد صدق نوء كذا وكذا‏"‏ قال‏:‏ فنزلت هذه الآية‏:‏ فلا أقسم بمواقع النجوم، حتى بلغ‏:‏ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ‏[‏الواقعة/ آية 75 - 82‏]‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏وتجعلون رزقكم إنكم تكذبون‏)‏ قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله‏:‏ ليس مراده أن جميع هذا نزل في قولهم في الأنواء‏.‏ وإنما النازل في ذلك قوله تعالى ‏"‏وتجعلون رزقكم إنكم تكذبون‏"‏‏.‏ وأما تفسير الآية فقيل‏:‏ تجعلون رزقكم أي شكركم‏.‏ وقيل‏:‏ تجعلون شكر رزقكم وقال الحسن‏:‏ أي تجعلون حظكم‏.‏ وأما مواقع النجوم، فقال الأكثرون‏:‏ المراد نجوم السماء ومواقعها ومغاربها‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏33‏)‏ باب الدليل على أن حب الأنصار وعلى رضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته‏.‏ وبغضهم من علامات النفاق
128 - ‏(‏74‏)‏ حدثنا محمد بن المثنى‏.‏ حدثنا عبدالرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن عبدالله بن عبدالله بن جبر، قال‏:‏ سمعت أنسا قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏آية المنافق بغض الأنصار‏.‏ وآية المؤمن حب الأنصار‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏آية المنافق بغض الأنصار ‏.‏‏.‏الخ‏)‏ الآية هي العلامة‏.‏ ومعنى هذه الأحاديث أن من عرف مرتبة الأنصار، وما كان منهم في نصرة دين الإسلام والسعي في إظهاره وإيواء المسلمين وقيامهم في مهمات دين الإسلام حق القيام، محبهم النبي صلى الله عليه وسلم، وحبه إياهم، وبذلهم أموالهم وأنفسهم بين يديه، وقتالهم ومعاداتهم سائر الناس إيثارا للإسلام‏.‏ وعرف من علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحب النبي صلى الله عليه وسلم له، وما كان منه في نصرة الإسلام وسوابقه فيه، ثم أحب الأنصار وعليا لهذا - كان ذلك من دلائل صحة إيمانه وصدقه في إسلامه لسروره بظهور الإسلام، والقيام بما يرضي الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏ ومن أبغضهم كان بضد ذلك‏.‏ واستدل به على نفاقه وفساد سريرته‏]‏‏.‏
‏(‏74‏)‏ حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي‏.‏ حدثنا خالد ‏(‏يعني ابن الحارث‏)‏ حدثنا شعبة عن عبدالله بن عبدالله، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏
‏"‏حب الأنصار آية الإيمان‏.‏ وبغضهم آية النفاق‏"‏‏.‏
129 - ‏(‏75‏)‏ وحدثني زهير بن حرب‏.‏ قال‏:‏ حدثني معاذ بن معاذ‏.‏ ح وحدثنا عبيدالله بن معاذ ‏(‏واللفظ له‏)‏ حدثنا أبي‏.‏ حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت، قال‏:‏
سمعت البراء يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال، في الأنصار ‏"‏لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق‏.‏ من أحبهم أحبه الله‏.‏ ومن أبغضهم أبغضه الله‏"‏‏.‏ قال شعبة‏:‏ قلت لعدي‏:‏ سمعته من البراء‏؟‏ قال‏:‏ إياي حدث‏.‏
130 - ‏(‏76‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد‏.‏ حدثنا يعقوب ‏(‏يعني ابن عبدالرحمن القاري‏)‏ عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر‏"‏‏.‏
‏(‏77‏)‏ وحدثنا عثمان بن محمد بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا جرير‏.‏ ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا أبو أسامة‏.‏ كلاهما عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر‏"‏‏.‏
131 - ‏(‏78‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا وكيع وأبو معاوية، عن الأعمش‏.‏ ح وحدثنا يحيى بن يحيى ‏(‏واللفظ له‏)‏ أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زر، قال‏:‏ قال علي‏:‏
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة‏!‏ إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلى ‏"‏أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏فلق الحبة وبرأ النسمة‏)‏ فلق الحبة أي شقها بالنبات‏.‏ وبرأ النسمة أي خلق الإنسان، وقيل‏:‏ النفس‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏34‏)‏ باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله، ككفر النعمة والحقوق
132 - ‏(‏79‏)‏ حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر المصري‏.‏ أخبرنا الليث، عن ابن الهاد، عن عبدالله بن دينار، عن عبدالله بن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏
‏"‏يا معشر النساء‏!‏ تصدقن وأكثرن الاستغفار‏.‏ فإني رأيتكن أكثر أهل النار‏"‏ فقالت امرأة منهن، جزلة‏:‏ وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏تكثرن اللعن‏.‏ وتكفرن العشير‏.‏ وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن‏"‏ قالت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ وما نقصان العقل والدين‏؟‏ قال ‏"‏أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل‏.‏ فهذا نقصان العقل‏.‏ وتمكث الليالي ما تصلي‏.‏ وتفطر في رمضان‏.‏ فهذا نقصان الدين‏"‏‏.‏
وحدثنيه أبو الطاهر‏.‏ أخبرنا ابن وهب عن بكر بن مضر، عن ابن الهاد، بهذا الإسناد، مثله‏.‏
‏[‏ش ‏(‏العشير‏)‏ هو في الأصل المعاشر مطلقا‏.‏ والمراد هنا الزوج‏.‏ ‏(‏لب‏)‏ اللب هو العقل‏.‏ والمراد كمال العقل‏]‏‏.‏
‏(‏80‏)‏ وحدثني الحسن بن علي الحلواني، وأبو بكر بن إسحاق، قالا‏:‏ حدثنا ابن أبي مريم‏.‏ أخبرنا محمد بن جعفر، قال‏:‏ أخبرني زيد بن أسلم، عن عياض بن عبدالله، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ح وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر‏.‏ قالوا‏:‏ حدثنا إسماعيل ‏(‏وهو ابن جعفر‏)‏ عن عمرو بن أبي عمرو، عن المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثل معنى حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
*3* ‏(‏35‏)‏ باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة
133 - ‏(‏81‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا‏:‏ حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي‏.‏ يقول‏:‏ يا ويله‏.‏ ‏(‏وفي رواية أبي كريب يا ويلي‏)‏‏.‏ أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة‏.‏ وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏إذا قرأ ابن آدم السجدة‏)‏ معناه آية السجدة‏.‏ ‏(‏يا ويله‏)‏ هو من آداب الكلام‏.‏ وهو أنه إذا عرض في الحكاية عن الغير ما فيه سوء، واقتضت الحكاية رجوع الضمير إلى المتكلم، صرف الحاكي الضمير عن نفسه تصاونا عن صورة إضافة السوء إلى نفسه‏]‏‏.‏
‏(‏81‏)‏ حدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا وكيع‏.‏ حدثنا الأعمش، بهذا الإسناد، مثله‏.‏ غير أنه قال‏:‏
‏"‏فعصيت فلي النار‏"‏‏.‏
134 - ‏(‏82‏)‏ حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، وعثمان بن أبي شيبة، كلاهما عن جرير‏.‏ قال يحيى‏:‏ أخبرنا جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان قال‏:‏ سمعت جابرا يقول‏:‏
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏بين الشرك والكفر ترك الصلاة‏)‏ معناه إن الذي يمنع من كفره كونه لم يترك الصلاة‏.‏ فإذا تركها لم يبق بينه وبين الشرك حائل، بل دخل فيه‏]‏‏.‏
‏(‏82‏)‏ حدثنا أبو غسان المسمعي‏.‏ حدثنا الضحاك بن مخلد، عن أبي جريج، قال‏:‏ أخبرني أبو الزبير؛ أنه سمع جابر بن عبدالله يقول‏:‏
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة‏"‏‏.‏
(‏36‏)‏ باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال
135 - ‏(‏83‏)‏ وحدثنا منصور بن أبي مزاحم‏.‏ حدثنا إبراهيم بن سعد‏.‏ ح وحدثني محمد بن جعفر بن زياد‏.‏ أخبرنا إبراهيم ‏(‏يعني ابن سعد‏)‏ عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أي الأعمال أفضل‏؟‏ قال ‏"‏إيمان بالله‏"‏ قال‏:‏ ثم ماذا‏؟‏ قال ‏"‏الجهاد في سبيل الله‏"‏ قال‏:‏ ثم ماذا‏؟‏ قال ‏"‏حج مبرور‏"‏‏.‏ وفي رواية محمد بن جعفر قال ‏"‏إيمان بالله ورسوله‏"‏‏.‏
وحدثنيه محمد بن رافع وعبد بن حميد عن عبدالرزاق‏.‏ أخبرنا معمر عن الزهري، بهذا الإسناد، مثله‏.‏
‏[‏ش ‏(‏حج مبرور‏)‏ هو الذي لا يخالطه شيء من المأثم‏.‏ ومنه برت يمينه إذا سلم من الحنث‏.‏ وبر بيعه إذا سلم من الخداع‏.‏ وقيل‏:‏ المبرور المتقبل‏]‏‏.‏
136 - ‏(‏84‏)‏ حدثني أبو الربيع الزهراني‏.‏ حدثنا حماد بن زيد‏.‏ حدثنا هشام بن عروة‏.‏ ح وحدثنا خلف بن هشام ‏(‏واللفظ له‏)‏ حدثنا حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي مرواح الليثي، عن أبي ذر؛ قال‏:‏
قلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أي الأعمال أفضل‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الإيمان بالله، والجهاد في سبيله‏"‏ قال قلت‏:‏ أي الرقاب أفضل‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمنا‏"‏ قال قلت‏:‏ فإن لم أفعل‏؟‏ قال‏:‏ تعين صانعا أو تصنع لأخرق‏"‏ قال قلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏أنفسها عند أهلها‏)‏ معناه أرفعها وأجودها‏.‏ قال الأصمعي‏:‏ مال نفيس أي مرغوب فيه‏.‏ ‏(‏تصنع لأخرق‏)‏ الأخرق هو الذي ليس بصانع‏.‏ يقال رجل أخرق وامرأة خرقاء، لمن لا صنعة له‏]‏‏.‏
‏(‏84‏)‏ حدثنا محمد بن رافع وعبد بن حميد ‏(‏قال عبد‏:‏ أخبرنا‏.‏ وقال ابن رافع‏:‏ حدثنا عبدالرزاق‏)‏ أخبرنا معمر عن الزهري، عن حبيب مولى عروة بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن أبي مراوح، عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ بنحوه‏.‏ غير أنه قال‏:‏
‏"‏فتعين الصانع أو تصنع لأخرق‏"‏‏.‏
137 - ‏(‏85‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا علي بن مسهر عن الشيباني، عن الوليد بن العيزار، عن سعد بن إياس أبي عمرو الشيباني، عن عبدالله بن مسعود؛ قال‏:‏
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل‏؟‏ قال ‏"‏الصلاة لوقتها‏"‏ قال قلت‏:‏ ثم أي‏؟‏ قال ‏"‏بر الوالدين‏"‏ قال قلت‏:‏ ثم أي‏؟‏ قال ‏"‏الجهاد في سبيل الله‏"‏ فما تركت أستزيده إلا إرعاء عليه‏.‏
‏[‏ش ‏(‏بر الوالدين‏)‏ بر الوالدين هو الإحسان إليهما، وفعل الجميل معهما، وفعل ما يسرهما‏.‏ ويدخل فيه الإحسان إلى صديقهما؛ كما جاء في الصحيح ‏"‏إن من أبر البر يصل الرجل أهل ود أبيه‏"‏‏.‏
‏(‏فما تركت أستزيد إلا إرعاء عليه‏)‏ كذا هو في الأصول‏:‏ تركت أستزيده من غير لفظ أن بينهما‏.‏ وهو صحيح‏.‏ وهي مرادة‏.‏ وإرعاء، معناه إبقاء عليه ورفقا به‏]‏‏.‏
138 - ‏(‏85‏)‏ حدثنا محمد بن أبي عمر المكي‏.‏ حدثنا مروان الفزاري‏.‏ حدثنا أبو يعفور، عن الوليد بن العيزار، عن أبي عمرو الشيباني، عن عبدالله بن مسعود، قال قلت‏:‏
يا نبي الله‏!‏ أي الأعمال أقرب إلى الجنة‏؟‏ قال ‏"‏الصلاة على مواقيتها‏"‏ قلت‏:‏ وماذا يا نبي الله‏؟‏ قال ‏"‏بر الوالدين‏"‏ قلت‏:‏ وماذا يا نبي الله‏؟‏ قال ‏"‏الجهاد في سبيل الله‏"‏‏.‏
139 - ‏(‏85‏)‏ وحدثنا عبيدالله بن معاذ العنبري‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ حدثنا شعبة، عن الوليد بن العيزار؛ أنه سمع أبا عمرو الشيباني قال‏:‏ حدثني صاحب هذه الدار ‏(‏وأشار إلى دار عبدالله‏)‏ قال‏:‏
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أي الأعمال أحب إلى الله‏؟‏ قال ‏"‏الصلاة على وقتها‏"‏ قلت‏:‏ ثم أي‏؟‏ قال ‏"‏ثم بر الوالدين‏"‏ قلت‏:‏ ثم أي‏؟‏ قال ‏"‏ثم الجهاد في سبيل الله‏"‏ قال‏:‏ حدثني بهن، ولو استزدته لزادني‏.‏
‏(‏85‏)‏ حدثنا محمد بن بشار‏.‏ حدثنا محمد بن جعفر‏.‏ حدثنا شعبة بهذا الإسناد، مثله‏.‏ وزاد‏:‏ وأشار إلى دار عبدالله، وما سماه لنا‏.‏
140 - ‏(‏85‏)‏ حدثنا عثمان بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا جرير عن الحسن بن عبيدالله، عن أبي عمرو الشيباني، عن عبدالله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏أفضل الأعمال ‏(‏أو العمل‏)‏ الصلاة لوقتها، وبر الوالدين‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏37‏)‏ باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده
141 - ‏(‏86‏)‏ حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم‏.‏ قال إسحاق‏:‏ أخبرنا جرير‏.‏ وقال عثمان‏:‏ حدثنا جرير عن منصور، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن عبدالله قال‏:‏
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أي الذنب أعظم عند الله‏؟‏ قال ‏"‏أن تجعل لله ندا وهو خلقك‏"‏ قال قلت له‏:‏ إن ذلك لعظيم‏.‏ قال قلت‏:‏ ثم أي‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ثم أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك‏"‏ قال قلت‏:‏ ثم أي‏؟‏ قال ‏"‏ثم أن تزاني حليلة جارك‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏مخافة أن يطعم معك‏)‏ أي يأكل‏.‏ وهو معنى قوله تعالى ‏"‏ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق‏"‏ أي فقر‏.‏ ‏(‏أن تزاني حليلة جارك‏)‏ هي زوجته‏.‏ سميت بذلك لكونها تحل له‏.‏ وقيل‏:‏ لكونها تحل معه‏.‏ ومعنى تزاني أي تزني بها برضاها‏.‏ وذلك يتضمن الزنى وإفسادها على زوجها واستمالة قلبها إلى الزاني، وذلك أفحش‏.‏ وهو مع امرأة الجار أشد قبحا وأعظم جرما‏.‏ لأن الجار يتوقع من جاره الذب عنه وعن حريمه‏.‏ ويأمن بوائقه ويطمئن إليه‏.‏ وقد أمر بإكرامه والإحسان إليه‏.‏ فإذا قابل هذا كله بالزنا بامرأته وإفسادها عليه مع تمكنه منها على وجه لا يتمكن غيره منه، كان في غاية من القبح‏]‏‏.‏
142 - ‏(‏86‏)‏ حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، جميعا عن جرير‏.‏ قال عثمان‏:‏ حدثنا جرير عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، قال‏:‏ قال عبدالله‏:‏ قال رجل‏:‏
يا رسول الله‏!‏ أي الذنب أكبر عند الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أن تدعو لله ندا وهو خلقك‏"‏ قال‏:‏ ثم أي‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك‏"‏ قال‏:‏ ثم أي‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أن تزاني حليلة جارك‏"‏ فأنزل الله عز وجل تصديقها‏:‏ ‏{‏والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما‏}‏ ‏[‏الفرقان، آية 68‏]‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏يلق أثاما‏)‏ قيل معناه جزاء إثمه‏.‏ وهو قول الخليل وسيبويه وأبي عمرو الشيباني والفراء والزجاج وأبي علي الفارسي‏.‏ وقيل‏:‏ معناه عقوبة‏.‏ قاله يونس وأبو عبيدة‏.‏ وقيل‏:‏ معناه جزاء‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏38‏)‏ باب بيان الكبائر وأكبرها
143 - ‏(‏87‏)‏ حدثني عمرو بن محمد بن بكير بن محمد الناقد‏.‏ حدثنا إسماعيل بن علية، عن سعيد بن الجريري‏.‏ حدثنا عبدالرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال‏:‏
كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏ألا أنبئكم بأكبر الكبائر‏؟‏ ‏(‏ثلاثا‏)‏ الإشراك بالله‏.‏ وعقوق الوالدين‏.‏ وشهادة الزور، ‏(‏أو قول الزور‏)‏‏"‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس‏.‏ فما زال يكررها حتى قلنا‏:‏ ليته سكت‏.‏
‏[‏ش ‏(‏الزور‏)‏ أصله تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل إلى من سمعه أو رآه أنه بخلاف ما هو به‏.‏ فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق‏]‏‏.‏
144 - ‏(‏88‏)‏ وحدثني يحيى بن حبيب الحارثي‏.‏ حدثنا خالد ‏(‏وهو ابن الحارث‏)‏ حدثنا شعبة‏.‏ أخبرنا عبيدالله بن أبي بكر، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الكبائر قال‏:‏
‏"‏الشرك بالله‏.‏ وعقوق الوالدين‏.‏ وقتل النفس‏.‏ وقول الزور‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏وعقوق الوالدين‏)‏ مأخوذ من العق، وهو القطع‏.‏ يقال‏:‏ عق والده يعقه عقا وعقوقا، إذا قطعه ولم يصل رحمه‏.‏ وجمع العاق عققة، وعقق وهو الذي شق عصا الطاعة لوالده‏.‏ وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله في فتاويه‏:‏ العقوق المحرم كل فعل يتأذى به الوالد، أو نحوه، تأذيا ليس بالهين‏.‏ مع كونه ليس من الأفعال الواجبة‏.‏ قال‏:‏ ربما قيل‏:‏ طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية‏.‏ ومخالفة أمرهما في ذلك عقوق‏]‏‏.‏
‏(‏88‏)‏ وحدثنا محمد بن الوليد بن عبدالحميد‏.‏ حدثنا محمد بن جعفر‏.‏ حدثنا شعبة‏.‏ قال‏:‏ حدثني عبيدالله بن أبي بكر قال‏:‏ سمعت أنس بن مالك قال‏:‏
ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر ‏(‏أو سئل عن الكبائر‏)‏ فقال ‏"‏الشرك بالله‏.‏ وقتل النفس‏.‏ وعقوق الوالدين‏"‏ وقال ‏"‏ألا أنبئكم بأكبر الكبائر‏؟‏‏"‏ قال ‏"‏قول الزور ‏(‏أو قال شهادة الزور‏)‏‏"‏ قال شعبة‏:‏ وأكبر ظني أنه شهادة الزور‏.‏
145 - ‏(‏89‏)‏ حدثني هارون بن سعيد الأيلي‏.‏ حدثنا ابن وهب‏.‏ قال‏:‏ حدثني سليمان بن بلال، عن ثور بن زيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏اجتنبوا السبع الموبقات‏"‏ قيل‏:‏ يا رسول الله‏!‏ وما هن‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الشرك بالله‏.‏ والسحر‏.‏ وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق‏.‏ وأكل مال اليتيم‏.‏ وأكل الربا‏.‏ والتولي يوم الزحف‏.‏ وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏الموبقات‏)‏ هي المهلكات يقال‏:‏ وبق الرجل يبق ووبق يوبق إذا هلك‏.‏ وأوبق غيره إذا أهلكه‏.‏ ‏(‏المحصنات الغافلات المؤمنات‏)‏ المحصنات بكسر الصاد وفتحها‏.‏ قراءتان في السبع‏.‏ والمراد بالمحصنات هنا العفائف‏.‏ وبالغافلات، الغافلات عن الفواحش وما قذفن به‏.‏ وقدور رد الإحصان في الشرع على خمسة أقسام‏:‏ العفة والإسلام والنكاح والتزويج والحرية‏]‏‏.‏
146 - ‏(‏90‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد‏.‏ حدثنا الليث عن ابن الهاد، عن سعد بن إبراهيم، عن حميد بن عبدالرحمن، عن عبدالله ابن عمرو بن العاص؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏من الكبائر شتم الرجل والديه‏"‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله‏!‏ وهل يشتم الرجل والديه‏؟‏ قال ‏"‏نعم‏.‏ يسب أبا الرجل، فيسب أباه‏.‏ ويسب أمه، فيسب أمه‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏من الكبائر شتم الرجل والديه‏)‏ فيه دليل على أن من تسبب في شيء جاز أن ينسب إليه ذلك الشيء‏.‏ وإنما جعل هذا عقوقا لكونه يحصل منه ما يتأذى منه الوالد تأذيا ليس بالهين‏]‏‏.‏
‏(‏90‏)‏ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار، جميعا، عن محمد بن جعفر‏.‏ عن شعبة‏.‏ ح وحدثني محمد بن حاتم‏.‏ حدثنا يحيى بن سعيد‏.‏ حدثنا سفيان، كلاهما، عن سعد بن إبراهيم، بهذا الإسناد، مثله‏.‏
*3* ‏(‏39‏)‏ باب تحريم الكبر وبيانه
147 - ‏(‏91‏)‏ وحدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار وإبراهيم بن دينار، جميعا عن يحيى بن حماد‏.‏ قال ابن المثنى‏:‏ حدثني يحيى ابن حماد‏.‏ أخبرنا شعبة عن أبان بن تغلب، عن فضيل الفقيمي، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبدالله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر‏"‏ قال رجل‏:‏ إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏إن الله جميل يحب الجمال‏.‏ الكبر بطر الحق وغمط الناس‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏بطر الحق‏)‏ هو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا‏.‏ ‏(‏غمط الناس‏)‏ معناه احتقارهم‏.‏ يقال في الفعل منه غمطه يغمطه وغمطه يغمطه‏]‏‏.‏
148 - ‏(‏91‏)‏ حدثنا منجاب بن الحارث التميمي وسويد بن سعيد، كلاهما عن علي بن مسهر‏.‏ قال منجاب‏:‏ أخبرنا ابن مسهر، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان‏.‏ ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبرياء‏"‏‏.‏
149 - ‏(‏91‏)‏ وحدثنا محمد بن بشار‏.‏ حدثنا أبو داود‏.‏ حدثنا شعبة عن أبان بن تغلب، عن فضيل، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏40‏)‏ باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار
150 - ‏(‏92‏)‏ حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير‏.‏ حدثنا أبي ووكيع، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبدالله‏.‏ ‏(‏قال وكيع‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقال ابن نمير‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ يقول‏:‏
‏"‏من مات يشرك بالله شيئا دخل النار‏"‏ وقلت أنا‏:‏ ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة‏.‏
151 - ‏(‏93‏)‏ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا‏:‏ حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال‏:‏
أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ ما الموجبتان‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة‏.‏ ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏الموجبتان‏)‏ معناه الخصلة الموجبة للجنة والخصلة الموجبة للنار‏]‏‏.‏
152 - ‏(‏93‏)‏ وحدثني أبو أيوب الغيلاني، سليمان بن عبدالله، وحجاج بن الشاعر، قالا‏:‏ حدثنا عبدالملك بن عمرو‏.‏ حدثنا قرة، عن أبي الزبير‏.‏ حدثنا جابر بن عبدالله قال‏:‏
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به دخل النار‏"‏‏.‏ قال أبو أيوب‏:‏ قال أبو الزبير‏:‏ عن جابر‏.‏
‏(‏93‏)‏ وحدثني إسحاق بن منصور‏.‏ أخبرنا معاذ ‏(‏وهو ابن هشام‏)‏ قال‏:‏ حدثني أبي، عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال، بمثله‏.‏
153 - ‏(‏94‏)‏ وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار‏.‏ قال ابن المثنى‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر‏.‏ حدثنا شعبة، عن واصل الأحدب، عن المعرور بن سويد، قال‏:‏
سمعت أبا ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال‏:‏ ‏"‏أتاني جبريل عليه السلام‏.‏ فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة‏.‏ قلت‏:‏ وإن زنى وإن سرق‏؟‏ قال‏:‏ وإن زنى وإن سرق‏"‏
154 - ‏(‏94‏)‏ حدثني زهير بن حرب وأحمد بن خراش، قالا‏:‏ حدثنا عبدالصمد بن عبدالوارث‏.‏ حدثنا أبي، قال‏:‏ حدثني حسين المعلم، عن ابن بريدة؛ أن يحيى بن يعمر حدثه؛ أن أبا الأسود الدؤلي حدثه؛ أن أبا ذر حدثه قال‏:‏
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم‏.‏ عليه ثوب أبيض‏.‏ ثم أتيته فإذا هو نائم‏.‏ ثم أتيته وقد استيقظ‏.‏ فجلست إليه‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏ما من عبد قال‏:‏ لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة‏"‏ قلت‏:‏ وإن زنى وإن سرق‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏وإن زنى وإن سرق ‏"‏ قلت‏:‏ وإن زنى وإن سرق‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏وإن زنى وإن سرق‏"‏ ثلاثا‏.‏ ثم قال في الرابعة ‏"‏على رغم أنف أبي ذر‏"‏ قال، فخرج أبو ذر وهو يقول‏:‏ وإن رغم أنف أبي ذر‏.‏
‏[‏ش ‏(‏على رغم أنف أبي ذر‏.‏ وإن رغم أنف أبي ذر‏)‏ مأخوذ من الرغام، وهو التراب‏.‏ فمعنى أرغم الله أنفه، أي ألصقه بالرغام وأذله‏.‏ فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏على رغم أنف أبي ذر‏"‏ أي على ذل منه لوقوعه مخالفا لما يريد‏.‏ وقيل‏:‏ معناه على كراهة منه‏.‏ وإنما قال له صلى الله عليه وسلم ذلك لاستبعاده العفو عن الزاني السارق المنتهك للحرمة، واستعظامه ذلك، وتصور أبي ذر بصورة الكاره المانع، وإن لم يكن ممانعا‏.‏ وكان ذلك من أبي ذر لشدة نفرته من معصية الله تعالى وأهلها‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏41‏)‏ باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال‏:‏ لا إله إلا الله
155 - ‏(‏95‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد‏.‏ حدثنا ليث‏.‏ ح وحدثنا محمد بن رمح ‏(‏واللفظ متقارب‏)‏ أخبرنا الليث عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن عبيدالله بن عدي بن الخيار، عن المقداد بن الأسود؛ أنه أخبره أنه قال‏:‏
يا رسول الله‏!‏ أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار‏.‏ فقاتلني‏.‏ فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها‏.‏ ثم لاذ مني بشجرة، فقال‏:‏ أسلمت لله‏.‏ أفأقتله يا رسول الله‏!‏ بعد أن قالها‏؟‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا تقتله قال فقلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ إنه قد قطع يدي‏.‏ ثم قال ذلك بعد أن قطعها‏.‏ أفأقتله‏؟‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تقتله‏.‏ فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏لاذ مني بشجرة‏)‏ أي اعتصم مني‏]‏‏.‏
156 - ‏(‏95‏)‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد، قالا‏:‏ أخبرنا عبدالرزاق قال‏:‏ أخبرنا معمر‏.‏ ح وحدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري‏.‏ حدثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي‏.‏ ح وحدثنا محمد بن رافع‏.‏ حدثنا عبدالرزاق‏.‏ أخبرنا ابن جريج، جمعا عن الزهري، بهذا الإسناد‏.‏ أما الأوزاعي وابن جريج ففي حديثهما قال‏:‏ أسلمت لله‏.‏ كما قال الليث في حديثه‏.‏ وأما معمر ففي حديثه‏:‏ فلما أهويت لأقتله قال‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏
‏[‏ش ‏(‏فلما أهويت‏)‏ يقال‏:‏ هويت وأهويت أي ملت‏]‏‏.‏
157 - ‏(‏95‏)‏ وحدثني حرملة بن يحيى‏.‏ أخبرنا ابن وهب‏.‏ قال‏:‏ أخبرني يونس عن ابن شهاب‏.‏ قال‏:‏ حدثني عطاء بن يزيد الليثي، ثم الجندعي؛ أن عبيدالله بن عدي الخيار أخبره؛ أن المقداد بن عمرو وابن الأسود الكندي، وكان حليفا لبني زهرة، وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال‏:‏
يا رسول الله‏!‏ أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار‏؟‏ ثم ذكر بمثل حديث الليث‏.‏
158 - ‏(‏96‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا أبو خالد الأحمر‏.‏ ح وحدثنا أبو كريب وإسحاق بن إبراهيم، عن أبي معاوية، كلاهما عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أسامة بن زيد‏.‏ وهذا حديث ابن أبي شيبة‏.‏ قال‏:‏
بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية‏.‏ فصبحنا الحرقات من جهينة‏.‏ فأدركت رجلا‏.‏ فقال‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏ فطعنته فوقع في نفسي من ذلك‏.‏ فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ أقال‏:‏ لا إله إلا الله وقتلته‏؟‏‏"‏ قال قلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ إنما قالها خوفا من السلاح‏.‏ قال‏"‏ أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا‏"‏‏.‏ فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ‏.‏ قال فقال سعد‏:‏ وأنا والله لا أقتل مسلما حتى يقتله ذو البطين يعني أسامة‏.‏ قال‏:‏ قال رجل‏:‏ ألم يقل الله‏:‏ ‏{‏وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله‏؟‏ فقال سعد‏:‏ قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة‏.‏ وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة‏.‏‏}‏ ‏[‏8/ الأنفال/ آية 19‏]‏
‏[‏ش ‏(‏فصبحنا الحرقات‏)‏ أي أتيناهم صباحا‏.‏ والحرقات موضع ببلاد جهينة‏.‏ والتسمية بعرفات وأذرعات‏.‏ وفي رائه الضم والفتح‏.‏ والحاء مضمومة في الوجهين‏.‏ ‏(‏أفلا شققت عن قلبه‏)‏ معناه إنما كلفت بالعمل بالظاهر وما ينطق به اللسان‏.‏ وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه‏.‏ فأنكر عليه من العمل بما ظهر باللسان‏.‏ وقال‏:‏ أفلا شققت عن قلبه لتنظر هل قالها القلب واعتقدها، وكانت فيه أم لم تكن فيه، بل جرت على اللسان فحسب‏]‏‏.‏
159 - ‏(‏96‏)‏ حدثنا يعقوب الدورقي‏.‏ حدثنا هشيم‏.‏ أخبرنا حصين‏.‏ حدثنا أبو ظبيان، قال‏:‏ سمعت أسامة بن زيد بن حارثة يحدث، قال‏:‏
بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة‏.‏ فصبحنا القوم‏.‏ فهزمناهم‏.‏ ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم‏.‏ فلما غشيناه قال‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏ فكف عنه الأنصاري‏.‏ وطعنته برمحي حتى قتلته‏.‏ قال فلما قدمنا‏.‏ بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي ‏"‏ يا أسامة‏!‏ أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله‏؟‏‏"‏ قال قلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ إنما كان متعوذا‏.‏ قال، فقال‏"‏ أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله‏؟‏‏"‏ قال فما زال يكررها على حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم‏.‏
‏[‏ش ‏(‏إنما كان متعوذا‏)‏ أي معتصما‏]‏‏.‏
160 - ‏(‏97‏)‏ حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش‏.‏ حدثنا عمرو بن عاصم‏.‏ حدثنا معتمر‏.‏ قال‏:‏ سمعت أبي يحدث؛ أن خالدا الأثبج، ابن أخي صفوان بن محرز، أنه حدث؛ أن جندب بن عبدالله البجلي بعث إلى عسعس بن سلامة، زمن فتنة ابن الزبير، فقال‏:‏
أجمع لي نفرا من إخوانك حتى أحدثهم‏.‏ فبعث رسولا إليهم‏.‏ فلما اجتمعوا جاء جندب وعليه برنس أصفر‏.‏ فقال‏:‏ تحدثوا بما كنتم تحدثون به‏.‏ حتى دار الحديث‏.‏ فلما دار الحديث إليه حسر البرنس عن رأسه‏.‏ فقال‏:‏ إني أتيكم ولا أريد أن أخبركم عن نبيكم‏.‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين‏.‏ وإنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله‏.‏ وإن رجلا من المسلمين قصد غفلته‏.‏ قال وكنا نحدث أنه أسامة بن زيد‏.‏ فلما رفع عليه السيف قال‏:‏ لا إله إلا الله، فقتله‏.‏ فجاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فسأله فأخبره‏.‏ حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع‏.‏ فدعاه‏.‏ فسأله‏.‏ فقال‏"‏ لم قتلته‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ يا رسول الله أوجع في المسلمين‏.‏ وقتل فلانا وفلانا‏.‏ وسمى له نفرا‏.‏ وإني حملت عليه‏.‏ فلما رأى السيف قال‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أقتلته‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ نعم‏"‏ فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة‏؟‏ ‏"‏فجعل لا يزيده على أن يقول‏"‏ كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة‏؟‏‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏سر‏)‏ كف‏.‏ ‏(‏البرنس‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ هو كل ثوب رأسه ملتصق به‏.‏ دراعة كانت أو جبة، أو غيرهما‏.‏ ‏(‏أوجع في المسلمين‏)‏ أي أوقع بهم وآلمهم‏]‏‏.‏
*3* باب قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ‏"‏من حمل علينا السلاح فليس منا‏"‏
161 - ‏(‏98‏)‏ حدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا يحيى ‏(‏وهو القطان‏)‏‏.‏ ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا أبو أسامة وابن نمير، كلهم عن عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ له‏.‏ قال‏:‏
قرأت على مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏من حمل علينا السلاح فليس منا‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏من حمل علينا السلاح‏)‏ أي من حمل السلاح على المسلمين بغير حق التأويل، ولم يستحله فهو عاص‏.‏ ولا يكفر بذلك‏.‏ فإن استحله كفر‏]‏‏.‏
162 - ‏(‏99‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير، قالا‏:‏ حدثنا مصعب ‏(‏وهو ابن المقدام‏)‏ حدثنا عكرمة بن عمار، عن إياس ابن سلمة، عن أبيه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏"‏ من سل علينا السيف فليس منا‏"‏‏.‏
163 - ‏(‏100‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعبدالله بن براد الأشعري وأبو كريب، قالوا‏:‏
حدثنا أبو أسامة، عن بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏"‏ من حمل علينا السلاح فليس منا‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏43‏)‏ باب قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ‏"‏ من غشنا فليس منا‏"‏
164 - ‏(‏101‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد‏.‏ حدثنا يعقوب ‏(‏وهو ابن الرحمن القاري‏)‏‏.‏ ح وحدثنا أبو الأحوص محمد بن حيان‏.‏ حدثنا ابن أبي حازم، كلاهما عن سهل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة؛
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏من حمل علينا السلاح فليس منا‏.‏ ومن غشنا فليس منا‏"‏‏.‏
‏(‏102‏)‏ وحدثني يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر‏.‏ جميعا عن إسماعيل بن جعفر‏.‏ قال ابن أيوب‏:‏ حدثنا إسماعيل‏.‏ قال‏:‏
أخبرني العلاء عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام‏.‏ فأدخل يده فيها‏.‏ فنالت أصابعه بللا‏.‏ فقال ‏"‏ما هذا يا صاحب الطعام‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ أصابته السماء‏.‏ يا رسول الله‏!‏ قال ‏"‏ أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس‏؟‏ من غش فليس مني‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏صبرة طعام‏)‏ قال الأزهري‏:‏ الصبرة الكومة المجموعة من الطعام، سميت صبرة لإفراغ بعضها على بعض‏.‏ ومنه قيل للسحاب فوق السحاب‏:‏ صبير‏.‏ ‏(‏أصابته السماء‏)‏ أي المطر‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏44‏)‏ باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية
165 - ‏(‏103‏)‏ حدثنا يحيى بن يحيى‏.‏ أخبرنا أبو معاوية‏.‏ ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا أبو معاوية ووكيع‏.‏ ح وحدثنا ابن نمير‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ جميعا عن الأعمش، عن عبدالله بن مرة، عن مسروق، عن عبدالله، قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ليس منا من ضرب الخدود‏.‏ أو شق الجيوب‏.‏ أودعا بدعوى الجاهلية‏"‏‏.‏ هذا حديث يحيى‏.‏ وأما ابن نمير وأبو بكر فقالا‏"‏ وشق ودعا‏"‏ بغير ألف‏.‏
‏[‏ ش ‏(‏أودعا بدعوى الجاهلية‏)‏ قال القاضي‏:‏ هي النياحة وندبة الميت والدعاء بالويل وشبهه‏.‏ والمراد بالجاهلية ما كان في الفترة قبل الإسلام‏]‏‏.‏
166 - ‏(‏103‏)‏ وحدثنا عثمان بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا جرير‏.‏ ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم، قالا؛ حدثنا عيسى بن يونس، جميعا عن الأعمش‏.‏ بهذا الإسناد‏.‏ وقالا‏:‏ ‏"‏وشق ودعا‏"‏‏.‏
167 - ‏(‏104‏)‏ حدثنا الحكم بن موسى القنطري‏.‏ حدثنا يحيى بن حمزة عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر؛ أن القاسم بن مخيمرة حدثه قال‏:‏ حدثني أبو بردة بن أبي موسى‏.‏ قال‏:‏
وجع أبو موسى وجعا فغشي عليه‏.‏ ورأسه في حجر امرأة من أهله‏.‏ فصاحت امرأة من أهله‏.‏ فلم يستطع أن يرد عليها شيئا‏.‏ فلما أفاق قال‏:‏ أنا بريء مما برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة‏.‏
‏[‏ش ‏(‏الصالقة‏)‏ بالصاد وبالسين لغتان‏.‏ وهي التي ترفع صوتها عند المصيبة‏.‏ ‏(‏الحالقة‏)‏ هي التي تحلق شعرها عند المصيبة ‏(‏والشاقة‏)‏ هي التي تشق ثوبها عند المصيبة‏]‏‏.‏
‏(‏104‏)‏ حدثنا عبد بن حميد وإسحاق بن منصور، قالا‏:‏ أخبرنا جعفر بن عون‏.‏ أخبرنا أبو عميس‏.‏ قال‏:‏ سمعت أبا صخرة يذكر عن عبدالرحمن بن يزيد وأبي بردة بن أبي موسى، قالا‏:‏
أغمي على أبي موسى وأقبلت امرأته أم عبدالله تصيح برنة‏.‏ قالا‏:‏ ثم أفاق‏.‏ قال‏:‏ ألم تعلمي ‏(‏وكان يحدثها‏)‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏تصيح برنة‏)‏ قال صاحب المطالع‏:‏ الرنة صوت مع البكاء فيه ترجيع كالقلقلة والقلقة‏.‏ يقال‏:‏ أرنت فهي مرنة‏]‏‏.‏
‏(‏104‏)‏ حدثنا عبدالله بن مطيع‏.‏ حدثنا هشيم عن حصين، عن عياض الأشعري، عن امرأة أبي موسى، عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ح وحدثنيه حجاج بن الشاعر‏.‏ حدثنا عبدالصمد قال‏:‏ حدثني أبي‏.‏ حدثنا داود ‏(‏يعني ابن أبي هند‏)‏ حدثنا عاصم، عن صفوان بن محرز، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ح وحدثني الحسن بن علي الحلواني‏.‏ حدثنا عبدالصمد‏.‏ أخبرنا شعبة، عن عبدالملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بهذا الحديث‏.‏ غير أن في حديث عياض الأشعري قال ‏"‏ليس منا‏"‏ ولم يقل ‏"‏بريء‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏45‏)‏ باب بيان غلظ تحريم النميمة
168 - ‏(‏105‏)‏ وحدثني شيبان بن فروخ وعبدالله بن محمد بن أسماء الضبعي، قالا‏:‏ حدثنا مهدي ‏(‏وهو ابن ميمون‏)‏ حدثنا واصل الأحدب عن أبي وائل، عن حذيفة؛ أنه بلغه أن رجلا ينم الحديث فقال حذيفة‏:‏
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏"‏ لا يدخل الجنة نمام‏"‏‏.‏
169 - ‏(‏105‏)‏ حدثنا علي بن حجر السعدي وإسحاق بن إبراهيم‏.‏ قال إسحاق‏:‏ أخبرنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم ، عن همام بن الحارث، قال‏:‏
كان رجل ينقل الحديث إلى الأمير‏.‏ فكنا جلوسا في المسجد‏.‏ فقال القوم‏:‏ هذا ممن ينقل الحديث إلى الأمير‏.‏ قال فجاء حتى جلس إلينا فقال حذيفة‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏لا يدخل الجنة قتات‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏لا يدخل الجنة نمام، وفي أخرى قتات‏)‏ فالقتات هو النمام قال الجوهري وغيره‏:‏ يقال نم الحديث ينمه وينمه نما، والرجل نمام‏.‏ وقته يقته قتا‏.‏ قال العلماء‏:‏ النميمة نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم‏]‏‏.‏
170 - ‏(‏105‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا أبو معاوية ووكيع، عن الأعمش‏.‏ ح وحدثنا منجاب بن الحارث التميمي‏.‏ واللفظ له‏.‏ أخبرنا ابن مسهر، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، قال‏:‏
كنا جلوسا مع حذيفة في المسجد‏.‏ فجاء رجل حتى جلس إلينا‏.‏ فقيل لحذيفة‏:‏ إن هذا يرفع إلى السلطان أشياء‏.‏ فقال حذيفة، إرادة أن يسمعه‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏"‏ لا يدخل الجنة قتات‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏46‏)‏ باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف‏.‏ وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم
171 - ‏(‏106‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن المثنى، وابن بشار، قالوا‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن علي ابن مدرك، عن أبي زرعة، عن خرشة بن الحر، عن أبي ذر،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏"‏ ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم‏"‏ قال فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار‏.‏ قال أبو ذر‏:‏ خابوا وخسروا‏.‏ من هم يا رسول الله‏؟‏ قال‏"‏ المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم‏)‏ معناه الإعراض عنهم‏.‏ ‏(‏ولا يزكيهم‏)‏ لا يطهرهم من دنس ذنوبهم‏.‏ ‏(‏ولهم عذاب أليم‏)‏ أي مؤلم‏.‏ قال الواحدي‏:‏ هو العذاب الذي يخلص إلى قلوبهم وجعة‏.‏ ‏(‏المسبل‏)‏ هو المرخي إزاره، الجار طرفة خيلاء‏]‏‏.‏
‏(‏106‏)‏ حدثني أبو بكر بن خلاد الباهلي ‏.‏ حدثنا يحيى ‏(‏وهو القطان‏)‏ حدثنا سفيان‏.‏ حدثنا سليمان الأعمش، عن سليمان ابن مسهر، عن خرشة بن الحر، عن أبي ذر، عن النبي صلى اله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة‏:‏ المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة‏.‏ والمنفق سلعته بالحلف الفاجر‏.‏ والمسبل إزاره‏"‏‏.‏ وحدثنيه بشر بن خالد‏.‏ حدثنا محمد ‏(‏يعني ابن جعفر‏)‏ عن شعبة، قال ‏:‏ سمعت سليمان، بهذا الإسناد‏.‏ وقال‏"‏ ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم‏"‏‏.‏
172 - ‏(‏107‏)‏ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا وكيع وأبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ‏(‏قال أبو معاوية‏:‏ ولا ينظر إليهم‏)‏ ولهم عذاب أليم‏:‏ شيخ زان‏.‏ وملك كذاب‏.‏ وعائل مستكبر‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏وعائل‏)‏ العائل‏:‏ هو الفقير‏]‏‏.‏
173 - ‏(‏108‏)‏ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا‏:‏ حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ وهذا حديث أبي بكر‏.‏ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم‏:‏ رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل‏.‏ ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه، وهو على غير ذلك‏.‏ ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه منها لم يف‏"‏‏.‏
‏(‏108‏)‏ وحدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا جرير‏.‏ ح وحدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي‏.‏ أخبرنا عبثر كلاهما عن الأعمش، بهذا الإسناد، مثله‏.‏ غير أن في حديث جرير‏"‏ ورجل ساوم رجلا بسلعة‏"‏‏.‏
174 - ‏(‏108‏)‏ وحدثني عمرو الناقد‏.‏ حدثنا سفيان عن عمرو، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ قال أراه مرفوعا‏.‏ قال‏:‏
‏"‏ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم‏:‏ رجل حلف على يمين بعد صلاة العصر على مال مسلم فاقتطعه‏"‏ وباقي حديثه نحو حديث الأعمش‏.‏
*3* ‏(‏47‏)‏ باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وإن من قتل نفسه بشيء عذب به في النار وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة
175 - ‏(‏109‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج، قالا‏:‏ حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا‏.‏ ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالا مخلدا فيها أبدا‏.‏ ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏يتوجأ بها في بطنه‏)‏ معناه يطعن‏.‏ ‏(‏ومن شرب سما فهو يتحساه‏)‏ السم بضم السين وفتحها وكسرها ثلاث لغات‏.‏ أفصحهن الثالثة‏.‏ وجمعة سمام‏.‏ ومعنى يتحساه يشربه في تمهل، ويتجرعه‏.‏ ‏(‏يتردى في نار جهنم‏)‏ أي ينزل‏.‏ وأما جهنم فهو اسم لنار الآخرة‏.‏ وهي عجمية لا تنصرف للعجمة والتعريف‏.‏ وقال آخرون‏:‏ هي عربية لم تصرف للتأنيث والعلمية‏.‏ وسميت بذلك لبعد قعرها‏]‏‏.‏
‏(‏109‏)‏ وحدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا جرير‏.‏ ح وحدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي‏.‏ حدثنا عبثر‏.‏ ح وحدثني يحيى بن حبيب الحارثي‏.‏ حدثنا خالد ‏(‏يعني ابن الحارث‏)‏ حدثنا شعبة‏.‏ كلهم بهذا الإسناد، مثله‏.‏ وفي رواية شعبة عن سليمان قال‏:‏ سمعت ذكوان‏.‏
176 - ‏(‏110‏)‏ حدثنا يحيى بن يحيى‏.‏ أخبرنا معاوية بن سلام بن أبي سلام الدمشقي، عن يحيى بن أبي كثير؛ أن أبا قلابة أخبره؛ أن ثابت بن الضحاك أخبره؛ أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة‏.‏ وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال‏:‏ ‏"‏من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال‏.‏ ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة‏.‏ وليس على رجل نذر في شيء لا يملكه‏.‏
‏(‏110‏)‏ حدثنا أبو غسان المسمعي‏.‏ حدثنا معاذ ‏(‏وهو ابن هشام‏)‏ قال‏:‏ حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير، قال‏:‏ حدثني أبو قلابة، عن ثابت بن الضحاك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏ليس على رجل نذر فيما لا يملك‏.‏ ولعن المؤمن كقتله‏.‏ ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة‏.‏ ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها ما لم يزده الله إلا قلة‏.‏ ومن حلف على يمين صبر فاجرة‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ومن ادعى دعوى كاذبة‏)‏ هذه اللغة الفصيحة‏.‏ يقال‏:‏ دعوى باطل وباطلة‏.‏ وكاذب وكاذبة‏.‏ حكاهما صاحب المحكم‏.‏ والتأنيث أفصح‏.‏ ‏(‏ومن حلف على يمين صبر فاجرة‏)‏ قال القاضي عياض رحمه الله‏:‏ لم يأت في الحديث هنا الخبر عن هذا الحالف إلا أن يعطفه على قوله قبله ‏"‏ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده بها الله إلا قلة‏"‏ أي وكذلك من حلف على يمين صبر فهو مثله‏.‏ ويمين الصبر هي التي ألزم بها الحالف عند حاكم ونحوه وأصل الصبر هو الحبس والإمساك‏.‏ ومعنى الفجور في اليمين هو الكذب‏]‏‏.‏
177 - ‏(‏110‏)‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم، وإسحاق بن منصور، وعبدالوارث بن عبدالصمد‏.‏ كلهم عن عبدالصمد بن عبدالوارث، عن شعبة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن ثابت بن الضحاك الأنصاري‏.‏ ح وحدثنا محمد بن رافع، عن عبدالرزاق، عن الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن ثابت بن الضحاك قال‏:‏
قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من حلف بملة سوى الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال‏.‏ ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله به في نار جهنم‏"‏‏.‏ هذا حديث سفيان‏.‏ وأما شعبة فحديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏من حلف بملة سوى الإسلام كاذبا فهو كما قال‏.‏ ومن ذبح نفسه بشيء ذبح به يوم القيامة‏"‏‏.‏
178- ‏(‏111‏)‏ وحدثنا محمد بن رافع وعبد بن حميد، جميعا عن عبدالرزاق‏.‏ قال ابن رافع‏:‏ حدثنا عبدالرزاق‏.‏ أخبرنا معمر عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، قال‏:‏
شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا‏.‏ فقال لرجل ممن يدعى بالإسلام ‏"‏هذا من أهل النار‏"‏ فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة‏.‏ فقيل‏:‏ يا رسول الله‏!‏ الرجل الذي قلت له آنفا ‏"‏إنه من أهل النار‏"‏ فإنه قاتل اليوم قتالا شديدا‏.‏ وقد مات‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏إلى النار‏"‏ فكاد بعض المسلمين أن يرتاب‏.‏ فبينما هم على ذلك إذ قيل‏:‏ إنه لم يمت‏.‏ ولكن به جراحا شديدا‏!‏ فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه‏.‏ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال‏:‏ الله أكبر‏!‏ أشهد أني عبد الله ورسوله‏"‏ ثم أمر بلالا فنادى في الناس ‏"‏إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة‏.‏ وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏حنينا‏)‏ كذا وقع في الأصول‏.‏ قال القاضي عياض رحمه الله‏:‏ صوابه خيبر‏.‏ ‏(‏الرجل الذي قلت له آنفا إنه من أهل النار‏)‏ أي قلت في شأنه وفي سببه‏.‏ قال الفراء وابن الشجري وغيرهما من أهل العربية‏:‏ اللام قد تأتي بمعنى في ومنه قول الله عز وجل‏:‏ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة‏.‏ أي فيه‏.‏ وقوله آنفا أي قريبا‏]‏‏.‏
179 - ‏(‏112‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد‏.‏ حدثنا يعقوب ‏(‏وهو ابن عبدالرحمن القاري، حي من العرب‏)‏ عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا‏.‏ فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره‏.‏ ومال الآخرون إلى عسكرهم‏.‏ وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه‏.‏ فقالوا‏:‏
ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أما أنه من أهل النار‏"‏ فقال رجل من القوم‏:‏ أنا صاحبه أبدا‏.‏ قال فخرج معه‏.‏ كلما وقف وقف معه‏.‏ وإذا أسرع أسرع معه‏.‏ قال فجرح الرجل جرحا شديدا‏.‏ فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه‏.‏ ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه‏.‏ فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أشهد أنك رسول الله‏.‏ قال ‏"‏وما ذاك‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار‏.‏ فأعظم الناس ذلك‏.‏ فقلت‏:‏ أنا لكم به‏.‏ فخرجت في طلبه حتى جرح جرحا شديدا‏.‏ فاستعجل الموت‏.‏ فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه‏.‏ ثم تحامل عليه فقتل نفسه‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند ذلك ‏"‏إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار‏.‏ وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏لا يدع لهم شاذة‏)‏ الشاذ والشاذة‏:‏ الخارج والخارجة عن الجماعة‏.‏ قال القاضي عياض رحمه الله‏:‏ أنث الكلمة على معنى النسمة‏.‏ أو تشبيه الخارج بشاذة الغنم‏.‏ ومعناه أنه لا يدع أحدا، على طريق المبالغة‏.‏ قال ابن الأعرابي‏:‏ يقال فلان لا يدع شاذة ولا فاذة، إذا كان شجاعا‏.‏ لا يلقاه أحد إلا قتله‏.‏ ‏(‏ما أجزأ منا اليوم أحد ما أجزأ فلان‏)‏ معناه ما أغنى وكفى أحد غناءه وكفايته‏.‏ ‏(‏أنا صاحبه‏)‏ كذا في الأصول‏.‏ ومعناه أنا أصحبه في خفية، وألازمه لأنظر السبب الذي به يصير من أهل النار‏.‏ ‏(‏ذبابه‏)‏ ذباب السيف هو طرفه الأسفل‏.‏ وأما طرفه الأعلى فمقبضه‏]‏‏.‏
180 - ‏(‏113‏)‏ حدثني محمد بن رافع‏.‏ حدثنا الزبيري ‏(‏وهو محمد بن عبدالله بن الزبير‏)‏ حدثنا شيبان قال‏:‏ سمعت الحسن يقول‏:‏
‏"‏إن رجلا ممن كان قبلكم خرجت به قرحة‏.‏ فلما آذته انتزع سهما من كنانته‏.‏ فنكأها‏.‏ فلم يرقأ الدم حتى مات‏.‏ قال ربكم‏:‏ قد حرمت عليه الجنة‏"‏‏.‏ ثم مد يده إلى المسجد فقال‏:‏ إي والله لقد حدثني بهذا الحديث جندب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذا المسجد‏.‏
‏[‏ش ‏(‏خرجت به قرحة‏)‏ القرحة واحدة القروح وهي حبات تخرج في بدن الإنسان‏.‏ ‏(‏كنانته‏)‏ الكنانة هي جعبة النشاب‏.‏ سميت كنانة لأنها تكن السهام أي تسترها‏.‏ ‏(‏فنكأها‏)‏ أي قشرها وخرقها وفتحها‏.‏ ‏(‏لم يرقأ الدم‏)‏ أي لم ينقطع‏.‏ يقال‏:‏ رقأ الدم والدمع يرقأ رقوءا، مثل ركع يركع ركوعا، إذا سكن وانقطع‏]‏‏.‏
181 - ‏(‏113‏)‏ وحدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي‏.‏ حدثنا وهب بن جرير‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ قال‏:‏ سمعت الحسن يقول‏:‏ حدثنا جندب بن عبدالله البجلي في هذا المسجد‏.‏ فما نسينا‏.‏ وما نخشى أن يكون جندب كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏خرج برجل فيمن كان قبلكم خراج‏"‏ فذكر نحوه‏.‏
‏[‏ش ‏(‏خراج‏)‏ هو القرحة‏]‏‏.
(‏48‏)‏ باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون
182 - ‏(‏114‏)‏ حدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا هاشم بن القاسم‏.‏ حدثنا عكرمة بن عمار‏.‏ قال‏:‏ حدثني سماك الحنفي، أبو زميل‏.‏ قال‏:‏ حدثني عبدالله بن عباس‏.‏ قال‏:‏ حدثني عمر بن الخطاب قال‏:‏
لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابه النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقالوا‏:‏ فلان شهيد‏.‏ فلان شهيد‏.‏ حتى مروا على رجل فقالوا‏:‏ فلان شهيد‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏كلا‏.‏ إني رأيته في النار‏.‏ في بردة غلها‏.‏ أو عباءة‏"‏ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ يا ابن الخطاب‏!‏ اذهب فناد في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ‏"‏قال فخرجت فنادت ‏"‏ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏في بردة‏)‏ البردة‏:‏ كساء مخطط‏.‏ وهي الشملة والنمرة‏.‏ وقال أبو عبيد‏:‏ هو كساء أسود فيه صور‏.‏ وجمعة برد‏.‏ وقوله‏:‏ في بردة أي من أجلها وبسببها‏.‏ ‏(‏غلها‏)‏ قال أبو عبيد‏:‏ الغلول هو الخيانة في الغنيمة خاصة‏.‏ وقال غيره‏:‏ هي الخيانة في كل شيء‏.‏ ويقال منه‏:‏ غل يغل‏]‏‏.‏
183 - ‏(‏115‏)‏ حدثني أبو الطاهر‏.‏ قال‏:‏ أخبرني ابن وهب، عن مالك بن أنس، عن ثور بن زيد الدؤلي، عن سالم أبي الغيث، مولى ابن مطيع، عن أبي هريرة‏.‏ ح وحدثنا قتيبة بن سعيد‏.‏ وهذا حديثه‏:‏ حدثنا عبدالعزيز ‏(‏يعني ابن محمد‏)‏ عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبير‏.‏ ففتح الله علينا‏.‏ فلم نغنم ذهبا ولا ورقا‏.‏ غنمنا المتاع والطعام والثياب‏.‏ ثم انطلقنا إلى الوادي‏.‏ ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد له، وهبه له رجل من جذام‏.‏ يدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب‏.‏ فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل رحله‏.‏ فرمي بسهم‏.‏ فكان فيه حتفه‏.‏ فقلنا‏:‏ هنيئا له الشهادة يا رسول الله‏!‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏كلا‏.‏ والذي نفس محمد بيده‏!‏ إن الشملة‏.‏ لتلتهب عليه نارا، أخذها من الغنائم يوم خبير‏.‏ لم تصبها المقاسم‏"‏ قال ففزع الناس‏.‏ فجاء رجل بشراك أو شراكين‏.‏ فقال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أصبت يوم خبير‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ شراك من نار أو شراكان من نار‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏يحل رحله‏)‏ الرحل هو مركب الرجل على البعير‏.‏ ‏(‏فكان فيه حتفه‏)‏ أي موته‏.‏ وجمعه حتوف‏.‏ ومات حتف أنفه أي من غير قتل ولا ضرب‏.‏ ‏(‏الشملة‏)‏ كساء صغير يُؤتَزَر به ‏.‏ ‏(‏بشراك‏)‏ الشراك هو السير المعروف الذي يكون في النعل على ظهر القدم‏.‏ ‏(‏أصبت يوم خبير‏)‏ فيه حذف المفعول‏.‏ أي أصبت هذا‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏49‏)‏ باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر
184 - ‏(‏116‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم‏.‏ جميعا عن سليمان‏.‏ قال أبو بكر‏:‏ حدثنا سليمان بن حرب‏.‏ حدثنا حماد بن زيد، عن حجاج الصواف، عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏
يا رسول الله‏!‏ هل لك في حصن حصين ومنعة ‏؟‏0 قال ‏(‏حصن كان لدوس في الجاهلية‏)‏ فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ للذي ذخر الله للأنصار‏.‏ فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة‏.‏ هاجر إليه الطفيل بن عمرو‏.‏ وهاجر معه رجل من قومه‏.‏ فاجتووا المدينة‏.‏ فمرض، فجزع، فأخذ مشاقص له، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات‏.‏ فرآه الطفيل ابن عمرو في منامه‏.‏ فرآه وهيئته حسنة‏.‏ ورآه مغطيا يديه‏.‏ فقال له‏:‏ ما صنع بك ربك‏؟‏ فقال‏:‏ غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال‏:‏ ما لي أراك مغطيا يديك‏؟‏ قال قيل لي‏:‏ لن نصلح منك ما أفسدت‏.‏ فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏اللهم‏!‏ وليديه فاغفر‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏هل لك في حصن حصين‏)‏ قال ابن حجر‏:‏ يعني أرض دوس‏.‏ ‏(‏ومنعة‏)‏ بفتح النون وإسكانها، وهي العزة والامتناع‏.‏ وقيل‏:‏ منة جمع مانع كظلمة وظالم أي جماعة يمنعوك ممن يقصدك بمكروه‏.‏ ‏(‏فاجتووا المدينة‏)‏ معناه كرهوا المقام بها لضجر ونوع من سقم‏.‏ قال أبو عبيد والجوهري وغيرهما‏:‏ اجتويت البلد إذا كرهت المقام به، وإن كنت في نعمة‏.‏ قال الخطابي‏:‏ وأصله من الجوي، وهو داء يصيب الجوف‏.‏ ‏(‏مشاقص‏)‏ جمع مشقص‏.‏ قال الخليل وابن فارس وغيرهما‏:‏ وهذا هو الظاهر هنا لقوله‏:‏ فقطع بها براجمه‏.‏ ولا يحصل ذلك إلا بالعريض‏.‏ ‏(‏براجمه‏)‏ البراجم مفاصل الأصابع، واحدتها برجمة‏.‏ ‏(‏فشخبت يداه‏)‏ أي سال دمها، وقيل‏:‏ سال بقوة‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏50‏)‏ باب في الريح التي تكون قرب القيامة تقبض من في قله شيء من الإيمان
185 - ‏(‏117‏)‏ حدثنا أحمد بن عبدة الضبي‏.‏ حدثنا عبدالعزيز بن محمد وأبو علقمة الفروي‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا صفوان بن سليم، عن عبدالله بن سلمان، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال‏:‏
قال رسول الله عليه وسلم‏"‏ إن الله يبعث ريحا من اليمن، ألين من الحرير، فلا تدع أحدا في قلبه ‏(‏قال أبو علقمة‏:‏ مثقال حبة‏.‏ وقال عبدالعزيز‏:‏ مثقال ذرة‏)‏ من إيمان إلا قبضته‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏51‏)‏ باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن
186 - ‏(‏118‏)‏ حدثني يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر‏.‏ جميعا عن إسماعيل بن جعفر‏.‏ قال ابن أيوب‏:‏ حدثنا إسماعيل‏.‏ قال‏:‏ أخبرني العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ‏"‏بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم‏.‏ يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا‏.‏ أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا‏.‏ يبيع دينه بعرض من الدنيا‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏بادروا بالأعمال فتنا‏)‏ معنى الحديث الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم، لا المقمر‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏52‏)‏ باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله
187 - ‏(‏119‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏حدثنا الحسن بن موسى‏.‏ حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك؛ أنه قال‏:‏
لما نزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي‏}‏ ‏[‏49/ الحجرات/ آية 2‏]‏ إلى آخر الآية‏.‏ جلس ثابت بن قيس في بيته وقال‏:‏ أنا من أهل النار‏.‏ واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فسأل النبي سعد بن معاذ فقال‏"‏ يا أبا عمرو‏!‏ ما شأن ثابت‏؟‏ أشتكى‏؟‏‏"‏ قال سعد‏:‏ إنه لجاري‏.‏ وما علمت له بشكوى‏.‏ قال فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال ثابت‏:‏ أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فأنا من أهل النار؛ فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ بل هو من أهل الجنة‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏أشتكى‏)‏ الهمزة للاستفهام أي‏:‏أمرض‏.‏ فالشكوى هنا المرض‏.‏ وهمزة الوصل ساقطة كما في قوله تعالى‏:‏ أصطفى البنات على البنين‏]‏‏.‏
188 - ‏(‏119‏)‏ وحدثنا قطن بن نسير‏.‏ حدثنا جعفر بن سليمان‏.‏ حدثنا ثابت، عن أنس بن مالك قال‏:‏
كان ثابت بن قيس بن شماس خطيب الأنصار‏.‏ فلما نزلت هذه الآية‏.‏ بنحو حديث حماد‏.‏ وليس في حديثه ذكر سعد بن معاذ‏.‏
وحدثنيه أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي‏.‏ حدثنا حبان‏.‏ حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال‏:‏ لما نزلت ‏}‏لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي‏}‏ ‏[‏49/ الحجرات/ الآية-2‏]‏ ولم يذكر سعد بن معاذ في الحديث‏.‏
‏(‏119‏)‏ وحدثنا هريم بن عبدالأعلى الأسدي‏.‏ حدثنا المعتمر بن سليمان‏.‏ قال‏:‏ سمعت أبي يذكر عن ثابت، عن أنس‏.‏ قال‏:‏ لما نزلت هذه الآية‏.‏ واقتص الحديث‏.‏ ولم يذكر سعد بن معاذ‏.‏ وزاد‏:‏ فكنا نراه يمشي بين أظهرنا رجل من أهل الجنة‏.‏
‏[‏ش ‏(‏واقتص الحديث‏)‏ أي وروى الحديث على وجهه‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏53‏)‏ باب هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية ‏؟‏
189 - ‏(‏120‏)‏ حدثنا عثمان بن أبي شيبة‏.‏حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبدالله؛ قال‏:‏
قال أناس لرسول الله عليه وسلم‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ بها‏.‏ ومن أساء أخذ بعمله في الجاهلية والإسلام‏"‏‏.‏
190 - ‏(‏120‏)‏ حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير‏.‏ حدثنا أبي ووكيع‏.‏ ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ واللفظ له‏.‏ حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبدالله؛ قال‏:‏ قلنا‏:‏
يا رسول الله‏!‏ أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية‏.‏ ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر‏"‏‏.‏
191 - ‏(‏120‏)‏ حدثنا منجاب بن الحارث التميمي أخبرنا علي بن مسهر، عن الأعمش، بهذا الإسناد، مثله‏.‏
*3* ‏(‏54‏)‏ باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج
192 - ‏(‏121‏)‏ حدثنا محمد بن المثنى العنـزي وأبو معن الرقاشي وإسحاق بن منصور‏.‏ كلهم عن أبي عاصم‏.‏ واللفظ لابن المثنى‏.‏ حدثنا الضحاك ‏(‏يعني أبا عاصم‏)‏ قال‏:‏ أخبرنا حيوة بن شريح‏.‏ قال‏:‏ حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن ابن شماسة المهري، قال‏:‏
حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت‏.‏ فبكى طويلا وحوله وجهه إلى الجدار‏.‏ فجعل ابنه يقول‏:‏ يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا ‏؟‏ أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا ‏؟‏ قال فأقبل بوجهه فقال‏:‏ إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله‏.‏ إني قد كنت على أطباق ثلاث‏.‏ لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني‏.‏ ولا أحب إلي أن أكون قد استمكنت منه فقتلته‏.‏ فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار‏.‏ فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ ابسط يمينك فلأبايعك‏.‏ فبسط يمينه‏.‏ قال فقبضت يدي‏.‏ قال ‏"‏مالك يا عمرو‏؟‏‏"‏ قال قلت‏:‏ أردت أن أشترط‏.‏ قال‏"‏ تشترط بماذا‏؟‏‏"‏ قلت‏:‏ أن يغفر لي‏.‏ قال‏"‏ أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله‏؟‏ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها‏؟‏ وأن الحج يهدم ما كان قبله‏؟‏‏"‏ وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه‏.‏ وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له‏.‏ ولو سئلت أن أصفه ما أطقت‏.‏ لأني لم أكن أملأ عيني منه‏.‏ ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة‏.‏ ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها‏.‏ فإذا أنا مت، فلا تصبحني نائحة ولا نار‏.‏ فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنا‏.‏ ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور‏.‏ ويقسم لحمها‏.‏ حتى أستأنس بكم‏.‏ وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي‏.‏
‏[‏ش ‏(‏في سياقة الموت‏)‏ أي حال حضور الموت‏.‏ ‏(‏كنت على أطباق ثلاث‏)‏ أي على أحوال ثلاث‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ لتركبن طبقا عن طبق‏.‏ فلهذا أنث ثلاثا إرادة لمعنى أطباق‏.‏ ‏(‏تشترط بماذا‏)‏ هكذا ضبطناه بما، بإثبات الباء‏.‏ فيجوز أن تكون زائدة للتوكيد كما في نظائرها‏.‏ ويجوز أن تكون دخلت على معنى تشترط وهي تحتاط‏.‏ أي تحتاط بماذا‏.‏ ‏(‏إن الإسلام يهدم ما قبله‏)‏ أي يسقطه ويمحو أثره ‏.‏ ‏(‏فشنوا علي التراب ‏)‏ ضبطناه بالسين المهملة وبالمعجمة‏.‏ وكذا قال القاضي إنه بالمعجمة والمهملة‏.‏ قال‏:‏ وهو الصب‏.‏ وقيل بالمهملة، الصب في سهولة‏.‏ وبالمعجمة التفريق‏.‏ ‏(‏جزور‏)‏ الجزور هي الناقة التي تنحر‏]‏‏.‏
193 - ‏(‏122‏)‏ حدثني محمد بن حاتم بن ميمون، وإبراهيم بن دينار ‏(‏واللفظ لإبراهيم‏)‏‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا حجاج ‏(‏وهو ابن محمد‏)‏ عن ابن جريج، قال‏:‏ أخبرني يعلى بن مسلم؛ أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس؛ أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا‏.‏ وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمدا صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقالوا‏:‏
إن الذي تقول وتدعو لحسن‏.‏ ولو تخبرنا أن لما عملنا كفارة‏!‏ فنزل‏:‏ ‏{‏والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما‏}‏ ‏[‏الفرقان/ آية 68 ونزل‏:‏ ‏{‏يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله‏}‏ ‏[‏39/الزمر/ آية 53‏]‏
‏[‏ش ‏(‏ولو تخبرنا‏)‏ جواب لو، لأسلمنا‏.‏ وحذفها كثير في القرآن العزيز وكلام العرب‏.‏ كقوله تعالى‏:‏ ولو ترى إذ الظالمون‏.‏ وأشباهه ‏.‏ ‏(‏أثاما‏)‏ قيل‏:‏ معناه عقوبة‏.‏ وقيل‏.‏ هو واد في جهنم‏.‏ وقيل‏:‏ بئر فيها‏.‏ وقيل‏:‏ جزاء إثمه‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏55‏)‏ باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده
194 - ‏(‏123‏)‏ حدثني حرملة بن يحيى‏.‏ أخبرنا ابن وهب‏.‏ قال‏:‏ أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال‏:‏ أخبرني عروة بن الزبير؛ أن حكيم بن حزام أخبره؛ أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية، هل لي فيها من شئ‏؟‏ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ أسلمت على ما أسلفت من خير‏"‏‏.‏
والتحنث التعبد‏.‏
‏[‏ش ‏(‏أتحنث‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ أصل التحنث أن يفعل فعلا يخرج به من الحنث، وهو الإثم‏.‏ وكذا تأثم وتحرج وتهجد‏.‏ أي فعل فعلا يخرج به عن الإثم والحرج والهجود‏.‏ ‏(‏أسلمت على ما أسلفت من خير‏)‏ قال ابن بطال وغيره من المحققين‏:‏ إن الحديث على ظاهره وأنه إذا أسلم الكافر ومات على الإسلام يثاب على ما فعله من الخير في حال الكفر‏]‏‏.‏
195 - ‏(‏123‏)‏ وحدثنا حسن الحلواني وعبد بن حميد ‏(‏قال الحلواني‏:‏ حدثنا‏.‏ وقال عبد‏:‏ حدثني‏)‏ يعقوب ‏(‏وهو ابن إبراهيم بن سعيد‏)‏ حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، قال‏:‏
أخبرني عروة بن الزبير؛ أن حكيم بن حزام أخبره؛ أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أي رسول الله‏!‏ أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية‏.‏ من صدقه أو عتاقة أو صلة رحم‏.‏ أفيها أجر‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أسلمت على ما أسلفت من خير‏"‏ ‏.‏
‏(‏123‏)‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد‏.‏ قالا‏:‏ أخبرنا عبدالرزاق‏.‏ أخبرنا معمر، عن الزهري، بهذا الإسناد‏.‏ ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم‏.‏ أخبرنا أبو معاوية‏.‏ حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن حكيم بن حزام‏.‏ قال، قلت‏:‏
يا رسول الله‏!‏ أشياء كنت أفعلها في الجاهلية‏.‏ ‏(‏قال هشام‏:‏ يعني أتبرر بها‏)‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أسلمت على ما أسلفت لك من الخير‏"‏ قلت‏:‏ فوالله‏!‏ لا أدع شيئا صنعته في الجاهلية إلا فعلت في الإسلام مثله‏.‏
‏[‏ ش ‏(‏أتبرر بها‏)‏ أي أطلب بها البر والإحسان إلى الناس، والتقرب إلى الله تعالى‏]‏‏.‏
196 - ‏(‏123‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا عبدالله بن نمير، عن هشام بن عروة، عن أبيه؛ أن حكيم بن حزام أعتق في الجاهلية مائة رقبة‏.‏ وحمل على مائة بعير‏.‏ ثم أعتق في الإسلام مائة رقبة‏.‏ وحمل على مائة بعير‏.‏ ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحو حديثهم‏.‏
‏[‏ ش ‏(‏أعتق في الجاهلية مائة رقبة وحمل على مائة بعير‏)‏ معناه تصدق بها‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏56‏)‏ باب صدق الإيمان وإخلاصه
197 - ‏(‏124‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا عبدالله بن إدريس وأبو معاوية ووكيع‏.‏ عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله، قال‏:‏
لما نزلت‏:‏ ‏{‏الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم‏}‏ ‏[‏6/الأنعام/ آية 82‏]‏ شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا‏:‏ أينا لا يظلم نفسه‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ليس هو كما تظنون‏.‏ إنما هو كما قال لقمان لابنه‏:‏ ‏{‏يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم‏}‏‏"‏ ‏[‏31/لقمان/ آية 13‏]‏‏.‏
198 - ‏(‏124‏)‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم‏.‏ قالا‏:‏ أخبرنا عيسى ‏(‏وهو ابن يونس‏)‏ ح وحدثنا منجاب بن الحارث التيمي‏.‏ أخبرنا ابن مسهر‏.‏ ح وحدثنا أبو كريب‏.‏ أخبرنا ابن إدريس‏.‏ كلهم عن الأعمش بهذا الإسناد‏.‏ قال أبو كريب‏:‏ قال ابن إدريس‏:‏
حدثنيه أولا أبي، عن أبان بن تغلب، عن الأعمش، ثم سمعته منه‏.‏
*3* ‏(‏57‏)‏ باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق
199 - ‏(‏125‏)‏ حدثني محمد بن منهال الضرير، وأمية بن بسطام العيشي، ‏(‏واللفظ لأمية‏)‏ قالا‏:‏ حدثنا يزيد بن زريع‏.‏ حدثنا روح ‏(‏وهو ابن القاسم‏)‏ عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال‏:‏
لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير‏}‏ ‏[‏ 2/البقرة/ آية 284‏]‏ قال فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ ثم بركوا على الركب‏.‏ فقالوا‏:‏ أي رسول الله‏!‏ كلفنا من الأعمال ما نطيق‏.‏ الصلاة والصيام والجهاد والصدقة‏.‏ وقد أنزلت عليك هذه الآية‏.‏ ولا نطيقها‏.‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم‏:‏ سمعنا وعصينا‏؟‏ بل قولوا‏:‏ سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير‏.‏ فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم‏.‏ فأنزل الله في إثرها‏:‏ ‏{‏آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير‏}‏ ‏[‏2 /البقرة/ آية 285‏]‏ فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى‏.‏ وأنزل الله عز وجل‏:‏ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ‏(‏قال‏:‏ نعم‏)‏ ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ‏(‏قال‏:‏ نعم‏)‏ ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ‏(‏قال‏:‏ نعم‏)‏ واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ‏(‏قال‏:‏ نعم‏)‏ ‏[‏ 2/ البقرة/ آية 286‏]‏‏.‏
