السجاد الشرقي

يشار الى السجاد الشرقي على انه السجاد المحاك باليد . وليس هذا التعبير غير صحيح ، بالرغم من ادخال الالة مؤخراً في صنع السجاد الشرقي . فالسجاد الجيد والمرتفع الثمن ما زال صناعة يدوية بامتياز، يمتهنها ملايين العمال المهرة في العالم الاسلامي . وبعض هؤلاء من صغار السن الذين يتمتعون بأنامل ناعمة رقيقة تساعد في حياكة الخيوط الدقيقة . وقد توارث هؤلاء الصناع صناعتهم عن اباء واجداد عاشوا في قرون غابرة .

تنقسم انواع السجاد الشرقي عادة الى اربع فئات : الفارسي او الإيراني وهو الافضل نوعية فالقوقاسي والتركمنستاني المصنَع في آسيا الوسطى وأخيرا التركي او الاناضولي . على ان اليوم في الاسواق سجاد جيد يصنَع في بلدان اخرى بينها المغرب العربي والصين والهند وباكستان وافغانستان وسوريا وفلسطين . اما السجاد في اوروبا والولايات المتحدة فيحاك اجمالاً بالالة .

الخيط الغالب في صناعة السجاد الشرقي مصنوع من صوف الاغنام الطري والصقيل اللامع، فضلاً عن صوف الماعز والجمال ، بالاضافة الي خيوط القطن والحرير .

يأتي صوف الاغنام والماعز عادة من مناطق جبلية متخلفة حيث المراعي الخصبة . ويُعتقد على نطاق واسع ان افضل هذه الاصواف يأتي من مناطق كردستان الواقعة في ايران وتركيا واواسط آسيا . والصوف القادم من خرسان وكرمان يوصف بالناعم والمخملي بينما اصواف القوقاس وآسيا الوسطى فمتينة وصقيلة .

تجز اصواف الحيوانات في اواخر الربيع . وتغسل الحيوانات عادة جيدا في الانهار او حول الابار قبل جز صوفها لازالة الاوساخ العالقة فيها . ويعاد غسل الصوف بعد جزه ويداس جيداً بالاقدام ثم يعلَق في الهواء لينشف . ويغزل الصوف بالطرق التقليدية المتوارثة بأن يحمل المرء كمية من الاصواف تحت ابطه ويغزلها بمغزاله القديم جامعاً الخيوط على عود خشبي سميك .

وعلى الرغم من ادخال خيوط القطن والحرير في حياكة السجاد الشرقي فان الصوف ما يزال هو الاحسن بفضل مقاومته للبلى وبفضل زغبه المخملية المصقولة . والزغب الصوفية هذه هي عادة من جدلتين ، اي ان خيطين قد جدلا سوية . ومن هذه الخيوط المجدولة يحصل السجاد على لمعانه الساحر . اما القطن فيستعمل على نطاق واسع في إيران وتركيا حيث السَداة واللحمة من
القطن ، بخاصة في السجاد الحديث المصنع آليًا . وتتحول دول القوقاس المنتجة للسجاد الى استعمال القطن . أما خيط السَدة المصنوع من صوف الماعز فهو منتشر في افغانستان وبلوخستان ويستعمل في حياكة سجاد البخارى . اما خيوط الجمال فقد فقدت الكثير من شعبيتها لانها تتعرض للبلى اكثر من سواها من الخيوط .

استعملت خيوط الحرير على نطاق ضيق في حياكة السجاد . فعلى الرغم من ان السدة واللحمة الحريرية تعطي السجادة رونقاً فخماً ، فان السجاد الحريري سريع العطب والبلى . وقد انحصر استعماله في حياكة سجاد الصلاة والسجاد الذي يعلق على الحيطان وسجاد المساجد والقصور .

