الواصلية

أصحاب أبي حذيفة واصل بن عطاء الغزال الألثغ كان تلميذاً للحسن البصري يقرأ عليه العلوم الأخبار وكانا في أيام عبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك‏.‏

وبالمغرب في أيام أبي جعفر المنصور‏.‏

ويقال لهم‏:‏ الواصلية‏.‏

واعتزالهم يدور على أربعة قواعد‏:‏

القاعدة الأولى‏:‏ القول بنفي صفات الباري تعالى من العلم والقدرة والإرادة والحياة‏.‏

وكانت هذه المقالة في بدئها غير ناضجة وكان واصل بن عطاء يشرع فيها على قول ظاهر وهو الاتفاق على استحالة وجود إلهين قديمين أزليين قال‏:‏ ‏"‏ ومن أثبت معنى وصفة قديمة فقد أثبت إلهين ‏"‏‏.‏

وإنما شرعت أصحابه فيها بعد مطالعة كتب الفلاسفة وانتهى نظرهم فيها إلى رد جميع الصفات إلى كونه‏:‏ عالماً قادراً ثم الحكم بأنهما صفتان ذاتيتان هما‏:‏ اعتباران للذات القديمة كما قال الجبائي أو حالان كما قال أبو هاشم‏.‏

وميل أبو الحسين البصري إلى ردهما إلى صفة واحدة وهي العالمية وذلك عين مذهب الفلاسفة .

وكان السلف يخالفهم في ذلك إذ وجدوا الصفات مذكورة في الكتاب والسنة‏.‏

القاعدة الثانية‏:‏ القول بالقدر‏:‏ وقد سلكوا في ذلك مسلك معبد الجهني وغيلان الدمشقي‏.‏

وقرر واصل بن عطاء هذه القاعدة أكثر مما كان يقرر قاعدة الصفات فقال إن الباري تعالى حكيم عادل لا يجوز أن يضاف إليه شر ولا ظلم ولا يجوز أن يريد من العباد خلاف ما يأمرن ويحتم عليهم شيئاً ثم يجازيهم عليه فالعبد هو الفاعل للخير والشر والإيمان والكفر والطاعة والمعصية وهو المجازى على فعله والرب تعالى أقدره على ذلك كله‏.‏

وأفعال العباد محصورة في‏:‏ الحركات والسكنات والاعتمادات والنظر والعلم قال‏:‏ ويستحيل أن يخاطب العبد بالفعل وهو لا يمكنه أن يفعل ولا هو يحس من نفسه الاقتدار والفعل ومن أنكره فقد أنكر الضرورة واستدل بآيات على هذه الكلمات‏.‏

ورأيت رسالة نسبت إلى الحسن البصري كتبها إلى عبد الملك بن مروان وقد سأله عن القول بالقدر والجبر فأجابه فيها بما يوافق مذهب القدرية واستدل فيها بآيات من الكتاب ودلائل من العقل ولعلها لواصل ابن عطاء فما كان الحسن ممن يخالف السلف في أن القدر خيره وشره من الله تعالى فإن هذه الكلمات كالمجمع عليها عندهم‏.‏

والعجب‏!‏ أنه حمل هذا اللفظ الوارد في الخبر على‏:‏ البلاء والعافية والشدة والرخاء والمرض والشفاء والموت والحياة إلى غير ذلك من أفعال الله تعالى دون‏:‏ الخير والشر والحسن والقبيح الصادرين من اكتساب العباد‏.‏

وكذلك أورده جماعة من المعتزلة في المقالة عن أصحابهم‏.‏

القاعدة الثالثة‏:‏ القول بالمنزلة بين المنزلتين والسبب فيه أنه دخل واحد على الحسن البصري فقال‏:‏ يا إمام الدين‏!‏ لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملة وهم وعيدية الخوارج وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم لا تضر مع الإيمان بل العمل على مذهبهم ليس ركناً من الإيمان ولا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة وهم مرجئة الأمة فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقاداً فتفكر الحسن في ذلك وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء‏:‏ أنا لا أقول‏:‏ صاحب الكبيرة مؤمن مطلقاً ولا كافر مطلقاً بل هو في منزلة بين المنزلتين‏:‏ لا مؤمن ولا كافر ثم قام واعتزل إلى اسطوانة من اسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن فقال الحسن‏:‏ اعتزل عنا واصل فسمي هو وأصحابه‏:‏ معتزلة‏.‏