200 - ‏(‏126‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لأبي بكر‏.‏ ‏(‏قال إسحاق‏:‏ أخبرنا‏.‏ وقال الآخران حدثنا‏)‏ وكيع عن سفيان، عن آدم بن سليمان، مولى خالد؛ قال‏:‏
سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله‏}‏ ‏[‏2/ البقرة/ آية 284‏]‏ قال، دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏قولوا‏:‏ سمعنا وأطعنا وسلمنا‏"‏ قال، فألقى الله الإيمان في قلوبهم‏.‏ فأنزل الله تعالى‏:‏ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ‏(‏قال‏:‏ قد فعلت‏)‏ ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ‏(‏قال‏:‏ قد فعلت‏)‏ واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا ‏(‏قال‏:‏ قد فعلت‏)‏ ‏[‏2/ البقرة/ آية-286‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏58‏)‏ باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر
201 - ‏(‏127‏)‏ حدثنا سعيد بن منصور، وقتيبة بن سعيد، ومحمد بن عبيد الغبري ‏(‏واللفظ لسعيد‏)‏ قالوا‏:‏
حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به‏"‏‏.‏
‏[‏ش قال النووي‏:‏ ضبط العلماء أنفسها بالنصب والرفع‏.‏ وهما ظاهران‏.‏ إلا أن النصب أظهر وأشهر‏.‏ قال القاضي عياض‏:‏ أنفسها بالنصب‏.‏ ويدل عليه قوله‏:‏ إن أحدنا يحدث نفسه‏.‏ قال‏:‏ قال الطحاوي‏:‏ وأهل اللغة يقولون أنفسها بالرفع‏.‏ يريدون بغير اختيارها‏.‏ قال تعالى‏:‏ ونعلم ما توسوس به نفسه‏.‏ والله أعلم‏]‏‏.‏
202 - ‏(‏127‏)‏ حدثنا عمرو الناقد وزهير بن حرب قالا‏:‏ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم‏.‏ ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا علي بن مسهر وعبدة بن سليمان‏.‏ ح وحدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا‏:‏ حدثنا ابن أبي عدي‏.‏ كلهم عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن زرارة، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به‏"‏‏.‏ وحدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا وكيع‏.‏ حدثنا مسعر وهشام‏.‏ ح وحدثني إسحاق بن منصور‏.‏ أخبرنا الحسين بن علي، عن زائدة، عن شيبان، جميعا عن قتادة، بهذا الإسناد، مثله‏.‏
*3* ‏(‏59‏)‏ باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب
203 - ‏(‏128‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وإسحاق بن إبراهيم ‏(‏واللفظ لأبي بكر‏)‏ ‏(‏قال إسحاق‏:‏ أخبرنا سفيان‏.‏ وقال الآخران‏:‏ حدثنا‏)‏ ابن عيينة عن أبي الزناد، عن الأعرج ، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ قال الله عز وجل‏:‏ إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها سيئة‏.‏ وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة‏.‏ فإن عملها فاكتبوها عشرا‏"‏‏.‏
204 - ‏(‏128‏)‏ حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر قالوا‏:‏ حدثنا إسماعيل، وهو ابن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال‏:‏
‏"‏قال الله عز وجل‏:‏ إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة ‏.‏ فإن عملها كتبتها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ‏.‏ وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه‏.‏ فإن عملها كتبتها سيئة واحدة‏"‏‏.‏
205 - ‏(‏129‏)‏ وحدثنا محمد بن رافع‏.‏ حدثنا عبدالرزاق‏.‏ أخبرنا معمر عن همام بن منبه؛ قال‏:‏
هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏قال الله عز وجل‏:‏ إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل‏.‏ فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها‏.‏ وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها‏.‏ فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها‏"‏‏.‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ قالت الملائكة‏:‏ رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة ‏(‏وهو أبصر به‏)‏ فقال‏:‏ ارقبوه‏.‏ فإن عملها فاكتبوها له بمثلها‏.‏ وإن تركها فاكتبوها له حسنة‏.‏ إنما تركها من جراي‏"‏‏.‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف‏.‏ وكل سيئة تكتب بمثلها حتى يلقى الله‏"‏‏.‏
‏[‏ ش ‏(‏من جراي‏)‏ بالمد والقصر، لغتان‏.‏ معناه من أجلي‏]‏
206 - ‏(‏130‏)‏ وحدثنا أبو كريب‏.‏ حدثنا أبو خالد الأحمر، عن هشام ، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة؛ قال ‏:‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
‏"‏ من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ‏.‏ ومن هم بحسنة فعملها كتبت له عشرا إلى سبعمائة ضعف ‏.‏ ومن هم بسيئة فلم يعملها ،لم تكتب ‏.‏ وإن عملها كتبت ‏"‏ ‏:‏
207 - ‏(‏131‏)‏ حدثنا شيبان بن فروخ‏.‏ حدثنا عبدالوارث، عن الجعد أبي عثمان‏.‏ حدثنا أبو رجاء العطاردي، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى؛ قال‏:‏
‏"‏إن الله كتب الحسنات والسيئات‏.‏ ثم بين ذلك‏.‏ فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة‏.‏ وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة‏.‏ وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة‏.‏ وإن هم بها فعملها، كتبها الله سيئة واحدة‏"‏‏.‏
208 - ‏(‏131‏)‏ وحدثنا يحيى بن يحيى‏.‏ حدثنا جعفر بن سليمان، عن الجعد أبي عثمان، في هذا الإسناد، بمعنى حديث عبدالوارث‏.‏ وزاد‏"‏ ومحاها الله‏.‏ ولا يهلك على الله إلا هالك‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ولا يهلك على الله إلا هالك‏)‏ قال القاضي عياض رحمه الله‏:‏
معناه من حتم هلاكه، وسدت عليه أبواب الهدى، مع سعة رحمة الله تعالى وكرمه‏.‏ وجعله السيئة حسنة إذا لم يعملها‏.‏ وإذا عملها واحدة‏.‏ والحسنة، إذا لم يعملها، واحدة‏.‏ وإذا عملها عشرا إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة - فمن حرم هذه السعة، وفاته هذا الفضل، وكثرت سيئاته حتى غلبت، مع أنها أفراد، حسناته، مع أنها متضاعفة‏.‏ فهو الهالك المحروم‏.‏ والله أعلم‏]‏‏.‏
(‏60‏)‏ باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها
209 - ‏(‏132‏)‏ حدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا جرير عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ قال ‏:‏ جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه‏:‏
إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏وقد وجدتموه‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال‏"‏ ذاك صريح الإيمان‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم‏)‏ أي يجد أحدنا التكلم به عظيما، لاستحالته في حقه سبحانه وتعالى‏.‏ ‏(‏ذاك صريح الإيمان‏)‏ معناه‏:‏ سبب الوسوسة محض الإيمان‏.‏ أو الوسوسة علامة محض الإيمان‏]‏‏.‏
210 - ‏(‏132‏)‏ وحدثنا محمد بن بشار‏.‏ حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة‏.‏ ح وحدثني محمد بن عمرو بن جبلة بن أبي رواد وأبو بكر بن إسحاق، قالا‏:‏ حدثنا أبو الجواب، عن عمار بن زريق‏.‏ كلاهما عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بهذا الحديث‏.‏
211 - ‏(‏133‏)‏ حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار‏.‏ حدثني علي بن عثام، عن سعير بن الخمس، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله؛ قال‏:‏
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏تلك محض الإيمان‏"‏‏.‏
212 - ‏(‏134‏)‏ حدثنا هارون بن معروف ومحمد بن عباد ‏(‏واللفظ لهارون‏)‏ قالا‏:‏ حدثنا سفيان، عن هشام، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال‏:‏ هذا، خلق الله الخلق، فمن خلق الله‏؟‏ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل‏:‏ آمنت بالله‏"‏‏.‏
‏[‏ فليقل آمنت بالله‏)‏ معناه الإعراض عن هذا الخاطر الباطل والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه‏.‏ قال الإمام المازري رحمه الله‏.‏ ظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها والرد لها من غير استدلال، ولا نظر في إبطالها‏.‏ قال‏:‏ والذي يقال في هذا المعنى‏:‏ إن الخواطر على قسمين‏.‏ فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت، فهي التي تدفع بالإعراض عنها‏.‏ وعلى هذا يحمل الحديث‏.‏ وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة‏.‏ فكأنه لما كان أمر طاريا ‏[‏أمرا طارئا‏؟‏‏؟‏‏]‏ بغير أصل دفع بغير نظير في دليل‏.‏ إذ لا أصل له ينظر فيه‏.‏ وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة، فإنها لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها‏.‏ والله أعلم‏]‏‏.‏
213 - ‏(‏134‏)‏ وحدثنا محمود بن غيلان‏.‏ حدثنا أبو النضر‏.‏ حدثنا أبو سعيد المؤدب، عن هشام بن عروة، بهذا الإسناد‏.‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏يأتي الشيطان أحدكم فيقول‏:‏ من خلق السماء‏؟‏ من خلق الأرض ‏؟‏ فيقول‏:‏ الله‏"‏ ثم ذكر بمثله‏.‏ وزاد ‏"‏ورسله‏"‏‏.‏
214 - ‏(‏134‏)‏ حدثني زهير بن حرب وعبد بن حميد‏.‏ جميعا عن يعقوب‏.‏ قال زهير‏:‏ حدثنا يعقوب بن إبراهيم‏.‏ حدثنا ابن أخي ابن شهاب، عن عمه قال‏:‏ أخبرني عروة بن الزبير؛ أن أبا هريرة قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏يأتي الشيطان أحدكم فيقول‏:‏ من خلق كذا وكذا‏؟‏ حتى يقول له‏:‏ من خلق ربك‏؟‏ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله وليَنْتَه‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏فليستعذ بالله ولينته‏)‏ معناه إذا عرض له الوسواس، فيلجأ إلى الله تعالى في دفع شره، وليعرض عن الفكر في ذلك‏.‏ وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان‏.‏ وهو إنما يسعى بالفساد والإغراء‏.‏ فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته، وليبادر إلى قطعها، بالاشتغال بغيرها‏.‏ والله أعلم‏]‏‏.‏
‏(‏134‏)‏ حدثني عبدالملك بن شعيب بن الليث قال‏:‏ حدثني أبي، عن جدي‏.‏ قال‏:‏ حدثني عقيل بن خالد‏.‏ قال‏:‏ قال ابن شهاب‏:‏ أخبرني عروة بن الزبير أن أبا هريرة قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ يأتي العبد الشيطان فيقول‏:‏ من خلق كذا وكذا‏؟‏‏"‏ مثل حديث ابن أخي ابن شهاب‏.‏
215 - ‏(‏135‏)‏ حدثني عبدالوارث بن عبدالصمد‏.‏ قال‏:‏ حدثني أبي عن جدي، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏لازال الناس يسألونكم عن العلم، حتى يقولوا‏:‏ هذا الله خلقنا‏.‏ فمن خلق الله‏؟‏‏"‏‏.‏ قال، وهو آخذ بيد رجل فقال‏:‏ صدق الله ورسوله‏.‏ قد سألني اثنان وهذا الثالث‏.‏ أو قال‏:‏ سألني واحد وهذا الثاني‏.‏
وحدثنيه زهير بن حرب ويعقوب الدورقي قالا‏:‏ حدثنا إسماعيل، وهو ابن علية، عن أيوب، عن محمد؛ قال‏:‏ قال أبو هريرة‏"‏ لا يزال الناس، بمثل حديث عبدالوارث‏.‏ غير أنه لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الإسناد‏.‏ ولكن قد قال في آخر الحديث‏:‏ صدق الله ورسوله‏.‏
‏[‏ش ‏(‏حتى يقولوا‏)‏ هو في بعض الأصول، يقولوا، بغير نون‏.‏ وفي بعضها، يقولون‏:‏ بالنون‏.‏ وكلاهما صحيح‏.‏ وإثبات النون مع الناصب لغة قليلة‏:‏ ذكرها جماعة من محققي النحويين‏.‏ وجاءت متكررة في الأحاديث الصحيحة، كما ستراها في مواضعها، إن شاء الله تعالى، والله أعلم‏]‏‏.‏
‏(‏135‏)‏ وحدثني عبدالله بن الرومي‏.‏ حدثنا النضر بن محمد‏.‏ حدثنا عكرمة، وهو ابن عمار‏.‏ حدثنا يحيى‏.‏ حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ لا يزال يسألونك، يا أبا هريرة، حتى يقولوا‏:‏ هذا الله‏.‏ فمن خلق الله‏؟‏‏"‏ قال،فبينا أنا في المسجد إذ جاءني ناس من الأعراب ‏.‏ فقالوا ‏:‏ يا أبا هريرة‏!‏ هذا الله ‏.‏ فمن خلق الله ‏؟‏ قال ، فأخذ حصى بكفه فرماهم‏.‏ ثم قال‏:‏ قوموا‏.‏ قوموا‏.‏ صدق خليلي‏.‏
216 - ‏(‏135‏)‏ حدثني محمد بن حاتم‏.‏ حدثنا كثير بن هشام‏.‏ حدثنا جعفر بن برقان‏.‏ حدثنا يزيد بن الأصم، قال‏:‏ سمعت أبا هريرة يقول‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ ليسألنكم الناس عن كل شيء حتى يقولوا‏:‏ الله خلق كل شئ‏.‏ فمن خلقه‏؟‏‏"‏‏.‏
217 - ‏(‏136‏)‏ حدثنا عبدالله بن عامر بن زرارة الحضرمي‏.‏ حدثنا محمد بن فضيل، عن مختار بن فلفل، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال‏:‏ ‏"‏قال الله عز وجل‏:‏ إن أمتك لا يزالون يقولون‏:‏ ما كذا‏؟‏ ما كذا‏؟‏ حتى يقولوا‏:‏ هذا الله خلق الخلق‏.‏ فمن خلق الله‏؟‏‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ما كذا‏.‏ ما كذا‏)‏ كناية عن كثرة السؤال، وقيل وقال‏.‏ أي ما شأنه‏.‏ ومن خلقه‏]‏‏.‏
حدثناه إسحاق بن إبراهيم‏.‏ أخبرنا جرير‏.‏ ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا حسين بن علي، عن زائدة‏.‏ كلاهما عن المختار،عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بهذا الحديث‏.‏ غير أن إسحاق لم يذكر ‏"‏قال قال الله إن أمتك‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏61‏)‏ باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار
218 - ‏(‏137‏)‏ حدثنا يحيى بن أيوب، وقتيبة بن سعيد، وعلي بن حجر‏.‏ جميعا عن إسماعيل بن جعفر‏.‏ قال ابن أيوب‏:‏ حدثنا إسماعيل بن جعفر‏.‏ قال‏:‏ أخبرنا العلاء، وهو ابن عبدالرحمن مولى الحرقة عن معبد بن كعب السلمي، عن أخيه عبدالله بن كعب، عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال‏:‏ ‏"‏من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة‏"‏ فقال له رجل‏:‏ وإن كان شيئا يسير، يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏وإن قضيبا من أراك‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏وإن قضيبا من أراك‏)‏ على أنه خبر كان المحذوفة‏.‏ أو أنه مفعول لفعل محذوف، تقديره‏:‏ وإن اقتطع قضيبا‏]‏‏.‏
219 - ‏(‏137‏)‏ وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم، وهارون بن عبدالله‏.‏ جميعا عن أبي أسامة، عن الوليد ابن كثير، عن محمد بن كعب؛ أنه سمع أخاه عبدالله بن كعب يحدث؛ أن أبا أمامة الحارثي حدثه؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمثله‏.‏
220 - ‏(‏138‏)‏ وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا وكيع‏.‏ ح وحدثنا ابن نمير‏.‏ حدثنا أبو معاوية ووكيع‏.‏ ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ‏(‏واللفظ له ‏)‏ أخبرنا وكيع‏.‏ حدثنا الأعمش عن أبي وائل، عن عبدالله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال‏:‏
‏"‏من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم، هو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان‏"‏ قال، فدخل الأشعث ابن قيس فقال‏:‏ ما يحدثكم أبو عبدالرحمن‏؟‏ قالوا‏:‏ كذا وكذا‏.‏ قال‏:‏ صدق أبو عبدالرحمن‏.‏ في نزلت‏.‏ كان بيني وبين رجل أرض باليمن‏.‏ فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏هل لك بينة‏؟‏‏"‏ فقلت‏:‏ لا‏.‏ قال‏"‏ فيمينه‏"‏ قلت‏:‏ إذن يحلف‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند ذلك‏"‏ من حلف على يمين صبر، يقتطع بها مال امرئ مسلم، هو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان‏"‏ فنزلت‏:‏ ‏{‏إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا‏}‏ ‏[‏3/آل عمران/ الآية 77‏]‏ إلى آخر الآية‏.‏
‏[‏ش ‏(‏من حلف على يمين صبر‏)‏ هو بإضافة يمين إلى صبر‏.‏ ويمين الصبر هي التي يحبس الحالف نفسه عليها‏.‏ وتسمى هذه، اليمين الغموس‏]‏‏.‏
221 - ‏(‏138‏)‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم‏.‏ أخبرنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبدالله؛ قال‏:‏ من حلف على يمين يستحق بها مالا هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان‏.‏ ثم ذكر نحو حديث الأعمش‏.‏ غير أنه قال‏:‏
كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر‏.‏ فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏شاهداك أو يمينه‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏شاهداك أو يمينه‏)‏ معناه‏:‏ لك ما يشهد به شاهداك، أو يمينه‏]‏‏.‏
222 - ‏(‏138‏)‏ وحدثنا ابن أبي عمر المكي‏.‏ حدثنا سفيان عن جامع بن أبي رشيد، وعبدالملك بن أعين، سمعا شقيق بن سلمة يقول‏:‏ سمعت ابن مسعود يقول‏:‏
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه، لقي الله وهو عليه غضبان‏"‏ قال عبدالله‏:‏ ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، مصداقه من كتاب الله‏:‏ ‏{‏إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا‏}‏ ‏[‏3/ آل عمران/ الآية 77‏]‏ إلى آخر الآية‏.‏
223 - ‏(‏139‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وهناد بن السري، وأبو عاصم الحنفي ‏(‏واللفظ لقتيبة‏)‏ قالوا‏:‏ حدثنا أبو الأحوص عن سماك، عن علقمة بن وائل، عن أبيه؛ قال‏:‏
جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال الحضرمي‏:‏ يا رسول الله‏!‏ إن هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي‏.‏ فقال الكندي‏:‏ هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي ‏"‏ألك بينة‏!‏‏"‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال ‏"‏فلك يمينه‏"‏ قال‏:‏ يا رسول الله إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه‏.‏ وليس يتورع من شيء‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏ليس لك منه إلا ذلك‏"‏ فانطلق ليحلف‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما أدبر ‏"‏أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما، ليلقين الله وهو عنه معرض‏"‏‏.‏
224 - ‏(‏139‏)‏ وحدثني زهير بن حرب، وإسحاق بن إبراهيم‏.‏ جميعا عن ابن الوليد‏.‏ قال زهير‏:‏ حدثنا هشام بن عبدالملك‏.‏ حدثنا أبو عوانة، عن عبدالملك بن عمير، عن علقمة بن وائل، عن وائل بن حجر؛ قال‏:‏
كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فأتاه رجلان يختصمان في أرض‏.‏ فقال أحدهما‏:‏ إن هذا انتزى على أرضي، يا رسول الله، في الجاهلية‏.‏ ‏(‏وهو امرؤ القيس بن عابس الكندي‏.‏ وخصمه ربيعة بن عبدان‏)‏‏.‏ قال ‏"‏بينتك‏"‏ قال‏:‏ ليس لي بينة‏.‏ قال ‏"‏يمينه‏"‏ قال‏:‏ إذن يذهب بها‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ليس لك إلا ذاك‏"‏ قال، فلما قام ليحلف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏من اقتطع أرضا ظالما، لقي الله وهو عليه غضبان‏"‏ قال إسحاق في روايته‏:‏ ربيعة بن عيدان‏.‏
‏[‏ش ‏(‏انتزى على أرضي في الجاهلية‏)‏ معناه‏:‏ غلب عليها واستولى‏.‏ والجاهلية ما قبل النبوة، لكثرة جهلهم‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏62‏)‏ باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم في حقه، وإن قتل كان في النار، وأن من قتل دون ماله فهو شهيد
225 - ‏(‏140‏)‏ حدثني أبو كريب محمد بن العلاء‏.‏ حدثنا خالد ‏(‏يعني ابن مخلد‏)‏ حدثنا محمد بن جعفر، عن العلاء بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي‏؟‏ قال ‏"‏فلا تعطه مالك‏"‏ قال‏:‏ أرأيت إن قاتلني‏؟‏ قال ‏"‏قاتله‏"‏ قال‏:‏ أرأيت إن قتلني‏؟‏ قال ‏"‏فأنت شهيد‏"‏ قال‏:‏ أرأيت إن قتلته‏؟‏ قال ‏"‏هو في النار‏"‏‏.‏
226 - ‏(‏141‏)‏ حدثني الحسن بن علي الحلواني، وإسحاق بن منصور، ومحمد بن رافع‏.‏ وألفاظهم متقاربة ‏(‏قال إسحاق‏:‏ أخبرنا‏.‏ وقال الآخران‏:‏ حدثنا‏)‏ عبدالرزاق‏.‏ أخبرنا ابن جريج، قال‏:‏ أخبرني سليمان الأحول؛ أن ثابتا مولى عمر بن عبدالرحمن أخبره؛ أنه لما كان بين عبدالله بن عمرو وبين عنبسة بن أبي سفيان ما كان‏.‏ تيسروا للقتال‏:‏ فركب خالد بن العاص إلى عبدالله بن عمرو، فوعظه خالد‏.‏ فقال عبدالله بن عمرو‏:‏ أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏من قتل دون ماله فهو شهيد‏"‏‏.‏
وحدثنيه محمد بن حاتم‏.‏ حدثنا محمد بن بكر‏.‏ ح وحدثنا أحمد بن عثمان النوفلي‏.‏ حدثنا أبو عاصم‏.‏ كلاهما عن ابن جريج، بهذا الإسناد، مثله‏.‏
‏[‏ش ‏(‏تيسروا للقتال‏)‏ معناه‏:‏ تأهبوا وتهيئوا‏.‏ ‏(‏خالد بن العاص‏)‏ الفصيح في العاصي، إثبات الياء‏.‏ ويجوز حذفها‏.‏ وهو الذي يستعمله معظم المحدثين أو كلهم‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏63‏)‏ باب استحقاق الوالي، الغاش لرعيته، النار‏.‏
227 - ‏(‏142‏)‏ حدثنا شيبان بن فروخ‏.‏ حدثنا أبو الأشهب، عن الحسن قال‏:‏ عاد عبيدالله بن زياد معقل بن يسار المزني في مرضه الذي مات فيه‏.‏ قال معقل‏:‏ إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ لو علمت أن لي حياة ما حدثتك‏.‏ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏
‏"‏ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏عاد عبيدالله‏)‏ أي زاره في مرض موته‏.‏ وكان عبيدالله، إذ ذاك، أمير البصرة لمعاوية‏.‏ ‏(‏يسترعيه الله رعية‏)‏ يعني يفوض إليه رعاية رعية‏.‏ وهي بمعنى المرعية‏.‏ وقوله يموت، خبر ما‏.‏ وغش الراعي الرعية تضييعه ما يجب عليه في حقهم‏]‏‏.‏
228 - ‏(‏142‏)‏ حدثنا يحيى بن يحيى‏.‏ أخبرنا يزيد بن زريع، عن يونس، عن الحسن؛ قال‏:‏
دخل عبيدالله بن زياد على معقل بن يسار وهو وجع‏.‏ فسأله فقال‏:‏ إني محدثك حديثا لم أكن حدثتكه‏.‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لا يسترعي الله عبدا رعية، يموت حين يموت وهو غاش لها، إلا حرم الله عليه الجنة‏"‏ قال‏:‏ ألا كنت حدثتني هذا قبل اليوم‏؟‏ قال‏:‏ ما حدثتك، أو لم أكن لأحدثك‏.‏
‏[‏ش ‏(‏لأحدثك‏)‏ في محل النصب على أنه خبر لم أكن‏.‏ كما في قوله تعالى‏:‏ ما كانوا ليؤمنوا‏]‏‏.‏
229 - ‏(‏142‏)‏ وحدثني القاسم بن زكرياء‏.‏ حدثنا حسين، يعني الجعفي، عن زائدة، عن هشام؛ قال‏:‏ قال الحسن‏:‏
كنا عند معقل بن يسار نعوده‏.‏ فجاء عبيدالله بن زياد‏.‏ فقال له معقل‏:‏ إني سأحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ ثم ذكر بمعنى حديثهما‏.‏
‏(‏142‏)‏ وحدثنا أبو غسان المسمعي، ومحمد بن المثنى، وإسحاق بن إبراهيم ‏(‏قال إسحاق‏:‏ أخبرنا، وقال الآخران‏:‏ حدثنا‏)‏ معاذ بن هشام‏.‏ قال‏:‏ حدثني أبي عن قتادة، عن أبي المليح؛ أن عبيدالله بن زياد عاد معقل بن يسار في مرضه‏.‏ فقال له معقل‏:‏ إني محدثك بحديث لولا أني في الموت لم أحدثك به‏.‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏
‏"‏ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏64‏)‏ باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب، وعرض الفتن على القلوب
230 - ‏(‏143‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا أبو معاوية ووكيع‏.‏ ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن حذيفة؛ قال‏:‏ حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر‏.‏ حدثنا‏:‏
‏"‏أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال‏.‏ ثم نزل القرآن‏.‏ فعلموا من القرآن وعلموا من السنة‏"‏‏.‏ ثم حدثنا عن رفع الأمانة قال‏:‏
‏"‏ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه‏.‏ فيظل أثرها مثل الوكت‏.‏ ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه‏.‏ فيظل أثرها مثل المحل‏.‏ كجمر دحرجته على رجلك‏.‏ فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء ‏(‏ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله‏)‏ فيصبح الناس يتبايعون‏.‏ لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال‏:‏ إن في بني فلان رجلا أمينا‏.‏ حتى يقال للرجل‏:‏ ما أجلده‏!‏ ما أظرفه‏!‏ ما أعقله‏!‏ وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان‏"‏‏.‏
ولقد أتي علي زمان وما أبالي أيكم بايعت‏.‏ لئن كان مسلما ليردنه علي دينه‏.‏ ولئن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه على ساعيه‏.‏ وأما اليوم فما كنت لأبايع منكم إلا فلانا وفلانا‏.‏
‏[‏ش ‏(‏الأمانة‏)‏ الظاهر أن المراد بها التكليف الذي كلف الله تعالى به عباده، والعهد الذي أخذه عليهم‏.‏ وقال صاحب التحرير‏:‏ الأمانة في الحديث هي الأمانة المذكورة في قوله تعالى‏:‏ إنا عرضنا الأمانة، وهي عين الإيمان‏.‏ فإذا استمكنت الأمانة من قلب العبد قام حينئذ بأداء التكاليف، واغتنم ما يرد عليه منها، وجد في إقامتها‏.‏ والله أعلم‏.‏ ‏(‏جذر قلوب الرجال‏)‏ الجذر، بفتح الجيم وكسرها، لغتان‏.‏ قال القاضي عياض رحمه الله‏:‏ مذهب الأصمعي في هذا الحديث فتح الجيم‏.‏ وأبو عمرو يكسرها‏.‏ قال في الفائق‏:‏ الجذر، بالفتح والكسر، الأصل‏.‏ ‏(‏الوكت‏)‏ هو الأثر اليسير‏.‏ كذا قاله الهروي‏.‏ وقال غيره‏:‏ هو سواد يسير‏.‏ وقيل‏:‏ هو لون يحدث مخالف للون الذي كان قبله‏.‏ ‏(‏المجل‏)‏ بإسكان الجيم وفتحها‏:‏ لغتان حكاهما صاحب التحرير‏.‏ والمشهور الإسكان‏.‏ يقال‏:‏ مجلت يده تمجل مجلا‏.‏ ومجلت تمجل مجلا، لغتان مشهورتان‏.‏ وأمجلها غيرها، قال أهل اللغة والغريب‏:‏ المجل هو التنفط الذي يصير في اليد من العمل بفأس أو نحوها ويصير كالقبة فيه ماء قليل‏.‏ ‏(‏فنفط‏)‏ يقال‏:‏ نفطت يده نفطا، من باب تعب، ونفيطا إذا صار بين الجلد واللحم ماء‏.‏ وتذكير الفعل المسند إلى الرجل، وكذا تذكير قوله‏:‏ فتراه منتبرا‏.‏ مع أن الرجل مؤنثه، باعتبار معنى العضو‏.‏ ‏(‏ومنتبرا‏)‏ مرتفعا‏.‏ وأصل هذه اللفظة الارتفاع‏.‏ ومنه المنبر لارتفاعه الخطيب عليه‏.‏ قال صاحب التحرير‏:‏ معنى الحديث أن الأمانة تزول عن القلوب شيئا فشيئا‏.‏ فإذا زال أول جزء منها زال نورها وخلفته ظلمة كالوكت‏.‏ وهو اعتراض لون مخالف للون الذي قبله‏.‏ فإذا زال شيء آخر صار كالمجل وهو أثر محكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة‏.‏ وهذه الظلمة فوق التي قبلها‏.‏ ثم شبه زوال ذلك النور بعد وقوعه في القلب وخروجه بعد استقراره فيه، واعتقاب الظلمة إياه، بجمر يدحرجه على رجله حتى يؤثر فيها ثم يزول الجمر ويبقى التنفط‏.‏ ‏(‏ولقد أتي على زمان‏)‏ معنى المبايعة هنا البيع والشراء المعروفان‏.‏ ومراده أني كنت أعلم أن الأمانة لم ترتفع، وأن في الناس وفاء بالعهود‏.‏ فكنت أقدم على مبايعة من غير باحث عن حاله، وثوقا بالناس وأمانتهم‏.‏ فإنه إن كان مسلما فدينه وأمانته تمنعه من الخيانة وتحمله على أداء الأمانة‏.‏ وإن كان كافرا فساعيه، وهو الوالي عليه، كان يقوم أيضا بالأمانة في ولايته، فيستخرج حقي منه‏.‏ وأما اليوم فقد ذهبت الأمانة، فما بقي لي وثوق بمن أبايعه، ولا بالساعي في أدائهما الأمانة‏.‏ فما أبايع إلا فلانا وفلانا، يعني أفرادا من الناس، أعرفهم وأثق بهم‏]‏‏.‏
وحدثنا ابن نمير‏.‏ حدثنا أبي ووكيع‏.‏ ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم‏.‏ حدثنا عيسى بن يونس‏.‏ جميعا عن الأعمش، بهذا الإسناد، مثله‏.‏
*3* ‏(‏65‏)‏ باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا، وإنه يأرز بين المسجدين
231 - ‏(‏144‏)‏ وحدثنا محمد بن عبدالله بن نمير‏.‏ حدثنا أبو خالد، يعني سليمان بن حيان، عن سعد بن طارق، عن ربعي، عن حذيفة؛ قال‏:‏ كنا عند عمر‏.‏ فقال‏:‏ أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن‏؟‏ فقال قوم‏:‏ نحن سمعناه‏.‏ فقال‏:‏ لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره‏؟‏ قالوا‏:‏ أجل‏.‏ قال‏:‏
تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة‏.‏ ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن التي تموج موج البحر‏.‏ قال حذيفة‏:‏ فأسكت القوم‏.‏ فقلت‏:‏ أنا‏.‏ قال‏:‏ أنت، لله أبوك‏!‏ قال حذيفة‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏
‏"‏تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا‏.‏ فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء‏.‏ وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء‏.‏ حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا‏.‏ فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض‏.‏ والآخر أسود مربادا، كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا‏.‏ إلا ما أشرب من مراه‏"‏‏.‏
قال حذيفة‏:‏ وحدثته؛ أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر‏.‏ قال عمر‏:‏ أكسرا، لا أبا لك‏!‏ فلو أنه فتح لعله كان يعاد‏.‏ قلت‏:‏ لا‏.‏ بل يكسر‏.‏ وحدثته؛ أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت‏.‏ حديثا ليس بالأغاليط‏.‏
قال أبو خالد‏:‏ فقلت لسعد‏:‏ يا أبا مالك‏!‏ ما أسود مربادا‏؟‏ قال‏:‏ شدة البياض في سواد‏.‏ قال، قلت‏:‏ فما الكوز مجخيا‏؟‏ قال‏:‏ منكوسا‏.‏
‏[‏ش ‏(‏فتنة الرجل‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ أصل الفتنة في كلام العرب الابتلاء والامتحان والاختبار‏.‏ قال القاضي‏:‏ ثم صارت في عرف الكلام، لكل أمر كشفه الاختبار عن سوء‏.‏ قال أبو زيد‏:‏ فتن الرجل يفتن فتونا إذا وقع في الفتنة وتحول من حال حسنة إلى سيئة‏.‏ وفتنة الرجل في أهله وماله وولده ضروب من فرط محبته لهم، وشحه عليهم، وشغله بهم عن كثير من الخير‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ إنما أموالكم وأولادكم فتنة‏.‏ أو لتفريطه بما يلزم من القيام بحقوقهم، وتأديبهم وتعليمهم، فإنه راع لهم ومسئول عن رعيته‏.‏ وكذلك فتنة الرجل في جاره من هذا‏.‏ فهذه كلها فتن تقتضي المحاسبة‏.‏ ومنها ذنوب يرجى تكفيرها بالحسنات، كما قال تعالى‏:‏ إن الحسنات يذهبن السيئات‏.‏ ‏(‏التي تموج موج البحر‏)‏ أي تضطرب ويدفع بعضها بعضا‏.‏ وشبهها بموج البحر لشدة عظمها وكثرة شيوعها‏.‏ ‏(‏فأسكت القوم‏)‏ قال جمهور أهل اللغة‏:‏ سكت وأسكت لغتان بمعنى صمت‏.‏ وقال الأصمعي‏:‏ سكت، صمت وأسكت، أطرق‏.‏ وإنما سكت القوم لأنهم لم يكونوا يحفظون هذا النوع من الفتنة‏.‏ وإنما حفظوا النوع الأول‏.‏ ‏(‏لله أبوك‏)‏ كلمة مدح تعتاد العرب الثناء بها‏.‏ فإن الإضافة إلى العظيم تشريف‏.‏ ولهذا يقال‏:‏ بيت الله وناقة الله‏.‏ قال صاحب التحرير‏:‏ فإذا وجد من الولد ما يحمد، قيل له‏:‏ لله أبوك حيث أتي بمثلك‏.‏ ‏(‏تعرض الفتن‏)‏ أي تلصق بعرض القلوب، أي جانبها، كما يلصق الحصير بجنب النائم ويؤثر فيه شدة التصاقها به‏.‏ ‏(‏عودا عودا‏)‏ قال النووي‏:‏ هذان الحرفان مما اختلف في ضبطه على ثلاثة أوجه‏:‏ أظهرها وأشهرها عودا عودا‏.‏ والثاني عودا عودا‏.‏ والثالث عوذا عوذا‏.‏ ولم يذكر صاحب التحرير غير الأول‏.‏ وأما القاضي عياض فذكر هذه الأوجه الثلاثة عن أئمتهم واختار الأول أيضا‏.‏ ‏(‏فأي قلب أشربها‏)‏ أي دخلت فيه دخولا تاما وألزمها وحلت منه محل الشراب‏.‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ وأشربوا في قلوبهم العجل، أي حب العجل‏.‏ ومنه قولهم‏:‏ ثوب مشرب بحمرة، أي خالطته الحمرة مخالطة لا انفكاك لها‏.‏ ‏(‏نكت فيه نكتة‏)‏ أي نقط نقطة‏.‏ قال ابن دريد وغيره‏:‏ كل نقطة في شيء بخلاف لونه فهو نكت‏.‏ ‏(‏أنكرها‏)‏ ردها‏.‏ ‏(‏مثل الصفا‏)‏ قال القاضي عياض رحمه الله‏:‏ ليس تشبيهه بالصفا بيانا لبياضه‏.‏ لكن صفة أخرى، لشدته على عقد الإيمان وسلامته من الخلل‏.‏ وأن الفتن لم تلصق به ولم تؤثر فيه‏.‏ كالصفا، وهو الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء‏.‏ ‏(‏مربادا‏)‏ قال الإمام النووي رضي الله تعالى عنه‏:‏ كذا هو في أصول روايتنا، وأصول بلادنا‏.‏ وهو منصوب على الحال‏.‏ وذكر القاضي عياض خلافا في ضبطه، وإن منهم من ضبطه كما ذكرنا، ومنهم من رواه مربئد‏.‏ قال القاضي‏:‏ وهذه رواية أكثر شيوخنا‏.‏ وأصله أن لا يهمز، ويكون مربدا مثل مسود ومحمر‏.‏ وكذا ذكره أبو عبيد والهروي، وصححه بعض شيوخنا عن أبي مروان بن سراج لأنه من اربد، إلا على لغة من قال‏:‏ احمأر، بهمزة بعد ميم لالتقاء الساكنين‏.‏ فيقال‏:‏ اربأد ومربئد‏.‏ والدال مشددة على القولين، وسيأتي تفسيره‏.‏ ‏(‏مجخيا‏)‏ معناه مائلا‏.‏ كذا قاله الهروي وغيره‏.‏ وفسره الراوي في الكتاب بقوله‏:‏ منكوسا‏.‏ وهو قريب من معنى المائل‏.‏ قال القاضي عياض‏:‏ قال لي ابن سراج‏:‏ ليس قوله كالكوز مجخيا تشبيها لما تقدم من سواده بل هو وصف آخر من أوصافه، بأنه قلب ونكس حتى لا يعلق به خير ولا حكمة‏.‏ ومثله بالكوز المجخي، وبينه بقوله‏.‏ لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا‏.‏ ‏(‏إن بينك وبينها‏)‏ معناه أن تلك الفتن لا يخرج شيء منها في حياتك‏.‏ ‏(‏يوشك‏)‏ أي يقرب‏.‏ ‏(‏أكسرا‏)‏ أي أيكسر كسرا‏.‏ فإن المكسور لا يمكن إعادته بخلاف المفتوح‏.‏ ولأن الكسر لا يكون غالبا إلا عن إكراه وغلبة وخلاف عادة‏.‏ ‏(‏لا أبا لك‏)‏ قال صاحب التحرير‏:‏ هذه كلمة تذكرها العرب للحث على الشيء‏.‏ ومعناها إن الإنسان إذا كان له أب، وحزبه أمر، ووقع في شدة، عاونه أبوه ورفع عنه بعض الكل، فلا يحتاج من الحد والاهتمام إلى ما يحتاج إليه حالة الانفراد وعدم الأب المعاون‏.‏ فإذا قيل‏:‏ لا أبا لك، فمعناه‏:‏ جد في هذا الأمر وشمر وتأهب تأهب من ليس له معاون‏.‏ والله أعلم‏.‏ ‏(‏ليس بالأغاليط‏)‏ جمع أغلوطة، وهي التي يغالط بها‏.‏ فمعناه‏:‏ حدثته حديثا صدقا محققا، ليس هو من صحف الكتابيين، ولا من اجتهاد ذي الرأي، بل من حديث النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
والحاصل أن الحائل بين الفتن والإسلام عمر رضي الله عنه، وهو الباب‏.‏ فما دام حيا لا تدخل الفتن ‏.‏ فإذا مات دخلت الفتن‏.‏ وكذا كان‏.‏ والله أعلم‏.‏ ‏(‏شدة البياض‏)‏ قال القاضي عياض‏:‏ كان بعض شيوخنا يقول‏:‏ إنه تصحيف‏.‏ وهو قول القاضي أبي الوليد الكناني‏.‏ قال‏:‏ أري أن صوابه شبه البياض في سواد‏.‏ وذلك أن شدة البياض في سواد لا يسمى ربدة‏.‏ وإنما يقال لها‏:‏ بلق، إذا كان في الجسم‏.‏ وحور إذا كان في العين‏.‏ والربدة إنما هو شيء من بياض يسير يخالط السواد كلون أكثر النعام‏.‏ ومنه قيل للنعامة‏:‏ ربداء‏.‏ فصوابه شبه البياض، لا شدة البياض‏]‏‏.‏
‏(‏144‏)‏ وحدثني ابن أبي عمر‏.‏ حدثنا مروان الفزاري‏.‏ حدثنا أبو مالك الأشجعي، عن ربعي؛ قال‏:‏ لما قدم حذيفة من عند عمر، جلس فحدثنا‏.‏ فقال‏:‏ إن أمير المؤمنين أمس لما جلست إليه سأل أصحابه‏:‏ أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتن‏؟‏ وساق الحديث بمثل حديث أبي خالد‏.‏ ولم يذكر تفسير أبي مالك لقوله ‏"‏مربادا مجخيا‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏إن أمير المؤمنين أمس‏)‏ المراد بقوله‏:‏ أمس، الزمان الماضي، لا أمس يومه، وهو اليوم الذي يلي يوم تحديثه‏.‏ لأن مراده لما قدم حذيفة الكوفة، في انصرافه من المدينة من عند عمر رضي الله عنهما‏]‏‏.‏
