الحد العاشر: في الأطعمة - الفرع الأول

محاضرات الأدباء

الراغب الأصفهاني

الحسين بن محمد بن المفضل، أبو القاسم الأصفهاني (أو الأصبهاني) المعروف بالراغب والمتوفي سنة 502هـ-1108م

 

الحد العاشر

في الأطعمة

الفرع الأول

مما جاء في أوصاف الأطعمة

الخبز:

قيل: الخبز يسمى جابر أو عاصم بن حبة. كما قيل: التمر بنت نخيلة. وقال أعرابي عير بعمل تعاطاه:

فلا تلوماني ولوما جابراً ... فجابر كلفني الهواجرا

وقيل لأعرابي: الخبز أحب إليك أم التمر؟ فقال: التمر طيب وما عن الخبز صبر. وقيل لبعضهم: ما طعم الخبز؟ قال: طعم أدامة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أكرموا الخبز فإن الله تعالى: سخر له ما في السموات والأرض.

السويق:

عاب عائب السويق عند الطفاوية، وكانت امرأة أدركت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: لا تفعل فإن السويق طعام المسافر والعجلان والحزين والسمنة والنفساء والمريض. وقيل: هو يرفو الضعيف ويشد فؤاد السقيم وفقاره، ويجلو البلغم ومسمونه يصفي الدم، إن شئت كان ثريداً وإن شئت كان خبيصاً.

حمد اللحم وذمه:

قيل: أطيب اللحم عوده أي ما عاد منه بالعظم. وقيل: اللحم أقل الطعام نجواً. وقيل: من لم يأكل اللحم أربعين يوماً نقص عقله. وقيل: من تركه أربعين يوماً ساء خلقه. وقال بعض الأطباء: عجباً لمن أكله الخبز واللحم وشربه ماء الكرم ثم اقتصد في تناولها كيف يموت؟ واستقبل عمر رجلاُ ثلاثة أيام على الولاء وقد اشترى لحماً فعلاه بالدرة وقال: إن الله تعالى يبغض قوماً لحميين، عاقب بين اللحم وغيره. وقيل: إياكم وهذه المجازر فإن لها ضراوة كضراوة الخمر. وقال المسيح: ألحم تأكل لحماً؟ أف لهذا عملاً! وسئل بعض الرهبان عن تركه أكل اللحم فقال: إنا رأينا الغوائل تتولد من أكل اللحم، ألا ترى أن أكلة اللحم من السباع هي أشد ضرراً من أكلة الحشيش؟

السكباج والزيرباج:

يقال للسكباج الخلية والمخللة والشمقمقة، والصفصاف لغة ثقيف، وسموه أم القرى. ولم يكن يطلق السكباج أن يطبخ في أيام الفرس إلا بخاتم من الملك. وسئل بعضهم عنه فقال: إنه يشفي العرم ويفتق الشهوة، ويقدم في الثرائد وتزين به الموائد، تجيدها الخاصة ولا تغلط فيها العامة قال الحجاج لطباخه: اتخذ لنا صفصافة وأكثر فيجنها. فلم يدر الطباخ ما عناه فسأل ابن القرية فقال: اتخذ سكباجة وأكثر سدابها. وقال المنصور يوماً لحظية له: إلى كم نأكل السكباج؟ يعرض بها. فقالت: يا أمير المؤمنين هو مخ الأطعمة لا يمل حارها ولا يكره باردها. فاستحيا منها.

عبد الملك بن محمد بن إسماعيل:

وسكباجة تشفي السقام بطيبها ... على أنها جاءت بلون سقيم

إذا زارها أيدي الرجال تزاحمت ... كأيدي نساء في ظلال نعيم

بعضهم:

فتنتنا بريحها السكباجه ... فتركنا من أجلها ألف حاجة

وأكل أعرابي القريش فقيل له: ما أكلت؟ قال: الفالوذج ألا إنكم هضمتموه بعد.

بعضهم:

قدم طاهيك زيرباجه ... وهي على الدهر خير باجه

صبيغة الزعفران تحوي ... أطايب الفرخ والدجاجه

وقدم إلى طفيلي سكباجة بلا زعفران فقال: ما لها خرجت متفضلة بلا لباس.