الاصباغ

تجتذب الالوان التي يتميز بها السجاد الشرقي الناس . وهي انواع ، بشكل عام ، متناسقة ومتألقة . إن غناها اللوني يعطي السجاد رونقاً تزويقيًا متميزاً . وكانت الاصباغ قديماً تستخرج من النباتات والحشرات . وكانت طرق استخراجها يتعلمها الصغار من الكبار وتنتقل من جيل الى آخر وتحاط بسرية فائقة خوفاً من ان تقلد . وكانت شجرة الفوّة الفارسية التي تنمو في البراري والغابات المصدر المفضل لهذه الاصباغ وبخاصة لاستخراج اللونين الاحمر والقرنفلي ( الاحمر الوردي ) . وعند مزج صبغة الفوّة مع الحليب وعصير العنب المخمّر كان يُحصل على اللون البنفسجي . اما الصبغ الاحمر فكان يستخرج من حشرة القرمز التي تعيش في لحاء شجر السنديان .

كان الزعفران البري مصدر اللون الاصفر المائل الى الاحمرار. وجاء اللون الاصفر الصافي من الزعفران المزروع . واستخرج اللون الاصفر الفاتح من جذور الكُركم . وجاء اللون الاصفر المخضر من فطر شجرة التوت . واعطت هذه الشجرة لوناً آخر هو اللون التوتي (الارجوان الداكن ) . وجاء اللون الازرق من الشجرة النيلية . اما اللون الاسود فكان مصدره اوكسيد الحديد . وكان بذلك اللون المعدني الوحيد المستعمل . وجاء اللون البني بمزج صبغ الفوّة بالاصفر او جاء مستخرجاً من قشرة الجوز او من قشرة العفصة الجوزية او من قشرة البلوط المجفف . غير ان اللون البني يفقد تألقه ويبهت مع الوقت .

ظلت الالوان الحمراء والصفراء والزرقاء أكثر الالوان اللافتة والجاذبة في السجاد الشرقي. وربما كان الاحمر الاكثر جاذبية والاكثر استعمالاً في السجاد التركي والتركماني . ويبرز اللون الاصفر والآخضر الغامق في السجاد الايراني ، بينما يبقى الأزرق الغالب في السجاد القوقاسي . وكانت الخيوط المجدولة في كل هذه البلدان تصبغ دفعة واحدة وتعلق في الهواء الطلق لتنشف بعض الشىء قبل تعريضها لاشعة الشمس او للغبار . وكان من شأن هذه الطريقة ان تمنح الخيوط درجات متعددة من اللون ، وهي فوارق ضئيلة في اللون لا تراها العين الا بعد حياكة القطعة .

دخلت الاصباغ الصنعية المركبة كميائياً في صناعة السجاد في اواخر القرن التاسع عشر . وقد ساعدت هذه الاصباغ ، الاقل كلفة من الاصباغ الطبيعية والاسهل صنعاً ، في توسع صناعة السجاد وزيادة انتاجه . غير ان هذه الاصباغ قللت من قيمة السجاد الشرقي . فالأصباغ الطبيعية تعيش طويلاً بينما عمر الاصباغ الصنعية محدود جداً . وبينما يزداد جمال اللون الطبيعي مع الوقت يخبو اللون الصنعي ويتبدل . لهذا نجد السجاد الشرقي ذات الاصباغ الطبيعية يزداد تألقاً مع الوقت وترتفع قيمته الجمالية والمالية . وفي محاولة يائسة لمنع الاصباغ الكميائية المصنّعة من دخول بلاد فارس اصدر الحاكم ناصر الدين في اواخر القرن التاسع عشر امراً بمنع دخول هذه الاصباغ والى اتلاف كل السجاد الايراني الذي حيك بخيوط مصبوغة كيميائياً . ورغم ان هذا الامر لم ينجح في تحقيق اهدافه الا انه اجبر السلطات الايرانية لاحقاً الى وضع ضريبة عالية على السجاد الصنعي الكميائي اللون المصدَر .

غابت الاصباغ الطبيعية كلياً منذ سنة 1920 . ويقول البعض إن الاصباغ الكميائية الحديثة اصبحت قادرة على محاكاة الاصباغ الطبيعية ، بينما يقول آخرون ان الخيوط المصبوغة بالالوان الكميائية قصيرة العمر بفعل التفاعل الكيميائي وبذلك افقدت السجاد الشرقي الحديث قيمته وجماله وقدرته على المحافظة على تألقه زمناً طويلا ومقاومته للبلى.