‏(‏144‏)‏م وحدثني محمد بن المثنى، وعمرو بن علي، وعقبة بن مكرم العمى‏.‏ قالوا‏:‏ حدثنا محمد بن أبي عدي عن سليمان التيمي، عن نعيم بن أبي هند، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة؛ أن عمر قال‏:‏ من يحدثنا، أو قال‏:‏ أيكم يحدثنا ‏(‏وفيهم حذيفة‏)‏ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة‏؟‏ قال حذيفة‏:‏ أنا‏.‏ وساق الحديث كنحو حديث أبي مالك عن ربعي‏.‏ وقال في الحديث‏:‏ قال حذيفة‏:‏ حدثته حديثا ليس بالأغاليط‏.‏ وقال‏:‏ يعني أنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
232 - ‏(‏145‏)‏ حدثنا محمد بن عباد وابن أبي عمر‏.‏ جميعا عن مروان الفزاري‏.‏ قال ابن عباد‏:‏ حدثنا مروان عن يزيد، يعني ابن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا‏.‏ فطوبى للغرباء‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏بدأ الإسلام غريبا‏)‏ قال الإمام النووي رضي الله عنه‏:‏ كذا ضبطناه‏:‏ بدأ بالهمز، من الابتداء‏.‏ ‏(‏فطوبى‏)‏ طوبى، فعلى، من الطيب‏.‏ قاله الفراء‏.‏ قال‏:‏ وإنما جاءت الواو لضمة الطاء‏.‏ أما معناها فاختلف المفسرون في معنى قوله تعالى‏:‏ طوبى لهم وحسن مآب‏.‏ فروى عن ابن عباس أن معناه فرح وقرة عين‏.‏ وقال عكرمة‏:‏ نعم مالهم‏.‏ وقال الضحاك‏:‏ غبطة لهم‏.‏ وقال قتادة‏:‏ حسنى لهم‏]‏‏.‏
‏(‏146‏)‏ وحدثني محمد بن رافع، والفضل بن سهل الأعرج قالا‏:‏ حدثنا شبابة بن سوار‏.‏ حدثنا عاصم، وهو ابن محمد العمري، عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ‏.‏ وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏يأرز‏)‏ أي ينضم ويجتمع‏]‏‏.‏
233 - ‏(‏147‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا عبدالله بن نمير وأبو أسامة عن عبيدالله بن عمر‏.‏ ح وحدثنا ابن نمير‏.‏ حدثنا أبي حدثنا عبيدالله، عن خبيب بن عبدالرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏66‏)‏ باب ذهاب الإيمان آخر الزمان
234 - ‏(‏148‏)‏ حدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا عفان‏.‏ حدثنا حماد‏.‏ أخبرنا ثابت عن أنس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض‏:‏ الله، الله‏"‏‏.‏
حدثنا عبد بن حميد‏.‏ أخبرنا عبدالرزاق‏.‏ أخبرنا معمر عن ثابت، عن أنس، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏لا تقوم الساعة على أحد يقول‏:‏ الله، الله‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏67‏)‏ باب الاستسرار بالإيمان للخائف
235 - ‏(‏149‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبدالله بن نمير، وأبو كريب ‏(‏واللفظ لأبي كريب‏)‏ قالوا‏:‏ حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة؛ قال‏:‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏
‏"‏أحصوا لي كم يلفظ الإسلام‏"‏ قال، فقلنا‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏!‏ أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة‏؟‏ قال‏:‏
‏"‏إنكم لا تدرون‏.‏ لعلكم أن تبتلوا‏"‏ قال، فابتلينا‏.‏ حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرا‏.‏
‏[‏ش ‏(‏أحصوا‏)‏ معناه‏:‏ عدوا‏.‏ ‏(‏يلفظ الإسلام‏)‏ الإسلام مفعول يلفظ بإسقاط حرف الجر‏.‏ أي يلفظ بالإسلام، ومعناه‏:‏ كم عدد من يتلفظ بكلمة الإسلام‏.‏ وكم هنا تفسيرية، ومفسرها محذوف، وتقديره‏:‏ كم شخصا يلفظ بالإسلام‏.‏ ‏(‏ما بين الستمائة إلى السبعمائة‏)‏ قال الإمام النووي رضي الله تعالى عنه‏:‏ كذا وقع في مسلم وهو مشكل من جهة العربية‏.‏ وله وجه‏.‏ وهو أن يكون مائة في الموضعين منصوبا على التمييز، على قول بعض أهل العربية‏.‏ وقيل‏:‏ إن مائة في الموضعين مجرورة على أن تكون الألف واللام زائدتين، فلا اعتداد بدخولهما‏.‏
*3* ‏(‏68‏)‏ باب تألف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه، والنهي عن القطع بالإيمان من غير دليل قاطع
236 - ‏(‏150‏)‏ حدثنا ابن أبي عمر‏.‏ حدثنا سفيان عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه؛ قال‏:‏ قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما‏.‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أعط فلانا فإنه مؤمن‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏أو مسلم‏"‏ أقولها ثلاثا‏.‏ ويرددها على ثلاثا ‏"‏أو مسلم‏"‏ ثم قال ‏"‏إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه‏.‏ مخافة أن يكبه الله في النار‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏يكبه الله‏)‏ يقال‏:‏ أكب الرجل وكبه الله‏:‏ وهذا بناء غريب‏.‏ فإن العادة أن يكون الفعل اللازم بغير همزة فيعدى بالهمزة، وهنا عكسه، والضمير في يكبه يعود على المعطي‏.‏ أي أتألف قلبه بالإعطاء مخافة من كفره إذا لم يعط‏]‏‏.‏
237 - ‏(‏150‏)‏ حدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا يعقوب بن إبراهيم‏.‏ حدثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه؛ قال‏:‏ أخبرني عامر ابن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه سعد؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى رهطا‏.‏ وسعد جالس فيهم‏.‏ قال سعد‏:‏ فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم من لم يعطه‏.‏ وهو أعجبهم إلي‏.‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ ما لك عن فلان‏؟‏ فوالله إني لأراه مؤمنا‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أو مسلما‏"‏ قال، فسكت قليلا‏.‏ ثم غلبني ما أعلم منه‏.‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ ما لك عن فلان‏.‏ فوالله إني لأراه مؤمنا‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أو مسلما‏"‏ قال، فسكت قليلا‏.‏ ثم غلبني ما علمت منه‏.‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ ما لك عن فلان، فوالله إني لأراه مؤمنا‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏أو مسلما‏.‏ إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه‏.‏ خشية أن يكب في النار على وجهه‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏أعطى رهطا‏)‏ أي جماعة‏.‏ وأصله الجماعة دون العشرة‏]‏‏.‏
‏(‏150‏)‏ حدثنا الحسن بن علي الحلواني، وعبد بن حميد قالا‏:‏ حدثنا يعقوب ‏(‏وهو ابن إبراهيم بن سعد‏)‏ حدثنا أبي عن صالح، عن ابن شهاب؛ قال‏:‏ حدثني عامر بن سعد، عن أبيه سعد؛ أنه قال‏:‏
أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا وأنا جالس فيهم‏.‏ بمثل حديث ابن أخي ابن شهاب عن عمه‏.‏ وزاد فقمت إلى رسول الله فساررته‏.‏ فقلت‏:‏ ما لك عن فلان‏؟‏
م ‏(‏150‏)‏ وحدثنا الحسن الحلواني‏.‏ حدثنا يعقوب‏.‏ حدثنا أبي عن صالح، عن إسماعيل بن محمد؛ قال‏:‏ سمعت محمد بن سعد يحدث هذا‏.‏ فقال في حديثه‏:‏ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده بين عنقي وكتفي‏.‏ ثم قال ‏"‏أقتالا‏؟‏ أي سعد‏!‏ إني لأعطي الرجل‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏69‏)‏ باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة
238 - ‏(‏151‏)‏ وحدثني حرملة بن يحيى‏.‏ أخبرنا ابن وهب‏.‏ أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏نحن أحق بالشك من إبراهيم صلى الله عليه وسلم إذ قال‏:‏ رب أرني كيف تحي الموتى‏؟‏ قال‏:‏ أولو تؤمن‏؟‏ قال‏:‏ بلى‏.‏ ولكن ليطمئن قلبي‏"‏‏.‏ قال‏:‏
‏"‏ويرحم الله لوطا‏.‏ لقد كان يأوي إلى ركن شديد‏.‏ ولو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏نحن أحق بالشك من إبراهيم‏)‏ اختلف العلماء في معنى نحن أحق بالشك من إبراهيم على أقوال كثيرة‏.‏ أحسنها ‏,‏أصحها ما قاله الإمام إبراهيم أبو إبراهيم المزني، صاحب الشافعي وجماعات من العلماء معناه‏:‏ إن الشك مستحيل في حق إبراهيم‏.‏ فإن الشك في إحياء الموتى لو كان متطرقا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به من إبراهيم، وقد علمتم أني لم أشك فاعلموا أن إبراهيم عليه السلام لم يشك‏.‏ ‏(‏ركن شديد‏)‏ هو الله سبحانه وتعالى‏]‏‏.‏
‏(‏151‏)‏ وحدثني به، إن شاء الله، عبدالله بن محمد بن أسماء الضبعي‏.‏ حدثنا جويرية عن مالك، عن الزهري؛ أن سعيد بن المسيب وأبا عبيد أخبراه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث يونس عن الزهري‏.‏ وفي حديث مالك ‏"‏ولكن ليطمئن قلبي‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ثم قرأ هذه الآية حتى جازها‏.‏
‏[‏ش ‏(‏جازها‏)‏ فرغ منها‏]‏‏.‏
حدثناه عبد بن حميد قال‏:‏ حدثني يعقوب يعني ابن إبراهيم بن سعد‏.‏ حدثنا أبو أويس، عن الزهري‏.‏ كرواية مالك بإسناده‏.‏ وقال‏:‏ ثم قرأ هذه الآية حتى أنجزها‏.‏
‏[‏ش ‏(‏أنجزها‏)‏ أتمها‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏70‏)‏ باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملة
239 - ‏(‏152‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد‏.‏ حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر‏.‏ وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إلي‏.‏ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة‏"‏‏.‏
240 - ‏(‏153‏)‏ حدثني يونس بن عبدالأعلى‏.‏ أخبرنا ابن وهب‏.‏ قال‏:‏ وأخبرني عمرو؛ أن أبا يونس حدثه عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال‏:‏
‏"‏والذي نفسي محمد بيده‏!‏ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار‏"‏‏.‏
241 - ‏(‏154‏)‏ حدثنا يحيى بن يحيى‏.‏ أخبرنا هشيم عن صالح بن صالح الهمداني، عن الشعبي؛ قال‏:‏ رأيت رجلا من أهل خراسان سأل الشعبي فقال‏:‏ يا أبا عمرو‏!‏ إن من قبلنا من أهل خراسان يقولون، في الرجل، إذا أعتق أمته ثم تزوجها‏:‏ فهو كالراكب بدنته‏.‏ فقال الشعبي‏:‏ حدثني أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين‏:‏ رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدقه، فله أجران‏.‏ وعبد مملوك أدى حق الله تعالى وحق سيده، فله أجران‏.‏ ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها‏.‏ ثم أدبها فأحسن أدبها‏.‏ ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران‏"‏‏.‏ ثم قال الشعبي للخراساني‏:‏ خذ هذا الحديث بغير شيء فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة‏.‏
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا عبدة بن سليمان‏.‏ ح وحدثنا ابن أبي عمر‏.‏ حدثنا سفيان‏.‏ ح وحدثنا عبيدالله بن معاذ‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ حدثنا شعبة‏.‏ كلهم عن صالح بن صالح، بهذا الإسناد، نحوه‏.‏
(‏71‏)‏ باب نزول عيسى بن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
242 - ‏(‏155‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد‏.‏ حدثنا ليث‏.‏ ح وحدثنا محمد بن رمح‏.‏ أخبرنا الليث عن ابن شهاب، عن ابن المسيب؛ أنه سمع أبا هريرة يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏والذي نفسي بيده‏!‏ ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم صلى الله عليه وسلم حكما مقسطا‏.‏ فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ليوشكن‏)‏ ليقربن‏.‏ ‏(‏حكما‏)‏ أي حاكما بهذه الشريعة، لا ينزل نبيا برسالة مستقلة وشريعة ناسخة، بل هو حاكم من حكام هذه الأمة‏.‏ ‏(‏مقسطا‏)‏ المقسط العادل‏.‏ يقال‏:‏ أقسط إقساطا فهو مقسط، إذا عدل‏.‏ والقسط العدل‏.‏ وقسط يقسط قسطا فهو قاسط إذا جار‏.‏ ‏(‏فيكسر الصليب‏)‏ معناه يكسره حقيقة، ويبطل ما يزعمه النصارى من تعظيمه‏.‏ ‏(‏ويضع الجزية‏)‏ أي لا يقبلها ولا يقبل من الكفار إلا الإسلام‏.‏ ومن بذل الجزية منهم لم يكف عنه بها‏.‏ بل لا يقبل إلا الإسلام أو القتل‏]‏‏.‏
وحدثناه عبدالأعلى بن حماد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب‏.‏ قالوا‏:‏ حدثنا سفيان بن عيينة‏.‏ ح وحدثنيه حرملة بن يحيى‏.‏ أخبرنا ابن وهب؛ قال‏:‏ حدثني يونس‏.‏ ح وحدثنا حسن الحلواني وعبد بن حميد، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد‏.‏ حدثنا أبي عن صالح‏.‏ كلهم عن الزهري بهذا الإسناد‏.‏ وفي رواية ابن عيينة ‏"‏إماما مقسطا وحكما عدلا‏"‏‏.‏ وفي رواية يونس ‏"‏حكما عادلا‏"‏ ولم يذكر ‏"‏إماما مقسطا‏"‏‏.‏ وفي حديث صالح ‏"‏حكما مقسطا‏"‏ كما قال الليث‏.‏ وفي حديثه، من الزيادة ‏"‏وحتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها‏"‏‏.‏
ثم يقول أبو هريرة‏:‏ اقرؤوا إن شئتم‏:‏ ‏{‏وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته‏}‏ ‏[‏4/النساء/ آية 159‏]‏ الآية‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ثم يقول أبو هريرة‏)‏ فيه دلالة ظاهرة على أن مذهب أبي هريرة في الآية أن الضمير في موته يعود على عيسى عليه السلام‏.‏ ومعناها‏:‏ وما من أهل الكتاب أحد يكون في زمن عيسى عليه السلام إلا آمن به، وعلم أنه عبد الله وابن أمته‏.‏ وهذا مذهب جماعة من المفسرين‏]‏‏.‏
243 - ‏(‏155‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد‏.‏ حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد، عن عطاء بن ميناء، عن أبي هريرة؛ أنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏والله‏!‏ لينزلن ابن مريم حكما عادلا‏.‏ فليكسرن الصليب‏.‏ وليقتلن الخنزير‏.‏ وليضعن الجزية‏.‏ ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها‏.‏ ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد‏.‏ وليدعون ‏(‏وليدعون‏)‏ إلى المال فلا يقبله أحد‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ولتتركن القلاص‏)‏ القلاص جمع قلوص‏.‏ وهي من الإبل كالفتاة من النساء والحدث من الرجال‏.‏ ومعناه‏:‏ أن يزهد فيها ولا يرغب في اقتنائها لكثرة الأموال‏.‏ وإنما ذكرت القلاص لكونها أشرف الإبل، التي هي أنقص الأموال عند العرب‏]‏‏.‏
244 - ‏(‏155‏)‏ حدثني حرملة بن يحيى‏.‏ أخبرنا ابن وهب‏.‏ أخبرني يونس عن ابن شهاب؛ قال‏:‏ أخبرني نافع، مولى أبي قتادة الأنصاري؛ أن أبا هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم‏؟‏‏"‏‏.‏
245 - ‏(‏155‏)‏ وحدثني محمد بن حاتم‏.‏ حدثنا يعقوب بن إبراهيم‏.‏ حدثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه‏.‏ قال‏:‏ أخبرني نافع مولى أبي قتادة الأنصاري؛ أنه سمع أبا هريرة يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وأمكم‏؟‏‏"‏‏.‏
246 - ‏(‏155‏)‏ وحدثنا زهير بن حرب‏.‏ حدثني الوليد بن مسلم‏.‏ حدثنا ابن أبي ذئب عن ابن شهاب، عن نافع، مولى أبي قتادة، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم فأمكم منكم‏؟‏‏"‏ فقلت لابن أبي ذئب‏:‏ إن الأوزاعي حدثنا عن الزهري، عن نافع، عن أبي هريرة ‏"‏وإمامكم منكم‏"‏ قال ابن أبي ذئب‏:‏ تدري ما أمكم منكم‏؟‏ قلت‏:‏ تخبرني‏.‏ قال‏:‏ فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم‏.‏
247 - ‏(‏156‏)‏ حدثنا الوليد بن شجاع، وهارون بن عبدالله، وحجاج بن الشاعر قالوا‏:‏ حدثنا حجاج ‏(‏وهو ابن محمد‏)‏ عن ابن جريج‏.‏ قال‏:‏ أخبرني أبو الزبير؛ أنه سمع جابر بن عبدالله يقول‏:‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏
‏"‏لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة‏.‏ قال، فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم‏:‏ تعال صل لنا‏.‏ فيقول‏:‏ لا‏.‏ إن بعضكم على بعض أمراء‏.‏ تكرمة الله هذه الأمة‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏2‏)‏ باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان
248 - ‏(‏157‏)‏ حدثنا يحيى بن أيوب، وقتيبة بن سعيد، وعلي بن حجر‏.‏ قالوا‏:‏ حدثنا إسماعيل ‏(‏يعنون ابن جعفر‏)‏، عن العلاء ‏(‏وهو ابن عبدالرحمن‏)‏، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها‏.‏ فإذا طلعت من مغربها آمن الناس كلهم أجمعون‏.‏ ‏{‏فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا‏}‏‏"‏‏.‏ ‏[‏6/الأنعام/ الآية 158‏]‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏حتى تطلع الشمس من مغربها‏)‏ قال القاضي عياض رحمه الله‏.‏ هذا الحديث على ظاهره عند أهل الحديث والفقه والمتكلمين من أهل السنة‏]‏‏.‏
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وابن نمير، وأبو كريب‏.‏ قالوا‏:‏ حدثنا ابن فضيل‏.‏ ح وحدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا جرير‏.‏ كلاهما عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن عبدالله بن ذكوان، عن عبدالرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ح وحدثنا محمد بن رافع‏.‏ حدثنا عبدالرزاق‏.‏ حدثنا معمر عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ بمثل حديث العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
249 - ‏(‏158‏)‏ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا وكيع‏.‏ ح وحدثنيه زهير بن حرب‏.‏ حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق‏.‏ جميعا عن فضيل بن غزوان‏.‏ ح وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء ‏(‏واللفظ له‏)‏‏.‏ حدثنا ابن فضيل عن أبيه، عن أبي حازم، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏ثلاث إذا خرجن، لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا‏:‏ طلوع الشمس من مغربها‏.‏ والدجال‏.‏ ودابة الأرض‏"‏‏.‏
250 - ‏(‏159‏)‏ حدثنا يحيى بن أيوب، وإسحاق بن إبراهيم‏.‏ جميعا عن ابن علية‏.‏ قال ابن أيوب‏:‏
حدثنا ابن علية‏.‏ حدثنا يونس عن إبراهيم بن يزيد التيمي ‏(‏سمعه فيما أعلم‏)‏ عن أبيه، عن أبي ذر؛
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما ‏"‏أتدرون أين تذهب هذه الشمس‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ قال ‏"‏إن هذه الشمس تجري حتى تنتهي تحت العرش‏.‏ فتخر ساجدة‏.‏ فلا تزال كذلك حتى يقال لها‏:‏ ارتفعي‏.‏ ارجعي من حيث جئت‏.‏ فتصبح طالعة من مطلعها‏.‏ ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك، تحت العرش‏.‏ فتخر ساجدة‏.‏ ولا تزال كذلك حتى يقال لها‏:‏ ارتفعي‏.‏ ارجعي من حيث جئت فترجع‏.‏ فتصبح طالعة من مطلعها‏.‏ ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك، تحت العرش‏.‏ فيقال لها‏:‏ ارتفعي‏.‏ أصبحي طالعة من مغربك‏.‏ فتصبح طالعة من مغربها‏"‏‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أتدرون متى ذاكم‏؟‏ ذاك ‏{‏حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا‏}‏‏"‏ ‏[‏6/الأنعام/ آية 158‏]‏‏.‏
‏(‏159‏)‏ وحدثني عبدالحميد بن بيان الواسطي‏.‏ أخبرنا خالد ‏(‏يعني ابن عبدالله‏)‏ عن يونس، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال،
يوما‏"‏ أتدرون أين تذهب هذه الشمس‏؟‏‏"‏ بمثل معنى حديث ابن علية‏.‏
‏(‏159‏)‏ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب ‏(‏واللفظ لأبي كريب‏)‏ قالا‏:‏ حدثنا أبو معاوية‏.‏ حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر؛ قال‏:‏
دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس‏.‏ فلما غابت الشمس قال ‏"‏يا أبا ذر‏!‏ هل تدري أين تذهب هذه‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ قال ‏"‏فإنها تذهب فتستأذن في السجود‏.‏ فيؤذن لها‏.‏ وكأنها قد قيل لها‏:‏ ارجعي من حيث جئت‏.‏ فتطلع من مغربها‏"‏‏.‏
قال، ثم قراءة عبدالله‏:‏ وذلك مستقر لها‏.‏
251 - ‏(‏159‏)‏ حدثنا أبو سعيد الأشج وإسحاق بن إبراهيم ‏(‏قال إسحاق‏:‏ أخبرنا وقال الأشج‏:‏ حدثتا‏)‏ وكيع‏.‏ حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر؛ قال‏:‏
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والشمس تجري لمستقر لها‏}‏‏؟‏ ‏[‏36/ يس/الآية-38‏]‏ قال ‏"‏مستقرها تحت العرش‏"‏‏.‏
*3*‏(‏73‏)‏ باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
252 - ‏(‏160‏)‏ حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبدالله بن سرح‏.‏ أخبرنا ابن وهب‏.‏ قال‏:‏ أخبرني يونس عن ابن شهاب‏.‏ قال‏:‏
حدثني عروة بن الزبير؛ أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته؛ أنها قالت‏:‏ كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم‏.‏ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح‏.‏ ثم حبب إليه الخلاء‏.‏ فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه‏.‏ ‏(‏وهو التعبد‏)‏ الليالي أولات العدد‏.‏ قبل أن يرجع إلى أهله‏.‏ ويتزود لذلك‏.‏ ثم يرجع إلى خديجة فستزود ‏[‏فيتزود‏؟‏‏؟‏‏]‏ لمثلها‏.‏ حتى فجئه الحق وهو في غار حراء‏.‏ فجاءه الملك فقال‏:‏ اقرأ‏.‏ قال قلت‏:‏ ‏"‏ما أنا بقارئ‏"‏ قال، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد‏.‏ ثم أرسلني فقال‏:‏ اقرأ‏.‏ قال قلت‏:‏ ما أنا بقارئ‏.‏ قال فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد‏.‏ ثم أرسلني فقال‏:‏ اقرأ‏.‏ فقلت‏:‏ ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد‏.‏ ثم أرسلني فقال‏:‏ ‏{‏اقرأ باسم ربك الذي خلق‏.‏ خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم‏.‏ الذي علم بالقلم‏.‏ علم الإنسان ما لم يعلم‏}‏ ‏[‏96/العلق/ الآية-1-5‏]‏ فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال ‏"‏زملوني زملوني‏"‏ فزملوه حتى ذهب عنه الروع‏.‏ ثم قال لخديجة‏"‏ أي خديجة‏!‏ ما لي‏"‏ وأخبرها الخبر‏.‏ قال ‏"‏لقد خشيت على نفسي‏"‏ قالت له خديجة‏:‏ كلا‏.‏ أبشر‏.‏ فوالله‏!‏ لا يخزيك الله أبدا‏.‏ والله‏!‏ إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق‏.‏ فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى‏.‏ وهو ابن عم خديجة، أخي أبيها‏.‏ وكان امرأ تنصر في الجاهلية‏.‏ وكان يكتب الكتاب العربي ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب‏.‏ وكان شيخا كبيرا قد عمي‏.‏ فقالت له خديجة‏:‏ أي عم‏!‏ اسمع من ابن أخيك‏.‏ قال ورقة بن نوفل‏:‏ يا ابن أخي‏!‏ ماذا ترى‏؟‏ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رآه‏.‏ فقال له ورقة‏:‏ هذا الناموس الذي أنزل على موسى صلى الله عليه وسلم‏.‏ يا ليتني فيها جذعا‏.‏ يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك‏.‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أَوَمُخْرِجِيَّ هم‏؟‏‏"‏ قال ورقة‏:‏ نعم‏.‏ لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عُوْدِيَ‏.‏ وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏فلق الصبح‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ فلق الصبح وفرق الصبح هو ضياؤه‏.‏ وإنما يقال هذا في الشيء الواضح البين‏.‏ ‏(‏ثم حبب إليه الخلاء‏)‏ الخلاء هو الخلوة‏.‏ قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله‏:‏ حببت العزلة إليه صلى الله عليه وسلم لأن معها فراغ القلب، وهي معينة على التفكير، وبها يتقطع عن مألوفات البشر ويتخشع قلبه‏.‏ ‏(‏فكان يخلو بغار حراء‏)‏ أما الغار فهو الكهف والنقب في الجبل‏.‏ وجمعه غيران‏.‏ وأما حراء فهو جبل بينه وبين مكة نحو ثلاثة أميال، عن يسار الذاهب من مكة إلى منى‏.‏ وهو مصروف ومذكّر‏.‏ هذا هو الصحيح‏.‏ وقال القاضي‏:‏ فيه لغتان التذكير والتأنيث‏.‏ والتذكير أكثر‏.‏ فمن ذكّره صرّفه‏.‏ ومن أنـّثـَه لم يصرفه‏.‏ أراد البقعة أو الجهة التي فيها الجبل‏.‏ ‏(‏يتحنث‏)‏ التحنث فسره بالتعبد‏.‏ وهو تفسير صحيح‏.‏ وأصل الحنث الإثم‏.‏ فمعنى يتحنث يتجنب الحنث‏.‏ فكأنه بعبادته يمنع نفسه من الحنث‏.‏ ومثل يتحنث يتحرج ويتأثم‏.‏ أي يجتنب الحرج والإثم‏.‏ ‏(‏الليالي أولات العدد‏)‏ فمتعلق يتحنث، لا بالتعبد‏.‏ ومعناه يتحنث الليالي‏.‏ ولو جعل متعلقا بالتعبد فسد المعنى‏.‏ فإن التحنث لا يشترط فيه الليالي، بل يطلق على القليل والكثير‏.‏ وهذا التفسير اعترض بين كلام عائشة رضي الله عنها‏.‏ وأما كلامها‏:‏ فيتحنث فيه الليالي أولات العدد‏.‏ ‏(‏حتى فجئه الحق‏)‏ أي جاءه الوحي بغتة‏.‏ فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متوقعا للوحي‏.‏ يقال‏:‏ فجئه وفجأة، لغتان مشهورتان حكاهما الجوهري وغيره‏.‏ ‏(‏ما أنا بقارئ‏)‏ معناه‏:‏ لا أحسن القراءة‏.‏ فما نافية‏.‏ هذا الصواب‏.‏ ‏(‏فغطني حتى بلغ مني الجهد‏)‏ أما غطني فمعناه عصرني وضمني‏.‏ يقال‏:‏ غطه وغته وضغطه وعصره وخنقه وغمزه، كله بمعنى واحد‏.‏ وأما الجهد، فيجوز فتح الجيم وضمها، لغتان‏.‏ وهو الغاية والمشقة‏.‏ ويجوز نصب الدال ورفعها‏.‏ فعلى النصب‏:‏ بلغ جبريل مني الجهد‏.‏ وعلى الرفع‏:‏ بلغ الجهد مني مبلغه وغايته‏.‏ ‏(‏أرسلني‏)‏ أي أطلقني‏.‏ ‏(‏اقرأ باسم ربك الذي خلق‏)‏ هذا دليل صريح في أن أول ما نزل من القرآن‏:‏ اقرأ‏.‏ وهذا هو الصواب الذي عليه الجماهير من السلف والخلف‏.‏ ‏(‏ترجف بوادره‏)‏ معنى ترجف ترعد وتضطرب‏.‏ وأصله شدة الحركة‏.‏ والبوادر جمع بادرة وهي اللحمة التي بين المنكب والعنق تضطرب عند فزع الإنسان‏.‏ ‏(‏زملوني‏)‏ أي غطوني بالثياب ولفوني بها‏.‏ ‏(‏الروع‏)‏ هو الفزع‏.‏ ‏(‏كلا‏)‏ هي هنا كلمة نفي وإبعاد‏.‏ وهذا أحد معانيها‏.‏ وقد تأتي كلا بمعنى حقا‏.‏ وبمعنى الآن، التي للتنبيه‏.‏ يستفتح بها الكلام‏.‏ وقد جاءت في القرآن العزيز على أقسام‏.‏ ‏(‏لا يخزيك‏)‏ الخزي هو الفضيحة والهوان‏.‏ ‏(‏لتصل الرحم‏)‏ صلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول‏.‏ فتارة تكون بالمال وتارة تكون بالخدمة وتارة بالزيارة والسلام، وغير ذلك‏.‏ ‏(‏وتحمل الكل‏)‏ الكل أصله الثقل‏.‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ وهو كل على مولاه‏.‏ ويدخل في حمل الكل الإنفاق على الضعيف واليتيم والعيال، وغير ذلك، وهو من الكلال، وهو الإعياء‏.‏ ‏(‏وتكسب المعدوم ‏)‏ قال أبو العباس ثعلب وأبو سليمان الخطابي وجماعات من أهل اللغة‏:‏ يقال كسبت الرجل مالا، وأكسبته مالا، لغتان‏.‏ أفصحهما، باتفاقهم، كسبته بحذف الألف‏.‏ وأما معنى تكسب المعدوم، فمن رواه بالضم فمعناه تكسب غيرك المال المعدوم، أي تعطيه إياه تبرعا‏.‏ فحذف أحد المفعولين‏.‏ وقيل معناه‏:‏ تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك من نفائس الفوائد ومكارم الأخلاق‏.‏ وأما رواية الفتح فقيل معناها كمعنى الضم‏.‏ ‏(‏وتقري الضيف‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ يقال‏:‏ قريت الضيف أقريه قرى وقراء‏.‏ ويقال للطعام الذي يضيفه به قري‏.‏ ويقال لفاعله‏:‏ قار، مثل قضى فهو قاض‏.‏ ‏(‏وتعين على نوائب الحق‏)‏ النوائب جمع نائبة، وهي الحادثة‏.‏ وإنما قالت‏:‏ نوائب الحق، لأن النائبة قد تكون في الخير وقد تكون في الشر‏.‏ قال لبيد‏:‏
نوائب من خير وشر كلاهما * فلا الخير ممدود ولا الشر لازب
قال العلماء رضي الله عنهم‏:‏ معنى كلام خديجة رضي الله عنها‏:‏ إنك لا يصيبك مكروه لما جعل الله فيك من مكارم الأخلاق وكرم الشمائل‏.‏ ‏(‏تنصر في الجاهلية‏)‏ معناه صار نصرانيا‏.‏ والجاهلية ما قبل رسالته صلى الله عليه وسلم‏.‏ سموا بذلك لما كانوا عليه من فاحش الجهالة‏.‏ ‏(‏هذا ناموس‏)‏ هو جبريل صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال أهل اللغة وغريب الحديث‏:‏ الناموس في اللغة صاحب سر الخير‏.‏ والجاسوس صاحب سر الشر‏.‏ يقال نمست السر أنمسه أي كتمته‏.‏ ‏(‏يا ليتني فيها جذعا‏)‏ الضمير يعود إلى أيام النبوة ومدتها‏.‏ وجذعا يعني شابا قويا، حتى أبالغ في نصرك‏.‏ والأصل في الجذع للدواب‏.‏ وهو هنا استعارة‏.‏ ونصب على الحال كما قاله القاضي‏:‏ وخبر ليت قوله فيها‏.‏ هذا هو الصحيح الذي اختاره أهل التحقيق والمعرفة وغيرهم ممن يعتمد عليه‏.‏ ‏(‏أَوَمُخْرِجِيّ هم‏)‏ هو مثل قوله تعالى‏:‏ بِمُصْرِخِي‏.‏ وهو جمع ‏"‏مُخْرِج‏"‏‏.‏ فالياء الأولى ياء الجمع، والثانية ضمير المتكلم‏.‏ وفتحت للتخفيف لئلا يجتمع الكسرة والياءان بعد كسرتين‏.‏ ‏(‏نصرا مؤزرا‏)‏ أي قويا بالغا‏]‏‏.‏
253 - ‏(‏159‏)‏ وحدثني محمد بن رافع‏.‏ حدثنا عبدالرزاق‏.‏ أخبرنا معمر‏.‏ قال‏:‏ قال الزهري‏:‏
وأخبرني عروة عن عائشة؛ أنها قالت‏:‏ أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي‏.‏ وساق الحديث بمثل حديث يونس‏.‏ غير أنه قال‏:‏
فوالله لا يحزنك الله أبدا‏.‏ وقال‏:‏ قالت خديجة‏:‏ أي ابن عم‏!‏ اسمع من ابن أخيك‏.‏
254 - ‏(‏159‏)‏ وحدثني عبدالملك بن شعيب بن الليث‏.‏ قال حدثني أبي عن جدي قال‏:‏ حدثني عقيل بن خالد قال ابن شهاب‏:‏ سمعت عروة بن الزبير يقول‏:‏
قالت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ فرجع إلى خديجة يرجف فؤاده‏.‏ واقتص الحديث بمثل حديث يونس ومعمر‏.‏ ولم يذكر أول حديثهما‏.‏ من قوله‏:‏ أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة‏.‏ وتابع يونس على قوله‏:‏ فوالله‏!‏ لا يخزيك الله أبدا‏.‏ وذكر قول خديجة‏:‏ أي ابن عم‏!‏ اسمع من ابن أخيك‏.‏
255 - ‏(‏161‏)‏ وحدثني أبو الطاهر‏.‏ أخبرنا ابن وهب قال‏:‏ حدثني يونس‏.‏ قال‏:‏ قال ابن شهاب‏:‏ أخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن؛ أن جابرا بن عبدالله الأنصاري ‏(‏وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ كان يحدث‏.‏ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي ‏(‏قال في حديثه‏)‏ ‏"‏فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء‏.‏ فرفعت رأسي‏.‏ فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسي بين السماء والأرض‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏فجئثت منه فرقا‏.‏ فرجعت فقلت‏:‏ زملوني زملوني‏.‏ فدثروني‏.‏ فأنزل الله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها المدثر‏.‏ قم فأنذر‏.‏ وربك فكبر‏.‏ وثيابك فطهر‏.‏ والرجز فاهجر‏}‏ ‏[‏74/المدثر/ آية 1-5‏]‏ وهي الأوثان قال‏:‏ ثم تتابع الوحي‏.‏
‏[‏ش ‏(‏عن فترة الوحي‏)‏ يعني احتباسه وعدم تتابعه وتواليه في النزول‏.‏ ‏(‏جالسا‏)‏ هكذا هو في الأصل، جالسا، منصوب على الحال‏.‏ ‏(‏فجئثت‏)‏ أي فزعت ورعبت، وكذا جئثت‏.‏ قال الخليل والكسائي‏:‏ جئت وجث فهو مجئوث ومجثوث أي مذعور فزع‏]‏‏.‏
256 - ‏(‏161‏)‏ وحدثني عبدالملك بن شعيب بن الليث قال‏:‏ حدثني أبي عن جدي قال‏:‏ حدثني عقيل عن ابن شهاب قال‏:‏ سمعت أبا سلمة بن عبدالرحمن يقول‏:‏ أخبرني جابر بن عبدالله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏
‏"‏ثم فتر الوحي عني فترة‏.‏ فبينا أنا أمشي‏"‏ ثم ذكر مثل حديث يونس غير أنه قال ‏"‏فجثثت منه فرقا حتى هويت إلى الأرض‏"‏ قال، وقال أبو سلمة‏:‏ والرجز الأوثان‏.‏ قال‏:‏ ثم حمي الوحي، بعد، وتتابع‏.‏
وحدثني محمد بن رافع‏.‏ حدثنا عبدالرزاق‏.‏ أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد‏.‏ نحو حديث يونس وقال‏:‏
فأنزل الله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها المدثر إلى قوله الرجز فاهجر‏}‏‏.‏ قبل أن تفرض الصلاة‏.‏ ‏(‏وهي الأوثان‏)‏ وقال ‏"‏فجثثت منه‏"‏ كما قال عقيل‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏هويت‏)‏ هوى إلى الأرض وأهوى إليها، لغتان‏.‏ أي سقط‏.‏ ‏(‏ثم حمي الوحي وتتابع‏)‏ هما بمعنى‏.‏ فأكد أحدهما بالآخر‏.‏ ومعنى حمي ‏:‏ كثر نزوله وازداد، من قولهم‏:‏ حميت النار والشمس أي قويت حرارتها‏]‏‏.‏
257 - ‏(‏161‏)‏ وحدثنا زهير بن حرب‏.‏ حدثنا الوليد بن مسلم‏.‏ حدثنا الأوزاعي قال‏:‏ سمعت يحيى يقول‏:‏
سألت أبا سلمة‏:‏ أي القرآن أنزل قبل‏؟‏ قال‏:‏ يا أيها المدثر‏.‏ فقلت‏:‏ أو اقرأ‏؟‏ فقال‏:‏ سألت جابر بن عبدالله‏:‏ أي القرآن أنزل قبل‏؟‏ قال‏:‏ يا أيها المدثر‏.‏ فقلت‏:‏ أو أقرأ‏؟‏ قال جابر‏:‏ أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال ‏"‏جاورت بحراء شهرا‏.‏ فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي‏.‏ فنوديت‏.‏ فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي‏.‏ فلم أر أحدا‏.‏ ثم نوديت‏.‏ فنظرت فلم أر أحدا‏.‏ ثم نوديت فرفعت رأسي‏.‏ فإذا هو على العرش في الهواء ‏(‏يعني جبريل عليه السلام‏)‏ فأخذتني رجفة شديدة‏.‏ فأتيت خديجة فقلت‏:‏ دثروني‏.‏ فدثروني‏.‏ فصبوا علي ماء‏.‏ فأنزل الله عز وجل‏:‏ ‏{‏يا أيها المدثر‏.‏ قم فأنذر‏.‏ وربك فكبر‏.‏ وثيابك فطهر‏}‏‏"‏ ‏[‏74/ المدثر/ آية-1-4‏]‏
‏[‏ش ‏(‏قوله أول ما أنزل قوله تعالى‏:‏ يا أيها المدثر‏)‏ ضعيف‏.‏ بل باطل‏.‏ والصواب إن أول ما أنزل على الإطلاق‏:‏ اقرأ باسم ربك الذي خلق‏.‏ كما صرح به في حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏ وأما‏:‏ يا أيها المدثر، فكان نزولها بعد فترة الوحي كما صرح به في رواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر‏.‏ والدلالة صريحة فيه في مواضع‏:‏ منها قوله‏:‏ وهو يحدث عن فترة الوحي إلى أن قال‏:‏ فأنزل الله تعالى‏:‏ يا أيها المدثر‏.‏ ومنها قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فإذا الملك الذي جاءني بحراء‏.‏ ثم قال‏:‏ فأنزل الله تعالى‏:‏ يا أيها المدثر‏.‏ ومنها قوله‏:‏ ثم تتابع الوحي‏.‏ يعني بعد فترته‏.‏ فالصواب أن أول ما نزل‏.‏ اقرأ‏.‏ وإن أول ما نزل بعد فترة الوحي‏:‏ يا أيها المدثر‏.‏
وأما قول من قال من المفسرين‏:‏ أول ما نزل الفاتحة‏.‏ فبطلانه أظهر من أن يذكر‏.‏ ‏(‏فلما قضيت جواري‏)‏ أي مجاورتي واعتكافي‏.‏ ‏(‏فاستبطنت الوادي‏)‏ أي صرت في باطنه‏.‏ ‏(‏فإذا هو على العرش‏)‏ المراد بالعرش الكرسي‏.‏ قال أهل اللغة‏:‏ العرش هو السرير‏.‏ وقيل‏:‏ سرير الملك‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ولها عرش عظيم‏.‏ ‏(‏فأخذتني رجفة شديدة‏)‏ قال القاضي‏:‏ ورواه السمرقندي وجفة‏.‏ وهما صحيحان متقاربان‏.‏ ومعناهما الاضطراب قال الله تعالى‏:‏ قلوب يومئذ واجفة‏.‏ وقال تعالى‏:‏ يوم ترجف الراجفة‏.‏ ويوم ترجف الأرض والجبال‏]‏‏.‏
258 - ‏(‏161‏)‏ حدثنا محمد بن المثنى‏.‏ حدثنا عثمان بن عمر‏.‏ أخبرنا علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، بهذا الإسناد‏.‏ وقال
‏"‏ فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏74‏)‏ باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، وفرض الصلوات
259 - ‏(‏162‏)‏ حدثنا شيبان بن فروخ‏.‏ حدثنا حماد بن سلمة‏.‏ حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
