الإسماعيلية

فرقة إسلامية تختلف عن الموسويّة والإثنى عشريّة بإثبات الإمامة لإسماعيل بن جعفر الصّادق، من ذرّية علي. قالوا، وبعد إسماعيل محمد بن إسماعيل السّابع التّام: "ولن تخلو الأرض قط من إمامٍ حيٍّ قاهرٍ، إمّا ظاهرٍ مكشوفٍ وإمّا باطنٍ مستورٍ. فإذا كان الإمام ظاهرًا يجوز أن تكون حجّته مستورة؛ وإذا كان الإمام مستورًا فلا بُدّ أن تكون حجّته ودعاته ظاهرين". مذهبهم أنّ مَن مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتةً جاهليّةً. وكذلك مَن مات ولم يكن في عُنقه بيعة إمامٍ، مات ميتةً جاهليّةً. وكانت لهم دعوةٌ في كلّ زمانٍ. ويُلقَّبون بالباطنية أيضًا لحكمهم بأنّ لكل باطنٍ ظاهرًا، ولكلّ تنزيلٍ تأويلاً، إلخ..

وَجَدَت هذه الفرقة كما وَجَدَت أخواتها الكثير من الإضّطهاد فاضّطرت إلى الهجرة إلى أقصى خراسان والعراق هربًا ممّا يحيق بها من خطرٍ؛ وأصبحت في القرن الثاني الهجري على وشك الإنحلال. إلاّ أنّه ظهر رجل اسمه عبد اللّه بن ميمون من فارس، فأعاد تأسيس هذه الفرقة التّي أصبحت تُعرَف بالإسماعيلية ورتّبها على تسعة رُتَبٍ، لا يُرَقّى أحد من رتبةٍ إلى ما فوقها إلاّ بالإستعداد والأهلية.

الدّرجة الأولى: العامّة؛ وكان الدُّعاة الموجّهون من قبل ذلك الزّعيم يجتذبونهم بالسّفسطات والوعود في تفسير رموز الدّين، فيبدأوا بأن يقولوا لهم: "ما حكمة رمي الجمار في الحجّ، وما حكمة السّعي بين الصّفاء والمروة، ولماذا خلق اللّه العالم في ستّة أيام ولم يخلقها في ساعةٍ، وهو قادر على ذلك؟ ما هي روحك؟ من أين أتَت وإلى أين تذهب؟ إلخ.. من الأسئلة التي تشتاق لها العامة وتقبل فيها كل ما يُقال". ومتى هيج عند النّاس الميل لسماع الأجوبة، قيل لهم "لا تعجلوا، الدّين أغلى من أن تُبذَل حقائقه لمن لا يعيها ولا يصونها، ولا بُدّ مِن أخذ العهد والميثاق على كلّ مَن يريد أن يشاركنا في أسرارنا هذه بأن لا يكشف لنا سرًا ولا ينصُبُ لنا أحبولة وأن يصدّقنا ويدافع عنّا، إلخ.." فيأخذ على النّاس العهود ويأمرهم بالتّسليم المحض والخضوع التّام، ثم يتركهم وشكوكهم إلى حين.

الدّرجة الثّانية: يُكاشفون المُستعدّين للتّرقي من أهل الدّرجة الأولى بأنّ الناس قد ضُلُّوا بتقليد الأئمّة الأربعة وأن الذي يقلّد في الحقيقة هو الإمام المعصوم.

الدّرجة الثالثة: يكشفون له العقيدة في الأئمّة، وهي أنّهم سبعة والإمام الحاكم هو السّابع وأنه عالم بكل سرائر الدّين ورموزه.

الدّرجة الرابعة: يقولون إنّه كما أنّ عدد الأئمّة سبعة كذلك عدد الرُّسل الذين جاؤوا بشرائع ناسخة وكان لكلّ منهم مساعد ولمُساعدهم مساعد إلى سبعةٍ أيضًا. كلٌّ من هؤلاء السّبعة المساعدون يُدعَى "الصّامت". وأمّا مُؤسّسو الأديان، فيُدعى كلٌّ منهم "النّاطق". والنّاطقون هم آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد، إلى إمام الوقت عبد اللّه، المُومأ إليه.

سرّ هذه المزاعم هو تغيير عقيدة المُريد المُتّبع لهم من أنّه لا وحي بعد النّبي محمد، والإدّعاء بأن الوحي مستمرّ على توالي الأجيال في الأئمة المعصومين. ومن هنا يخرج المُريد عن الإسلام، شَعَر أم لم يشعُر.

الدرجة الخامسة: يقولون للمُريد إنّ شريعة محمد ستُنسَخ، وينظرون للمريد، فإن كان فارسيًا ذكّروه بذلّه للعرب وخنوعه لهم وحمّسوه للتخلّص من نيرهم. وإن كان عربيًا هيّجوه على الفُرس وأروه سوء رغبةٍ تداخلهم في حكومته.

الدّرجة السادسة: يرون المُريد عدم وجوب العبادات من صلاةٍ وصومٍ... ويزعمون أنّ كل هذه التّقاليد وُضِعَت لإخضاع العوام والسّيطرة عليهم من قِبَلِ من قالوا إنّهم أنبياء وإنّ الفلاسفة اليونانيين أكمل عقولاً وأوسع علمًا من أولئك النّبيين. ولكنهم لا يوصلون من المُريدين إلى هذه الدرجة وما بعدها ممّا يكشف السّر النهائي إلاّ نفرًا قليلين جدًا لأنّه لما كان غرض عبد اللّه بن ميمون هذا تأسيس مملكةٍ لذرّيته، كان من العقل والتّبصر أن يمسك العامة بدين يربطهم، لأنّهم لو ألحدوا لسعى كلّ منهم لشهوات نفسه دون غيره.

كانوا ينتخبون الدّعاة من أصحاب اللُّسن، وكانوا يجتذبون الناس بالتأثير على عقولهم بطرقٍ لا يجاريهم فيها غيرهم. وبذلك استفحل أمر هذه الفرقة في القرن الثّاني والثالث والرابع والخامس، وصارت لهم جيوش وحصون. وكانت مملكة البحرين كلّها لهم. وحدث أنّ القرامطة، وهي فرقة منهم بالعراق، نمت وتكاثرت حتى صارت خطرًا على بلاد العرب. وحدث أنّها هاجمت الحجّاج في البيت الحرام، وقتلت منهم ألوفًا مؤلّفةً، قيل ثلاثين ألفًا وقيل سبعين ألفًا، وأخذوا الحجر الأسود وأتوا من الفظائع ما يقشعرّ له جسد الإنسان. ثم ردوا الحجر إلى محلّه.



جعفر الصادق
الصوم
الصلاة