سالم الخاسر

أبو عمر سالم الشاعر عرف بالخاسر؛ يقال إنه مولى أبي بكر الصديق، وقيل بل مولى المهدي، وهو سالم بن عمرو بن حماد بن عطاء بن ياسر، هكذا نسبه أحمد ابن أبي طاهر، وسمي الخاسر لكونه باع مصحفاً واشترى بثمنه طنبوراً. قدم بغداد ومدح المهدي والهادي والبرامكة، وكان على طريقة غير مرضية من المجون والتظاهر بالخلاعة والفسوق.

وكان سالم المذكور قد مدح المهدي بقصيدة منها:

حضر الرحيل وشدت الأحداج

 

وحدا بهن مشمر مـزعـاج

شربت بمكة في ذرى بطحائها

 

ماء النبوة ليس فـيه مـزاج

 

وكان المهدي أعطى مروان بن أبي حفصة مائة ألف درهم بقصيدته التي أولها:

 

طرقتك زائرة فحي خيالها

 

فأراد أن ينقص سالماً من هذه الجائزة فحلف سالم أن لا يأخذ إلا مائة ألف وقال: تطرح القصيدتان إلى أهل العلم حتى يخبروا بتقدم قصيدتي؛ فأنفذ له المهدي مائة ألف درهم وألف درهم، وكان هذا ماله.


وكان ينتمي إلى ولاء تيم بن مرة من قريش، فلما بلغ زمن الرشيد، وكان الرشيد قد بايع لمحمد بن زبيدة، يعني ولده الأمين، قال قصيدته التي أولها:

 

قل للمنازل بالكثيب الاعـفـر

 

أسقيت غادية السحاب الممطر

قد بايع الثقلان مهدي الهـدى

 

لمحمد بن زبيدة ابنة جعفـر

 

فحشت زبيدة فاه دراً فباعه بعشرين ألف دينار. وتقدم لمروان بن أبي حفصة مع زبيدة مثل ذلك في حرف الزاي.
ومات سالم في أيام الرشيد وقد اجتمع عنده ستة وثلاثون ألف دينار، فاودعها أبا السمراء الغساني فبقيت عنده، وإن إبراهيم الموصلي دخل يوماً على الرشيد وغناه فأطربه فقال: سل ما شئت، قال: نعم يا سيدي، أسأل شيئاً لا يزرأك، قال: ما هو؟ قال: مات سالم وليس له وارث وخلف ستة وثلاثين ألف دينار عند أبي السمراء الغساني، تأمره أن يدفعها إلي، فتسلمها.


وكان الجماز قدم هو وأبوه يطالبان بميراث سالم بأنهما من قرابته. وذكروا أنه لما قال أبو العتاهية:

 

تعالى الله يا سلم بن عمـرو

 

أذل الحرص أعناق الرجال

غضب سالم وقال: يزعم أني حريض؟ وقال يرد عليه:

ما أقبح التزهيد مـن واعـظ

 

يزهد الـنـاس ولا يزهـد

لو كان في تزهيده صـادقـاً

 

أضحى وأمسى بيته المسجد

ويرفض الدنيا ولم يقـنـهـا

 

ولم يكن يسعى ويستـرفـد

يخاف أن تـنـفـد أرزاقـه

 

والرزق عند اللـه لا ينـفـد

والرزق مقسوم على من ترى

 

ينـالـه الأبـيض والأسـود

كل يوفـى رزقـه كـامـلاً

 

من كف عن جهد ومن يجهد

 

وكان سالم من الشعراء المجيدين من تلامذة بشار، وصار يقول أرق من شعر بشار. وكان بشار قد قال:

 

من راقب الناس لم يظفر بحاجته

 

وفاز بالطيبات الفاتك اللـهـج

وقال سالم:

من راقب الناس مات غماً

 

وفاز باللذة الـجـسـور

 

فغضب بشار وقال: ذهب والله بيتي؛ يأخذ المعاني التي تعبت فيها فيكسوها ألفاظاً أخف من ألفاظي، لا أرضى عنه، فما زالوا يسألونه حتى رضي عنه.

 

وقال أبو معاذ النميري: رأيت بشاراً لما قال هذا البيت وهو يلهج به كثيراً.

من راقب الناس لم يظفر بحاجته... البيت

قلت: يا أبا معاذ، قد قال سالم الخاسر بيتاً في هذا المعنى هو أخف من هذا، وأنشدته:

من راقب الناس مات غماً

فقال: ذهب والله بيتي، والله لا أكلت اليوم شيئاً ولا صمت.

وكانت وفاة سالم المذكور سنة ست وثمانين ومائة، رحمه الله تعالى.