النقود العربية الاسلامية

كان الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان (685-705م) أول من أمر بسك النقود العربية ، فسكت في دمشق بين 691-694م . ظهرت على هذه النقود اشكال ثلاثة اعراب يرتدون الزي العربي وجاءت الكتابة عليها بالعربية . وكانت النقود التي استعملها العرب قبل خروجهم من الجزيرة قليلة الانتشار بين الناس، وفي معظمها بيزنطية وساسانية منقوشة بنقوش وأحرف بيزنطية وفارسية . وكانت تحمل صور الحكام من بيزنطيين وساسينيين .

إعتمد الامويون على العمال المهرة في سورية في سك نقودهم . وكان هؤلاء قد تمرسوا بهذا العمل منذ زمن بعيد . وسكت النقود الجديدة من الذهب والفضة والنحاس . وجاءت في مراحلها الاولى متأثرة بالفن البيزنطي ثم تطورت لتأخذ شكلاً يترافق مع الفن الاسلامي كأن تحمل صور محراب في مسجد او صورة خليفة يؤدي الصلاة راكعاً . وسرعان ما زالت صور الخليفة عن النقد تمشياً مع روح الاسلام ، وحل محلها بدءاً من سنة 696-7م
الخط العربي . ويمكن القول ان النقد العربي الاسلامي الصرف بدأ مع سك هذه النقود في اواخر القرن السابع ميلادي . وكان شكل الدينار بسيطاً ، ديني الطابع ، يحمل تاريخ سكه . واللافت ان الخط كان يتوسط النقد تحيط به دائرة تحمل هي ايضاً كتابات واشكال وتواريخ . وبقي هذا النمط متبعاً حتى القرن الثالث عشر ميلادي .

ظلّ حجم وشكل الدينار الاسلامي الذي سك منذ بدء الخلافة الاموية سائداً حتى في ايام
العباسيين ، مع فوارق قليلة طرأت على الخط اذ أصبح ايام العباسيين اطول امتداداً، وبخاصة في قفا الدينار . وظلّ المد والتطويل للخط على الدينار حتى القرن التاسع ، حتى اصبح بمقدور المرء ان يعرف فترة سك الدينار من دون قراءة تاريخه . فالاحرف التي مدت في الدينار العباسي جعلته يتميز بعض الشيء عن الدينار الاموي . وكان الخط الذي استعمل في هذا الدينار هو الخط الكوفي ، نسبة الى مدينة الكوفة العراقية .

طرأ تغير كبير على حجم الدينار وشكله في زمن المأمون (813-833م) فأخذت العملة شكلاً عباسياً صرفاً بعد ان اضيفت اسماء الخلفاء على الدينار الذهبي والفضي . وفي بعض الحالات أضيف اسم ولي العهد ، بينما غابت اسماء الحكام المحليين الذين ظهرت اسماؤهم على الدينار في فترات سابقة . واصبحت في عهد المأمون العملة العباسية اما ديناراً ذهبياً او درهماً فضياً . وبقي هذا النمط سائراً حتى احتلال المغول لبغداد سنة 1258م . اما مسلمو الشمال الافريقي والاندلس فلم يسلكوا مسلك المأمون وظلوا يستعملون الشكل العباسي القديم . ففي سنة 929 م سك الخليفة عبد الرحمن الناصر في قرطبة نقداً يتبع التقليد العباسي ، بحيث ظلت الاحرف طويلة ممتدة . اما المرابطون فسكوا نقوداً ذهبية في القرن الحادي عشر مميزة الى درجة ان الملك الاسباني في توليدو قلدها . وكان الخط العربي المنقوش على دينار المرابطين واضحاً متماسكاً ودقيقاً . اما في مصر ، فقد حافظ الدينار على الشكل والخط العباسي وحمل اسم الحاكم وتاريخ الاصدار .

شهد الدينار العباسي تبديلاً منذ القرن الثالث عشر وبدأ يحمل اشكالاً غير مألوفة من قبل ، كرسم للسيف في اشارة الى سيف الحاكم ، او القوس والنشاب الذي كان شعار العائلة المالكة السلجوقية . وكذلك حملت بعض النقود التي كان يوزعها الحكام هدايا وتقديمات ، حملت صوراً لاشكال متعددة كالاشخاص والحيوانات .

ظلّ الدينار الفاطمي الاول على بساطة الدينار الاموي الاول ، عاكساً تمسك الفاطميون بالتقاليد الدينية الصارمة . ورغم بعض التطوير الذي طرأ على هذا الدينار فانه ظل يحافظ على شكله الدائري والخط المنقوش من دون الاشكال . وقد اتبع الايوبيون وبعض الصليبيين النمط الاموي .

لما خرج
الموحدون ، وهم حركة متشددة، من صحرائهم في جنوبي المغرب واحتلوا الشمال الافريقي وبعض الاندلس جعل قائدهم الاول عبد المعين (1130-1163م ) الخط ضمن مربع في وسط الدينار محاطاً بدائرة واضاف بعض الخطوط المنقوشة بين المربع والدائرة ، وكتب الخط لاول مرة بالنقشي . كما ادخل الموحدون تطويراً على الدينار الفضي اذ جعلوه طويل الشكل . ورغم ان حكم الموحدين لم يطل ، فان السلالات التي حكمت المغرب بعدهم ظلت تعتمد دينار الموحدين حتى ظهور العثمانيين في القرن السادس عشر . وكان النقد في سورية واليمن وافغانستان قد قلّد دينار الموحدين في اعتماده المربع داخل الدائرة . فقد سكت دنانير سورية ايام صلاح الدين تشابه دينار الموحدين ، وظلت تسك الدنانير السورية على هذا الشكل طيلة قرن من الزمن .

أما في
مصر ، فظل الدينار على شكله الاساسي حتى القرن الرابع عشر. وفي القرن الخامس عشر ظهر دينار مصري ذهبي يدعى "الاشرفي" . وكان هذا الدينار يزن 3.5 غراماً ، فأصاب نجاحاً وشعبية دعت سلاطين بني عثمان وشاه ايران الى تقليده . وبقي الايرانيون يستعملونه باسمه المصري " الاشرفي " ، نسبة الى الملك الاشرف برسباي (1422-1437م).



دمشق