ووجه تقريره انه قال‏:‏ إن الإيمان عبارة عن خصال خير إذا اجتمعت سمى المرء مؤمناً وهو اسم مدح والاسم لم يستجمع خصال الخير ولا استحق اسم المدح فلا يسمى مؤمناً وليس هو بكافر مطلقا أيضاً لأن الشهادة وسائر أعمال الخير موجودة فيه لا وجه لإنكارها لكنه إذا خرج من الدنيا على كبيرة من غير توبة فهو من أهل النار خالداً فيها إذ ليس في الآخرة إلا فريقان‏:‏ فريق في الجنة وفريق في السعير لكنه يخفف عنه العذاب وتكون دركته فوق دركة الكفار‏.‏

وتابعه على ذلك عمرو بن عبيد بعد أن كان موافقاً له في القدر وإنكار الصفات‏.‏

القاعدة الرابعة‏:‏ قوله في الفريقين من أصحاب الجمل وأصحاب صفين‏:‏ إن أحدهما مخطئ بعينه وكذلك قوله في عثمان وقاتليه وخاذليه‏.‏

قال‏:‏ إن أحد الفريقين فاسق لا محالة كما أن أحد المتلاعنين فاسق لا محالة لكن لا بعينه وقد عرفت قوله في الفاسق وأقل درجات الفريقين أنه لا تقبل شهادتهما كما لا تقبل شهادة المتلاعنين فلم يجوز قبول شهادة علي وطلحة والزبير على باقة بقل وجوز أن يكون عثمان وعلي على الخطأ‏.‏

هذا قولهَ‏!‏ وهو رئيس المعتزلة ومبدأ الطريقة في أعلام الصحابة وأئمة العترة‏.‏

ووافقه عمرو بن عبيد على مذهبه وزاد عليه في تفسيق أحد الفريقين لا بعينه بأن قال‏:‏ لو شهد رجلان من أحد الفريقين مثل علي ورجل من عسكره أو طلحة والزبير‏:‏ لم تقبل شهادتهما وفيه تفسيق الفريقين وكونهما من أهل النار‏.‏

وكان عمرو بن عبيد من رواة الحديث معروفاً بالزهد‏.‏

وواصل مشهور بالفضل والأدب الهذيلية أصحاب أبي الهذيل حمدان بن الهذيل العلاف‏:‏ شيخ المعتزلة ومقدم الطائفة ومقرر الطريقة والمناظر عليها أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل بن عطاء‏.‏

ويقال‏:‏ أخذ واصل بن عطاء عن أبي هاشم عبد الله بن محمد الحنفية ويقال‏:‏ أخذه عن الحسن بن أبي الحسن البصري‏.‏

وإنما انفرد عن أصحابه بعشر قواعد‏:‏ الأولى‏:‏ أن الباري تعالى عالم بعلمه وعلمه بذاته قادر بقدرة وقدرته ذاته حي بحياة وحياته ذاته‏.‏

وإما اقتبس هذا الرأي من الفلاسفة الذين اعتقدوا‏:‏ أن ذاته واحدة لا ثرة فيها بوجه وإنما الصفات ليست وراء الذات معاني قائمة بذاته بل هي ذاته وترجع إلى أسلوب أو اللوازم كما سيأتي‏.‏

والفرق بين قول القائل‏:‏ عالم بذاته لا بعلم وبين قول القائل‏:‏ عالم بعلم هو ذاته أن الأول نفى الصفة والثاني إثبات ذات هو بعينه صفة أو إثبات صفة هي بعينها ذات‏.‏

وإذ أثبت أبو الهذيل هذه الصفات وجوهاً للذات فهي بعينها أقانيم النصارى أو أحوال أبي هاشم‏.‏

الثانية‏:‏ أنه أثبت إرادات لا محل لها يكون الباري تعالى مريداً بها‏.‏

وهو أول من أحدث هذه المقالة وتابعه عليها المتأخرون‏.‏

الثالثة‏:‏ قال في كلام الباري تعالى‏:‏ إن بعضه لا في محل وهو قوله كن وبعضه في محل كالأمر والنهي والخبر والإستخبار‏.‏

وكأن أمر التكوين عنده غير أمر التكليف‏.‏

الرابعة‏:‏ قوله في القدر مثل ما قاله أصحابه إلا أنه قد ري الأولى جبري الآخرة فإن مذهبه في حركات أهل الخلدين في الآخرة‏:‏ أنها كلها ضرورية لا قدرة للعباد عليها وكلها مخلوقة للباري تعالى إذ كانت مكتسبة للعباد لكانوا مكلفين بها‏.‏

الخامسة‏:‏ قوله إن حركات أهل الخلدين تنقطع وإنهم يصيرون إلى سكون دائم خموداً وتجتمع للذات قي ذلك السكون لأهل الجنة وتجتمع الآلام في ذلك السكون لأهل النار‏.‏

وهذا قريب من مذهب جهم‏:‏ إذ حكم بفناء الجنة والنار‏.‏

وإنما التزم أبو الهديل هذا المذهب لأنه لما ألزم في مسألة حدوث العالم‏:‏ أن الحوادث التي لا أول لها كالحوادث التي لا آخر لها إذ كل واحدة لا تتناهى قال‏:‏ إني لا أقول بحركات لا تتناهى آخراً كما لا أقول بحركات لا تتناهى أولاً بل يصيرون إلى سكون دائم وكأنه ظن أن ما لزمه في الحركة لا يلزمه في السكون‏.‏

السادسة‏:‏ قوله في الاستطاعة‏:‏ إنها عرض من الأعراض غير السلامة والصحة وفرق بين أفعال القلوب وأفعال الجوارح فقال لا يصح وجود أفعال القلوب منه مع عدم القدرة فالاستطاعة معها في حال الفعل‏.‏

وجوز ذلك في أفعال الجوارح وقال بتقدمها فيفعل بها في الحال الأولى وإن لم يوجد الفعل إلا في الحالة الثانية قال‏:‏ فحال يفعل غير حال فعل‏.‏

ثم ما تولد من فعل العبد فهو فعله غير اللون والطعم والرائحة ما لا يعرف كيفيته‏.‏

وقال في الإدراك والعلم الحادثين في غيره عند إسماعه وتعليمه‏:‏ إن الله تعالى يبدعهما فيه وليسا من أفعال العباد‏.‏

السابعة‏:‏ قوله في المكلف قبل ورود السمع‏:‏ إنه يجب عليه أن يعرف الله تعالى بالدليل من غير خاطر وإن قصر في المعرفة استوجب العقوبة أبداً ويعلم أيضاً حسن الحسن وقبح القبيح فيجب عليه الإقدام على الحسن كالصدق والعدل والإعراض عن القبيح كالكذب والجور‏.‏

وقال أيضاً بطاعات لا يراد بها الله تعالى ولا يقصد بها التقرب إليه كالقصد إلى النظر الأول والنظر الأول فإنه لم يعرف الله بعد والفعل عبادة وقال في المكره‏:‏ إذا لم يعرف التعريض والتورية فيما أكره عليه فله أن يكذب ويكون وزره موضوعاً عنه‏.‏

الثامنة‏:‏ قوله في الآجال والأرزاق‏:‏ إن الرجل إن لم يقتل مات في ذلك الوقت ولا يجوز أن يزاد في العمر أو ينقص‏.‏

والأرزاق على وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ ما خلق الله تعالى من الأمور المنتفع بها يجوز أن يقال خلقها رزقاً للعباد فعلى هذا من قال‏:‏ إن أحداً أكل أو انتفع بما لم يخلقه الله رزقاً فقد أخطأ لما فيه‏:‏ أن في الأجسام ما لم يخلقه الله تعالى‏.‏

والثاني‏:‏ ما حكم الله به من هذه الأرزاق للعباد فما أحل منها فهو رزقه وما حرم فليس رزقاً أي ليس مأموراً بتناوله‏.‏

التاسعة‏:‏ حكى الكعبي عنه أنه قال‏:‏ إرادة الله غير المراد فإرادته لما خلق‏:‏ هي خلقه له وخلقه للشيء عنده غير الشيء بل الخلق عنده قول لا في محل‏.‏

وقال إنه تعالى لم يزل سميعاً بصيراً بمعنى سيسمع وسيبصر وكذلك لم يزل‏:‏ غفوراً رحيماً محسناً خالقاً رازقاً معاقباً موالياً معادياً آمراً ناهياً بمعنى أن ذلك سيكون منه‏.‏

العاشرة‏:‏ حكى الكعبي عنه أنه قال‏:‏ الحجة لا تقوم فيما غاب إلا بخبر عشرين فيهم واحد من أهل الجنة أو أكثر ولا تخلو الأرض عن جماعة هم فيها أولياء الله‏:‏ معصومون لا يكذبون ولا يرتكبون الكبائر فهم الحجة لا التواتر إذ يجوز أن يكذب جماعة ممن لا يحصون عدداً إذا لم يكونوا أولياء الله ول يكن فيهم واحد معصوم‏.‏

وصحب أبا الهذيل أبو يعقوب الشحام والآدمي وهما على مقالته‏.‏

وكان سنه مائة سنه توفي في أول خلافة المتوكل سنة خمس وثلاثين ومائتين‏.‏



المغرب
الحسن البصري
الدمشقي