‏"‏أتيت بالبراق ‏(‏وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل‏.‏ يضع حافره عند منتهى طرفه‏)‏ قال، فركبته حتى أتيت بيت المقدس‏.‏ قال، فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء‏.‏ قال، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين‏.‏ ثم خرجت‏.‏ فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن‏.‏ فاخترت اللبن‏.‏ فقال جبريل صلى الله عليه وسلم‏:‏ اخترت الفطرة‏.‏ ثم عرج بنا إلى السماء‏.‏ فاستفتح جبريل فقيل‏:‏ من أنت‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قيل‏:‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ قد بعث إليه‏.‏ ففتح لنا‏.‏ فإذا أنا بآدم‏.‏ فرحب بي ودعا لي بخير‏.‏ ثم عرج بنا إلى السماء الثانية‏.‏ فاستفتح جبريل عليه السلام‏.‏ فقيل ‏:‏ من أنت‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏.‏ محمد‏.‏ قيل‏:‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ قد بعث إليه‏؟‏ ففتح لنا‏.‏ فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما‏.‏ فرحبا ودعوا لي بخير‏.‏ ثم عرج بي إلى السماء الثالثة‏.‏ فاستفتح جبريل‏.‏ فقيل‏:‏ من أنت‏.‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏.‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ قيل‏:‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ قد بعث إليه‏.‏ ففتح لنا‏.‏ فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم‏.‏ إذا هو قد أعطي شطر الحسن‏.‏ فرحب ودعا لي بخير‏.‏ ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة‏.‏ فاستفتح جبريل عليه السلام‏.‏ قيل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قال‏:‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ قد بعث إليه‏.‏ ففتح لنا فإذا أنا بإدريس‏.‏ فرحب ودعا لي بخير‏.‏ قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏ورفعناه مكانا عليا‏}‏ ‏[‏19/مريم/ آية 57‏]‏ ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة‏.‏ فاستفتح جبريل‏.‏ قيل من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل ‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قيل‏:‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ وقد بعث إليه‏.‏ ففتح لنا‏.‏ فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم‏.‏ فرحب ودعا لي بخير‏.‏ ثم عرج إلى السماء السادسة‏.‏ فاستفتح جبريل عليه السلام‏.‏ قيل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قيل ‏:‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ قد بعث إليه‏.‏ ففتح لنا فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم‏.‏ فرحب ودعا لي بخير‏.‏ ثم عرج إلى السماء السابعة‏.‏ فاستفتح جبريل‏.‏ فقيل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل ‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد‏.‏ قيل‏.‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ قد بعث إليه‏.‏ ففتح لنا‏.‏ فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم، مسندا ظهره إلى البيت المعمور‏.‏ وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه‏.‏ ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى‏.‏ وإن ورقها كآذان الفيلة‏.‏ وإذا ثمرها كالقلال‏.‏ قال، فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت‏.‏ فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها‏.‏ فأوحى الله إليّ ما أوحى‏.‏ ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة‏.‏ فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال‏:‏ ما فرض ربك على أمتك‏؟‏ قلت خمسين صلاة‏.‏ قال‏:‏ ارجع إلى ربك‏.‏ فاسأله التخفيف‏.‏ فإن أمتك لا يطيقون ذلك‏.‏ فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم‏.‏ قال، فرجعت إلى ربي فقلت‏:‏ يا رب‏!‏ خفف على أمتي‏.‏ فحَطّ عني خمسا‏.‏ فرجعت إلى موسى فقلت‏:‏ حَطَّ عني خمسا‏.‏ قال‏:‏ إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف‏.‏ قال، فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال‏:‏ يا محمد‏!‏ إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة‏.‏ لكل صلاة عشر‏.‏ فذلك خمسون صلاة‏.‏ ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة‏.‏ فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا‏.‏ فإن عملها كتبت سيئة واحدة‏.‏ قال‏:‏ فنزلت حتى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرته‏.‏ فقال‏:‏ ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏أتيت البراق‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ البراق اسم الدابة التي ركبها صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء‏.‏ ‏(‏بيت المقدس‏)‏ قال أبو علي الفارس‏:‏ لا يخلوا إما أن يكون مصدرا أو مكانا‏.‏ فإن كان مصدرا كان كقوله تعالى‏:‏ إليه مرجعكم، ونحوه من المصادر‏.‏ وإن كان مكانا فمعناه بيت المكان الذي جعل فيه الطهارة‏.‏ أو بيت مكان الطهارة‏.‏ وتطهيره إخلاؤه من الأصنام وإبعاده منها‏.‏ ‏(‏فربطته بالحلقة‏)‏ قال صاحب التحرير‏:‏ المراد حلقة باب مسجد بيت المقدس‏.‏ ‏(‏اخترت الفطرة‏)‏ فسروا هنا الفطرة بالإسلام والاستقامة‏.‏ ومعناه، والله أعلم، اخترت علامة الإسلام والاستقامة‏.‏ وجعل اللبن علامة لكونه سهلا طيبا سائغا للشاربين سليم العاقبة‏.‏ وأما الخمر فإنها أم الخبائث وجالبة لأنواع من الشر في الحال والمآل‏.‏ ‏(‏ثم عرج‏)‏ أي صعد‏.‏ ‏(‏إلى السدرة المنتهى‏)‏ هكذا وقع في الأصول، السدرة، بالألف واللام‏.‏ وفي الروايات بعد هذا، سدرة المنتهى‏.‏ قال ابن عباس والمفسرون وغيرهم‏:‏ سميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها، ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وحكي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه‏:‏ أنها سميت بذلك لكونها ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله تعالى‏.‏ ‏(‏كالقلال‏)‏ جمع قلة‏.‏ والقلة جرة كبيرة تسع قربتين أو أكثر‏]‏‏.‏
260 - ‏(‏161‏)‏ حدثني عبدالله بن هاشم العبدي‏.‏ حدثنا بهز بن أسد‏.‏ حدثنا سليمان بن المغيرة‏.‏ حدثنا ثابت عن أنس بن مالك قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أتيت فانطلقوا بي إلى زمزم‏.‏ فشرح عن صدري‏.‏ ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏فشرح صدري‏)‏ أي شق‏.‏‏(‏ثم أنزلت‏)‏ قال ابن سراج‏:‏ أنزلت في اللغة، بمعنى تركت‏]‏‏.‏
261 - ‏(‏161‏)‏ حدثنا شيبان بن فروخ‏.‏ حدثنا حماد بن سلمة‏.‏ حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغلمان‏.‏ فأخذه فصرعه فشق عن قلبه‏.‏ فاستخرج القلب‏.‏ فاستخرج منه علقة‏.‏ فقال‏:‏ هذا حظ الشيطان منك‏.‏ ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم‏.‏ ثم لأمه‏.‏ ثم أعاده في مكانه‏.‏ وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ‏(‏يعني ظئره‏)‏ فقالوا‏:‏
إن محمدا قد قتل‏.‏ فاستقبلوه وهو منتقع اللون‏.‏ قال أنس‏:‏ وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ثم لأمه‏)‏ على وزن ضربه‏.‏ ومعناه جمعه وضم بعضه إلى بعض‏.‏ ‏(‏ظئره‏)‏ هي المرضعة‏.‏ ويقال أيضا لزوج المرضعة ‏:‏ ظئر‏.‏ ‏(‏منتقع اللون‏)‏ أي متغير اللون ‏.‏قال أهل اللغة‏:‏ امتقع لونه فهو ممتقع‏.‏ وانتقع فهو منتقع‏.‏ وابتقع فهو مبتقع فيه ثلاث لغات، والقاف مفتوحة فيهن‏.‏ ومعناه‏:‏ تغير من حزن أو فزع‏]‏‏.‏
262 - ‏(‏162‏)‏ حدثنا هارون بن سعيد الأيلي‏.‏ حدثنا ابن وهب‏.‏ قال‏:‏ أخبرني سليمان وهو ابن بلال‏.‏ قال‏:‏ حدثني شريك بن عبدالله بن أبي نمر‏.‏ قال ‏:‏
سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة؛ أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه‏.‏ وهو نائم في المسجد الحرام‏.‏ وساق الحديث بقصته نحو حديث ثابت البناني‏.‏ وقدم فيه شيئا وأخر‏.‏ وزاد ونقص‏.‏
263 - ‏(‏163‏)‏ وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي‏.‏ أخبرنا ابن وهب‏.‏ قال‏:‏ أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك قال‏:‏ كان أبو ذر يحدث؛
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏فرج سقف بيتي وأنا بمكة‏.‏ فنزل جبريل صلى الله عليه وسلم‏.‏ ففرج صدري‏.‏ ثم غسله من ماء زمزم‏.‏ ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا‏.‏ فأفرغها في صدري‏.‏ ثم أطبقه‏.‏ ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء‏.‏ فلما جئنا السماء الدنيا قال جبريل عليه السلام لخازن السماء الدنيا‏:‏ افتح‏.‏ قال‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ هذا جبريل‏.‏ قال‏:‏ هل معك أحد‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ معي محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال‏:‏ فأرسل إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ ففتح قال، فلما علونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة‏.‏ وعن يساره أسودة‏.‏ قال، فإذا نظر قبل يمينه ضحك‏.‏ وإذا نظر قبل شماله بكى‏.‏ قال فقال‏:‏ مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح‏.‏ قال قلت‏:‏ يا جبريل‏!‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ هذا آدم صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه‏.‏ فأهل اليمين أهل الجنة‏.‏ والأسودة التي عن شماله أهل النار‏.‏ فإذا نظر قبل يمينه ضحك‏.‏ وإذا نظر قبل شماله بكى‏.‏ قال ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية‏.‏ فقال لخازنها‏:‏ افتح‏.‏ قال فقال له خازنها مثل ما قال خازن السماء الدنيا‏.‏ ففتح‏.‏ فقال أنس بن مالك‏:‏ فذكر أنه وجد في السماوات آدم وإدريس وعيسى وموسى وإبراهيم‏.‏ صلوات الله عليهم أجمعين‏.‏ ولم يثبت كيف منازلهم‏.‏ غير أنه ذكر أنه قد وجد آدم عليه السلام في السماء الدنيا‏.‏ وإبراهيم في السماء السادسة‏.‏ قال فلما مر جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بإدريس صلوات الله عليه قال‏:‏ مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح‏.‏ قال ثم مر فقلت‏:‏ من هذا‏؟‏ فقال‏:‏ هذا إدريس‏.‏ قال ثم مررت بموسى عليه السلام‏.‏ فقال‏:‏ مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح‏.‏ قال قلت‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏؟‏‏:‏ هذا موسى‏.‏ قال ثم مررت بعيسى‏.‏ فقال‏:‏ مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح‏.‏ قلت‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ هذا عيسى بن مريم‏.‏ قال‏:‏ ثم مررت بإبراهيم عليه السلام‏.‏ فقال‏:‏ مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح‏.‏ قال قلت‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ هذا إبراهيم‏.‏
قال ابن شهاب‏:‏ وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام‏"‏‏.‏
قال ابن حزم وأنس بن مالك‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ففرض الله على أمتي خمسين صلاة‏.‏ قال فرجعت بذلك حتى أمر بموسى فقال موسى عليه السلام‏:‏ ماذا فرض ربك على أمتك‏؟‏ قال قلت‏:‏ فرض عليهم خمسين صلاة‏.‏ قال لي موسى عليه السلام‏:‏ فراجع ربك‏.‏ فإن أمتك لا تطيق ذلك‏.‏ قال فراجعت ربي فوضع شطرها‏.‏ قال فرجعت إلى موسى عليه السلام فأخبرته‏.‏ قال‏:‏ راجع ربك‏.‏ فإن أمتك لا تطيق ذلك‏.‏ قال فراجعت ربي‏.‏ فقال‏:‏ هي خمس وهي خمسون‏.‏ لا يبدل القول لدي‏.‏ قال فرجعت إلى موسى‏.‏ فقال‏:‏ راجع ربك‏.‏ فقلت‏:‏ قد استحييت من ربي‏.‏ قال ثم انطلق بي جبريل حتى نأتي سدرة المنتهى‏.‏ فغشيها ألوان لا أدري ما هي‏.‏ قال‏:‏ ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ‏.‏ وإذا ترابها المسك‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏أسودة‏)‏ جمع سواد‏.‏ كقذال وأقذلة، وسنام وأسنمة‏.‏ وزمان وأزمنة‏.‏ وتجمع الأسودة على أساود‏.‏ وقال أهل اللغة‏:‏ السواد الشخص‏.‏ وقيل‏:‏ السواد الجماعات‏.‏ ‏(‏نسم بنيه‏)‏ الواحدة نسمة‏.‏ قال الخطابي وغيره‏:‏ هي نفس الإنسان‏.‏ والمراد أرواح بني آدم‏.‏ ‏(‏ظهرت لمستوى‏)‏ ظهرت‏:‏ علوت‏.‏ والمستوى، قال الخطابي‏:‏ أراد به المصعد‏.‏ وقيل‏:‏ المكان‏.‏ ‏(‏صريف الأقلام‏)‏ تصويتها حال الكتابة‏.‏ قال الخطابي‏:‏ هو صوت ما تكتبه الملائكة من أقضية الله تعالى ووحيه وما ينسخونه من اللوح المحفوظ‏.‏ ‏(‏جنابذ‏)‏ هي القباب‏.‏ واحدتها جنبذة‏]‏‏.‏
264 - ‏(‏164‏)‏ حدثنا محمد بن المثنى‏.‏ حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك‏.‏ ‏(‏لعله قال‏)‏ عن مالك ابن صعصعة ‏(‏رجل عن قومه‏)‏ قال‏:‏
قال نبي الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان‏.‏ إذ سمعت قائلا يقول‏:‏ أحد الثلاثة بين الرجلين‏.‏ فأتيت فانطلق بي‏.‏ فأتيت بطست من ذهب فيها من ماء زمزم‏.‏ فشرح صدري إلى كذا وكذا‏.‏ ‏(‏قال قتادة‏:‏ فقلت للذي معي‏:‏ ما يعني‏؟‏ قال‏:‏ إلى أسفل بطنه‏)‏ فاستخرج قلبي‏.‏ فغسل ماء زمزم‏.‏ ثم أعيد مكانه‏.‏ ثم حشي إيمانا وحكمة‏.‏ ثم أتيت بدابة أبيض يقال له البراق‏.‏ فوق الحمار ودون البغل‏.‏ يقع خطوه عند أقصى طرفه‏.‏ فحملت عليه‏.‏ ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الدنيا‏.‏ فاستفتح جبريل صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقيل‏:‏ من هذا‏؟‏ قال‏:‏ جبريل‏.‏ قيل‏:‏ ومن معك‏؟‏ قال‏:‏ محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ قيل‏:‏ وقد بعث إليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال ففتح لنا‏.‏ وقال‏:‏ مرحبا به‏.‏ ولنعم المجيء جاء‏.‏ قال‏:‏ فأتينا على آدم صلى الله عليه وسلم‏.‏ وساق الحديث بقصته‏.‏ وذكر أنه لقي في السماء الثانية عيسى ويحيى عليهما السلام‏.‏ وفي الثالثة يوسف‏.‏ وفي الرابعة إدريس‏.‏ وفي الخامسة هارون صلى الله عليهم وسلم قال‏:‏ ثم انطلقنا حتى انتهينا إلى السماء السادسة‏.‏ فأتيت على موسى عليه السلام فسلمت عليه‏.‏ فقال‏:‏ مرحبا بالأخ صالح والنبي الصالح‏.‏ فلما جاوزته بكى‏.‏ فنودي‏:‏ ما يبكيك‏؟‏ قال‏:‏ رب‏!‏ هذا غلام بعثته بعدي‏.‏ يدخل من أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمتي‏.‏ قال‏:‏ ثم انطلقنا حتى انتهينا إلى السماء السابعة‏.‏ فأتيت على إبراهيم‏"‏ وقال في الحديث‏:‏ وحدث نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها نهران ظاهران ونهران باطنان ‏"‏فقلت‏:‏ يا جبريل‏!‏ ما هذه الأنهار‏؟‏ قال‏:‏ أما النهران الباطنان فنهران في الجنة‏.‏ وأما الظاهران فالنيل والفرات‏.‏ ثم رفع لي البيت المعمور‏.‏ فقلت‏:‏ يا جبريل‏!‏ ما هذا‏؟‏ قال‏:‏ هذا البيت المعمور‏.‏ يدخله كل يوم سبعون ألف ملك‏.‏ إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم‏.‏ ثم أتيت بإناءين أحدهما خمر والآخر لبن‏.‏ فعرضا علي‏.‏ فاخترت اللبن‏.‏ فقيل‏:‏ أصبت‏.‏ أصاب الله بك‏.‏ أمتك على الفطرة‏.‏ ثم فرضت على كل يوم خمسون صلاة‏"‏ ثم ذكر قصتها إلى آخر الحديث‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ولنعم المجيء جاء‏)‏ قيل‏:‏ فيه حذف الموصول والاكتفاء بالصلة‏.‏ والمعنى‏:‏ نعم المجيء الذي جاءه‏.‏ ‏(‏آخر ما عليهم‏)‏ قال صاحب مطالع الأنوار‏:‏ رويناه آخر ما عليهم، برفع الراء ونصبها‏:‏ فالنصب على الظرف والرفع على تقدير‏:‏ ذلك آخر ما عليهم من دخول‏.‏ قال‏:‏ والرفع أوجه‏.‏ ‏(‏أصبت أصاب الله بك‏)‏ أي أصبت الفطرة‏.‏ ومعنى أصاب الله بك أي أراد بك الفطرة والخير والفضل‏.‏ وقد جاء أصاب بمعنى أراد‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب‏.‏ أي حيث أراد‏.‏ ‏(‏أمتك على الفطرة‏)‏ معناه إنهم أتباع لك، وقد أصبت الفطرة، فهم يكونون عليها‏]‏‏.‏
265 - ‏(‏164‏)‏ حدثني محمد بن المثنى‏.‏ حدثنا معاذ بن هشام‏.‏ قال‏:‏ حدثني أبي عن قتادة‏.‏ حدثنا أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ فذكر نحوه‏.‏ وزاد فيه ‏"‏فأتيت بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا‏.‏ فشق من النحر إلى مراق البطن‏.‏ فغسل بماء زمزم‏.‏ ثم ملئ حكمة وإيمانا‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏إلى مراق البطن‏)‏ هو ما سفل من البطن ورق من جلده ‏.‏قال الجوهري ‏:‏ لا واحد له ‏.‏ ‏]‏‏.‏
266 - ‏(‏165‏)‏ حدثني محمد بن المثنى وابن بشار‏.‏ قال ابن المثنى‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر‏.‏ حدثنا شعبة عن قتادة قال‏:‏
سمعت أبا العالية يقول‏:‏ حدثني ابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم ‏(‏يعني ابن عباس‏)‏ قال‏:‏ ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسري به فقال‏:‏ ‏"‏موسى آدم طوال‏.‏ كأنه من رجال شنوءة‏"‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏"‏عيسى جعد مربوع‏"‏ وذكر مالكا خازن جهنم وذكر الدجال‏.‏
‏[‏ش ‏(‏طوال‏)‏ معناه طويل‏.‏ وهما لغتان‏.‏ ‏(‏شنوءة‏)‏ قبيلة معروفة‏.‏ قال الجوهري الشنوءة التفزز وهو التباعد من الأدناس‏.‏ ومنه أزد شنوءة وهم حي من اليمن‏.‏ ‏(‏جعد‏)‏ قال العلماء‏:‏ المراد بالجعد هنا جعودة الجسم وهو اجتماعه واكتنازه، وليس المراد جعودة الشعر‏.‏ ‏(‏مربوع‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ هو الرجل بين الرجلين في القامة، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير الحقير‏]‏‏.‏
267 - ‏(‏165‏)‏ وحدثنا عبد بن حميد‏.‏ أخبرنا يونس بن محمد‏.‏ حدثنا شيبان بن عبدالرحمن عن قتادة، عن أبي العالية‏.‏ حدثنا ابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم ‏(‏ابن عباس‏)‏ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏مررت ليلة أسري بي على موسى بن عمران عليه السلام‏.‏ رجل آدم طوال جعد‏.‏ كأنه من رجال شنوءة‏.‏ ورأيت عيسى بن مريم مربوع الخلق‏.‏ إلى الحمرة والبياض‏.‏ سبط الرأس‏"‏‏.‏ وأري مالكا خازن النار، والدجال‏.‏ في آيات أراهن الله إياه‏.‏ ‏{‏فلا تكن في مرية من لقائه‏}‏ ‏[‏32/ السجدة/آية 23‏]‏‏.‏
قال‏:‏ كان قتادة يفسرها أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد لقي موسى عليه السلام‏.‏
‏[‏ش ‏(‏سبط الرأس‏)‏ بفتح الباء وكسرها، لغتان مشهورتان‏.‏ ويجوز إسكان الباء مع كسر السين وفتحها، على التخفيف قال أهل اللغة‏:‏ الشعر السبط هو المسترسل ليس فيه تكسير‏.‏ ويقال في الفعل منه‏:‏ سبط شعره يسبط سبطا‏]‏‏.‏
268 - ‏(‏166‏)‏ حدثنا أحمد بن حنبل وسريج بن يونس قالا‏:‏ حدثنا هشيم‏.‏ أخبرنا داود بن أبي هند عن أبي العالية، عن ابن عباس؛
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بوادي الأزرق فقال ‏"‏أي واد هذا‏؟‏‏"‏ فقالوا‏:‏ هذا وادي الأزرق‏.‏ قال ‏"‏كأني أنظر إلى موسى عليه السلام هابطا من الثنية وله جؤار إلى الله بالتلبية‏"‏ ثم أتي على ثنية هرشى‏.‏ فقال ‏"‏أي ثنية هذا‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ ثنية هرشى‏.‏ قال ‏"‏كأني أنظر إلى يونس بن متى عليه السلام على ناقة حمراء جعدة عليه جبة من صوف‏.‏ خطام ناقته خلبة‏.‏ وهو يلبي‏"‏‏.‏ قال ابن حنبل في حديثه‏:‏ يعني ليفا‏.‏
‏[‏ش ‏(‏وله جؤار‏)‏ الجؤار رفع الصوت‏.‏ ‏(‏هرشي‏)‏ جبل قرب الجحفة‏.‏ ‏(‏على ناقة حمراء جعدة‏)‏ أي مكتنزة اللحم‏.‏ ‏(‏خطام ناقته خلبة‏)‏ الخطام هو الحبل الذي يقاد به البعير، يجعل على خطمه‏.‏ وخلبة بإسكان اللام وضمها، هو الليف‏]‏‏.‏
269 - ‏(‏166‏)‏ وحدثني محمد بن المثنى‏.‏ حدثنا ابن أبي عدي عن داود عن أبي العالية، عن ابن عباس؛ قال‏:‏
سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة‏.‏ فمررنا بواد‏.‏ فقال ‏"‏أي واد هذا‏؟‏‏"‏ فقالوا وادي الأزرق‏.‏ فقال ‏"‏كأني أنظر إلى موسى صلى الله عليه وسلم ‏(‏فذكر من لونه وشعره شيئا لم يحفظه داود‏)‏ واضعا إصبعيه في أذنيه‏.‏ له جؤار إلى الله بالتلبية‏.‏ مارا بهذا الوادي‏"‏ قال ‏"‏ثم سرنا حتى أتينا على ثنية‏.‏ فقال ‏"‏أي ثنية هذه ‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ هرشى أو لفت‏.‏ فقال ‏"‏كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء‏.‏ عليه جبة صوف‏.‏ خطام ناقته ليف خلبة‏.‏ مارا بهذا الوادي ملبيا‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏لفت‏)‏ قال ابن الأثير‏:‏ ثنية لفت هي بين مكة والمدينة‏.‏ واختلف في ضبط الفاء فسكنت وفتحت‏.‏ ومنهم من كسر اللام مع السكون‏.‏ ‏(‏ليف خلبة‏)‏ روى بتنوين ليف وروى بإضافة إلى خلبة‏.‏ فمن نون جعل خلبة بدلا أو عطف بيان‏]‏‏.‏
270 - ‏(‏166‏)‏ حدثني محمد بن المثنى‏.‏ حدثنا ابن أبي عدي عن ابن عون، عن مجاهد قال‏:‏
كنا عند ابن عباس‏.‏ فذكروا الدجال‏.‏ فقال‏:‏ إنه مكتوب بين عينيه كافر‏.‏ قال، فقال ابن عباس‏:‏ لم أسمعه قال ذاك‏.‏ ولكنه قال ‏"‏أما إبراهيم، فانظروا إلى صاحبكم‏.‏ وأما موسى، فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة‏.‏ كأني أنظر إليه إذا انحدر في الوادي يلبي‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏فقال‏)‏ أي قائل من الحاضرين‏.‏ ‏(‏إذا انحدر‏)‏ كذا هو في الأصول كلها، إذا، بالألف بعد الذال وهو صحيح‏.‏ إذ لا فرق بين إذا وإذ هنا، لأنه وصف حاله حين انحداره فيما مضى‏]‏‏.‏
271- ‏(‏167‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد‏.‏ حدثنا ليث‏.‏ ح وحدثنا محمد بن رمح‏.‏ أخبرنا الليث عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
عرض على الأنبياء‏.‏ فإذا موسى ضرب من الرجال‏.‏ كأنه من رجال شنوءة‏.‏ ورأيت عيسى بن مريم عليه السلام‏.‏ فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود‏.‏ ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه‏.‏ فإذا أقرب من رأيت به شبها صاحبكم ‏(‏يعني نفسه‏)‏ ورأيت جبريل عليه السلام‏.‏ فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية‏"‏‏.‏ ‏(‏وفي رواية ابن رمح‏)‏ ‏"‏دحية بن خليفة‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ضرب‏)‏ قال القاضي عياض‏:‏ هو الرجل بين الرجلين، في كثرة اللحم وقلته‏.‏ قال النووي‏:‏ قال أهل اللغة‏:‏ الضرب هو الرجل الخفيف اللحم‏.‏ كذا قاله ابن السكيت في الإصلاح، وصاحب المجمل والزبيدي والجوهري وآخرون لا يحصون‏]‏‏.‏
272 - ‏(‏168‏)‏ وحدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد ‏(‏وتقاربا في اللفظ‏.‏ قال ابن رافع‏:‏ حدثنا‏.‏ وقال عبد‏:‏ أخبرنا‏)‏ عبدالرزاق‏.‏ أخبرنا معمر عن الزهري؛ قال‏:‏
أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏حين أسري بي لقيت موسى عليه السلام ‏(‏فنعته النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ فإذا رجل ‏(‏حسبته قال‏)‏ مضطرب‏.‏ رجل الرأس‏.‏ كأنه من رجال شنوءة‏.‏ قال، ولقيت عيسى ‏(‏فنعته النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ فإذا ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس‏"‏ ‏(‏يعني حماما‏)‏ قال، ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه‏.‏ وأنا أشبه ولده به‏.‏ قال، فأتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر‏.‏ فقيل لي‏:‏ خذ أيهما شئت‏.‏ فأخذت اللبن فشربته‏.‏ فقال‏:‏ هديت الفطرة‏.‏ أو أصبت الفطرة‏.‏ أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏مضطرب‏)‏ هو مفتعل من الضرب‏.‏ صرح به ابن الأثير في النهاية‏.‏ ‏(‏رجل الرأس‏)‏ أي رجل الشعر‏.‏ وسيأتي معناه قريبا‏.‏ ‏(‏فإذا ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس‏)‏ أما الربعة فيقال‏:‏ رجل ربعة ومربوع أي بين الطويل والقصير‏.‏ وأما الديماس فقال الجوهري في صحاحه في هذا الحديث‏:‏ قوله خرج من ديماس، يعني في نضارته وكثرة ماء وجهه كأنه خرج من كن‏.‏ لأنه قال في وصفه‏:‏ كأن رأسه يقطر ماء‏]‏‏.‏
‏(‏75‏)‏ باب ذكر المسيح بن مريم والمسيح الدجال
273- ‏(‏169‏)‏ حدثنا يحيى بن يحيى قال‏:‏ قرأت على مالك، عن نافع، عن عبدالله بن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏أراني ليلة عند الكعبة‏.‏ فرأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال‏.‏ له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم‏.‏ قد رجلها فهي تقطر ماء‏.‏ متكئا على رجلين ‏(‏أو على عواتق رجلين‏)‏ يطوف بالبيت‏.‏ فسألت‏:‏ من هذا‏؟‏ فقيل‏:‏ هذا المسيح بن مريم‏.‏ ثم إذا أنا برجل جعد قطط‏.‏ أعور العين اليمنى‏.‏ كأنها عنبة طافية‏.‏ فسألت‏:‏ من هذا‏؟‏ فقيل‏:‏ هذا المسيح الدجال‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏عند الكعبة‏)‏ سميت كعبة لارتفاعها وتربعها‏.‏ وكل بيت مربع عند العرب فهو كعبة‏.‏ وقيل‏:‏ سميت كعبة لاستدارتها وعلوها‏.‏ ومنه كعب الرجل‏.‏ ومنه كعب ثدي المرأة، إذا علا واستدار‏.‏ ‏(‏آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال‏)‏ الأدم جمع آدم‏.‏ كسمر وأسمر، وزنا معنى‏.‏ ‏(‏له لمة‏)‏ وجمعها لمم، كقربة وقرب‏.‏ قال الجوهري‏:‏ ويجمع على لمام‏.‏ وهو الشعر المتدلي الذي جاوز شحمة الأذنين‏.‏ فإذا بلغ المنكبين فهو جمة‏.‏ ‏(‏قد رجلها‏)‏ معناه سرحها بمشط، مع ماء أو غيره‏.‏ ‏(‏فهي تقطر ماء‏)‏ قال القاضي عياض‏:‏ يحتمل أن يكون على ظاهره‏.‏ أي يقطر بالماء الذي رجلها به لقرب ترجيله‏.‏ وإلى هذا نحا القاضي الباجي‏.‏ قال القاضي عياض‏:‏ ومعناه عندي أن يكون ذلك عبارة عن نضارته وحسنه، واستعارة لجماله‏.‏ ‏(‏على عواتق رجلين‏)‏ جمع عاتق‏.‏ قال أهل اللغة‏:‏ هو ما بين المنكب والعنق‏.‏ وفيه لغتان التذكير والتأنيث، والتذكير أفصح وأشهر‏.‏ ‏(‏جعد قطط‏)‏ قال الهروي‏:‏ الجعد في صفات الرجال، يكون مدحا ويكون ذما‏.‏ فإذا كان ذما فله معنيان‏.‏ أحدهما القصير المتردد، والآخر البخيل‏.‏ يقال‏:‏ رجل اليدين وجعد الأصابع أي بخيل‏.‏ وإذا كان مدحا فله أيضا معنيان‏.‏ أحدهما أن يكون معناه شديد الخلق والآخر يكون شعره جعدا غير سبط‏.‏ فيكون مدحا لأن السبوطة أكثرها في شعور العجم‏.‏ وقال‏:‏ الجعد في صفة الدجال ذم‏.‏ وفي صفة عيسى عليه السلام مدح‏.‏ أما القطط فقد قال القاضي عياض‏:‏ رويناه بفتح الطاء الأولى وبكسرها‏.‏ وهو شديد الجعودة‏.‏ ‏(‏طافية‏)‏ معناه ناتئة نتوء حبة العنب من بين أخواتها‏.‏ أريد بها جحوظ عينه الواحدة‏]‏‏.‏
274 - ‏(‏169‏)‏ حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي‏.‏ حدثنا أنس ‏(‏يعني ابن عياض‏)‏ عن موسى ‏(‏وهو ابن عقبة‏)‏ عن نافع قال‏:‏ قال عبدالله بن عمر‏:‏
ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومان بين ظهراني الناس، المسيح الدجال‏.‏ فقال ‏"‏إن الله تبارك وتعالى ليس بأعور‏.‏ ألا أن المسيح الدجال أعور عين اليمنى‏.‏ كأن عينه عنبة طافية‏"‏ قال‏:‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أراني الليلة في المنام عند الكعبة‏.‏ فإذا رجل آدم كأحسن ما ترى من أدم الرجال‏.‏ تضرب لمته بين منكبيه‏.‏ رجل الشعر‏.‏ يقطر رأسه ماء‏.‏ واضعا يديه على منكبي رجلين‏.‏ وهو بينهما يطوف بالبيت‏.‏ فقلت‏:‏ من هذا‏؟‏ فقالوا‏:‏ المسيح بن مريم‏.‏ ورأيت وراءه رجلا جعدا قططا‏.‏ أعور عين اليمنى‏.‏ كأشبه من رأيت من الناس بابن قطن‏.‏ واضعا يديه على منكبي رجلين‏.‏ يطوف بالبيت‏.‏ فقلت‏:‏ من هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ هذا المسيح الدجال‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏أعور عين اليمنى‏)‏ كذا بالإضافة على ظاهره، عند الكوفيين‏.‏ ويقدر فيه محذوف عند البصريين‏.‏ فالتقدير أعور عين صفحة وجهه اليمنى‏]‏‏.‏
275- ‏(‏169‏)‏ حدثنا ابن نمير‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ حدثنا حنظلة عن سالم، عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏رأيت عند الكعبة رجلا آدم‏.‏ سبط الرأس‏.‏ واضعا يديه على رجلين‏.‏ يسكب رأسه ‏(‏أو يقطر رأسه‏)‏‏.‏ فسألت‏:‏ من هذا‏؟‏ فقالوا‏:‏ عيسى بن مريم، أو المسيح بن مريم ‏(‏لا ندري أي ذلك قال‏)‏ ورأيت وراءه رجلا أحمر‏.‏ جعد الرأس‏.‏ أعور العين اليمنى‏.‏ أشبه من رأيت به ابن قطن‏.‏ فسألت‏:‏ من هذا‏؟‏ فقالوا‏:‏ المسيح الدجال‏"‏‏.‏
276- ‏(‏170‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد‏.‏ حدثنا ليث عن عقيل، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن جابر بن عبدالله؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏لما كذبتني قريش‏.‏ قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس‏.‏ فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏فجلا الله لي بيت المقدس‏)‏ روى بتشديد اللام وتخفيفها‏.‏ وهما ظاهران‏.‏ ومعناه كشف وأظهر‏]‏‏.‏
277 - ‏(‏171‏)‏ حدثني حرملة بن يحيى‏.‏ حدثنا ابن وهب‏.‏ قال‏:‏ أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب، عن سالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب، عن أبيه؛ قال‏:‏
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏بينما أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة‏.‏ فإذا رجل آدم سبط الشعر‏.‏ بين رجلين‏.‏ ينطف رأسه ماء ‏(‏أو يهراق رأسه ماء‏)‏ قلت‏:‏ من هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ هذا ابن مريم‏.‏ ثم ذهبت ألتفت فإذا رجل أحمر‏.‏ جسيم‏.‏ جعد الرأس‏.‏ أعور العين‏.‏ كأن عينه عنبة طافية‏.‏ قلت‏:‏ من هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ الدجال‏.‏ أقرب الناس به شبها ابن قطن‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ينطف رأسه ماء‏)‏ يقال‏:‏ نطف ينطف، معناه يقطر ويسيل‏.‏ ‏(‏يهراق‏)‏ معناه ينصب‏.‏ والهاء في هراق بدل من همزة أراق‏.‏ يقال‏:‏ هراقه، والأصل هريقه وزان دحرجه‏.‏ ولهذا تفتح الهاء من المضارع‏]‏‏.‏
278- ‏(‏172‏)‏ وحدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا حجين بن المثنى‏.‏ حدثنا عبدالعزيز ‏(‏وهو ابن أبي سلمة‏)‏ عن عبدالله بن الفضل، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لقد رأيتني في الحجر‏.‏ وقريش تسألني عن مسراي‏.‏ فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها‏.‏ فكربت كربة ما كربت مثله قط‏.‏ قال فرفعه الله لي أنظر إليه‏.‏ ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به‏.‏ وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء‏.‏ فإذا موسى قائم يصلي‏.‏ فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة‏.‏ وإذا عيسى بن مريم عليه السلام قائم يصلي‏.‏ أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي‏.‏ وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي‏.‏ أشبه الناس به صاحبكم ‏(‏يعني نفسه‏)‏ فحانت الصلاة فأممتهم‏.‏ فلما فرغت من الصلاة قال قائل‏:‏ يا محمد‏!‏ هذا مالك صاحب النار فسلم عليه‏.‏ فالتفت إليه فبدأني بالسلام‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏لم أثبتها‏)‏ أي لم أحفظها ولم أضبطها لاشتغالي بأهم منها‏.‏ ‏(‏فكربت كربة ما كربت مثله قط‏)‏ الضمير في مثله يعود على معنى الكربة، وهو الكرب أو الغم أو الهم أو الشيء‏.‏ قال الجوهري‏:‏ الكربة الغم الذي يأخذ بالنفس‏.‏ وكذلك الكرب‏.‏ وكربه الغم إذا اشتد عليه‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏76‏)‏ باب في ذكر سدرة المنتهى
279- ‏(‏173‏)‏ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا أبو أسامة‏.‏ حدثنا مالك بن مغول‏.‏ ح وحدثنا ابن نمير وزهير بن حرب‏.‏ جميعا عن عبدالله بن نمير‏.‏ وألفاظهم متقاربة‏.‏ قال ابن نمير‏:‏
حدثنا أبي‏.‏ حدثنا مالك بن مغول عن الزبير بن عدي، عن طلحة، عن مرة، عن عبدالله؛ قال‏:‏ لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى‏.‏ وهي في السماء السادسة‏.‏ إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض‏.‏ فيقبض منها‏.‏ وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها‏.‏ فيقبض منها‏.‏ قال‏:‏ ‏{‏إذ يغشى السدرة ما يغشي‏}‏ ‏[‏53/النجم/ الآية-16‏]‏‏.‏ قال‏:‏ فراش من ذهب‏.‏ قال، فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا‏:‏ أعطي الصلوات الخمس‏.‏ وأعطي خواتيم سورة البقرة‏.‏ وغفر، لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا، المقحمات‏.‏
‏[‏ش ‏(‏فراش من ذهب‏)‏ الفراش دويبة ذات جناحين تتهافت في ضوء السراج‏.‏ واحدتها فراشه‏.‏ ‏(‏المقحمات‏)‏ معناه الذنوب العظام الكبائر التي تهلك أصحابها وتوردهم النار وتقحمهم إياها‏.‏ والتقحم‏:‏ الوقوع في المهالك‏.‏ ومعنى الكلام‏:‏ من مات من هذه الأمة غير مشرك بالله غفر له المقحمات ‏]‏‏.‏
280 - ‏(‏174‏)‏ وحدثني أبو الربيع الزهراني‏.‏ حدثنا عباد ‏(‏وهو ابن العوام‏)‏ حدثنا الشيباني قال‏:‏
سألت زر بن حبيش عن قول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏فكان قاب قوسين أو أدني‏}‏ ‏[‏53/النجم/ الآية-9‏]‏ قال‏:‏ أخبرني ابن مسعود؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح‏.‏
281- ‏(‏174‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا حفص بن غياث عن الشيباني، عن زر، عن عبدالله؛
قال‏:‏ ‏{‏ما كذب الفؤاد ما رأى‏}‏ ‏[‏53/النجم/ الآية-11‏]‏ قال‏:‏ رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناح‏.‏
282- ‏(‏174‏)‏ حدثنا عبيدالله بن معاذ العنبري‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ حدثنا شعبة عن سليمان الشيباني‏.‏ سمع زر بن حبيش عن عبدالله؛ قال‏:‏
‏{‏لقد رأى من آيات ربه الكبرى‏}‏ ‏[‏53/ النجم/ الآية 18‏]‏ قال‏:‏ رأى جبريل في صورته، له ستمائة جناح‏.‏
*3* ‏(‏77‏)‏ باب معنى قول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏ولقد رآه نزلة أخرى‏}‏، وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء‏؟‏‏.‏
283 - ‏(‏175‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا علي بن مسهر عن عبدالملك، عن عطاء،
عن أبي هريرة‏.‏ ‏{‏ولقد رآه نزلة أخرى‏}‏ ‏[‏53/النجم/ الآية 13‏]‏ قال‏:‏ رأى جبريل‏.‏
284- ‏(‏176‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا حفص عن عبدالملك، عن عطاء، عن ابن عباس؛ قال‏:‏ رآه بقلبه‏.‏
285- ‏(‏176‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج‏.‏ جميعا عن وكيع‏.‏ قال الأشج‏:‏ حدثنا وكيع‏.‏ حدثنا الأعمش عن زياد بن الحصين أبي جهمة، عن أبي العالية، عن ابن عباس؛ قال‏:‏
‏{‏ما كذب الفؤاد ما رأى‏}‏ ‏[‏53/النجم/ الآية-11‏]‏، ‏{‏ولقد رآه نزلة أخرى‏}‏ ‏[‏53/النجم/ الآية-13‏]‏ قال‏:‏ رآه بفؤاده مرتين‏.‏
286 - ‏(‏176‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش‏.‏ حدثنا أبو جهمة بهذا الإسناد‏.‏
287- ‏(‏177‏)‏ حدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن داود، عن الشعبي، عن مسروق؛ قال‏:‏
كنت متكئا عند عائشة‏.‏ فقالت‏:‏ يا أبا عائشة‏!‏ ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية‏.‏ قلت‏:‏ ما هن‏؟‏ قالت‏:‏ من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية‏.‏ قال وكنت متكئا فجلست‏.‏ فقلت‏:‏ يا أم المؤمنين‏!‏ أنظريني ولا تعجليني‏.‏ ألم يقل الله عز وجل‏:‏ ‏{‏ولقد رآه بالأفق المبين‏}‏ ‏[‏81/التكوير/ الآية-23‏]‏ ‏{‏ولقد رآه نزلة أخرى‏}‏ ‏[‏53/النجم/ الآية-13‏]‏ فقالت‏:‏ أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏إنما هو جبريل‏.‏ لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين‏.‏ رأيته منهبطا من السماء‏.‏ سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض‏"‏ فقالت‏:‏ أو لم تسمع أن الله يقول‏:‏ ‏{‏وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم‏}‏ ‏[‏42/الشورى/ الآية 51‏]‏ قالت‏:‏ ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية ‏.‏ والله يقول‏:‏ ‏{‏يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته‏}‏ ‏[‏5/المائدة/ الآية 67‏]‏ قالت‏:‏ ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية‏.‏ والله يقول‏:‏ ‏{‏قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله‏}‏ ‏[‏27/النمل/ الآية-65‏]‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏أعظم على الله الفرية‏)‏ هي الكذب‏.‏ يقال‏:‏ فرى الشيء يفريه فريا، وافتراه يفتريه افتراء، إذا اختلقه‏.‏ وجمع الفرية فرى‏.‏ ‏(‏أنظريني‏)‏ من الإنظار وهو التأخير والإمهال‏.‏ ‏(‏سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض‏)‏ هكذا هو في الأصول‏:‏ ما بين السماء إلى الأرض، وهو صحيح‏.‏ وأما عظم خلقه فضبط على وجهين‏:‏ أحدهما عظم بضم العين وسكون الظاء‏.‏ والثاني عظم بكسر العين وفتح الظاء‏.‏ وكلاهما صحيح‏]‏‏.‏
288 - ‏(‏177‏)‏ وحدثنا محمد بن المثنى‏.‏ حدثنا عبدالوهاب‏.‏ حدثنا داود، بهذا الإسناد، نحو حديث ابن علية‏.‏ وزاد‏:‏ قالت‏:‏
ولو كان محمدا صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا مما أنزل عليه لكتم هذه الآية‏:‏ ‏{‏وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبدية وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه‏}‏ ‏[‏33/ الأحزاب/ الآية-37‏]‏‏.‏
289- ‏(‏177‏)‏ حدثنا ابن نمير‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ حدثنا إسماعيل عن الشعبي، عن مسروق؛ قال‏:‏
سألت عائشة‏:‏ هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه‏؟‏ فقالت‏:‏ سبحان الله‏!‏ لقد قف شعري لما قلت‏.‏ وساق الحديث بقصته‏.‏ وحديث داود أتم وأطول‏.‏
‏[‏ش ‏(‏سبحان الله قد قف شعري‏)‏ قولها‏:‏ سبحان الله‏!‏ معناه التعجب من جهل مثل هذا‏.‏ وكأنها تقول‏:‏ كيف يخفى عليك مثل هذا‏.‏ ولفظة سبحان الله لإرادة التعجب كثيرة في الحديث وكلام العرب‏.‏ كقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ سبحان الله‏!‏ تطهري بها‏.‏ وسبحان الله‏!‏ المسلم لا ينجس‏.‏ وقول الصحابة‏:‏ سبحان الله‏!‏ يا رسول الله‏.‏ وممن ذكره من النحويين أنها من ألفاظ التعجب أبو بكر بن السراج وغيره‏.‏ وكذلك يقولون في التعجب‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏ أما قولها‏:‏ قف شعري فمعناه قام شعري من الفزع لكوني سمعت مالا ينبغي أن يقال‏.‏ قال ابن الأعرابي‏:‏ تقول العرب عند إنكار الشيء‏:‏ قف شعري واقشعر جلدي واشمأزت نفسي‏.‏ وقال النضر بن شميل‏:‏ القفة كهيئة القشعريرة وأصله التقبض والاجتماع لأن الجلد ينقبض عند الفزع والاستهوال فيقوم الشعر لذلك‏.‏ وبذلك سميت القفة التي هي الزنبيل، لاجتماعها ولما يجتمع فيها‏]‏‏.‏
290- ‏(‏177‏)‏ وحدثنا ابن نمير‏.‏ حدثنا أبو أسامة‏.‏ حدثنا زكرياء عن بن أشوع، عن عامر، عن مسروق؛
قال قلت لعائشة‏:‏ فأين قوله‏:‏ ‏{‏ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى‏}‏ ‏[‏53/النجم/ الآية-9 - 11‏]‏ قالت‏:‏ إنما ذاك جبريل صلى الله عليه وسلم‏.‏ كان يأتيه في صورة الرجال‏.‏ وإنه أتاه في هذه المرة في صورته التي هي صورته، فسد أفق السماء‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ثم دنا فتدلي‏)‏ قال الإمام أبو الحسن الواحدي‏:‏ معنى التدلي الامتداد إلى جهة السفل، هكذا هو في الأصل ثم استعمل في القرب من العلو‏.‏ هذا قول الفراء‏.‏ وقال صاحب النظم‏:‏ هذا على التقديم والتأخير لأن المعنى ثم تدلى فدنا‏.‏ لأن التدلي سبب الدنو‏.‏ قال ابن الأعرابي‏:‏ تدلى إذا قرب بعد علو‏.‏ قال الكلبي‏:‏ المعنى دنا جبريل من محمد صلى الله عليه وسلم فقرب منه‏.‏ وقال الحسن وقتادة‏:‏ ثم دنا جبريل، بعد استوائه في الأفق الأعلى، من الأرض فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏(‏فكان قاب قوسين أو أدني‏)‏ القاب ما بين القبضة والسية‏؟‏‏؟‏‏.‏ ولكل قوس قابان‏.‏ والقاب في اللغة أيضا‏:‏ القدر‏.‏ وهذا هو المراد بالآية عند جميع المفسرين‏.‏ والمراد القوس التي يرمي عنها، وهي القوس العربية‏.‏ وخصت بالذكر على عادتهم‏.‏ وذهب جماعة إلى أن المراد بالقوس الذراع‏.‏ وعلى هذا معنى القوس ما يقاس به الشيء، أي يذرع‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏78‏)‏ باب في قوله عليه السلام‏:‏ نور أنى أراه، وفي قوله‏:‏ رأيت نورا
291- ‏(‏178‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا وكيع عن يزيد بن إبراهيم، عن قتادة، عن عبدالله بن شقيق، عن أبي ذر؛ قال‏:‏
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك‏؟‏ قال ‏"‏نور أنى أراه‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏نور أنى أراه‏)‏ هكذا رواه جميع الرواة في جميع الأصول والروايات‏.‏ ومعناه‏:‏ حجابه النور فكيف أراه‏؟‏ قال الإمام أبو عبدالله المازري رحمه الله‏:‏ الضمير في أراه عائد على الله سبحانه وتعالى‏.‏ ومعناه‏:‏ أن النور منعني من الرؤية كما جرت العادة بإغشاء الأنوار الأبصار، ومنعها من إدراك ما حالت بين الرائي وبينه‏]‏‏.‏
292 - ‏(‏178‏)‏ حدثنا محمد بن بشار‏.‏ حدثنا معاذ بن هشام‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ ح وحدثني حجاج بن الشاعر‏.‏ حدثنا عفان بن مسلم‏.‏ حدثنا همام‏.‏ كلاهما عن قتادة، عن عبدالله بن شقيق‏.‏ قال قلت لأبي ذر‏:‏
لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته‏.‏ فقال‏:‏ عن أي شيء كنت تسأله‏؟‏ قال‏:‏ كنت أسأله هل رأيت ربك‏؟‏ قال أبو ذر‏:‏ د سألت فقال ‏"‏رأيت نورا‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏رأيت نورا‏)‏ معناه رأيت النور، فحسب‏.‏ ولم أر غيره‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏79‏)‏ باب في قوله عليه السلام‏:‏ إن الله لا ينام، وفي قوله‏:‏ حجابه النور لو كشفه لأحرق سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه
293- ‏(‏179‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا أبو معاوية‏.‏ حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى، قال‏:‏
قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام‏.‏ يخفض القسط ويرفعه‏.‏ يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار‏.‏ وعمل النهار قبل عمل الليل‏.‏ حجابه النور‏.‏ ‏(‏وفي رواية أبي بكر‏:‏ النار‏)‏ لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه‏"‏‏.‏ ‏(‏وفي رواية أبي بكر عن الأعمش ولم يقل حدثنا‏)‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏لا ينام ولا ينبغي له أن ينام‏)‏ معناه أنه سبحانه وتعالى لا ينام وأنه يستحيل في حقه النوم‏.‏ فإن النوم انغمار وغلبة على العقل يسقط به الإحساس‏.‏ والله تعالى منزه عن ذلك وهو مستحيل في حقه جل وعلا‏.‏ ‏(‏يخفض القسط ويرفعه‏)‏ قال ابن قتيبة‏:‏ القسط الميزان‏.‏ وسمي قسطا لأن القسط العدل وبالميزان يقع العدل‏.‏ والمراد أن الله تعالى يخفض الميزان ويرفعه، بما يوزن من أعمال العباد المرتفعة، ويوزن من أرزاقهم النازلة‏.‏ ‏(‏يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل‏)‏ معناه، والله أعلم، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار الذي بعده‏.‏ وعمل النهار قبل عمل الليل الذي بعده‏.‏ ‏(‏حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه‏)‏ السبحات جمع سبحة‏.‏ قال صاحب العين والهروي وجميع الشارحين للحديث من اللغويين والمحدثين‏:‏ معنى سبحات وجهه نوره وجلاله وبهاؤه‏.‏ أما الحجاب فأصله في اللغة‏:‏ المنع والستر‏.‏ وحقيقة الحجاب إنما تكون للأجسام المحدودة، والله تعالى منزه عن الجسم والحد‏.‏ والمراد هنا المانع من رؤيته‏.‏ وسمي ذلك المانع نورا أو نارا لأنهما يمنعان من الإدراك في العادة لشعاعهما‏.‏ والمراد بالوجه الذات‏.‏ والمراد بما انتهى إليه بصره من خلقه جميع المخلوقات‏.‏ لأن بصره سبحانه وتعالى محيط بجميع الكائنات‏.‏ ولفظة من لبيان الجنس، لا للتبعيض‏.‏ والتقدير‏:‏ لو أزال المانع من رؤيته، وهو الحجاب المسمى نورا أو نارا، وتجلى لخلقه، لأحرق جلال ذاته جميع مخلوقاته‏]‏‏.‏
294- ‏(‏179‏)‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم‏.‏ أخبرنا جرير عن الأعمش، بهذا الإسناد‏.‏ قال‏:‏
قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات‏.‏ ثم ذكر بمثل حديث أبي معاوية‏.‏ ولم يذكر ‏"‏من خلقه‏"‏ وقال‏:‏ حجابه النور‏.‏
295- ‏(‏179‏)‏ حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر‏.‏ قال‏:‏ حدثني شعبة عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى؛ قال‏:‏
قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع ‏"‏إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام‏.‏ يرفع القسط ويخفضه‏.‏ ويرفع إليه عمل النهار بالليل‏.‏ وعمل الليل بالنهار‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏80‏)‏ باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى
296- ‏(‏180‏)‏ حدثنا نصر بن علي الجهضمي، وأبو غسان المسمعي، وإسحاق بن إبراهيم‏.‏ جميعا عن عبدالعزيز بن عبدالصمد‏.‏ واللفظ لأبي غسان‏.‏ قال‏:‏ حدثنا أبو عبدالصمد‏.‏ حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبدالله بن قيس، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛
قال ‏"‏جنتان من فضة‏.‏ آنيتهما وما فيهما‏.‏ وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما‏.‏ وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه‏.‏ في جنة عدن‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن‏)‏ قال العلماء‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب العرب بما يفهمونه، ويقرب الكلام إلى أفهامهم، ويستعمل الاستعارة وغيرها من أنواع المجاز ليقرب متناولها‏.‏ فعبر صلى الله عليه وسلم عن زوال المانع ورفعه عن الأبصار بإزالة الرداء‏.‏ وقوله‏:‏ في جنة عدن، أي الناظرون في جنة عدن‏.‏ فهي ظرف للناظر‏]‏‏.‏
297- ‏(‏181‏)‏ حدثنا عبيدالله بن عمر بن ميسرة‏.‏ قال‏:‏ حدثني عبدالرحمن بن مهدي‏.‏ حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال يقول الله تبارك وتعالى‏:‏ تريدون شيئا أزيدكم‏؟‏ فيقولون‏:‏ ألم تبيض وجوهنا‏؟‏ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار‏.‏ قال فيكشف الحجاب‏.‏ فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل‏"‏‏.‏
298- ‏(‏181‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد‏.‏ وزاد‏:‏ ثم تلا هذه الآية‏:‏ ‏{‏للذين أحسنوا الحسنى وزيادة‏}‏ ‏[‏10/يونس/ الآية-26‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏81‏)‏ باب معرفة طريق الرؤية
299- ‏(‏182‏)‏ حدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا يعقوب بن إبراهيم‏.‏ حدثنا أبي عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي؛ أن أبا هريرة أخبره؛ أن ناسا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
يا رسول الله‏!‏ هل نرى ربنا يوم القيامة‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ يا رسول الله‏!‏ قال‏:‏ ‏"‏هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ يا رسول الله‏!‏ قال ‏"‏فإنكم ترونه كذلك‏.‏ يجمع الله الناس يوم القيامة‏.‏ فيقول‏:‏ من كان يعبد شيئا فليتبعه‏.‏ فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس‏.‏ ويتبع من كان يعبد القمر القمر‏.‏ ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت‏.‏ وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها‏.‏ فيأتيهم الله، تبارك وتعالى، في صورة غير صورته التي يعرفون‏.‏ فيقول‏:‏ أنا ربكم‏.‏ فيقولون‏:‏ نعوذ بالله منك‏.‏ هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا‏.‏ فإذا جاء ربنا عرفناه‏.‏ فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون‏.‏ فيقول‏:‏ أنا ربكم‏.‏ فيقولون‏:‏ أنت ربنا‏.‏ فيتبعونه‏.‏ ويضرب الصراط بين ظهري جهنم‏.‏ فأكون أنا وأمتي أول من يجيز‏.‏ ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل‏.‏ ودعوى الرسل يومئذ‏:‏ اللهم‏!‏ سلم، سلم‏.‏ وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان‏.‏ هل رأيتم السعدان‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ يا رسول الله‏!‏ قال‏:‏ ‏"‏فإنها مثل شوك السعدان‏.‏ غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله‏.‏ تخطف الناس بأعمالهم‏.‏ فمنم المؤمن بقي بعمله‏.‏ ومنهم المجازى حتى ينجى‏.‏ حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممن أراد الله تعالى أن يرحمه، ممن يقول‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏ فيعرفونهم في النار‏.‏ يعرفونهم بأثر السجود‏.‏ تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود‏.‏ حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود‏.‏ فيخرجون من النار وقد امتحشوا‏.‏ فيصب عليهم ماء الحياة‏.‏ فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل‏.‏ ثم يفرغ الله تعالى من القضاء بين العباد‏.‏ ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار‏.‏ وهو آخر أهل الجنة دخولا الجنة‏.‏ فيقول‏:‏ أي رب‏!‏ اصرف وجهي عن النار‏.‏ فإنه قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها‏.‏ فيدعو الله ما شاء الله أن يدعوه‏.‏ ثم يقول الله تبارك وتعالى‏:‏ هل عسيت إن فعلت ذلك بك أن تسأل غيره‏!‏ فيقول‏:‏ لا أسألك غيره‏.‏ ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء الله‏.‏ فيصرف الله وجهه عن النار‏.‏ فإذا أقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت‏.‏ ثم يقول‏:‏ أي رب‏!‏ قدمني إلى باب الجنة‏.‏ فيقول الله له‏:‏ أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك لا تسألني غير الذي أعطيتك‏.‏ ويلك يا ابن آدم‏!‏ ما أغدرك‏!‏ فيقول‏:‏ أي رب‏!‏ ويدعو الله حتى يقول ل‏:‏ فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسأل غيره‏!‏ فيقول‏:‏ لا‏.‏ وعزتك‏!‏ فيعطي ربه ما شاء الله من عهود ومواثيق‏.‏ فيقدمه إلى باب الجنة‏.‏ فإذا قام على باب الجنة انفهقت له الجنة‏.‏ فرأى ما فيها من الخير والسرور‏.‏ فيسكت ما شاء الله أن يسكت‏.‏ ثم يقول‏:‏ أي رب‏!‏ أدخلني الجنة‏.‏ فيقول الله تبارك وتعالى له‏:‏ أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت‏.‏ ويلك يا ابن آدم‏!‏ ما أغدرك‏!‏ فيقول‏:‏ أي رب‏!‏ لا أكون أشقى خلقك‏.‏ فلا يزال يدعو الله حتى يضحك الله تبارك وتعالى منه‏.‏ فإذا ضحك الله منه، قال‏:‏ ادخل الجنة‏.‏ فإذا دخلها قال الله له‏:‏ تمنه‏.‏ فيسأل ربه ويتمنى‏.‏ حتى إن الله ليذكره من كذا وكذا، حتى إذا انقطعت به الأماني‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ذلك لك ومثله معه‏"‏‏.‏
قال عطاء بن يزيد‏:‏ وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة لا يرد عليه من حديثه شيئا‏.‏ حتى إذا حدث أبو هريرة‏:‏ إن الله قال لذلك الرجل‏:‏ ومثله معه‏.‏ قال أبو سعيد‏:‏ أشهد أني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله‏:‏ ذلك لك وعشرة أمثاله‏.‏ قال أبو هريرة‏:‏ وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة‏.‏
‏[‏ش ‏(‏هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر‏.‏ وفي الرواية الأخرى هل تضامون‏)‏ وروى تضارون بتشديد الراء وبتخفيفها، والتاء مضمومة فيهما‏.‏ ومعنى المشدد هل تضارون غيركم في حالة الرؤية بزحمة أو مخالفة في الرؤية أو غيرها لخفائه، كما تفعلون أول ليلة من الشهر‏.‏ ومعنى المخفف هل يلحقكم في رؤيته ضير، وهو الضرر‏.‏ وروى أيضا تضامون بتشديد الميم وتخفيفها‏.‏ فمن شددها فتح التاء، ومن خففها ضم التاء‏.‏ ومعنى المشدد هل تتضامون وتتلطفون في التوصل إلى رؤيته‏.‏ ومعنى المخفف هل يلحقكم ضيم، وهو المشقة والتعب‏.‏ ومعناه لا يشتبه عليكم وترتابون فيه فيعارض بعضكم بعضا في رؤيته‏.‏ ‏(‏فإنكم ترونه كذلك‏)‏ معناه تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح وزوال الشك والمشقة والاختلاف‏.‏ ‏(‏الطواغيت‏)‏ هو جمع طاغوت‏.‏ قال الليث وأبو عبيدة والكسائي وجماهير أهل اللغة‏:‏ الطاغوت كل ما عبد من دون الله تعالى‏.‏ قال الواحدي‏:‏ الطاغوت يكون واحدا وجمعا‏.‏ ويؤنث ويذكر‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به، فهذا في الواحد‏.‏ وقال تعالى في الجمع‏:‏ والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم‏.‏ وقال في المؤنث‏:‏ والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها‏.‏ قال في المصباح‏:‏ وهو في تقدير فعلوت بفتح العين‏.‏ لكن قدمت اللام موضع العين‏.‏ واللام واو محركة مفتوح ما قبلها فقلبت ألفا‏.‏ فبقي في تقدير فعلوت، وهو من الطغيان‏.‏ قاله الزمخشري‏.‏ ‏(‏ويضرب الصراط بين ظهري جهنم‏)‏ معناه يمد الصراط عليها‏.‏ ‏(‏فأكون أنا وأمتي أول من يجيز‏)‏ معناه يكون أول من يمضي عليه ويقطعه‏.‏ يقال‏:‏ أجزت الوادي وجزته، لغتان بمعنى واحد‏.‏ وقال الأصمعي‏:‏ أجزته قطعته، وجزته مشيت فيه‏.‏ ‏(‏وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان‏)‏ أما الكلاليب فجمع كلوب، وهي حديدة معطوفة الرأس، يعلق فيها اللحم، وترسل فيها التنور‏.‏ قال صاحب المطالع‏:‏ هي خشبة في رأسها عقافة حديد، وقد تكون حديدا كلها، ويقال لها أيضا‏:‏ كلاب‏.‏ وأما السعدان فهو نبت له شوكة عظيمة مثل الحسك من كل الجوانب‏.‏ ‏(‏بقي بعمله‏)‏ ذكر القاضي أنه روي على ثلاثة أوجه‏:‏ أحدها المؤمن بقي والثاني والثالث الموبق يعني بعمله‏.‏ قال القاضي‏:‏ هذا أصحها، وكذا قال صاحب المطالع‏:‏ هذا الثالث هو الصواب‏.‏ قال‏:‏ وفي يقي، على الوجه الأول ضبطان أحدهما بالباء الموحدة والثاني بالياء المثناة‏.‏ قال النووي‏:‏ والموجود في معظم الأصول ببلادنا هو الوجه الأول‏.‏ ‏(‏قد امتحشوا‏)‏ معناه‏:‏ احترقوا‏.‏ ‏(‏فينبتون منه‏)‏ معناه ينبتون بسببه‏.‏ ‏(‏كما تنبت الحبة في حميل السيل‏)‏ الحبة هي بزر البقول والعشب، تنبت في البراري وجوانب السيول‏.‏ وجمعها حبب‏.‏ وحميل السيل ما جاء به السيل من طين أو غثاء، ومعناه محمول السيل‏.‏ والمراد التشبيه في سرعة النبات وحسنه وطراوته‏.‏ ‏(‏قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها‏)‏ قشبني معناه سمني وآذاني وأهلكني‏.‏ كذا قاله الجماهير من أهل اللغة والغريب‏.‏ وقال الداودي‏:‏ معناه غير جلدي وصورتي‏.‏ وأما ذكاؤها فمعناه لهبها واشتعالها وشدة وهجها‏.‏ والأشهر في اللغة ذكاها مقصور‏.‏ وذكر جماعات أن المد والقصر لغتان‏.‏ ‏(‏هل عسيت‏)‏ لغتان‏:‏ بفتح السين وكسرها‏.‏ قال في الكشاف عند قوله تعالى ‏(‏2/246 هل عسيتم إن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا‏)‏‏:‏ وخبر عسيتم أن لا تقاتلوا‏.‏ والشرط فاصل بينهما‏.‏ والمعنى هل قاربتم أن لا تقاتلوا، يعني هل الأمر كما أتوقعه أنكم لا تقاتلون‏:‏ أراد أن يقول‏:‏ عسيتم أن لا تقاتلوا، بمعنى أتوقع جبنكم عن القتال، فأدخل هل مستفهما عما هو متوقع عنده ومظنون‏.‏ وأراد بالاستفهام التقرير وتثبيت أن المتوقع كائن، وأنه صائب في توقعه‏.‏ ‏(‏انفهقت‏)‏ معناه انفتحت واتسعت‏.‏ ‏(‏ليذكره من كذا وكذا‏)‏ معناه يقول له‏:‏ تمن من الشيء الفلاني، ومن الشيء الآخر‏.‏ يسمى له أجناس ما يتمني‏]‏‏.‏
300- ‏(‏182‏)‏ حدثنا عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي‏.‏ أخبرنا أبو اليمان‏.‏ أخبرنا شعيب عن الزهري؛ قال‏:‏ أخبرنا سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي؛ أن أبا هريرة أخبرهما؛
أن الناس قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا رسول الله‏!‏ هل نرى ربنا يوم القيامة‏؟‏ وساق الحديث بمثل معنى حديث إبراهيم بن سعد‏.‏
301- ‏(‏182‏)‏ وحدثنا محمد بن رافع‏.‏ حدثنا عبدالرزاق‏.‏ أخبرنا معمر عن همام بن منبه؛ قال‏:‏
هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها‏:‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن أدنى مقعد أحدكم من الجنة أن يقول له‏:‏ تمن‏.‏ فيتمنى ويتمنى‏.‏ فيقول له‏:‏ هل تمنيت‏؟‏ فيقول‏:‏ نعم‏.‏ فيقول له‏:‏ فإن لك ما تمنيت ومثله معه‏"‏‏.‏
302- ‏(‏183‏)‏ وحدثني سويد بن سعيد‏.‏ قال‏:‏ حدثني حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري؛ أن ناسا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا‏:‏
يا رسول الله‏!‏ هل نري ربنا يوم القيامة‏؟‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏نعم‏"‏‏.‏ قال ‏"‏هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب‏؟‏ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ يا رسول الله‏!‏ قال ‏"‏ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما‏.‏ إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن‏:‏ ليتبع كل أمة ما كانت تعبد‏.‏ فلا يبقى أحد، كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب، إلا يتساقطون في النار‏.‏ حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر‏.‏ وغبر أهل الكتاب‏.‏ فيدعى اليهود فيقال لهم‏:‏ ما كنتم تعبدون‏؟‏ قالوا‏:‏ كنا نعبد عزير بن الله‏.‏ فيقال‏:‏ كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد‏.‏ فماذا تبغون‏؟‏ قالوا‏:‏ عطشنا‏.‏ يا ربنا‏!‏ فاسقنا‏.‏ فيشار إليهم‏:‏ ألا تردون‏؟‏ فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا‏.‏ فيتساقطون في النار‏.‏ ثم يدعى النصارى‏.‏ فيقال لهم‏:‏ ما كنتم تعبدون‏؟‏ قالوا‏:‏ كنا نعبد المسيح بن الله‏.‏ فيقال لهم‏:‏ كذبتم‏.‏ ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد‏.‏ فيقال لهم‏:‏ ماذا تبغون‏؟‏ فيقولون‏:‏ عطشنا‏.‏ يا ربنا‏!‏ فاسقنا‏.‏ قال فيشار إليهم‏:‏ ألا تردون‏؟‏ فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار‏.‏ حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالى من بر وفاجر، أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها‏.‏ قال‏:‏ فما تنتظرون‏؟‏ تتبع كل أمة ما كانت تعبد‏.‏ قالوا‏:‏ يا ربنا‏!‏ فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم‏.‏ فيقول‏:‏ أنا ربكم‏.‏ فيقولون‏:‏ نعوذ بالله منك ‏.‏ لا نشرك بالله شيئا ‏(‏مرتين أو ثلاثا ‏)‏حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب ‏.‏ فيقول‏:‏ هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها‏؟‏ فيقولون‏:‏ نعم‏.‏ فيكشف عن ساق‏.‏ فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود‏.‏ ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة‏.‏ كلما أراد أن يسجد خر على قفاه‏.‏ ثم يرفعون رؤوسهم، وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة‏.‏ فقال‏:‏ أنا ربكم‏.‏ فيقولون‏:‏ أنت ربنا‏.‏ ثم يضرب الجسر على جهنم‏.‏ وتحل الشفاعة‏.‏ ويقولون‏:‏ اللهم‏!‏ سلم سلم‏"‏‏.‏ قيل‏:‏ يا رسول الله‏!‏ وما الجسر‏؟‏ قال ‏"‏دحض مزلة‏.‏ فيه خطاطيف وكلاليب وحسك‏.‏ تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان‏.‏ فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاود الخيل والركاب‏.‏ فناج مسلم‏.‏ ومخدوش مرسل‏.‏ ومكدوس في نار جهنم‏.‏ حتى إذا خلص المؤمنين من النار، فوالذي نفسي بيده‏!‏ ما منكم من أحد بأشد منا شدة لله، في استقصاء الحق، من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار‏.‏ يقولون‏:‏ ربنا‏!‏ كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون‏.‏ فيقال لهم‏:‏ أخرجوا من عرفتم‏.‏ فتحرم صورهم على النار‏.‏ فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه‏.‏ ثم يقولون‏:‏ ربنا‏!‏ ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به‏.‏ فيقول‏:‏ ارجعوا‏.‏ فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه‏.‏ فيخرجون خلقا كثيرا‏.‏ ثم يقولون‏:‏ ربنا‏!‏ لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا‏.‏ ثم يقول‏:‏ ارجعوا‏.‏ فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه‏.‏ فيخرجون خلقا كثيرا‏.‏ ثم يقولون‏:‏ ربنا‏!‏ لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا‏.‏ ثم يقول‏:‏ ارجعوا‏.‏ فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه‏.‏ فيخرجون خلقا كثيرا‏.‏ ثم يقولون‏:‏ ربنا‏!‏ لم نذر فيها خيرا‏"‏‏.‏
وكان أبو سعيد الخدري يقول‏:‏ إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم‏:‏ ‏{‏إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما‏}‏ ‏[‏4/النساء/ الآية-4‏]‏ ‏"‏فيقول الله عز وجل‏:‏ شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون‏.‏ ولم يبق إلا أرحم الراحمين‏.‏ فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط‏.‏ قد عادوا حمما‏.‏ فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة‏.‏ فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل‏.‏ ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر‏.‏ ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر‏.‏ وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض‏؟‏‏"‏ فقالوا‏:‏ يا رسول الله‏!‏ كأنك كنت ترعى بالبادية‏.‏ قال ‏"‏فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم‏.‏ يعرفهم أهل الجنة‏.‏ هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه‏.‏ ثم يقول‏:‏ ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم‏.‏ فيقولون‏:‏ ربنا‏!‏ أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين‏.‏ فيقول‏:‏ لكم عندي أفضل من هذا‏.‏ فيقولون‏:‏ يا ربنا‏!‏ أي شيء أفضل من هذا‏؟‏ فيقول‏:‏ رضاي‏.‏ فلا أسخط عليكم بعده أبدا‏"‏‏.‏
قال مسلم‏:‏ قرأت على عيسى بن حماد زغبة المصري هذا الحديث في الشفاعة وقلت له‏:‏ أحدث بهذا الحديث عنك؛ أنك سمعت من الليث بن سعد‏؟‏ فقال‏:‏ نعم‏.‏ قلت لعيسى بن حماد‏:‏ أخبركم الليث بن سعد عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري؛ أنه قال‏:‏ قلنا‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أنرى ربنا‏؟‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏هل تضارون في رؤية الشمس إذا كان يوم صحو‏؟‏‏"‏ قلنا‏:‏ لا‏.‏ وسقت الحديث حتى انقضى آخره وهو نحو حديث حفص بن ميسرة‏.‏ وزاد بعد قوله‏:‏ بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه ‏"‏فيقال لهم‏:‏ لكم ما رأيتم ومثله معه‏"‏‏.‏
قال أبو سعيد‏:‏ بلغني أن الجسر أدق من الشعرة وأحد من السيف‏.‏ وليس في حديث الليث ‏"‏فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين وما بعده‏"‏‏.‏ فأقر به عيسى بن حماد‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما‏)‏ معناه لا تضارون أصلا كما لا تضارون في رؤيتهما أصلا‏.‏ ‏(‏وغبر أهل الكتاب‏)‏ معناه بقاياهم‏.‏ جمع غابر‏.‏ ‏(‏كأنها سراب‏)‏ السراب ما يتراءى للناس في الأرض القفر والقاع المستوى وسط النهار في الحر الشديد لامعا مثل الماء يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا‏.‏ ‏(‏يحطم بعضها بعضا‏)‏ معناه لشدة اتقادها وتلاطم أمواج لهبها‏.‏ والحطم الكسر ة والإهلاك‏.‏ والحطمة اسم من أسماء النار لكونها تحطم ما يلقى فيها‏.‏ ‏(‏فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم‏)‏ معنى قولهم‏:‏ التضرع إلى الله تعالى في كشف هذه الشدة عنهم، وأنهم لزموا طاعة سبحانه وتعالى، وفارقوا في الدنيا الناس الذين زاغوا عن طاعته سبحانه من قراباتهم وغيرهم ممن كانوا يحتاجون في معايشهم ومصالح دنياهم إلى معاشرتهم للارتفاق بهم‏.‏ ‏(‏ليكاد أن ينقلب‏)‏ هكذا هو في الأصول بإثبات أن‏.‏ وإثباتها مع كاد لغة‏.‏ كما أن حذفها مع عسى لغة‏.‏ ومعنى ينقلب‏:‏ أي يرجع عن الصواب للامتحان الشديد الذي جرى‏.‏ ‏(‏فيكشف عن ساق‏)‏ ضبط يكشف بفتح الياء وضمها‏.‏ وهما صحيحان‏.‏ وفسر ابن عباس وجمهور أهل اللغة وغريب الحديث الساق هنا بالشدة‏.‏ أي يكشف عن شدة وأمر مهول‏.‏ ‏(‏طبقة واحدة‏)‏ قال الهروي وغيره‏:‏ الطبق فقار الظهر، أي صار فقارة واحدة كالصفيحة، فلا يقدر على السجود لله تعالى‏.‏ ‏(‏ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة‏)‏ الجسر، بفتح الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان‏.‏ وهو الصراط‏.‏ ومعنى تحل الشفاعة‏:‏ بكسر الحاء وقيل بضمها‏:‏ أي تقع ويؤذن فيها‏.‏ ‏(‏دحض مزلة‏)‏ الدحض والمزلة بمعنى واحد‏.‏ وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر‏.‏ ومنه‏:‏ دحضت الشمس أي مالت‏.‏ وحجة داحضة أي لا ثبات لها‏.‏ ‏(‏فيها خطاطيف وكلاليب وحسك‏)‏ أما الخطاطيف فجمع خطاف، بضم الخاء في المفرد‏.‏ والكلاليب بمعناه‏.‏ وقد تقدم بيانهما‏.‏ وأما الحسك فهو شوك صلب من حديد‏.‏ ‏(‏وكأجاويد الخيل والركاب‏)‏ من إضافة الصفة إلى الموصوف‏.‏ قال في النهاية‏:‏ الأجاويد جمع أجواد، وهو جمع جواد، وهو الجيد الجري من المطي‏.‏ والركاب أي الإبل، واحدتها راحلة من غير لفظها‏.‏ فهو عطف على الخيل‏.‏ والخيل جمع الفرس من غير لفظه‏.‏ ‏(‏فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم‏)‏ معناه أنهم ثلاثة أقسام‏:‏ قسم يسلم فلا يناله شيء أصلا‏.‏ وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص‏.‏ وقسم يكردس ويلقى فيسقط في جهنم‏.‏ قال في النهاية‏:‏ وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط‏.‏ ويروى بالشين المعجمة، من الكدش وهو السوق الشديد‏.‏ والكدش‏:‏ الطرد والجرح أيضا‏.‏ ‏(‏في استقصاء الحق‏)‏ أي تحصيله من خصمه والمتعدي عليه‏.‏ ‏(‏من خير‏)‏ قال القاضي عياض رحمه الله‏:‏ قيل‏:‏ معنى الخير هنا اليقين‏.‏ قال‏:‏ والصحيح أن معناه شيء زائد على مجرد الإيمان‏.‏ لأن مجرد الأيمان، الذي هو التصديق، لا يتجزأ‏.‏ وإنما يكون هذا التجزؤ لشيء زائد عليه من عمل صالح أو ذكر خفي، أو عمل من أعمال القلب من شفقة على مسكين أو خوف من الله تعالى، ونية صادقة‏.‏ ‏(‏لم نذر فيها خيرا‏)‏ هكذا هو خير بإسكان الياء أي صاحب خير‏.‏ ‏(‏فيقبض قبضة من النار‏)‏ معناه يجمع جماعة‏.‏ ‏(‏قد عادوا حمما‏)‏ معنى عادوا صاروا‏.‏ وليس بلازم في عاد أن يصير إلى حالة كان عليها قبل ذلك‏.‏ بل معناه صاروا‏.‏ أما الحمم فهو الفحم، واحدته حممة، كحطمة‏.‏ ‏(‏في أفواه الجنة‏)‏ الأفواه جمع فوهة‏.‏ وهو جمع سمع من العرب على غير قياس‏.‏ وأفواه الأزقة والأنهار أوائلها‏.‏ قال صاحب المطالع‏:‏ كأن المراد في الحديث مفتتح من مسالك قصور الجنة ومنازلها‏.‏ ‏(‏الحبة في حميل السيل‏)‏ الحبة، بالكسر، بزور البقول وحب الرياحين‏.‏ وقيل‏:‏ هو نبت صغير ينبت في الحشيش‏.‏ وحميل السيل هو ما يجيء به السيل من طين أو غثاء وغيره‏.‏ فعيل بمعنى مفعول‏.‏ فإذا اتفقت فيه حبة واستقرت على شط مجري السيل فإنها تنبت في يوم وليلة‏.‏ فشبه بها سرعة عود أبدانهم وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها‏.‏ ‏(‏ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر‏.‏ وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض‏)‏ أما يكون في الموضعين الأولين فتامة‏.‏ ليس لها خبر‏.‏ معناها ما يقع‏.‏ وأصيفر وأخيضر مرفوعان‏.‏ وأما يكون أبيض فيكون فيه ناقصة، وأبيض منصوب وهو خبرها‏.‏ ‏(‏فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم‏)‏ الخواتم جمع خاتم، بفتح التاء وكسرها‏.‏ قال صاحب التحرير‏:‏ المراد بالخواتم هنا أشياء من ذهب أو غير ذلك تعلق في أعناقهم، علامة يعرفون بها‏.‏ قال‏:‏ معناه تشبيه صفائهم وتلألئهم باللؤلؤ‏.‏ ‏(‏هؤلاء عتقاء الله‏)‏ أي يقولون‏:‏ هؤلاء عتقاء الله‏]‏‏.‏
303- ‏(‏183‏)‏ وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا جعفر بن عون‏.‏ حدثنا هشام بن سعد‏.‏ حدثنا زيد بن أسلم، بإسنادهما، نحو حديث حفص بن ميسرة إلى آخره‏.‏ وقد زاد ونقص شيئا‏.‏
(‏82‏)‏ باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار
304- ‏(‏184‏)‏ وحدثني هارون بن سعيد الأيلي‏.‏ حدثنا ابن وهب؛ قال‏:‏ أخبرني مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى بن عمارة؛ قال‏:‏
حدثني أبي، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏يدخل الله أهل الجنة الجنة‏.‏ يدخل من يشاء برحمته‏.‏ ويدخل أهل النار النار‏.‏ ثم يقول‏:‏ انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه‏.‏ فيخرجون منها حمما قد امتحشوا‏.‏ فيلقون في نهر الحياة أو الحيا‏.‏ فينبتون فيه كما تنبت الحبة إلى جانب السيل‏.‏ ألم تروها كيف تخرج صفراء ملتوية‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏امتحشوا‏)‏ احترقوا‏.‏ ‏(‏الحيا‏)‏ الحيا هو المطر‏.‏ سمي حيا لأنه تحيا به الأرض‏.‏ وكذلك هذا الماء يحيا به هؤلاء المحترقون وتحدث فيهم النضارة، كما يحدث ذلك في الأرض‏.‏ ‏(‏ملتوية‏)‏ أي ملفوفة مجتمعة‏.‏ وقيل‏:‏ منحنية‏]‏‏.‏
305- ‏(‏184‏)‏ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا عفان‏.‏ حدثنا وهيب‏.‏ ح وحدثنا حجاج بن الشاعر‏.‏ حدثنا عمرو بن عون‏.‏ أخبرنا خالد، كلاهما عن عمرو بن يحيى، بهذا الإسناد‏.‏ وقالا‏:‏
فيلقون في نهر يقال له الحياة‏.‏ ولم يشكا‏.‏ وفي حديث خالد‏:‏ كما تنبت الغثاءة في جانب السيل‏.‏ وفي حديث وهيب‏:‏ كما تنبت الحبة في حمئة أو حميلة السيل‏.‏
‏[‏ش ‏(‏الغثاءة‏)‏ هو كل ما جاء به السيل‏.‏ وقيل‏:‏ المراد ما احتمله السيل من البذور‏.‏ ‏(‏في حمئة أو حميل السيل‏)‏ أما الحمئة فهي الطين الأسود يكون في أطراف النهر‏.‏ وأما الثاني فهي واحدة الحميل، بمعنى المحمول، وهو الغثاء الذي يحتمله السيل‏]‏‏.‏
306- ‏(‏185‏)‏ وحدثني نصر بن علي الجهضمي‏.‏ حدثنا بشر ‏(‏يعني ابن المفضل‏)‏ عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون‏.‏ ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم ‏(‏أو قال بخطاياهم‏)‏ فأماتهم إماتة‏.‏ حتى إذا كانوا فحما، أذن بالشفاعة‏.‏ فجيء بهم ضبائر ضبائر‏.‏ فبثوا على أنهار الجنة‏.‏ ثم قيل‏:‏ يا أهل الجنة أفيضوا عليهم‏.‏ فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل‏"‏ فقال رجل من القوم‏:‏ كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان بالبادية‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ضبائر ضبائر‏)‏ منصوب على الحال‏.‏ وهو جمع ضبارة بفتح الضاد وكسرها، أشهرها الكسر‏.‏ ويقال فيها أيضا‏:‏ إضبارة‏.‏ قال أهل اللغة‏:‏ الضبائر جماعات في تفرقة‏.‏ ‏(‏فبثوا‏)‏ معناه فرقوا‏]‏‏.‏
