الشيخ طاهر الجزائري

1852- 1920م

الشيخ طاهر جزائري الأصل، دمشقي المولد. فقد كان والده أحد أولئك الذين أبت نفوسهم الأقامة في
الجزائر بعد احتلال الفرنسيين لها سنة 1830. والمعروف أن أسراً كثيرة هاجرت شرقاً وشرّقت مهاجرة، إلى تونس وليبيا ومصر وبلاد الشام والحجاز، أنفة من أن تظلّ تحت السيطرة الأجنبية.

قضى الشيخ طاهر حياته في
دمشق باستثناء فترة قصيرة لجأ فيها إلى مصر هارباً من ضغط السلطات العثمانية، على نحو ما انتقل عدد كبير من الشاميين، أي أهل بلاد الشام، إلى أرض الكنانة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

والذي نعرفه هو أن والد الشيخ طاهر، صالح أو محمد صالح، وصل دمشق قبل مولد ابنه بفترة قصيرة. ولما بلغ الفتى السنوات التي تؤهله لتلقي العلم، أرسله إلى مكتب الرشدية بدمشق. والمدرسة الرشدية، في عرف ذلك الوقت، هي رسمياً الابتدائية. وكان كل مركز قضاء أثناء العقود الأخيرة من العقهد العثماني، تفتح فيه مدرسة رشدية. وكان يلي ذلك في السلم التعليمي المدرسة الإعدادية. وكانت قمة الدراسة الثانوية، في العهد العثماني، هي المدرسة السلطانية أو المكتب السلطاني.

لكن القول بأن طاهر الجزائري تعلم في المدرسة الرشدية لا تعني إلا أنه سار في سبيل التعلم. إذ أننا، بعد عدة من السنين، نجده قد تعلم الرياضيات والفيزياء على أيدي خريجي المدرسة الحربية. وعكف على دراسة اللغات الشرقية، فأتقن منها التركية والفارسية والسريانية والعبرية والحبشية. وعني بالخطوط والنقوش فأجاد قراءة الخط الكوفي والمشجر وغيرهما. ومعنى هذا أن طاهر الجزائري كان يعيش في دمشق مفتح الذهن والعين والأذن، مستعداً للتعلم، جاهزاً ليستفيد ويفيده. ولا شك أن معرفته الفرنسية أعانته على الاتصال بالثقافة الغربية.

لكن المهم في الشيخ طاهر الجزائري لم يكن في أنه كان من أصحاب المعرفة، في العلوم النقلية والعقلية، ولكن في أنه كان يمثل التكامل الثقافي الذي كان ينقص العالم العربي يومها.

بدأ الشيخ حياته العملية معلماً في مدرسة ابتدائية هي المدرسة الظاهرية الابتدائية. وكان يومها في العقد الثالث من عمره. وفي سنة 1877م تأسست في دمشق الجمعية الخيرية فدخل في عضويتها وكان من أكثر العاملين نشاطاً ودؤوباً.

وفي سنة 1878م تحولت الجمعية الخيرية إلى "ديوان المعارف"، وهو جزء من الإدارة الرسمية، فعين الشيخ طاهر مفتشاً عاماً على المدارس الابتدائية. هنا بدت ديناميكية، الشيخ طاهر البناءة، فقد أنشأ عدداً من المدارس، ولكن الأهم من ذلك أنه أقنع الآباء بوجوب إرسال أولادهم إلى المدارس ليتعلموا.

كان الشيخ طاهر صديق التلميذ وصديق الكتاب. أما صداقته للتلميذ فتبدو في أنه رفض المناصب ذات النفوذ السياسي وغيره، واحتفظ لنفسه بالحق في أن يكون معلماً ومربياً. والمنصب الآخر الذي قبله هو المتعلق بالكتب. ففي دوره كمفتش للتعليم كان رفيقاً للمعلم عوناً له في مشكلاته. ومشكلات المعلم يومها، وقد ظلت هذه المشكلة إلى ثلاثينيات القرن الحالي في بعض بلاد الشام، كان أهمها وأبعدها أثراً الكتاب المدرسي. وهنا يعمد الشيخ طاهر إلى وضع الكتب المدرسية في الدروس الدينية والعربية والرياضية والطبيعية.

وكان من المناصب التي شغلها الشيخ طاهر الجزائري التفتيش على خزائن الكتب في ولاية سورية ومتصرفية القدس، وكان ذلك سنة 1879. وفي هذه الفترة ساعد على إنشاء "المكتبة الخالدية" في القدس.

اتهم الشيخ طاهر بالاشتراك في إعداد نشرات كانت جمعية تركية الفتاة تعدها للطعن في استبداد عبد الحميد. ولما خشي الملاحقة والأذى رحل إلى مصر، على نحو ما رحل قبله عبد الرحمن الكواكبي ورفيق العظم وفرح أنطون هرباً من التعرض للأذى. وقد قضى وقته في القاهرة قارئاً دارساً وناشراً لبعض الكتب التي حققها.

الثروة العلمية، المتمثلة بالكتب، التي خلفها الشيخ طاهر الجزائري ضخمة ومنوعة. فمنها كتب في الدين وأخرى في الرياضيات والعلوم، وغيرها في الخط والآثار. ولعل الصفة الأبرز للكتب التي وضعها أو جمعها من مظانها أو انتزعتها من معالقها، هي صفة التعليم. وثمة كتب كثيرة للشيخ لا تزال مخطوطة.

فمن كتبه في الإسلام وعلومه المرتبطة به "البيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن" و"الجواهر الكلامية في إيضاح العقيدة الإسلامية". وهناك من الكتب المدرسية الأخرى. وقد ذكر شريف الحسيني في دراسة بدأها عن الشيخ طاهر الجزائري لكنها لم تتم أن للشيخ كتاب "التذكرة الطاهرية" وهو كتاب مخطوط في 20 مجلداً يبحث في نوادر المخطوطات ومحال وجودها ومزاياها، وهي الآن في حوزة المجمع العلمي العربي بدمشق.

أما الكتب التي حققها أو نشرها مجدداً فهي كثيرة منها "الفوز الأصغر" لمسكويه، و"روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" و"إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد".