الفضل بن سهل

توفي 202 هـ

الفضل بن سهل وزير الخليفة المأمون في العصر العباسي ومساعده في تدبير شؤون الخلافة خلال فترة تواجده في خراسان. كان وزير المأمون ومستشاره خلال الفتنة التي وقعت بين الأمين والمأمون، لُقّب بـذي الرياستين.

 

أخفى عن المأمون بعض الأخبار وخاصة أخبار ثورة العباسيين ببغداد التي تزعمها إبراهيم بن المهدي عم المأمون والذي خلع المأمون عن الخلافة فبايعه الناس بالخلافة، وذلك على أثر قيام المأمون بخلع اخيه المؤتمن من ولاية العهد واسنادها لعلي الرضا.

 

عندما علم المأمون بتلك الأخبار فحنق على وزيره الفضل بن سهل وقتله غيلة في طريق عودته إلى بغداد.

 

ورد في "سير أعلام النبلاء" للذهبي:

" الفضل بن سهل السرخسي الوزير وأخو الوزير الحسن بن سهل أسلم أبوهما على يد المهدي وأسلم الفضل سنة تسعين ومئة على يد المأمون.

 

وقيل لما عزم جعفر البرمكي على استخدام الفضل للمأمون وصفه بحضرة الرشيد ونطق الفضل فرآه الرشيد فطناً بليغاً. وكان يلقب ذا الرئاستين لأنه تقلد الوزارة والحرب.

 

وكان شيعياً منجماً ماكراً أشار بتجهيز طاهر بن الحسين وحسب بالرمل بأنه يظفر بالأمين ويقال إن من إصاباته الكاذبة أنه حكم لنفسه أنه يعيش ثمانياً وأربعين سنة ثم يقتل بين ماء ونار فعاش كذلك وقتله خال المأمون في حمام سرخس في شعبان سنة اثنتين ومئتين وقد امتدحه فحول الشعراء فمن ذلك لإبراهيم الصولي:

لفضل بن سهل يد   تقاصر فيها المثل

فنائلها للـغـنـى    وسطوتها للأجل

وباطنها للـنـدى    وظاهرها للقبـل

 

وازدادت رفعته حتى ثقل أمره على المأمون فدس عليه خاله غالباً الأسود في جماعة فقتلوه وبعده بأيام مات أبوه.

 

وأظهر المأمون حزنا لمصرعه وعزى والدته وقال إن الله أخلفني عليك بدل إبنك فبكت وقالت كيف لا أحزن على ولد أكسبني ولد مثلك ثم عاشت وأدركت عرس بنت ابنها بوران على المأمون وكان الحسن بن سهل من كبار الوزراء الممدوحين".

 

ورد في "وفيات الأعيان" لابن خلكان:

" أبو العباس الفضل بن سهل السرخسي أخو الحسن بن سهل - وقد تقدم ذكره في حرف الحاء -؛ أسلم على يد المأمون في سنة تسعين ومائة، وقيل إن أباه سهلا أسلم على يد المهدي، والله أعلم، فوزر للمأمون واستولى عليه حتى ضايقه في جارية أراد شراءها.

 

ولما عزم جعفر البرمكي على استخدام الفضل للمأمون، وصفه يحيى بحضرة الرشيد، فقال له الرشيد: أوصله إلي، فلما وصل إليه أدركته حيرة فسكت، فنظر الرشيد إلى يحيى نظر منكر لاختياره، فقال ابن سهل: يا أمير المؤمنين، إن من أعدل الشواهد على فراهة المملوك أن يملك قلبه هيبة سيده، فقال الرشيد: لئن كنت سكت لتصوغ هذا الكلام فلقد أحسنت، وإن كان بديهة إنه لأحسن وأحسن، ثم لم يسأله بعد ذلك عن شيء إلا أجابه بما يصدق وصف يحيى له.

 

وكان فيه فضائل، وكان يلقب بذي الرياستين لأنه تقلد الوزارة والسيف.

 

وكان يتشيع، وكن من اخبر الناس بعلم النجامة، وأكثرهم إصابة في أحكامه. حكى أبو الحسين علي بن أحمد السلامي في تاريخ ولاة خراسان: أن طاهر بن الحسين، المقدم ذكره، لما عزم المأمون على إرساله إلى محاربة أخيه محمد بن الأمين نظر الفضل بن سهل في مسألته، فوجد الدليل في وسط السماء، وكان ذا يمينين، فأخبر المأمون بأن طاهرا يظفر بالأمين ويلقب بذي اليمينين،فتعجب المأمون من إصابة الفضل، ولقب طاهرا بذلك، وولع بالنظر في علم النجوم.

 

وقال السلامي أيضا: ومما أصاب الفضل بن سهل فيه من أحكام النجوم أنه اختار لطاهر بن الحسين حين سمي للخروج إلى الأمين وقتا، فعقد فيه لواءه وسلمه إليه، ثم قال له: قد عقدت لك لواء لا يحل خمسا وستين سنة، فكان بين خروج طاهر بن الحسين إلى وجه علي بن عيسى بن هامان، مقدم جيش الأمين، وقبض يعقوب بن الليث الصفار على محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر ابن الحسين بنيسابور خمس وستون سنة. وكان قبض يعقوب بن الليث على محمد المذكور يوم الأحد لليلتين خلتا من شوال سنة تسع وخمسين ومائتين.