307- ‏(‏185‏)‏ وحدثناه محمد بن المثنى وابن بشار؛ قالا‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر‏.‏ حدثنا شعبة عن أبي مسلمة؛ قال‏:‏
سمعت أبا نضرة عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله‏.‏ إلى قوله‏:‏ في حميل السيل‏.‏ ولم يذكر ما بعده‏.‏
*3* ‏(‏83‏)‏ باب آخر أهل النار خروجا
308- ‏(‏186‏)‏ حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي؛ كلاهما عن جرير‏.‏ قال عثمان‏:‏ حدثنا جرير عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبدالله بن مسعود؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولا الجنة‏.‏ رجل يخرج من النار حبوا‏.‏ فيقول الله تبارك وتعالى له‏:‏ اذهب فادخل الجنة‏.‏ فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى‏.‏ فيرجع فيقول‏:‏ يا رب‏!‏ وجدتها ملأى‏.‏ فيقول الله تبارك وتعالى له‏:‏ اذهب فادخل الجنة‏.‏ قال فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى‏.‏ فيرجع فيقول‏:‏ يا رب‏!‏ وجدتها ملأى‏.‏ فيقول الله له‏:‏ اذهب فادخل الجنة‏.‏ فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها‏.‏ أو إن لك عشرة أمثال الدنيا‏.‏ قال فيقول‏:‏ أتسخر بي ‏(‏أو أتضحك بي‏)‏ وأنت الملك‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه‏.‏
قال فكان يقال‏:‏ ذاك أدنى أهل الجنة منزلة‏.‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏نواجذه‏)‏ قال أبو العباس ثعلب وجماهير العلماء من أهل اللغة وغريب الحديث وغيرهم‏:‏ المراد بالنواجذ هنا الأنياب‏.‏ وقيل‏:‏ المراد هنا الضواحك‏.‏ وقيل‏:‏ المراد بها الضواحك‏.‏ وقيل‏:‏ المراد بها الأضراس، وهذا هو الأشهر في إطلاق النواجذ في اللغة‏]‏‏.‏
309- ‏(‏186‏)‏ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب‏.‏ واللفظ لأبي كريب‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبدالله؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إني لأعرف آخر أهل النار خروجا من النار‏.‏ رجل يخرج منها زحفا‏.‏ فيقال له‏:‏ انطلق فادخل الجنة‏.‏ قال فيذهب فيدخل الجنة‏.‏ فيجد الناس قد أخذوا المنازل‏.‏ فيقال له‏:‏ أتذكر الزمان الذي كنت فيه‏؟‏ فيقول‏:‏ نعم‏.‏ فيقال له‏:‏ تمن‏.‏ فيتمنى‏.‏ فيقال له‏:‏ لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا‏.‏ قال فيقول‏:‏ أتسخر بي وأنت الملك‏؟‏‏"‏ قال فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه‏.‏
‏[‏ش ‏(‏زحفا‏)‏ قال ابن دريد وغيره‏:‏ هو المشي على الأست مع إفراشه بصدره‏.‏ ‏(‏حتى بدت نواجذه‏)‏ قال أبو العباس ثعلب وجماهير العلماء من أهل اللغة وغريب الحديث وغيرهم‏:‏ المراد بالنواجذ هنا الأنياب‏.‏ وقيل‏:‏ المراد هنا الضواحك‏.‏ وقيل‏:‏ المراد بها الأضراس‏.‏ وهذا هو الأشهر في إطلاق النواجذ في اللغة‏]‏‏.‏
310- ‏(‏187‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا عفان بن مسلم‏.‏ حدثنا حماد بن سلمة‏.‏ حدثنا ثابت عن أنس، عن ابن مسعود؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
آخر من يدخل الجنة رجل‏.‏ فهو يمشي مرة ويكبو مرة‏.‏ وتسفعه النار مرة‏.‏ فإذا ما جاوزها التفت إليها‏.‏ فقال‏:‏ تبارك الذي نجاني منك‏.‏ لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين‏.‏ فترفع له شجرة‏.‏ فيقول‏:‏ أي رب‏!‏ أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها وأشرب من مائها‏.‏ فيقول الله عز وجل‏:‏ يا ابن آدم‏!‏ لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها‏.‏ فيقول‏:‏ لا‏.‏ يا رب‏!‏ ويعاهده أن لا يسأله غيرها‏.‏ وربه يعذره‏.‏ لأنه يرى ما لا صبر له عليه‏.‏ فيدنيه منها‏.‏ فيستظل بظلها ويشرب من مائها‏.‏ ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى‏.‏ فيقول‏:‏ أي رب‏!‏ أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظل بظلها‏.‏ لا أسألك غيرها‏.‏ فيقول‏:‏ يا ابن آدم‏!‏ ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها‏؟‏ فيقول‏:‏ لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها‏؟‏ فيعاهده أن لا يسأله غيرها‏.‏ وربه يعذره‏.‏ لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها‏.‏ فيستظل بظلها ويشرب من مائها‏.‏ ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين‏.‏ فيقول‏:‏ أي رب‏!‏ أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها‏.‏ لا أسألك غيرها‏.‏ فيقول‏:‏ يا ابن آدم‏!‏ ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها‏؟‏ قال‏:‏ بلى‏.‏ يا رب‏!‏ هذه لا أسألك غيرها‏.‏ وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليها‏.‏ فيدنيه منها‏.‏ فإذا أدناه منها، فيسمع أصوات أهل الجنة، فيقول‏:‏ أي رب‏!‏ أدخلنيها‏.‏ فيقول‏:‏ يا ابن آدم‏!‏ ما يصريني منك‏؟‏ أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها‏؟‏ قال‏:‏ يا رب‏!‏ أتستهزئ مني وأنت رب العالمين‏"‏‏.‏
فضحك ابن مسعود فقال‏:‏ ألا تسألوني مم أضحك‏؟‏ فقالوا‏:‏ مم تضحك‏؟‏ قال‏:‏ هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقالوا‏:‏ مم تضحك يا رسول الله‏؟‏ قال ‏"‏من ضحك رب العالمين حين قال‏:‏ أتستهزئ مني وأنت رب العالمين‏؟‏ فيقول‏:‏ إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏يكبو‏)‏ معناه يسقط على وجهه‏.‏ ‏(‏تسفعه‏)‏ معناه تضرب وجهه وتسوده وتؤثر فيه أثرا‏.‏ ‏(‏ما لا صبر له عليه‏)‏ كذا هو في الأصول في المرتين الأوليين‏.‏ وأما الثالثة فوقع في أكثر الأصول‏:‏ مالا صبر له عليها‏.‏ وفي بعضها‏:‏ عليه‏.‏ وكلاهما صحيح‏.‏ ومعنى عليها أي نعمة لا صبر له عليها، أي عنها‏.‏ ‏(‏ما يصريني منك‏)‏ معناه ما يقطع مسئلتك مني‏.‏ قال أهل اللغة‏:‏ الصري هو القطع‏.‏ فإن السائل متى انقطع من المسئول، انقطع المسئول منه‏.‏ والمعنى أي شيء يرضيك ويقطع السؤال بيني وبينك‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏84‏)‏ باب أدني أهل الجنة منزلة فيها
311- ‏(‏188‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا يحيى بن أبي بكير‏.‏ حدثنا زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح، عن النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد الخدري؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة‏.‏ ومثل له شجرة ذات ظل‏.‏ فقال‏:‏ أي رب‏!‏ قدمني إلى هذه الشجرة أكون في ظلها‏"‏‏.‏ وساق الحديث بنحو حديث ابن مسعود‏.‏ ولم يذكر ‏"‏فيقول‏:‏ يا ابن آدم‏!‏ ما يصريني منك‏"‏ إلى آخر الحديث‏.‏ وزاد فيه ‏"‏ويذكره الله سل كذا وكذا‏.‏ فإذا انقطعت به الأماني قال الله‏:‏ هو لك وعشرة أمثاله‏"‏ قال ‏"‏ثم يدخل بيته فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين‏.‏ فتقولان‏:‏ الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك‏.‏ قال فيقول‏:‏ ما أعطي أحد مثل ما أعطيت‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏زوجتاه‏)‏ هكذا ثبت في الروايات والأصول‏:‏ زوجتاه، تثنية زوجة، وهي لغة صحيحة معروفة‏]‏‏.‏
312- ‏(‏189‏)‏ حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي‏.‏ حدثنا سفيان بن عيينة عن مطرف وابن أبجر، عن الشعبي؛ قال‏:‏ سمعت المغيرة ابن شعبة، رواية إن شاء الله‏.‏ ح وحدثنا ابن أبي عمر‏.‏ حدثنا سفيان‏.‏ حدثنا مطرف بن طريف وعبدالملك بن سعيد‏.‏ سمعا الشعبي يخبر عن المغيرة بن شعبة؛ قال‏:‏
سمعته على المنبر، يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ وحدثني بشر بن الحكم‏.‏ واللفظ له‏.‏ حدثنا سفيان بن عيينة‏.‏ حدثنا مطرف وابن أبجر‏.‏ سمعا الشعبي يقول‏:‏ سمعت المغيرة بن شعبة يخبر به الناس على المنبر‏.‏ قال سفيان‏:‏ رفعه أحدهما ‏(‏أراه ابن أبجر‏)‏ قال ‏"‏سأل موسى ربه‏:‏ ما أدنى أهل الجنة منزلة‏؟‏ قال‏:‏ هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة الجنة فيقال له‏:‏ ادخل الجنة ‏.‏ فيقول أي رب ‏!‏ كيف‏؟‏ وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم‏؟‏ فيقال له‏:‏ أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا‏؟‏ فيقول‏:‏ رضيت، رب‏!‏ فيقول‏:‏ لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله‏.‏ فقال في الخامسة‏:‏ رضيت، رب‏!‏ فيقول‏:‏ هذا لك وعشرة أمثاله‏.‏ ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك‏.‏ فيقول‏:‏ رضيت، رب‏!‏ قال‏:‏ رب‏!‏ فأعلاهم منزلة‏؟‏ قال‏:‏ أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي‏.‏ وختمت عليها‏.‏ فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر‏"‏ قال ومصداقه في كتاب الله عز وجل‏:‏ ‏{‏فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين‏}‏
‏[‏32/السجدة/ الآية-17‏]‏ الآية‏.‏
‏[‏ش ‏(‏وأخذوا أخذاتهم‏)‏ قال القاضي‏:‏ هو ما أخذوه من كرامة مولاهم، وحصلوه‏.‏ ‏(‏أردت‏)‏ معناه اخترت واصطفيت‏.‏ ‏(‏غرست‏)‏ معناه اصطفيتهم وتوليتهم فلا يتطرق إلى كرامتهم تغيير‏.‏ ‏(‏لم يخطر على قلب بشر‏)‏ هنا حذف اختصر للعلم به‏.‏ تقديره‏:‏ ولم يخطر على قلب بشر ما أكرمتهم به وأعددته لهم‏.‏ ‏(‏مصداقه‏)‏ معناه دليله وما يصدقه‏]‏‏.‏
313 - ‏(‏189‏)‏ حدثنا أبو كريب‏.‏ حدثنا عبيدالله الأشجعي عن عبدالملك بن أبجر؛ قال‏:‏
سمعت الشعبي يقول‏:‏ سمعت المغيرة بن شعبة يقول على المنبر‏:‏ إن موسى عليه السلام سأل عز وجل عن أخس أهل الجنة منها حظا‏.‏ وساق الحديث بنحوه‏.‏
314- ‏(‏190‏)‏ حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة‏.‏ وآخر أهل النار خروجا منها‏.‏ رجل يؤتى به يوم القيامة‏.‏ فيقال‏:‏ اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها‏.‏ فتعرض عليه صغار ذنوبه‏.‏ فيقال‏:‏ عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا‏.‏ وعملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا‏.‏ فيقول‏:‏ نعم‏.‏ لا يستطيع أن ينكر‏.‏ وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه‏.‏ فيقال له‏:‏ فإن لك مكان كل سيئة حسنة‏.‏ فيقول‏:‏ رب‏!‏ قد عملت أشياء لا أراها ههنا‏"‏‏.‏ فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه‏.‏
315 - ‏(‏190‏)‏ وحدثنا ابن نمير‏.‏ حدثنا أبو معاوية ووكيع‏.‏ ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا وكيع‏.‏ ح وحدثنا أبو كريب‏.‏ حدثنا أبو معاوية؛ كلاهما عن الأعمش، بهذا الإسناد‏.‏
316 - ‏(‏191‏)‏ حدثني عبيدالله بن سعيد وإسحاق بن منصور؛ كلاهما عن روح‏.‏ قال عبيدالله‏:‏ حدثنا روح بن عبادة القيسي‏.‏ حدثنا ابن جريج قال‏:‏ أخبرني أبو الزبير؛ أنه سمع جابر بن عبدالله يسأل عن الورود‏.‏ فقال‏:‏
نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق الناس‏.‏ قال فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد‏.‏ الأول فالأول‏.‏ ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول‏:‏ من تنظرون‏؟‏ فيقولون‏:‏ ننظر ربنا‏.‏ فيقول‏:‏ أنا ربكم‏.‏ فيقولون‏:‏ حتى ننظر إليك‏.‏ فيتجلى لهم يضحك‏.‏ قال فينطلق بهم ويتبعونه‏.‏ ويعطي كل إنسان منهم، منافق أو مؤمن، نورا‏.‏ ثم يتبعونه‏.‏ وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك‏.‏ تأخذ من شاء الله‏.‏ ثم يطفأ نور المنافقين‏.‏ ثم ينجو المؤمنون‏.‏ فتنجو أول زمرة وجوهم كالقمر ليلة البدر‏.‏ سبعون ألفا لا يحاسبون‏.‏ ثم الذين يلونهم كأضوإ‏؟‏‏؟‏ نجم في السماء‏.‏ ثم كذلك‏.‏ ثم تحل الشفاعة‏.‏ ويشفعون حتى يخرج من النار من قال‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏ وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيره‏.‏ فيجعلون بفناء الجنة‏.‏ ويجعل أهل الجنة يرشون عليم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل‏.‏ ويذهب حراقه‏.‏ ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها‏.‏
‏[‏ش ‏(‏يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق الناس‏)‏ كذا وقع هذا اللفظ في جميع الأصول من صحيح مسلم‏.‏ واتفق المتقدمون والمتأخرون على أنه تصحيف وتغيير واختلاط في اللفظ‏.‏ قال الحافظ عبدالحق في كتابه الجمع بين الصحيحين‏:‏ هذا الذي وقع في كتاب مسلم تخليط من أحد الناسخين أو كيف كان‏.‏ وقال القاضي عياض‏:‏ هذه صورة الحديث في جميع النسخ، وفيه تغيير كثير وتصحيف‏.‏ قال‏:‏ وصوابه‏:‏ نجئ يوم القيامة على كوم ‏.‏ هكذا رواه بعض أهل الحديث‏.‏ وفي كتاب ابن أبي خيثمة من طريق كعب بن مالك‏:‏ يحشر الناس يوم القيامة على تل، وأمتي على تل‏.‏ وذكر الطبري في التفسير، من حديث ابن عمر‏:‏ فيرقى هو، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، وأمته على كوم فوق الناس‏.‏ وذكر من حديث كعب بن مالك‏:‏ يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل‏.‏ قال القاضي‏:‏ فهذا كله يبين ما تغير من الحديث‏.‏وأنه كان أظلم هذا الحرف على الراوي، أو امحى فعبر عنه بكذا وكذا‏.‏ وفسره بقوله‏:‏ أي فوق الناس‏.‏ وكتب عليه‏:‏ انظر‏.‏ تنبيها‏.‏ فجمع النقلة الكل ونسقوه على أنه من متن الحديث كما تراه‏.‏ ‏(‏حراقه‏)‏ معناه أثر النار‏.‏ والضمير في حراقه يعود على المخرج من النار‏]‏‏.‏
317- ‏(‏191‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو ، سمع جابرا يقول‏:‏ سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم بأذنه يقول‏:‏
‏"‏ إن الله يخرج ناسا من النار فيدخلهم الجنة ‏"‏‏.‏
318- ‏(‏191‏)‏ حدثنا أبو الربيع‏.‏ حدثنا حماد بن زيد‏.‏ قال قلت لعمرو بن دينار‏:‏ أسمعت جابر بن عبدالله يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
‏"‏إن الله يخرج قوما من النار بالشفاعة‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
319- ‏(‏191‏)‏ حدثنا حجاج بن الشاعر‏.‏ حدثنا أبو أحمد الزبيري‏.‏ حدثنا قيس بن سليم العنبري‏.‏ قال ‏:‏ حدثني يزيد الفقير‏.‏ حدثنا جابر بن عبدالله؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها، إلا دارات وجوههم، حتى يدخلون الجنة‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏دارات‏)‏ جمع دارة، وهى ما يحيط بالوجه من جوانبه‏.‏ ومعناه أن النار لا تأكل دارة الوجه لكونها محل السجود‏.‏ ‏(‏حتى يدخلون‏)‏ هكذا هو في الأصول، حتى يدخلون بالنون، وهو صحيح‏.‏ وهي لغة سبق بيانها‏]‏‏.‏
320 - ‏(‏191‏)‏ وحدثنا حجاج بن الشاعر‏.‏ حدثنا الفضل بن دكين‏.‏ حدثنا أبو عاصم ‏(‏يعني محمد بن أبي أيوب‏)‏ قال‏:‏ حدثني يزيد الفقير؛ قال‏:‏
كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج‏.‏ فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج‏.‏ ثم نخرج على الناس‏.‏ قال فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبدالله يحدث القوم‏.‏ جالس إلى سارية‏.‏ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال فإذا هو قد ذكر الجهنميين‏.‏ قال فقلت له‏:‏ يا صاحب رسول الله‏!‏ ما هذا الذي تحدثون‏؟‏ والله يقول‏:‏ ‏{‏إنك من تدخل النار فقد أخزيته‏}‏ ‏[‏3/آل عمران/ الآية-192‏]‏ و، ‏{‏كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها‏}‏ ‏[‏32/السجدة/ الآية-20‏]‏ فما هذا الذي تقولون‏؟‏ قال فقال‏:‏ أتقرأ القرآن‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فهل سمعت بمقام محمد عليه السلام ‏(‏يعني الذي يبعثه الله فيه‏؟‏‏)‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم المحمود الذي يخرج الله به من يخرج‏.‏ قال ثم نعت وضع الصراط ومر الناس عليه‏.‏ قال وأخاف أن لا أكون أحفظ ذاك‏.‏ قال غير أنه قد زعم أن قوما يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها‏.‏ قال يعني فيخرجون كأنهم عيدان السماسم‏.‏ قال‏:‏ فيدخلون نهرا من أنهار الجنة فيغتسلون فيه‏.‏ فيخرجون كأنهم القراطيس‏.‏ فرجعنا قلنا‏:‏ ويحكم‏!‏ أترون الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فرجعنا‏.‏ فلا والله‏!‏ ما خرج منا غير رجل واحد‏.‏ أو كما قال أبو نعيم‏.‏
‏[‏ش ‏(‏رأي من رأي الخوارج‏)‏ وهو أنهم يرون أن أصحاب الكبائر يخلدون في النار، ولا يخرج منها من دخلها‏.‏ ‏(‏ثم نخرج على الناس‏)‏ أي مظهرين مذهب الخوارج وندعو إليه ونحث عليه‏.‏ ‏(‏زعم‏)‏ زعم هنا بمعنى قال‏.‏ ‏(‏عيدان السماسم‏)‏ هو جمع سمسم، وهو هذا السمسم المعروف الذي يستخرج منه السيرج‏.‏ وفي النهاية‏:‏ معناه، والله أعلم، أن السماسم جمع سمسم‏.‏ وعيدانه تراها، إذا قلعت وتركت في الشمس ليؤخذ حبها، دقاقا سوداء كأنها محترقة‏.‏ فشبه بها هؤلاء‏.‏ قال‏:‏ وطالما تطلبت هذه اللفظة وسألت عنها فلم أجد فيها شافيا‏.‏ قال‏:‏ وما أشبه أن تكون اللفظة محرفة، وربما كانت عيدان الساسم، وهو خشب أسود كالأبنوس اهـ‏.‏ وأما القاضي عياض فقال‏:‏ لا يعرف معنى السماسم هنا‏.‏ قال‏:‏ ولعل صوابه عيدان الساسم، وهو أشبه، وهو عود أسود، وقيل‏:‏ هو الأبنوس‏.‏ قال النووي‏:‏ والمختار أنه السمسم‏.‏ ‏(‏كأنهم القراطيس‏)‏ القراطيس جمع قرطاس، بكسر القاف وضمها، لغتان‏.‏ وهو الصحيفة التي يكتب فيها‏.‏ شبههم بالقراطيس لشدة بياضهم، بعد اغتسالهم وزوال ما كان عليهم من السواد‏.‏ ‏(‏أترون الشيخ يكذب‏)‏ يعني بالشيخ جابر بن عبدالله رضي الله عنه‏.‏ وهو استفهام إنكار وجحد‏.‏ أي لا يظن به الكذب بلا شك‏.‏ ‏(‏فرجعنا‏.‏ فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد‏)‏ معناه رجعنا من حجنا ولم نتعرض لرأي الخوارج بل كففنا عنه وتبنا منه‏.‏ إلا رجلا منا‏.‏ فإنه لم يوافقنا في الانكفاف عنه‏.‏ ‏(‏أو كما قال‏)‏ هذا أدب معروف من آداب الرواة‏.‏ وهو أنه ينبغي للراوي إذا روى بالمعنى، أن يقول، عقب روايته‏:‏ أو كما قال‏.‏ احتياطا وخوفا من تغيير حصل‏]‏‏.‏
321- ‏(‏192‏)‏ حدثنا هداب بن خالد الأزدي‏.‏ حدثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران وثابت، عن أنس بن مالك؛
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏يخرج من النار أربعة فيعرضون على الله‏.‏ فيلتفت أحدهم فيقول‏:‏ أي رب‏!‏ إذ أخرجتني منها فلا تعدني فيها‏.‏ فينجيه الله منها‏"‏‏.‏
322 - ‏(‏193‏)‏ حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري، ومحمد بن عبيد الغبري ‏(‏واللفظ لأبي كامل‏)‏‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا أبو عوانة عن قتادة، عن أنس بن مالك؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك ‏(‏وقال ابن عبيد‏:‏ فيلهمون لذلك‏)‏ فيقولون‏:‏ لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا‏!‏ قال فيأتون آدم صلى الله عليه وسلم فيقولون‏:‏ أنت آدم أبو الخلق‏.‏ خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه‏.‏ وأمر الملائكة فسجدوا لك‏.‏ اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا‏.‏ فيقول‏:‏ لست هنا كم‏.‏ فيذكر خطيئته التي أصاب‏.‏ فيستحي ربه منها‏.‏ ولكن ائتوا نوحا‏.‏ أول رسول بعثه الله‏.‏ قال فيأتون نوحا صلى الله عليه وسلم‏.‏ فيقول‏:‏ لست هنا كم‏.‏ فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحي ربه منها‏.‏ ولكن ائتوا إبراهيم صلى الله عليه وسلم الذي اتخذه الله خليلا‏.‏ فيأتون إبراهيم صلى الله عليه وسلم فيقول‏:‏ لست هناكم‏.‏ ويذكر خطيئته التي أصاب فيستحي ربه منها‏.‏ ولكن ائتوا موسى صلى الله عليه وسلم‏.‏ الذي كلمه الله وأعطاه التوراة‏.‏ قال فيأتون موسى عليه السلام‏.‏ فيقول‏:‏ لست هنا كم‏.‏ ويذكر خطيئته التي أصاب فيستحي ربه منها‏.‏ ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته‏.‏ فيأتون عيسى روح الله وكلمته‏.‏ فيقول‏:‏ لست هنا كم‏.‏ ولكن ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم‏.‏ عبدا قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‏"‏‏.‏ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فيأتوني‏.‏ فأستأذن على ربي فيؤذن لي‏.‏ فإذا أنا رأيته وقعت ساجدا‏.‏ فيدعني ما شاء الله‏.‏ فيقال‏:‏ يا محمد‏!‏ ارفع رأسك‏.‏ قل تسمع‏.‏ سل تعطه‏.‏ اشفع تشفع‏.‏ فأرفع رأسي‏.‏ فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه ربي‏.‏ ثم أشفع‏.‏ فيحد لي حدا فأخرجهم من النار، وأدخلهم الجنة‏.‏ ثم أعود فأقع ساجدا‏.‏ فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال‏:‏ ارفع رأسك يا محمد‏!‏ قل تسمع‏.‏ سل تعطه‏.‏ اشفع تشفع‏.‏ فأرفع رأسي‏.‏ فأحمد ربي‏.‏ بتحميد يعلمنيه‏.‏ ثم أشفع‏.‏ فيحد لي حدا فأخرجهم من النار، وأدخلهم الجنة‏.‏ ‏(‏قال فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة قال‏)‏ فأقول‏:‏ يا رب‏!‏ ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود‏"‏ ‏(‏قال ابن عبيد في روايته‏:‏ قال قتادة‏:‏ أي وجب عليه الخلود‏)‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏فيهتمون وفي رواية فيلهمون‏)‏ معنى اللفظتين متقارب‏.‏ فمعنى الأولى أنهم يعتنون بسؤال الشفاعة وزوال الكرب الذي هم فيه‏.‏ ومعنى الثانية أن الله تعالى يلهمهم سؤال ذلك‏.‏ والإلهام أن يلقي الله تعالى في النفس أمرا يحمل على فعل الشيء أو تركه‏.‏ ‏(‏لست هنا كم‏)‏ معناه لست أهلا لذلك‏.‏ ‏(‏خليلا‏)‏ قال ابن الأنباري‏:‏ الخليل معناه المحب الكامل المحبة، والمحبوب الموفي بحقيقة المحبة‏.‏ اللذان ليس في حبهما نقص ولا خلل‏]‏‏.‏
323 - ‏(‏193‏)‏ وحدثنا محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد، عن قتادة، عن أنس؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏يجتمع المؤمنون يوم القيامة‏.‏ فيهتمون بذلك ‏(‏أو يلهمون ذلك‏)‏‏"‏ بمثل حديث أبي عوانة‏.‏ وقال في الحديث ‏"‏ثم آتيه الرابعة ‏(‏أو أعود الرابعة‏)‏ فأقول‏:‏ يا رب‏!‏ ما بقي إلا من حبسه القرآن‏"‏‏.‏
324 - ‏(‏193‏)‏ حدثنا محمد بن المثنى‏.‏ حدثنا معاذ بن هشام‏.‏ قال‏:‏ حدثني أبي عن قتادة، عن أنس بن مالك؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏يجمع الله المؤمنين يوم القيامة فيلهمون لذلك‏"‏ بمثل حديثهما‏.‏ وذكر في الرابعة ‏"‏فأقول‏:‏ يا رب‏!‏ ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن‏.‏ أي وجب عليه الخلود‏"‏‏.‏
325 - ‏(‏193‏)‏ وحدثنا محمد بن منهال الضرير‏.‏ حدثنا يزيد بن زريع‏.‏ حدثنا سعيد بن أبي عروبة وهشام صاحب الدستوائي، عن قتادة، عن أنس بن مالك؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ ح وحدثني أبو غسان المسمعي ومحمد بن المثنى‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا معاذ، وهو ابن هشام، قال‏:‏ حدثني أبي عن قتادة‏.‏ حدثنا أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏يخرج من النار من قال‏:‏ لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة‏.‏ ثم يخرج من النار من قال‏:‏ لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة‏.‏ ثم يخرج من النار من قال‏:‏ لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة‏"‏‏.‏ زاد ابن منهال في روايته‏:‏ قال يزيد‏:‏ فلقيت شعبة فحدثته بالحديث‏.‏ فقال شعبة‏:‏ حدثنا به قتادة عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث‏.‏ إلا أن شعبة جعل، مكان الذرة، ذرة‏.‏ قال يزيد‏:‏ صحف فيها أبو بسطام‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ما يزن ذرة‏)‏ المراد بالذرة الواحدة من الذر‏.‏ وهو الحيوان المعروف الصغير من النمل‏.‏ ومعنى يزن أي يعدل‏]‏‏.‏
326 - ‏(‏193‏)‏ حدثنا أبو الربيع العتكي‏.‏ حدثنا حماد بن زيد‏.‏ حدثنا معبد بن هلال العنزي‏.‏ ح وحدثناه سعيد بن منصور ‏(‏واللفظ له‏)‏ حدثنا حماد بن زيد‏.‏ حدثنا معبد بن هلال العنزي‏.‏ قال‏:‏
انطلقنا إلى أنس بن مالك وتشفعنا بثابت‏.‏ فانتهينا إليه وهو يصلي الضحى‏.‏ فاستأذن لنا ثابت‏.‏ فدخلنا عليه‏.‏ وأجلس ثابتا معه على سريره‏.‏ فقال له‏:‏ يا أبا حمزة‏!‏ إن إخوانك من أهل البصرة يسألونك أن تحدثهم حديث الشفاعة‏.‏ قال‏:‏ حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض‏.‏ فيأتون آدم فيقولون له‏:‏ اشفع لذريتك‏.‏ فيقول‏:‏ لست لها‏.‏ ولكن عليكم بإبراهيم عليه السلام‏.‏ فإنه خليل الله‏.‏ فيأتون إبراهيم‏.‏ فيقول‏:‏ لست لها‏.‏ ولكن عليكم بموسى عليه السلام‏.‏ فإنه كليم الله‏.‏ فيؤتي موسى فيقول‏:‏ لست لها‏.‏ ولكن عليكم بعيسى عليه السلام‏.‏ فإنه روح الله وكلمته‏.‏ فيؤتي عيسى‏.‏ فيقول‏:‏ لست لها‏.‏ ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ فأوتي فأقول‏:‏ أنا لها‏.‏ فأنطلق فأستأذن على ربي‏.‏ فيؤذن لي‏.‏ فأقوم بين يديه‏.‏ فأحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن‏.‏ يلهمينه الله‏.‏ ثم أخر له ساجدا‏.‏ فيقال لي‏:‏ يا محمد‏!‏ ارفع رأسك‏.‏ وقل يسمع لك‏.‏ وسل تعطه‏.‏ واشفع تشفع‏.‏ فأقول‏:‏ رب‏!‏ أمتي‏.‏ أمتي‏.‏ فيقال‏:‏ انطلق‏.‏ فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها‏.‏ فأنطلق فأفعل‏.‏ ثم أرجع إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا‏.‏ فيقال لي‏:‏ يا محمد‏!‏ ارفع رأسك‏.‏ وقل يسمع لك‏.‏ وسل تعطه‏.‏ واشفع تشفع‏.‏ فأقول‏:‏ أمتي‏.‏ أمتي‏.‏ فيقال لي‏:‏ فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها‏.‏ فأنطلق فأفعل‏.‏ ثم أعود إلى ربي فأحمده بتلك المحامد‏.‏ ثم أخر له ساجدا‏.‏ فيقال لي‏:‏ يا محمد‏!‏ ارفع رأسك وقل يسمع لك‏.‏ وسل تعطه‏.‏ واشفع تشفع فأقول‏:‏ يا رب‏!‏ أمتي‏.‏ أمتي‏.‏ فيقال لي‏:‏ انطلق‏.‏ فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار‏.‏ فأنطلق فأفعل‏"‏‏.‏ هذا حديث أنس الذي أنبأنا به‏.‏ فخرجنا من عنده‏.‏ فلما كنا بظهر الجبان قلنا‏:‏ لو ملنا إلى الحسن فسلمنا عليه، وهو مستخف في دار خليفة‏.‏ قال فدخلنا عليه فسلمنا عليه‏.‏ فقلنا‏:‏ يا أبا سعيد‏!‏ جئنا من عند أخيك أبي حمزة‏.‏ فلم نسمع مثل حديث حدثناه في الشفاعة‏.‏ قال‏:‏ هيه‏!‏ فحدثناه الحديث‏.‏ فقال‏:‏ هيه‏!‏ قلنا‏:‏ ما زادنا‏.‏ قال‏:‏ قد حدثنا به منذ عشرين سنة وهو يومئذ جميع ولقد ترك شيئا ما أدري أنسي الشيخ أو كره أن يحدثكم فتتكلوا‏.‏ قلنا له‏:‏ حدثنا‏.‏ فضحك وقال‏:‏ خلق الإنسان من عجل‏.‏ ما ذكرت لكم هذا إلا وأنا أريد أن أحدثكموه‏.‏ ‏"‏ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد‏.‏ ثم أخر له ساجدا‏.‏ فيقال لي‏:‏ يا محمد‏!‏ ارفع رأسك‏.‏ وقل يسمع لك‏.‏ وسل تعط‏.‏ واشفع تشفع‏.‏ فأقول‏:‏ يا رب‏!‏ ائذن لي فيمن قال‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏ قال‏:‏ ليس ذاك لك ‏(‏أو قال ليس ذاك إليك‏)‏ ولكن، وعزتي‏!‏ وكبريائي‏!‏ وعظمتي‏!‏ وجبريائي‏!‏ لأخرجن من قال‏:‏ لا إله إلا الله‏"‏‏.‏
قال فأشهد على الحسن أنه حدثنا به أنه سمع أنس بن مالك، أراه قال قبل عشرين سنة، وهو يومئذ جميع‏.‏
‏[‏ش ‏(‏الجبان‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ الجبان والجبانة هما الصحراء‏.‏ ويسمى بهما المقابر‏.‏ لأنها تكون في الصحراء‏.‏ وهو من تسمية الشيء باسم موضعه‏.‏ وقوله‏:‏ بظهر الجبان أي بظاهره وأعلاها المرتفع منها‏.‏ ‏(‏هيه‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ يقال في استزادة الحديث‏:‏ إيه‏.‏ ويقال‏:‏ هيه، بالهاء، بدل الهمزة‏.‏ قال الجوهري‏:‏ إيه اسم سمي به الفعل لأن معناه الأمر‏.‏ تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل‏:‏ إيه‏.‏ قال ابن السكيت‏:‏ فإن وصلت نونت فقلت إيه حديثا‏.‏ قال ابن السري‏:‏ إذا قلت‏:‏ إيه فإنما تأمره بأن يزيدك من الحديث المعهود بينكما، كأنك قلت‏:‏ هات الحديث‏.‏ وإن قلت إيه، بالتنوين، كأنك قلت‏:‏ هات حديثا ما‏.‏ لأن التنوين تنكير‏.‏ ‏(‏جميع‏)‏ معناه مجتمع القوة والحفظ‏.‏ ‏(‏وجبريائي‏)‏ أي عظمتي وسلطاني وقهري‏]‏‏.‏
327 - ‏(‏194‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبدالله بن نمير ‏(‏واتفقا في سياق الحديث، إلا ما يزيد أحدهما من الحرف بعد الحرف‏)‏ قالا‏:‏ حدثنا محمد بن بشر‏.‏ حدثنا أبو حيان عن أبي زرعة، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بلحم‏.‏ فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه‏.‏ فنهس منها نهسة فقال ‏"‏أنا سيد الناس يوم القيامة‏.‏ وهل تدرون بما ذاك‏؟‏ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد‏.‏ فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر‏.‏ وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب مالا يطيقون‏.‏ ومالا يحتملون‏.‏ فيقول بعض الناس لبعض‏:‏ ألا ترون ما أنتم فيه‏؟‏ ألا ترون ما قد بلغكم‏؟‏ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم‏؟‏ فيقول بعض الناس لبعض‏:‏ ائتوا آدم‏.‏ فيأتون آدم‏.‏ فيقولون‏:‏ يا آدم‏!‏ أنت أبو البشر‏.‏ خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك‏.‏ اشفع لنا في ربك‏.‏ ألا ترى إلى ما نحن فيه‏؟‏ ألا ترى إلى ما قد بلغنا‏؟‏ فيقول آدم‏:‏ إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله‏.‏ ولن يغضب بعده مثله‏.‏ وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته‏.‏ نفسي‏.‏ نفسي‏.‏ اذهبوا إلى غيري‏.‏ اذهبوا إلى غيري‏.‏ اذهبوا إلى نوح‏.‏ فيأتون نوحا فيقولون‏:‏ يا نوح‏!‏ أنت أول الرسل إلى الأرض‏.‏ وسماك الله عبدا شكورا‏.‏ اشفع لنا إلى ربك‏.‏ ألا ترى ما نحن فيه‏؟‏ ألا ترى ما قد بلغنا‏؟‏ فيقول لهم‏:‏ إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله‏.‏ وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي‏.‏ نفسي‏.‏ نفسي‏.‏ اذهبوا إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم‏.‏ فيأتون إبراهيم فيقولون‏:‏ أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض‏.‏ اشفع لنا إلى ربك‏.‏ ألا ترى إلى ما نحن فيه‏؟‏ ألا ترى إلى ما قد بلغنا‏؟‏ فيقول لهم إبراهيم‏:‏ إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله‏.‏ وذكر كذباته‏.‏ نفسي‏.‏ نفسي‏.‏ اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى‏.‏ فيأتون موسى صلى الله عليه وسلم فيقولون‏:‏ يا موسى أنت رسول الله‏.‏ فضلك الله، برسالاته وبتكليمه، على الناس‏.‏ اشفع لنا إلى ربك‏.‏ ألا ترى إلى ما نحن فيه‏؟‏ ألا ترى ما قد بلغنا‏؟‏ فيقول لهم موسى صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله‏.‏ وإني قتلت نفسا لم أومر بقتلها‏.‏ نفسي‏.‏ نفسي‏.‏ اذهبوا إلى عيسى صلى الله عليه وسلم‏.‏ فيأتون عيسى فيقولون‏:‏ يا عيسى‏!‏ أنت رسول الله، وكلمت الناس في المهد، وكلمة منه ألقاها إلى مريم، وروح منه‏.‏ فاشفع لنا إلى ربك‏.‏ ألا ترى ما نحن فيه‏؟‏ ألا ترى ما قد بلغنا‏؟‏ فيقول لهم عيسى صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله‏.‏ ولم يذكر له ذنبا‏.‏ نفسي‏.‏ نفسي‏.‏ اذهبوا إلى غيري‏.‏ اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ فيأتوني فيقولون‏:‏ يا محمد‏!‏ أنت رسول الله وخاتم الأنبياء‏.‏ وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏.‏ اشفع لنا إلى ربك‏.‏ ألا ترى ما نحن فيه‏؟‏ ألا ترى ما قد بلغنا‏؟‏ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي‏.‏ ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي‏.‏ ثم يقال‏:‏ يا محمد‏!‏ ارفع رأسك‏.‏ سل تعطه‏.‏ اشفع تشفع‏.‏ فأرفع رأسي فأقول‏:‏ يا رب‏!‏ أمتي‏.‏ أمتي‏.‏ فيقال‏:‏ يا محمد‏!‏ أدخل الجنة من أمتك، من لا حساب عليه، من الباب الأيمن من أبواب الجنة‏.‏ وهو شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب‏.‏ والذي نفس محمد بيده‏!‏ إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر‏.‏ أو كما بين مكة وبصرى‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏فنهس‏)‏ بمعنى أخذ بأطراف أسنانه‏.‏ ‏(‏في صعيد واحد‏)‏ الصعيد هو الأرض الواسعة المستوية‏.‏ ‏(‏وينفذهم البصر‏)‏ قال الكسائي‏:‏ يقال نفذني بصره إذا بلغني وجاوزني‏.‏ قال ويقال‏:‏ أنفذت القوم إذا خرقتهم ومشيت في وسطهم‏.‏ فإن جزتهم حتى تخلفتهم قلت نفذتهم بغير ألف‏.‏ ومعناه‏:‏ ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى يأتي عليهم كلهم‏.‏ وقال صاحب المطالع‏:‏ معناه أنه يحيط بهم الناظر، لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض‏.‏ أي ليس فيها ما يستتر به أحد عن الناظرين‏.‏ ‏(‏شركاء الناس‏)‏ يعني أنهم لا يمنعون من سائر الأبواب‏.‏ ‏(‏إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة‏)‏ المصراعان جانبا الباب‏.‏ ‏(‏هجر‏)‏ هجر مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد البحرين‏.‏ قال الجوهري في صحاحه‏:‏ هجر اسم بلد مذكر مصروف والنسبة إليه هاجري‏.‏ قال النووي‏:‏ وهجر هذه غير هجر المذكورة في حديث ‏"‏إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر‏"‏ تلك قرية من قرى المدينة كانت القلال تصنع بها‏.‏ وهي غير مصروفة‏.‏ ‏(‏وبصرى‏)‏ بصرى مدينة معروفة بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل‏]‏‏.‏
328 - ‏(‏194‏)‏ وحدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
وضعت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة من ثريد ولحم‏.‏ فتناول الذراع‏.‏ وكانت أحب الشاة إليه‏.‏ فنهس نهسة فقال ‏"‏أنا سيد الناس يوم القيامة‏"‏ ثم نهس أخرى فقال ‏"‏أنا سيد الناس يوم القيامة‏"‏ فلما رأي أصحابه لا يسألونه قال ‏"‏ألا تقولون كيفه‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ كيفه يا رسول الله‏؟‏ قال ‏"‏قال ‏"‏يقوم الناس لرب العالمين‏"‏ وساق الحديث بمعنى حديث أبي حيان عن أبي زرعة‏.‏ وزاد في قصة إبراهيم فقال‏.‏ وذكر قوله في الكوكب‏:‏ هذا ربي‏.‏ وقوله لآلهتهم‏:‏ بل فعله كبيرهم هذا‏.‏ وقوله‏:‏ إني سقيم‏.‏ ‏"‏والذي نفس محمد بيده‏!‏ إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة إلى عضادتي الباب لكما بين مكة وهجر أو هجر ومكة قال ‏:‏ لا أدري أي ذلك قال ‏.‏ ‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏كيفه‏)‏ هذه الهاء هي هاء السكت‏.‏ تلحق في الوقف‏.‏ أما قول الصحابة‏:‏ كيفه يا رسول الله فإنهم قصدوا إتباع لفظ النبي صلى الله عليه وسلم الذي حثهم عليه‏.‏ ‏(‏عضادتي الباب‏)‏ قال الجوهري‏:‏ عضادتا الباب هما خشبتاه من جانبيه‏]‏‏.‏
329 - ‏(‏195‏)‏ حدثنا محمد بن طريف بن خليفة البجلي‏.‏ حدثنا محمد بن فضيل‏.‏ حدثنا أبو مالك الأشجعي عن أبي حازم، عن أبي هريرة‏.‏ وأبو مالك عن ربعي، عن حذيفة؛ قالا‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏يجمع الله تبارك وتعالى الناس‏.‏ فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة‏.‏ فيأتون آدم فيقولون‏:‏ يا أبانا استفتح لنا الجنة‏.‏ فيقول‏:‏ وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم‏!‏ لست بصاحب ذلك‏.‏ اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله‏.‏ قال فيقول إبراهيم‏:‏ لست بصاحب ذلك‏.‏ إنما كنت خليلا من وراء وراء‏.‏ اعمدوا إلى موسى صلى الله عليه وسلم الذي كلمه الله تكليما‏.‏ فيأتون موسى صلى الله عليه وسلم فيقول‏:‏ لست بصاحب ذلك‏.‏ اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه‏.‏ فيقول عيسى صلى الله عليه وسلم‏:‏ لست بصاحب ذلك‏.‏ فيأتون محمدا صلى الله عليه وسلم‏.‏ فيقوم فيؤذن له‏.‏ وترسل الأمانة والرحم‏.‏ فتقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا‏.‏ فيمر أولكم كالبرق‏"‏ قال قلت‏:‏ بأبي أنت وأمي‏!‏ أي شيء كمر البرق‏؟‏ قال ‏"‏ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين‏؟‏ ثم كمر الريح‏.‏ ثم كمر الطير وشد الرجال‏.‏ تجري بهم أعمالهم‏.‏ ونبيكم قائم على الصراط يقول‏:‏ رب‏!‏ سلم سلم‏.‏ حتى تعجز أعمال العباد‏.‏ حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا‏.‏ قال وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة‏.‏ مأمورة بأخذ من أمرت به‏.‏ فمخدوش ناج ومكدوس في النار‏"‏‏.‏ والذي نفس أبي هريرة بيده‏!‏ إن قعر جهنم لسبعون خريفا‏.‏
‏[‏ش ‏(‏تزلف‏)‏ أي تقرب‏.‏ كما قال الله تعالى‏:‏ وأزلفت الجنة للمتقين، أي قربت‏.‏ ‏(‏من وراء وراء‏)‏ قال الإمام النووي‏:‏ قد أفادني هذا الحرف الشيخ الإمام أبو عبدالله محمد بن أمية أدام الله نعمة عليه وقال‏:‏ الفتح صحيح‏.‏ وتكون الكلمة مؤكدة كشذر مذر وشغر بغر وسقطوا بين بين‏.‏ فركبهما وبناهما على الفتح‏.‏ ‏(‏وترسل الأمانة والرحم‏)‏ إرسال الأمانة والرحم لعظم أمرهما وكثير موقعهما‏.‏ فتصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله تعالى‏.‏ ‏(‏جنبتي الصراط‏)‏ معناهما جانباه، ناحيتاه اليمنى واليسرى‏.‏ ‏(‏وشد الرجال‏)‏ الشد هو العدو البالغ والجري‏.‏ ‏(‏تجري بهم أعمالهم‏)‏ هو تفسير لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فيمر أولكم كالبرق ثم كمر الريح إلى آخره‏.‏ ‏(‏حافتي الصراط ‏)‏هما جانباه‏.‏ ‏(‏ومكدوس‏)‏ قال في النهاية‏:‏ أي مدفوع‏.‏ وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط‏.‏
(‏85‏)‏ باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏أنا أول الناس يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعا‏"‏
330 - ‏(‏196‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم‏.‏ قال قتيبة‏:‏ حدثنا جرير عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أنا أول الناس يشفع في الجنة‏.‏ وأنا أكثر الأنبياء تبعا‏"‏‏.‏
331- ‏(‏196‏)‏ وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء‏.‏ حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان، عن مختار بن فلفل، عن أنس بن مالك؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة‏.‏ وأنا أول من يقرع باب الجنة‏"‏‏.‏
32- ‏(‏196‏)‏ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا حسين بن علي عن زائدة، عن المختار بن فلفل؛ قال‏:‏
قال أنس بن مالك‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏أنا أول شفيع في الجنة‏.‏ لم يصدق نبي من الأنبياء ما صدقت‏.‏ وإن من الأنبياء نبيا ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد‏"‏‏.‏
333- ‏(‏197‏)‏ وحدثني عمرو الناقد وزهير بن حرب، قالا‏:‏ حدثنا هاشم بن القاسم‏.‏ حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت، عن أنس بن مالك؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏آتي باب الجنة يوم القيامة‏.‏ فأستفتح‏.‏ فيقول الخازن‏:‏ من أنت‏؟‏ فأقول‏:‏ محمد‏.‏ فيقول‏:‏ بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏86‏)‏ باب اختباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة لأمته
334- ‏(‏198‏)‏ حدثني يونس بن عبدالأعلى‏.‏ أخبرنا عبدالله بن وهب‏.‏ قال‏:‏ أخبرني مالك بن أنس عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
‏"‏لكل نبي دعوة يدعوها‏.‏ فأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏لكل نبي دعوة‏)‏ معناها أن كل نبي له دعوة متيقنة الإجابة، وهو على يقين من إجابتها‏.‏ وأما باقي دعواتهم فهم على طمع من إجابتها‏.‏ وبعضها يجاب وبعضها لا يجاب‏]‏‏.‏
335 - ‏(‏198‏)‏ وحدثني زهير بن حرب وعبد بن حميد‏.‏ قال زهير‏:‏ حدثنا يعقوب بن إبراهيم‏.‏ حدثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه‏.‏ أخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن؛ أن أبا هريرة قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لكل نبي دعوة‏.‏ وأردت، إن شاء الله، أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏إن شاء الله‏)‏ هو على جهة التبرك والامتثال لقول الله تعالى‏:‏ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله‏]‏‏.‏
336 - ‏(‏198‏)‏ حدثني زهير بن حرب وعبد بن حميد‏.‏ قال زهير‏:‏ حدثنا يعقوب بن إبراهيم‏.‏ حدثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه‏.‏ حدثني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي، مثل ذلك، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
337 - ‏(‏198‏)‏ وحدثني حرملة بن يحيى‏.‏ أخبرنا ابن وهب‏.‏ أخبرني يونس عن ابن شهاب؛ أن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد ابن جارية الثقفي أخبره؛ أن أبا هريرة قال لكعب الأحبار‏:‏
إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لكل نبي دعوة يدعوها‏.‏ فأنا أريد، إن شاء الله، أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة‏"‏‏.‏ فقال كعب لأبي هريرة‏:‏ أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال أبو هريرة‏:‏ نعم‏.‏
338 - ‏(‏199‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب ‏(‏واللفظ لأبي كريب‏)‏ قالا‏:‏ حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لكل نبي دعوة مستجابة‏.‏ فتعجل كل نبي دعوته‏.‏ وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة‏.‏ فهي نائلة، إن شاء الله، من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا‏"‏‏.‏
339 - ‏(‏199‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد‏.‏ حدثنا جرير عن عمارة ‏(‏وهو ابن القعقاع‏)‏ عن أبي زرعة، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها‏.‏ فيستجاب له فيؤتاها‏.‏ وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة‏"‏‏.‏
340 - ‏(‏199‏)‏ حدثنا عبيدالله بن معاذ العنبري‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ حدثنا شعبة عن محمد ‏(‏وهو ابن زياد‏)‏ قال‏:‏
سمعت أبا هريرة يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لكل نبي دعوة دعا بها في أمته فاستجيب له‏.‏ وإني أريد، إن شاء الله، أن أؤخر دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة‏"‏‏.‏
341 - ‏(‏200‏)‏ حدثني أبو غسان المسمعي، ومحمد بن المثنى، وابن بشار حدثانا‏.‏ واللفظ لأبي غسان‏.‏ قالوا‏:‏ حدثنا معاذ ‏(‏يعنون ابن هشام‏)‏ قال‏:‏ حدثني أبي عن قتادة‏.‏ حدثنا أنس بن مالك؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏لكل نبي دعوة دعاها لأمته‏.‏ وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة‏"‏‏.‏
342 - ‏(‏200‏)‏ وحدثنيه زهير بن حرب وابن أبي خلف‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا روح‏.‏ حدثنا شعبة عن قتادة، بهذا الإسناد‏.‏
343 - ‏(‏200‏)‏ ح وحدثنا أبو كريب‏.‏ حدثنا وكيع‏.‏ ح وحدثنيه إبراهيم بن سعيد الجوهري‏.‏ حدثنا أبو أسامة، جميعا عن مسعر، عن قتادة، بهذا الإسناد‏.‏ غير أن في حديث وكيع قال‏:‏ قال ‏"‏أعطي‏"‏ وفي حديث أبي أسامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
344 - ‏(‏200‏)‏ وحدثني محمد بن عبدالأعلى‏.‏ حدثنا المعتمر عن أبيه، عن أنس؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ فذكر نحو حديث قتادة عن أنس‏.‏
345 - ‏(‏201‏)‏ وحدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف‏.‏ حدثنا روح ‏.‏ حدثنا ابن جريج‏.‏ قال‏:‏ أخبرني أبو الزبير؛ أنه سمع جابر ابن عبدالله يقول، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏لكل نبي دعوة قد دعا بها في أمته‏.‏ وخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏87‏)‏ باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه شفقة عليهم
346 - ‏(‏202‏)‏ حدثني يونس بن عبدالأعلى الصدفي‏.‏ أخبرنا ابن وهب‏.‏ قال‏:‏ أخبرني عمرو بن الحارث؛ أن بكر بن سوادة حدثه عن عبدالرحمن بن جبير، عن عبدالله بن عمرو بن العاص؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم‏:‏ ‏{‏رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني‏}‏‏[‏14/إبراهيم/ الآية-36‏]‏ الآية وقال عيسى عليه السلام‏:‏ إن تعذبهم فإنهم عبادك و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ‏[‏5/المائدة/ الآية-118‏]‏ فرفع يديه وقال ‏"‏اللهم‏!‏ أمتي أمتي‏"‏ وبكى‏.‏ فقال الله عز وجل‏:‏ يا جبريل‏!‏ اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسله ما يبكيك‏؟‏ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله‏.‏ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال‏.‏ وهو أعلم‏.‏ فقال الله‏:‏ يا جبريل‏!‏ اذهب إلى محمد فقل‏:‏ إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك‏.‏
‏[‏ش ‏(‏وقال عيسى‏)‏ قال القاضي عياض‏:‏ قال بعضهم‏:‏ قال هو اسم للقول، لا فعل‏.‏ يقال‏:‏ قال قولا وقالا وقيلا‏.‏ كأنه قال‏:‏ وتلا قول عيسى‏.‏ ‏(‏إنا سنرضيك‏)‏ هذا موافق لقول الله عز وجل‏:‏ ولسوف يعطيك ربك فترضى‏.‏‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏88‏)‏ باب بيان أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين
347- ‏(‏203‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا عفان‏.‏ حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس؛ أن رجلا قال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أين أبي‏؟‏ قال ‏"‏في النار‏"‏ فلما قفى دعاه فقال ‏"‏إن أبي وأباك في النار‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏فلما قفى‏)‏ قال في النهاية‏:‏ أي ذهب موليا‏.‏ وكأنه من القفا‏.‏ أي أعطاه قفاه وظهره‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏89‏)‏ باب في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأنذر عشيرتك الأقربين‏}‏
348 - ‏(‏204‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد وزهير بن حرب‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا جرير عن عبدالملك بن عمير، عن موسى بن طلحة، عن أبي هريرة؛ قال‏:‏
لما أنزلت هذه الآية‏:‏‏{‏وأنذر عشيرتك الأقربين‏}‏ ‏[‏26/الشعراء/ الآية-214‏]‏ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا‏.‏ فاجتمعوا‏.‏ فعم وخص‏.‏ فقال ‏"‏يا بني كعب بن لؤي‏!‏ أنقذوا أنفسكم من النار‏.‏ يا بني مرة بن كعب‏!‏ أنقذوا أنفسكم من النار‏.‏ يا بني عبد شمس‏!‏ أنقذوا أنفسكم من النار‏.‏ يا بني عبد مناف‏!‏ أنقذوا من النار‏.‏ يا بني هاشم‏!‏ أنقذوا أنفسكم من النار‏.‏ يا بني عبدالمطلب‏!‏ أنقذوا أنفسكم من النار‏.‏ يا فاطمة‏!‏ أنقذي نفسك من النار‏.‏ فإني لا أملك لكم من الله شيئا‏.‏ غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏فإني لا أملك لكم‏)‏ معناه لا تتكلوا على قرابتي، فإني لا أقدر على دفع مكروه يريده الله تعالى بكم‏.‏ ‏(‏سأبلها ببلالها‏)‏ بفتح الباء الثانية وكسرها‏.‏ وهما وجهان مشهوران‏.‏ ذكرهما جماعات من العلماء‏.‏ والبلال الماء‏.‏ ومعنى الحديث سأصلها‏.‏ شبهت قطيعة الرحم بالحرارة، ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة‏.‏ ومنه‏:‏ بلوا أرحامكم‏.‏ أي صلوها‏]‏‏.‏
349- ‏(‏204‏)‏ وحدثنا عبيدالله بن عمر القواريري‏.‏ حدثنا أبو عوانة عن عبدالملك بن عمير، بهذا الإسناد‏.‏ وحديث جرير أتم وأشبع‏.‏
350 - ‏(‏205‏)‏ حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير‏.‏ حدثنا وكيع ويونس بن بكير‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة؛ قالت‏:‏ لما نزلت‏:‏ ‏{‏وأنذر عشيرتك الأقربين‏}‏ ‏[‏26/الشعراء/ الآية-214‏]‏ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فقال ‏"‏يا فاطمة بنت محمد‏!‏ يا صفية بنت عبدالمطلب‏!‏ يا بني عبدالمطلب‏!‏ لا أملك لكم من الله شيئا‏.‏ سلوني من مالي ما شئتم‏"‏‏.‏
351- ‏(‏206‏)‏ وحدثني حرملة بن يحيى‏.‏ أخبرنا ابن وهب‏.‏ قال‏:‏ أخبرني يونس عن ابن شهاب؛ قال‏:‏ أخبرني ابن المسيب وأبو سلمة بن عبدالرحمن؛ أن أبا هريرة قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه‏:‏ ‏{‏وأنذر عشيرتك الأقربين‏}‏ ‏[‏26/الشعراء/ الآية-214‏]‏ ‏"‏يا معشر قريش‏!‏ اشتروا أنفسكم من الله‏.‏ لا أغني عنكم من الله شيئا‏.‏ يا بني عبدالمطلب‏!‏ لا أغني عنكم من الله شيئا‏.‏ يا عباس بن عبدالمطلب‏!‏ لا أغني عنك من الله شيئا‏.‏ يا صفية عمة رسول الله‏!‏ لا أغني عنك من الله شيئا‏.‏ يا فاطمة بنت رسول الله‏!‏ سليني بما شئت‏.‏ لا أغني عنك من الله شيئا‏"‏‏.‏
352 - ‏(‏206‏)‏ وحدثني عمرو الناقد‏.‏ حدثنا معاوية بن عمرو‏.‏ حدثنا زائدة‏.‏ حدثنا عبدالله بن ذكوان عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحو هذا‏.‏
353 - ‏(‏207‏)‏ حدثنا أبو كامل الجحدري‏.‏ حدثنا يزيد بن زريع‏.‏ حدثنا التيمي عن أبي عثمان، عن قبيصة بن المخارق، وزهير ابن عمرو؛
قالا‏:‏ لما نزلت‏:‏ ‏{‏وأنذر عشيرتك الأقربين‏}‏ ‏[‏26/الشعراء/ الآية-214‏]‏ قال انطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى رضمة من جبل‏.‏ فعلا أعلاها حجرا‏.‏ ثم نادى ‏"‏يا بني عبد منافاه‏!‏ إني نذير‏.‏ إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربأ أهله‏.‏ فخشي أن يسبقوه فجعل يهتف‏:‏ يا صباحاه‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏رضمة‏)‏ قال صاحب العين‏:‏ الرضمة حجارة مجتمعة ليست بثابتة في الأرض كأنها منثورة‏.‏ ‏(‏فعلا أعلاها حجرا‏)‏ أي فرقى في أرفعها‏.‏ ‏(‏يربأ‏)‏ على وزن يقرأ‏.‏ معناه يحفظهم ويتطلع لهم‏.‏ ويقال لفاعل ذلك‏:‏ ربيئة‏.‏ وهو العين والطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم العدو‏.‏ ولا يكون في الغالب إلا على جبل أو شرف أو شيء مرتفع لينظر إلى بعد‏.‏ ‏(‏يهتف‏)‏ معناه يصيح ويصرخ‏.‏ ‏(‏يا صباحاه‏)‏ كلمة يعتادونها عند وقوع أمر عظيم، فيقولونها ليجتمعوا ويتأهبوا له‏]‏‏.‏
354 - ‏(‏207‏)‏ وحدثنا محمد بن عبدالأعلى‏.‏ حدثنا المعتمر عن أبيه‏.‏ حدثنا أبو عثمان عن زهير بن عمرو وقبيصة بن مخارق، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه‏.‏
355 - ‏(‏208‏)‏ وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء‏.‏ حدثنا أبو أسامة عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ قال‏:‏ لما نزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏وأنذر عشيرتك الأقربين‏}‏ ‏[‏26/الشعراء/ الآية-214‏]‏ ورهطك منهم المخلصين‏.‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا‏.‏ فهتف ‏"‏يا صباحاه‏!‏‏"‏ فقالوا‏:‏ من هذا الذي يهتف‏؟‏ قالوا‏:‏ محمد‏.‏ فاجتمعوا إليه، فقال ‏"‏يا بني فلان‏!‏ يا بني فلان‏!‏ يا بني فلان‏!‏ يا بني عبد مناف‏!‏ يا بني عبدالمطلب‏!‏‏"‏ فاجتمعوا إليه فقال ‏"‏أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ ما جربنا عليك كذبا‏.‏ قال ‏"‏فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد‏"‏‏.‏ قال فقال أبو لهب‏:‏ تبا لك‏!‏ أما جمعتنا إلا لهذا‏؟‏ ثم قام‏.‏ فنزلت هذه السورة‏:‏ ‏{‏تبت يدا أبي لهب و قد تب‏}‏ ‏[‏111/المسد/ الآية-1‏]‏‏.‏ كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة‏.‏
‏[‏ش ‏(‏ورهطك منهم المخلصين‏)‏ قال الإمام النووي‏:‏ الظاهر أن هذا كان قرآنا أنزل ثم نسخت تلاوته‏.‏ ولم تقع هذه الزيادة في روايات البخاري‏.‏ ‏(‏بسفح‏)‏ سفح الجبل هو أسفله، وقيل‏:‏ عرضه‏.‏ ‏(‏تبت يدا أبي لهب‏)‏ قال الراغب‏:‏ التب والتباب الاستمرار في الخسران‏.‏ وتبت يدا أبي لهب أي استمرت في خسرانه‏.‏ ‏(‏تب‏)‏ قال النووي‏:‏ معنى تب خسر‏.‏ ‏(‏كذا قرأ الأعمش‏)‏ معناه أن الأعمش زاد لفظه قد بخلاف القراءة المشهورة‏]‏‏.‏
356 - ‏(‏208‏)‏ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب‏.‏ قالا‏:‏ حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، بهذا الإسناد‏.‏ قال‏:‏
صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا فقال ‏"‏يا صباحاه‏!‏‏"‏ بنحو حديث أبي أسامة‏.‏ ولم يذكر نزول الآية‏:‏‏{‏وأنذر عشيرتك الأقربين‏}‏‏.‏
*3* ‏(‏90‏)‏ باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه
357 - ‏(‏209‏)‏ وحدثنا عبيدالله بن عمر القواريري، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، ومحمد بن عبدالملك الأموي‏.‏ قالوا‏:‏
حدثنا أبو عوانة عن عبدالملك بن عمير، عن عبدالله بن الحارث بن نوفل، عن العباس بن عبدالمطلب؛ أنه قال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ هل نفعت أبا طالب بشيء، فإنه كان يحوطك ويغضب لك‏؟‏ قال ‏"‏نعم‏.‏ هو في ضحضاح من نار‏.‏ ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏يحوطك‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ يقال‏:‏ حاطه يحوطه حوطا وحياطة‏.‏ إذا صانه وحفظه وذب عنه وتوفر على مصالحه‏.‏ ‏(‏ضحضاح‏)‏ الضحضاح ما رق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين، واستعير في النار‏.‏ ‏(‏الدرك‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ في الدرك لغتان فصيحتان مشهورتان‏.‏ فتح الراء وإسكانها‏.‏ وقرئ بهما في القراءات السبع‏.‏ وقال أبو حاتم‏:‏ جمع الدرك، بالفتح أدراك‏.‏ كجمل وأجمال وفرس وأفراس‏.‏ وجمع الدرك، بالإسكان، أدرك، كفلس وأفلس‏.‏ أما معناه فقال جميع أهل اللغة والمعاني والغريب وجماهير المفسرين‏:‏ الدرك الأسفل قعر جهنم، وأقصى أسفلها‏.‏ قالوا‏:‏ ولجهنم أدراك، فكل طبقة من أطباقها تسمى دركا‏]‏‏.‏
358 - ‏(‏209‏)‏ حدثنا ابن أبي عمر‏.‏ حدثنا سفيان عن عبدالملك بن عمير، عن عبدالله بن الحارث؛ قال‏:‏
سمعت العباس يقول‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك‏.‏ فهل نفعه ذلك‏؟‏ قال ‏"‏نعم‏.‏ وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏غمرات‏)‏ واحدتها غمرة، وهي المعظم من الشيء‏]‏‏.‏
359 - ‏(‏209‏)‏ وحدثنيه محمد بن حاتم‏.‏ حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان‏.‏ قال‏:‏ حدثني عبدالملك بن عمير‏.‏ قال‏:‏ حدثني عبدالله بن الحارث‏.‏ قال‏:‏ أخبرني العباس بن عبدالمطلب‏.‏ ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا وكيع عن سفيان، بهذا الإسناد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحو حديث أبي عوانة‏.‏
360 - ‏(‏210‏)‏ وحدثنا قتيبة بن سعيد‏.‏ حدثنا ليث عن ابن الهاد، عن عبدالله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب‏.‏ فقال ‏"‏لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة‏.‏ فيجعل في ضحضاح من نار، يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه‏"‏‏.‏
*3* ‏(‏91‏)‏ باب أهون أهل النار عذابا
361 - ‏(‏211‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا يحيى بن أبي بكير‏.‏ حدثنا زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح، عن النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد الخدري؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏إن أدنى أهل النار عذابا، ينتعل بنعلين من نار، يغلي دماغه من حرارة نعليه‏"‏‏.‏
362 - ‏(‏212‏)‏ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا عفان‏.‏ حدثنا حماد بن سلمة‏.‏ حدثنا ثابت عن أبي عثمان النهدي، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
‏"‏أهون أهل النار عذابا أبو طالب‏.‏ وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه‏"‏‏.‏
323 - ‏(‏213‏)‏ وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار‏.‏ ‏(‏واللفظ لابن المثنى‏)‏ قالا‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر‏.‏ حدثنا شعبة‏.‏ قال‏:‏ سمعت أبا إسحاق يقول‏:‏
سمعت النعمان بن بشير يخطب وهو يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة، لرجل توضع في أخمص قدميه جمرتان، يغلي منهما دماغه‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏أخمص‏)‏ هو المتجافي من الرجل على الأرض‏]‏‏.‏
364 - ‏(‏213‏)‏ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا أبو أسامة عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن النعمان بن بشير؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار‏.‏ يغلي منهما دماغه‏.‏ كما يغلي المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا‏.‏ وإنه لأهونهم عذابا‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏شراكان‏)‏ الشراك أحد سيور النعل، وهو الذي يكون على وجهها وعلى ظهر القدم‏.‏ ‏(‏يغلي‏)‏ الغليان هو شدة اضطراب الماء ونحوه على النار لشدة اتقادها، يقال‏:‏ غلت القدر تغلي غليا وغليانا‏.‏ وأغليتها أنا‏.‏ ‏(‏المرجل‏)‏ قدر معروف‏.‏ سواء كان من حديد أو نحاس أو حجارة أو خزف‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏92‏)‏ باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل
365 - ‏(‏214‏)‏ حدثني أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا حفص بن غياث عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت؛ قلت‏:‏
يا رسول الله‏!‏ ابن جدعان‏.‏ كان في الجاهلية يصل الرحم‏.‏ ويطعم المسكين‏.‏ فهل ذاك نافعه‏؟‏ قال ‏"‏لا ينفعه‏.‏ إنه لم يقل يوما‏:‏ رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين‏"‏‏.‏
(‏93‏)‏ باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم
366 - ‏(‏215‏)‏ حدثني أحمد بن حنبل‏.‏ حدثنا محمد بن جعفر‏.‏ حدثنا شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن عمرو ابن العاص؛ قال‏:‏
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، جهارا غير سر، يقول ‏"‏ألا إن آل أبي ‏(‏يعني فلانا‏)‏ ليسوا لي بأولياء‏.‏ إنما ولي الله وصالح المؤمنين‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏يعني فلانا‏)‏ هي من بعض الرواة‏.‏ خشي أن يسميه فيترتب عليه مفسدة وفتنة‏.‏ إما في حق نفسه وإما في حقه وحق غيره‏.‏ فكنى عنه‏.‏ والغرض إنما هو قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنما ولي الله وصالح المؤمنين‏"‏ ومعناه‏:‏ إنما ولي من كان صالحا، وإن بعد نسبه مني‏.‏ وليس ولي من كان غير صالح وإن كان نسبه قريبا‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏94‏)‏ باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب
367 - ‏(‏216‏)‏ حدثنا عبدالرحمن بن سلام بن عبيدالله الجمحي‏.‏ حدثنا الربيع، يعني ابن مسلم، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
‏"‏يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفا بغير حساب‏"‏ فقال رجل‏:‏ يا رسول الله‏!‏ ادع الله أن يجعلني منهم‏.‏ قال ‏"‏اللهم‏!‏ اجعله منهم‏"‏ ثم قام آخر‏.‏ فقال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ ادع الله أن يجعلني منهم‏.‏ قال ‏"‏سبقك بها عكاشة‏"‏‏.‏
368 - ‏(‏216‏)‏ وحدثنا محمد بن بشار‏.‏ حدثنا محمد بن جعفر‏.‏ حدثنا شعبة‏.‏ قال‏:‏ سمعت محمد بن زياد قال‏:‏ سمعت أبا هريرة يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، بمثل حديث الربيع‏.‏
369 - ‏(‏216‏)‏ حدثني حرملة بن يحيى‏.‏ أخبرنا ابن وهب‏.‏ قال‏:‏ أخبرني يونس عن ابن شهاب، قال‏:‏ حدثني سعيد بن المسيب؛ أن أبا هريرة حدثه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏
يدخل من أمتي زمرة هم سبعون ألفا‏.‏ تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر‏"‏‏.‏
قال أبو هريرة‏:‏ فقام عكاشة بن محصن الأسدي، يرفع نمرة عليه‏.‏ فقال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ ادع الله أن يجعلني منهم‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏اللهم‏!‏ اجعله منهم‏"‏ ثم قام رجل من الأنصار فقال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ ادع الله أن يجعلني منهم‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏سبقك بها عكاشة‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏نمرة‏)‏ كساء فيه خطوط بيض وسود وحمر‏.‏ كأنها أخذت من جلد النمر، لاشتراكهما في التلون، وهي من مآزر العرب‏]‏‏.‏
370 - ‏(‏217‏)‏ وحدثني حرملة بن يحيى‏.‏ حدثنا عبدالله بن وهب‏.‏ أخبرني حيوة قال‏:‏ حدثني أبو يونس عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
‏"‏يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا، زمرة واحدة منهم، على صورة القمر‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏زمرة‏)‏ الزمرة الجماعة في تفرقة‏.‏ بعضها في أثر بعض‏]‏‏.‏
371 - ‏(‏218‏)‏ حدثنا يحيى بن خلف الباهلي‏.‏ حدثنا المعتمر عن هشام بن حسان، عن محمد، يعني ابن سيرين، قال‏:‏ حدثني عمران قال‏:‏ قال نبي الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب‏"‏ قالوا‏:‏ ومن هم يا رسول الله‏؟‏ قال ‏"‏هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون‏.‏ ‏.‏وعلى ربهم يتوكلون‏"‏ فقام عكاشة فقال‏:‏ ادع الله أن يجعلني منهم‏.‏ قال ‏"‏أنت منهم‏"‏ قال فقام رجل فقال‏:‏ يا نبي الله‏!‏ ادع الله أن يجعلني منهم‏.‏ قال ‏"‏سبقك بها عكاشة‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏لا يكتوون‏)‏ الاكتواء استعمال الكي في البدن‏.‏ وهو إحراق الجلد بحديدة محماة‏.‏ ‏(‏ولا يسترقون‏)‏ الاسترقاء طلب الرقية‏]‏‏.‏
372 - ‏(‏218‏)‏ حدثني زهير بن حرب‏.‏ حدثنا عبدالصمد بن عبدالوارث‏.‏ حدثنا حاجب بن عمر أبو خشينة الثقفي‏.‏ حدثنا الحكم بن الأعرج عن عمران بن حصين؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب‏"‏ قالوا‏:‏ من هم‏؟‏ يا رسول الله‏!‏ قال ‏"‏هم الذين لا يسترقون‏.‏ ولا يتطيرون ولا يكتوون‏.‏ وعلى ربهم يتوكلون‏"‏‏.‏
373 - ‏(‏219‏)‏ حدثنا قتيبة بن سعيد‏.‏ حدثنا عبدالعزيز، يعني ابن أبي حازم، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا، أو سبعمائة ألف ‏(‏لا يدري أبو حازم أيهما قال‏)‏ متماسكون‏.‏ آخذ بعضهم بعضا‏.‏ لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم‏.‏ وجوههم على صورة القمر ليلة البدر‏"‏‏.‏
374 - ‏(‏220‏)‏ حدثنا سعيد بن منصور‏.‏ حدثنا هشيم‏.‏ أخبرنا حصين بن عبدالرحمن؛ قال‏:‏
كنت عند سعيد بن جبير فقال‏:‏ أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة‏؟‏ قلت‏:‏ أنا‏.‏ ثم قلت‏:‏ أما إني لم أكن في صلاة‏.‏ ولكني لدغت‏.‏ قال‏:‏ فماذا صنعت‏؟‏ قلت‏:‏ استرقيت‏.‏ قال‏:‏ فما حملك على ذلك‏؟‏ قلت‏:‏ حديث حدثناه الشعبي‏.‏ فقال‏:‏ وما حدثكم الشعبي‏؟‏ قلت‏:‏ حدثنا عن بريدة بن حصيب الأسلمي؛ أنه قال‏:‏ لا رقية إلا من عين أو حمة‏.‏ فقال‏:‏ قد أحسن من انتهى إلى ما سمع‏.‏ ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏عرضت علي الأمم‏.‏ فرأيت النبي ومعه الرهيط‏.‏ والنبي ومعه الرجل والرجلان‏.‏ والنبي ليس معه أحد‏.‏ إذ رفع لي سواد عظيم‏.‏ فظننت أنهم أمتي‏.‏ فقيل لي‏:‏ هذا موسى صلى الله عليه وسلم وقومه‏.‏ ولكن انظر إلى الأفق‏.‏ فنظرت‏.‏ فإذا سواد عظيم‏.‏ فقيل لي‏:‏ انظر إلى الأفق الآخر‏.‏ فإذا سواد عظيم‏.‏ فقيل لي‏:‏ هذه أمتك‏.‏ ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب‏"‏‏.‏
ثم نهض فدخل منزله‏.‏ فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب‏.‏ فقال بعضهم‏:‏ فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله‏.‏ وذكروا أشياء‏.‏ فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏ما الذي تخوضون فيه‏؟‏‏"‏ فأخبروه‏.‏ فقال ‏"‏هم الذين لا يرقون‏.‏ ولا يسترقوون‏.‏ ولا يتطيرون‏.‏ وعلى ربهم يتوكلون‏"‏ فقام عكاشة بن محصن‏.‏ فقال‏:‏ ادع الله أن يجعلني منهم‏.‏ فقال ‏"‏أنت منهم‏"‏ ثم قام رجل آخر فقال‏:‏ ادع الله أن يجعلني منهم‏.‏ فقال ‏"‏سبقك بها عكاشة‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏انقض‏)‏ انقض، معناه سقط‏.‏ وأما البارحة فهي أقرب ليلة مضت‏.‏ قال ثعلب‏:‏ يقال قبل الزوال رأيت الليلة‏.‏ وبعد الزوال‏:‏ رأيت البارحة‏.‏ وهي مشتقة من برح أي زال‏.‏ ‏(‏لدغت‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ يقال؛ لدغته العقرب وذوات السموم، إذا أصابته بسمها‏.‏ وذلك بأن تأبره بشوكتها‏.‏ ‏(‏عين‏)‏ العين هي إصابة العائن غيره بعينه‏.‏ والعين حق‏.‏ ‏(‏حمة‏)‏ هي سم العقرب وشبهها‏.‏ وقيل‏:‏ فوعة السم، وهي حدته وحرارته‏.‏ والمراد‏:‏ أو ذي حمة كالعقرب وشبهها‏.‏ أي لا رقية إلا من لدغ ذي حمة‏.‏ ‏(‏الرهيط‏)‏ تصغير الرهط‏.‏ وهي الجماعة دون العشرة‏.‏ ‏(‏فخاض‏)‏ أي تكلموا وتناظروا‏]‏‏.‏
375 - ‏(‏220‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا محمد بن فضيل عن حصين، عن سعيد بن جبير‏.‏ حدثنا ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏عرضت علي الأمم‏"‏ ثم ذكر باقي الحديث، نحو حديث هشيم‏.‏ ولم يذكر أول حديثه‏.‏
*3* ‏(‏95‏)‏ باب كون هذه الأمة نصف أهل الجنة
376 - ‏(‏221‏)‏ حدثنا هناد بن السري‏.‏ حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبدالله؛ قال‏:‏ قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة‏؟‏‏"‏ قال فكبرنا‏.‏ ثم قال ‏"‏أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة‏؟‏‏"‏ قال فكبرنا‏.‏ ثم قال ‏"‏إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة‏.‏ وسأخبركم عن ذلك‏.‏ ما المسلمون في الكفار إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود‏.‏ أو كشعرة سوداء في ثور أبيض‏"‏‏.‏
377 - ‏(‏221‏)‏ حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار ‏(‏واللفظ لابن المثنى‏)‏ قالا‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر‏.‏ حدثنا شعبة عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبدالله قال‏:‏
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة‏.‏ نحوا من أربعين رجلا‏.‏ فقال ‏"‏أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة‏؟‏‏"‏ قال قلنا‏:‏ نعم‏.‏ فقال ‏"‏أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة ‏؟‏ ‏"‏فقلنا نعم‏.‏ فقال‏"‏ والذي نفسي بيده‏!‏ إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة‏.‏ وذاك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة‏.‏ وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود‏.‏ أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر‏"‏‏.‏
378 - ‏(‏221‏)‏ حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير‏.‏ حدثنا أبي‏.‏ حدثنا مالك ‏(‏وهو ابن مغول‏)‏ عن أبي إسحاق، عن عمر بن ميمون، عن عبدالله؛ قال‏:‏
خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسند ظهره إلى قبة أدم‏.‏ فقال ‏"‏ألا‏.‏ لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة‏.‏ اللهم‏!‏ هل بلغت‏؟‏ اللهم‏!‏ اشهد‏!‏ أتحبون أنكم ربع أهل الجنة‏؟‏‏"‏ فقلنا‏:‏ نعم‏.‏ يا رسول الله‏!‏ فقال ‏"‏أتحبون أن تكونوا ثلث أهل الجنة‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ يا رسول الله‏!‏ قال ‏"‏إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة‏.‏ ما أنتم في سواكم من الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض‏.‏ أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏هل بلغت‏؟‏ اللهم‏!‏ اشهد‏!‏‏)‏ معناه أن التبليغ واجب علي، وقد بلغت، فاشهد لي به‏]‏‏.‏
*3* ‏(‏96‏)‏ باب قوله ‏"‏يقول الله لآدم أخرج بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين‏"‏
379 - ‏(‏222‏)‏ حدثنا عثمان بن أبي شيبة العبسي‏.‏ حدثنا جرير عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد؛ قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏يقول الله عز وجل‏:‏ يا آدم‏!‏ فيقول‏:‏ لبيك‏!‏ وسعديك‏!‏ والخير في يديك‏!‏ قال يقول‏:‏ أخرج بعث النار‏.‏ قال‏:‏ وما بعث النار‏؟‏ قال‏:‏ من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين‏.‏ قال فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد‏"‏ قال فاشتد ذلك عليهم‏.‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أينا ذلك الرجل‏؟‏ فقال ‏"‏أبشروا ‏.‏ فإن من يأجوج ومأجوج ألفا‏.‏ ومنكم رجل‏"‏ قال ثم قال ‏"‏والذي نفسي بيده‏!‏ إني لأطمع أن تكونوا ربع أهل الجنة‏"‏ فحمدنا الله وكبرنا‏.‏ ثم قال ‏"‏والذي نفسي بيده‏!‏ إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة‏"‏ فحمدنا الله وكبرنا‏.‏ ثم قال ‏"‏والذي نفسي بيده‏!‏ إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة‏.‏ إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود‏.‏ أو كالرقمة في ذراع الحمار‏"‏‏.‏
‏[‏ش ‏(‏بعث النار‏)‏ البعث هنا بمعنى المبعوث الموجه إليها‏.‏ ومعناه ميز أهل النار من غيرهم‏.‏ ‏(‏يأجوج ومأجوج‏)‏ هما غير مهموزين عند جمهور القراء وأهل اللغة‏.‏ وقرأ عاصم بالهمز فيهما‏.‏ وأصله من أجيج النار وهو صوتها وشررها‏.‏ شبهوا به لكثرتهم وشدتهم واضطرابهم بعضهم في بعض‏.‏ ‏(‏كالرقمة‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ الرقمتان في الحمار ما الأثران في باطن عضديه‏.‏ وقيل‏:‏ هي الدائرة في ذراعيه‏.‏ وقيل‏:‏ هي الهنة الناتئة في ذراع الدابة من داخل‏]‏‏.‏
380 - ‏(‏222‏)‏ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‏.‏ حدثنا وكيع‏.‏ ح وحدثنا أبو كريب‏.‏ حدثنا أبو معاوية‏.‏ كلاهما عن الأعمش، بهذا الإسناد‏.‏ غير أنهما قالا‏:‏ ما أنتم يومئذ في الناس إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض‏"‏ ولم يذكرا‏:‏ أو كالرقمة في ذراع الحمار‏.‏