البهاء السنجاري

أبو السعادات أسعد بن يحيى بن موسى بن منصور بن عبد العزيز بن وهب ابن هبان بن سوار بن عبد الله بن رفيع بن ربيعة بن هبان السلمي السنجاري الفقيه الشافعي الشعار المنعوت بالبهاء؛ كان فقيهاً، وتكلم في الخلاف، إلا أنه غلب عليه الشعر وأجاد فيه واشتهر به وخدم به الملوك وأخذ جوائزهم، وطاف البلاد ومدح الكابر، وشعره كثير في أيدي الناس، يةجد قصائد ومقاطيع، ولم أقف له على ديوان ولم أدر هل دون شعره أم لا، ثم وجدت له في خزانة كتب التربة الأشرفية بدمشق ديواناً في مجلد كبير.
ومن شعره من جملة قصيدة مدح بها القاضي كمال الدين ابن الشهرزوري:

وهـواك مـا خـطـر الـســلـــو بـــبـــالـــه

 

ولأنـت أعـلـم فـي الــغـــرام بـــحـــالـــه

ومـــتـــى وشـــى واش إلـــيك بـــأنـــــه

 

سالٍ هـــواك فـــذاك مـــن عـــذالـــــــه

أولـيس لـلـكـلـف الـــمـــعـــنـــى شـــاه

 

من حـالـه يغـــنـــيك عـــن تـــســـآلـــه

جددت ثوب سقامه، وهتكت ستر غرامه، وصرمت حبل وصاله

 

 

أفزلة سبقت له أم خلة

 

مألـــوفة مـــن تـــيهـــه ولـــدلالــــــه

يالـــلـــعـــجـــائب مـــن أســـير دأبـــه

 

يفـدي الـطـلـيق بـنـفـســـه وبـــمـــالـــه

بأبـي وأمــي نـــابـــل بـــلـــحـــاظـــه

 

لا تـتـقـي بـــالـــدرع حـــد نـــبـــالـــه

ريان مـن مـاء الــشـــبـــيبة والـــصـــبـــا

 

شرقـت مـعـاطـــفـــه بـــطـــيب زلالـــه

تسـري الـنـواظـر فـي مـراكـب حـــســـنـــه

 

فتـكـاد تـغـرق فـي بـحـــار جـــمـــالـــه

فكـفـاه عـين كـمـالـــه فـــي نـــفـــســـه

 

وكـفـى كـمـال الــدين عـــين كـــمـــالـــه

كتـب الـعـذار عـــلـــى صـــحـــيفة خـــده

 

نونـاً وأعـجـمـهـا بـــنـــقـــطة خـــالـــه

فســـواد طـــرتـــه كـــلـــيل صـــــدوده

 

وبـــياض غـــرتـــه كـــيوم وصـــالــــه

 

ولولا خوف الإطالة لذكرتها جميعها. وهذا القدر هو المشهور له، وقد أضافوا إليها بيتين، ولا أتحققهما فتركتهما.
وله أيضاً من جملة قصيدة:

 

ومهفهف حلو الشمـائل فـاتـر

 

الألحاظ فيه طـاعة وعـقـوق

وقف الرحيق على مراشف ثغره

 

فجرى بـه مـن خـده راووق

سدت محاسنه على عـشـاقـه

 

سبل السلو فمـا إلـيه طـريق

وله من قصيدة أخرى:

هبت نسيمات الصبا سحرةً

 

ففاح منها العنبر الأشهب

فقلت إذ مرت بوادي الغضا

 

من أين هذا النفس الطيب

 

وكان قد جاءنا ونحن في بلادنا في سنة ثلاث وعشرين وستمائة الشيخ جمال الدين أبو المظفر عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن السنينيرة الواسطي، وكان من أعيان شعراء عصره، ونزل عندنا بالمدرسة المظفرية، وكان قد طاف البلاد ومدح الملوك وأجازوه الجوائز السنية، وإذا قعد حضر عنده كل من له عناية بالأدب، وتجري بينهم محاضرات ومذكرات لطيفة، وكان قد طعن في السن، فقال يوماً: رافقني البهاء السنجاري في بعض الأسفار من سنجار إلى رأس عين، أو قال: من رأس عين إلى سنجار، فنزلنا في الطريق في مكان وكان له غلام اسمه إبراهيم، وكان يأنس به، فأبعد عنا الغلام فقام يطلبه فناداه: يا إبراهيم ياإبراهيم مراراً فلم يسمع نداءه لبعده عنا، وكان ذلك الموضه له صدى، فكلما قال: ياإبراهيم أجابه الصدى: ياإبراهيم، فقعد ساعة ثم أنشدني:

 

بنفسي حبيب جار وهو مجـاور

 

بعيد عن الأبصار وهو قـريب

يجيب صدى الوادي إذا ما دعوته

 

على أنه صخر ولـيس يجـيب

 

وكان للبهاء السنجاري صاحب، وبينهما مودة أكيدة واجتماع كثير، ثم جرى بينهما في بعض الأيام عتاب وانقطع ذلك الصاحب عنه، فسير إليه يعتبه لانقطاعه، فكتب إليه بيتي الحريري اللذين ذكرهما في المقامة الخامسة عشرة وهما:

 

لاتزر من تحب في كل شهر

 

غير يوم ولا تـزده عـلـيه

فاجتلاء الهلال في الشهر يوم

 

ثم لا تنظر الـعـيون إلـيه

 

فكتب إليه البهاء من نظمه:

 

إذا حققت مـن خـلٍ وداداً

 

فزره ولا تخف منه ملالاً

وكن كالشمس تطلع كل يومٍ

 

ولا تك في زيارته هـلالاً

 

وله، وهما من شعره السائر:

 

لله أيامـي عـلـى رامة

 

وطيب أوقاتي على حاجر

تكاد للسرعة في مـرهـا

 

أولها يعـثـر بـالآخـر

وله من قصيدة في وصف الخمر، وهو معنى مليح:  

كادت تطير وقد طرنا بها طـربـاً

 

لولا الشباك التي صيغت من الحبب

وذكره عماد الدين الأصبهاني الكاتب في كتاب السيل والذيل وقال:

ومن العجـائب أنـنـي

 

في لج بحر الجود راكب

وأموت من ظـمـإٍ ول

 

كن عادة البحر العجائب

وله أشياء حسنة.

وكانت ولادته سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وتوفي في أوائل سنة اثنتين وعشرين وستمائة بسنجار، رحمه الله تعالى.