 

ومن إصاباته أيضا ما حكم به على نفسه، وذلك أن المأمون طالب والدة الفضل بما خلفه، فحملت إليه سلة مختومة مقفلة، ففتح قفلها، فإذا صندوق صغير مختوم، وإذا فيه درج، وفي الدرج رقعة من حرير مكتوب فيها بخطه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما قضى الفضل بن سهل على نفسه، قضى أنه يعيش ثمانيا وأربعين سنة، ثم يقتل ما بين ماء ونار فعاش هذه المدة، ثم قتله غالب خال المأمون في حمام بسرخس - كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وله غير ذلك إصابات كثيرة.

 

ويحكى أنه قال يوما لثمامة بن الأشرس: ما أدري ما أصنع بطلاب الحاجات فقد كثروا علي وأضجروني، فقال له: زل عن موضعك، وعلي أن لا يلقاك أحد منهم، فقال: صدقت، وانتصب لقضاء أشغالهم.

 

وكان من مرض بخراسان وأشفى على التلف، فلما أصاب العافية جلس للناس، فدخلوا عليه وهنوه بالسلامة، وتصرفوا في الكلام، فلما فرغوا من كلامهم أقبل على الناس وقال: إن في العلل لنعما لا ينبغي للعقلاء أن يجهلوها: تمحيص الذنوب، والتعرض لثواب الصبر، والإيقاظ من الفغلة، والإذكار بالنعمة في حال الصحة، واستدعاء التوبة، والحض على الصدقة.

 

زقد مدحه جماعة من اعيان الشعراء، وفيه يقول إبراهيم بن العباس الصولي، وقد سبق ذكره:

لفضل بن سهل يد

 

تقاصر عنها المثل

فنائلها للـغـنـى

 

وسطوتها للأجـل

وباطنها للـنـدى

 

وظاهرها للقبـل

 

 

ومن ها هنا أخذ ابن الرومي قوله في الوزير القاسم بن عبيد الله من جملة أبيات:

 

أصبحت بين خصاصة وتجمل

 

والحر بينهما يموت هـزيلا

فامدد إلي يدا تعود بطنـهـا

 

بذل النوال وظهرها التقبيلا

 

 

وفيه يقول أبو محمد عبد الله بن محمد، وقيل ابن أيوب التميمي:

 

لعمرك ما الأشراف في كل بلدة

 

وإن عظموا للفضل إلا صنائع

ترى عظماء الناس للفضل خشعا

 

إذا ما بدا، والفضل لله خاشـع

تواضع لما زاده الـلـه رفـعة

 

وكل جليل عنده مـتـواضـع

 

 

وقال فيه مسلم بن الوليد الأنصاري المعروف بصريع الغواني من جملة قصيدة:

 

أقمت خلافة وأزلت أخرى

 

جليل ما أقمت وما أزلتـا

 

 

وحكى الجهشياري أن الفضل بن سهل أصيب بابن له يقال له العباس، فجزع عليه جزعا شديدا، فدخل عليه إبراهيم بن موسى بن جعفر العلوي وأنشده:

 

خير من العباس أجرك بعده

 

والله خير منك للعـبـاس

 

فقال: صدقت، ووصله وتعزى له.

 

ولما ثقل أمره على المأمون دس عليه خاله غالبا المسعودي الأسود، فدخل عليه الحمام بسرخس، ومعه جماعة، وقتلوه مغافصة، وذلك يوم الخميس ثاني شعبان سنة اثنتين ومائتين، وقيل ثلاث ومائتين، وعمره ثمان وأربعون سنة، وقيل إحدى وأربعون سنة وخمسة أشهر، والله أعلم.

 

وذكر الطبري في تاريخه أنه كان عمره ستين سنة، وقيل سنة اثنتين ومائتين يوم الجمعة لليلتين خلتا من شعبان. قلت: وهو الصحيح.

 

ورثاه مسلم بن الوليد ودعبل وإبراهيم بن العباس، رحمه الله تعالى. ومات والده سهل في سنة اثنتين أيضا، بعد قتل ابنه بقليل. وعاشت أمه وأم أخيه الحسن حتى أدركت عرس بوران على المأمون.

 

ولما قتل مضى المأمون إلى والدته ليعزيها، فقال لها: لا تأسي عليه لا تحزني لفقده، فإن الله قد أخلف عليك مني ولدا يقوم مقامه، فمهما كنت تنبسطين إليه فيه فلا تنقبضي عني منه، فبكت ثم قالت: يا أمير المؤمنين، وكيف لا أحزن على ولد أكسبني ولدا مثلك؟.

 

والسرخسي: بفتح السين المهملة والراء وسكون الخاء المعجمة وبعدها سين مهملة، هذه النسبة إلى سرخس، وهي مدينة بخراسان".

  



المأمون
الأمين
بغداد
الحسين