الحياكة

استعمل الحائك القديم انوالاً بدائية في انتاج سجاده . وكان البدوي يحوِل الاشجار المتباعدة قليلا الى منوال بعد ان يعلق بينها خشبة مبرومة . وما زالت الانوال ، حتى اليوم ، على بساطتها عندما نتحدث عن السجاد المصنوع حرفياً . وهذه الانوال اما افقية او عمودية . وهي في كلا الحالتين تعمل تبعا لمبدأ واحد بسيط بحيث يقسم الحائك خيوط السَداة الى قسمين ليتمكن من عكس الخيط بعد التقائه باللحمة . ويبدأ الحائك عادة بنسج الحاشية وينتقل منها الى حياكة السجادة . اما العِقد فهي التي تُبرز الزغب . وأكثر العِقد شيوعا هي العقد التركية (الغرديس) والايرانية ( السناح ) . وهذه العِقد تسهل على الخبير معرفة مصدر السجادة . فالعقدة التركية تربط بين خيطي السدة بينما الايرانية تنعقد حول خيط سدة واحد . وتنعقد كل العقد باصابع اليد . وهنا تبرز أهمية الاصابع او الانامل الرقيقة الناعمة بحيث يتمكن العامل الصغير ، صاحب الاصابع الرقيقة ، ان ينتج اكثر عقداً من المتقدم بالعمر الذي غلظت اصابعه . والعامل الماهر يمكنه ان يعقد حوالى 15 عقدة في الدقيقة الواحدة او نحو ثمانية الاف عقدة يومياً. وهذا يعني ان الحائك الماهر يحتاج الى نحو شهرين لينتهي من حياكة سجادة طولها ثلاثة امتار وعرضها حوالى المترين وتحتوي على نحو مئة عقدة في الانش المربع الواحد . وتستعمل اليوم غالبية المصانع التركية والقوقاسية العقدة التركية بينما يستعمل الايرانيون والتركمان العقدة الايرانية ، رغم ان بعض هؤلاء يميل الان نحو العقدة التركية .

الاشكال والرسوم

يميل حاكة السجاد الايراني والهندي الى الاشكال والرسوم المنقولة عن الازهار والنباتات ، بينما يفضل القوقاسيون والتركمان الاشكال الهندسية . اما الاتراك فرسومهم ازهار ونباتات واشكال هندسية . والسجاد الصيني يتميز برسومه التقليدية التي تتشكل من الطيور والحيوانات الغريبة والتنين الخ .. فالتنين عندهم مرتبط بالديانة الكنفوشية ، كما انه يرمز الى السلطة الامبراطورية . أما في إيران فالتنين يرمز الى الشر ويمثل الموت في الهند . وتمثل رسوم الحيوانات المتقاتلة في السجاد الشرقي الصراع بين الخير والشر .

للازهار والنباتات وبعض الاشكال الهندسية معانيها الخاصة . فشجرة السرو ترمز الى الحداد والتفجع على الميت والحياة الابدية او الاخرة ، بينما يرمز النخيل وجوز الهند الى البركة والنعمة وتحقيق الاحلام . ويرمز عود الصليب او الفاوانيا الى الثروة والغنى ويبشر اللوطس او النيلوفر بذرية عظيمة .

وجد الصليب المعقوف طريقه الى حواشي السجاد الهندي والمصري والاميركي الجنوبي واصبح شائعاً جداً في السجاد المصنوع في هذه البلدان . فهو يرمز الى السلم والسلام في الصين ( وهو رمز افتقدته اوروبا ايام النازية ) . اما الهلال فيعني الايمان .

لم تشجع الديانة الاسلامية كثيراً على تصوير الاشخاص والحيوانات ، لذلك غلبت على السجاد الاسلامي الاشكال الهندسية باستثناء ايران التي ظلت تزين سجادها باشخاص وحيوانات . وفي المقابل ، فمن النادر ان نجد رسوماً لاشخاص او حيوانات في السجاد التركي . ويتميز سجاد الصلاة التركي برسوم دقيقة التفاصيل لمحراب الصلاة الذي يمكن للمؤمن ان يوجهه نحو مكة المكرمة وهو يؤدي صلاته .

 



القطن