الثريد:

قيل لأعرابي: أي الطعام أطيب؟ فقال: ثريدة دكناء من الفلفل رقطاء من الحمص ذات حفافين من الصبغ لها جناحان من العراق، أضرب بها ضرب الولي السوء في مال اليتيم! حسان:

ثريد كأن السمن في جنباته ... نجوم الثريا أو عيون الضياون

قال الأصمعي: قلت لأعرابي هل لك في ثريدة؟ قال: نعم.

ثريدة محمومة في صفحة مكمومة

قد ألحفت رقاقا وكللت عراقا

المرق:

قيل: المرق أحد اللحمين. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا طبخ أحدكم اللحم فليستكثر من المرق، فمن عدم اللحم أكل المرق فهو أحد اللحمين. قال: وأكثر الشرب إن لم يكن يكثر اللبن.

وأهدى صالح بن عميرة إلى سعيد بن سلم جوذابة فكتب إليه:

بعثت إلي بجوذابة ... فأين التي جاء جوذابها؟

فقال لابن أخيه: أجبه فكتب إليه:

بعثنا إليك بجوذابة ... وحاز الإوزة أصحابها

الشواء:

ابن الرومي:

وسميطة صفراء دينارية ... ثمناُ ولوناُ زفها لك حزور

ظلنا نقشر جلدها عن لحمها ... فكأنك تبراً عن لجين يقشر

ويقاربه في صفته:

شديد اصفرار الكشيتين كأنما ... يطلى بورس بظنه وشواكله

ابن طباطبا:

إن أنس لم أنس قبل الحشر مائدة ... ظلنا لديك بها في أشغل الشغل

إذ أقبل الجدي مكشوفاً ترائبه ... كأنه متمط دائم الكسل

قد مد كلتا يديه لي فأذكرني ... بيتاً تمثلته من أحسن المثل

كأنه عاشق قد مد بسطته ... يوم الفراق إلى توديع مرتحل

وقدم إلى بعضهم جدي خشب لم ينضج فقال: كأنه شريحة من قصب.

ابن طباطبا يذمه:

قد أتينا به عواري ضلوع ... هي في الوصف والمدار سواء؟

حار فهمي فلست أدري أمدرا ... ة بدت أم شريحة أم شواء؟

وقدم لأبي علي القسري مرة شواء غير نضيج فقال: هذا لا تعمل فيه العوامل. وقال بعض القدماء في سفود عليه لحم:

وذي شعب شتى كسوت فروجه ... بغاشية يوماً مقطعة حمرا

وينشد في غير النضيج عبدة بن الطيب:

لما نزلنا رفعنا ظل أخبية ... وفاز للحم بالقول المراجيل

ورداً وأشقر لم ينهبه طالبه ... ما غير القلي منه فهو مأكول

القديد:

حمل إلى أعرابي لحم مقدد صلب فقال: ما هذا لحم مقدد بل حبل ممدد.

البيض والعجة:

ابن أبي البغل:

وصف على الكانون بيض كأنه ... فرائد در سُل من صدف البحر

كما اصطف أرجاء الندي وصائف ... على دستبيد قد تملى من الخمر

أكل بعضهم بيضاً مع سلطان يأكل الصفرة ويؤثره بالبياض فقال الرجل: سقى الله العجة ما أعدلها. وكتب منصور الفقيه إلى جار له يستدعي منه بيضاً لابنه:

لأبي الفضل إذا هم بما يهوى لجاجه

فله عندك مطلو ... ب ومأمول وحاجه

درة ليست من البحر ولكن من دجاجه

البرزماورد:

قيل: البرزماورد نرجس الموائد. وقد أحدثته الفرس في بعض الحروب واستخفوا حمله في المعازل وسموه رزماورداي. هو طعام أفاده الحرب ثم قيل بزم أورد، وقيل سمي زماورد، وسمي المهيأ والميسر. قال الشاعر:

كل الميسر من راسين يا سكني ... لا يستطاع ولا سيفان في غمد

البقل:

قال أبو نواس: مائدة بلا بقل كشيخ بلا عقل، ومجلس بلا ريحان كشجرة بلا أغصان.

الخل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم الادام الخل. وقال: ما أفقر بيت فيه خل.

الأرز:

كان الحسن بن سويد يأكل مع المأمون، فقد الأرز فقال: الأرز يزيد في العمر. فقال المأمون: كيف؟ فقال: ذكر أطباء الهند أن الأرز يري المنامات الحسنة، ومن رأى مناماً حسناً كان في نهارين، فاستحسن المأمون منه ذلك، وجرى ذكر البهطة في مجلس إبراهيم التيمي القاضي فقال رجل حضر لإقامة شهادة: ما هو؟ فقيل: الأرز باللبن. فقال: لا أشتهيه. فسكت ثم قال: وما أظن عاقلاً يشتهيه. فقال إبراهيم: أما الأولى فقد احتملناها، وأما الثانية فلا محتمل عليها، فأخر شهادته. وكان بعض شعراء الزمان عند عضد الدولة فقدم البهطة فقال: صفها. فعجز عن ذلك فقال عضد الدولة:

وبهطة تعجز عن وصفها ... يا مدعي الأوصاف بالزور

كأنها في الجام مجلوة ... لآلىء في ماء كافور

آخر:

ولست أحب الرز إن قل طبخه ... فكيف أحب الرز وهو مسخن؟

الطباهجة:

ابن الرومي:

طباهجة كأعراف الديوك ... تروق العين من شرط الملوك

هلم إلى مساعدتي عليها ... فلست لمثل ذلك بالتروك

الهريسة:

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن نبياً من أنبياء الله تعالى شكا ضعفاً في بدنه، ووجعاً في صلبه، فأوحى الله تعالى إليه أن أطبخ اللحم بالبر وكل، فإني قد جعلت القوة فيهما.

ابن الرومي:

هلم إلى من عذبت طول ليلها ... بأضيق حبس في تنور تعذب

وقد ضربت حدين وهي بريئة ... فقوموا إلى دفن الشهيدة تؤجروا

وقيل: الهريسة أوطأ فراش هيىء لنبيذ.

وللخوارزمي:

هل تنشطون لتنورية خنقت ... من أول الليل حتى قلبها يجف

كأنها وهي فوق الجام قد غرقت ... في دفنها قمر بالشمس ملتحف

أو درهم فوقه الدينار منطبق ... أو لوح عاج على الزدياب مكتنف

أبو طاهر المأموني:

در نثير اسلاكه قطع ... في ماء ورد وصندل نقعا

الرؤس:

كان الثوري يعجب بالرؤس، ويسميها مرة عرساً لما تجمع من الألوان المختلفة الطيبة، ومرة الجامع ومرة الكامل ويقول: هو شيء واحد ذو ألوان عجيبة وأطعمة مختلفة. وقيل لأعرابي: تحسن أكل الرؤوس؟ فقال: نعم أبخص عينيه وأقلع أذنيه، وأفك لحييه، وأشج شدقيه، وأرمي بالعظم إلى من هو أحوج إليه مني. ودعا بعضهم آخر إلى دعوته وقال: عندي رغف خوارة ورؤوس فوارة. ودعي رجل إلى أكل الرؤوس فلما قام قال: أطعمكم الله من رؤوس أهل الجنة.

وقال ابن الرومي:

هام وأرغفة وضاء ضخمة ... قد أخرجا من فاحم فوار

كوجوه أهل الجنة ابتسمت لنا ... مقرونة بوجوه أهل النار

الدماغ والمخ:

قيل: أضر الأطعمة للبدن الدماغ، فإنه يعلق بالمعدة ويتغرى ما بين غضونها، فلا يدخلها غذاء ولا دواء إلا زلق عنها، والعرب تكره أكل المخ وتتعير به، وذلك قول الشاعر:

ولا ننتقي المخ الذي في الجماجم

قال الأصمعي: كان أعرابي في يده عظم وعنده ثلاثة بنين فقال للأكبر: إن أعطيتك هذا العظم ما تصنع به؟ قال: أتعرفه حتى لا أدع لذر فيه مقيلاً. قال الأوسط: أتعرقه حتى لا يدري أهو لعامنا أم لعام أول. فقال الأصغر: أتعرقه ثم أتمششه ثم أدقه فأستفه. فقال: خذه فأنت صاحبه! وقال في صفة جدب: وبات شيخ العيال يصلب: أي يطبخ العظم فيخرج الدسم، ويسمى ذلك الصلب.

المضيرة:

قيل: شكا نبي من الأنبياء إلى الله تعالى ضعفه، فأوحى إليه أن أطبخ اللحم باللبن وكله تقو.

بعض الشعراء:

مضيرة تنتمي في طيب نكهتها ... وفي الصفاء إلى مسك وكافور

كأنما البصل الثاوي بصفحتها ... فرائد فرشت في صحن بلور

المصلية:

ابن أبي البغل:

ومصلية أما مجال وشاحها ... فقرع وأما خصرها فثريد

كأن هبير اللحم في جنباتها ... قطا جثم وسط الفلاة ركود

الشيراز:

لا أحمد المر أقصى ما يبيض به ... إذا اعتصرناه أصناف الشواريز

ما متعة العين في خد تورده ... يزهي إليك بخال فيه مركوز

أشهى إليك من الشيراز قد وضحت ... في صحن وجنته خيلان شونيز

الكشك:

بعضهم:

أم ذا الكشك زانيه ... إن طبخناه ثانيه

وقيل من حم يوماً واحداً فلا يأكلن الكشك سنة. ونزل رجل بأعرابي فكان كل يوم يقول لامرأته: قومي ائتيني بخبز وما رزق الله. فكانت تأتيه بالخبز والكشك؛ فقال يوماً ذلك فقال لها الضيف: هاتي الخبز ودعي ما رزق الله.

الكامخ:

دفع إلى أعرابيين رغيفان بينهما كامخ فقال أحدهما: خرء ورب الكعبة! فذاقه الآخر واستطابه فقال: نعم ولكنه خرء الأمير. وقال الآخر: لا يفرق بين الكامخ والخرء إلا بالذوق. وأضيف أعرابي فأطعم الكوامخ مراراً، فأستفتح الصلاة خلف الإمام فقرأ الإمام: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير، فقال الأعرابي: والكوامخ فلا تنسها.

النيختي:

أتتني سكرجة لونها ... يرف كبلورة صافيه

مضمنة من وضيء الطعام ... لما يذكر العيشة الراضيه

فلم أدر هل ضمنت كامخاً ... من الطيب أم ضمنت غاليه

آخر ضده:

شيب رأسي وحنا أعظمي ... طول ائتدامي الخبز بالكامخ

فهو إلى نفسي من بغضه ... يعدل سم الأسود السالخ 

اللبن:

قال الله تعالى: " وأنهار من لبن لم يتغير طعمه " . وقال: من بين فرث دم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين. وقيل: اللبن أحد اللحمين، وسموه شحماً لما كان من الشحم يتولد. وقيل لرجل: الخل أحب إليك أم الرائب؟ فقال: الرائب فإنه على كل حال بات مع اللحم ليلة. وقيل: ما غص أحد باللبن قط لقوله تعالى: لبناً خالصاً سائغاً للشاربين. وفي الحديث أن البقر لحومها داء وألبانها شفاء. وقال صلى الله عليه وسلم: عليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر. وقيل: ما رغي من اللبن أطيب من المصرح. وقيل: إن الرثيئة مما يغثا الغضب. قال ذو الرمة: كان إذا نزل بنا نزيل قلنا له الحليب أحب إليك أم المخيض! فإن قال المخيض. قلنا: عبد من أنت؟ وإن قال الحليب. قلنا: ابن من أنت؟ شاعر:

إذا شئت عناني على رحل فتية ... حضجر يداوي بالبدور كبير

يعني أنه يمخض له. وقيل لبعضهم: الحليب أحب إليك أم الرائب؟ فقال: هو أكرم وأطيب من أن ينفى له حال.

الجبن:

قال خالد بن صفوان لجاريته: أطعمينا جبناً فإنه يشهي الطعام ويدبغ المعدة ويهيج الشهوة. فقالت: ما عندنا. فقال: ما عليك فإنه يقدح في الأسنان ويلين البطن، وهو من طعام أهل الذمة. فقال بعض أصحابه: بأي القولين نأخذ؟ فقال: إذا حضر فبالأول، وإذا غاب فبالثاني. وكتب كسرى إلى واليه: ابعث إلي بشر إنسان على شر دابة مع شر طعام! فبعث إليه بخوذي على خنزير معه جبن.

شاعر:

إنما الجبن آفة الجسم سقما ... وعلى القلب كربة الأوهام

بدلوها بلقمتي سكباج ... أو شواء مفصل من عظام

السمك:

قال أعرابي: كل من السمك القذال ودع منه المبال. وقال آخر: كل ما تفلس ودع ما تملس. وقدم إلى جعفر بن يحيى سمك فقال: هذا إن لم يكفن بخبيص ويقبر بنبيذ فالحذر منه وقال طبيب الهند: اجتنبوا ما يخرج من الضرع والبحر.

أبو طالب المأموني:

ماوية فضية لحمها ... ألذ ما يأكله الآكل

يضمها من جلدها جوشن ... مدبل فهو لها شامل

تعيشها اللجة ما خيمت ... بها كما يتلفها الساحل

لو نلت من فضتها عسجداً ... بقليها ما ضافني نازل

الباذنجان:

في الخبر: كلوا القرع واجتنبوا الباذنجان. قيل لأعرابي: ما تقول في الباذنجان؟ قال: لونه لون بطون العقارب، وأذنابه كأذناب المحاجم، وطعمه طعم الزقوم! فقيل: إنه يحشى باللحم ويقلى بالزيت فيكون طيباً. فقال: لو حشي بالتقوى، وقلي بالمغفرة، وطبخته الحور العين، وحملته الملائكة ما كان إلا بغيضي. وقيل لآخر: ما تقول في باذنجان عملته بوران؟ فقال: إن شققته مريم وطبخته سارة وقدمته فاطمة، لا رغبة لي فيه! وحكي أن الشبلي رئي يوماً على الجسر، وكان يوماً مطيراً، فقيل له: إلى أين؟ فقال: بلغني أن فلاناً يعيب الباذنجان فأريد أن أمر عليه فأخاصمه.

الوأواء الدمشقي:

أتانا بمقلي بورانه ... وشيرازه من لبان الغنم

وقد شنج القلي منه الجلود ... كتشنيج أوجه سود الخدم

آخر:

كرة من المسك الذكي تضمنت ... من تحت مسك لؤلؤاً مقشورا

عبد العزيز:

وسود تروت بالدهان فأبدلت ... بتوريدها لوناً من النار أكلفا

كأفواه زنج تبصر الجلد أسوداً ... وتبصر إن فرت لجيناً مؤلفا

كخلق حبيب خاف اكثار حاسد ... فأظهر صرماً وهو يعتقد الوفا

المزور:

قال أحمد بن حمدون:

قلت: الطعام! فقالوا: من مزورة! ... فقلت: زور وليس الزور من وطري

هاتوا أطايب ثور فائق سمناً ... كالفيل قداً وإن عدوه في البقر

وسكبجوها ووفوها توابلها ... وزعفروها وصفوها عن الغير

وقدموها على بيضاء صافية ... كأنما خرطت من دارة القمر

فمن نجا فدفاع الله سلمه ... ومن مضى فإلى الفردوس أو سقر!

وقال ابن سكرة:

قد صرت كالزور في أكلي مزورة ... فإنها كاسمها بين الورى زور

خذ الحقاق واترك ما تزوره ... فالحق متبع والزور مهجور

ولا تؤخر لذيذ الأكل خوف أذى ... فليس في الموت تقديم وتأخير

طعام يعاد على مائدة واحدة:

ابن طباطبا:

أرز جاء يتبعه أرز ... هو الإيطاء يتخذ اتخاذ

فإيطاء القريض كما علمنا ... وإيطاء الطعام كمثل هذا

الملح:

قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: من ابتدأ غداءه بالملح أذهب الله عنه سبعين نوعاً من الداء، منها الجذام والبرص.

الخوارزمي:

فهو بقل وروضة وجوارشن ... وأدم وزاد حامل زاد

المأموني:

لا تدن مني الملح إن شبته ... من الأبازير بألوان

فوجهه أبرص ذو نمشة ... بين ثآليل وخيلان

وهاته من غير خلط له ... أدام زهار ورهبان

العسل:

قيل: أجود العسل الذهبي الذي إذا قطرت منه على الأرض قطرة استدارت استدارة الزئبق، ولم يتغبش ولم يختلط بالتراب. وقيل: أجوده ما يلطخ على الفتيلة ثم توقد فيها النار فتعلق. وكتب هشام إلى عامله أن ابعث إلي بعسل من عسل خدار، من النحل الأبكار من المستشار الذي لم تقربه نار. وقيل لرجل: ما تشتهي؟ فقال: جنى النحل وجنى النخل. فقيل له: أيهما أحب إليك؟ قال: أشفاهما وأنقاهما، وأبعدهما من الداء وأدناهما من الشفاء. وجعله الله تعالى في الجنان اللطيف بلا تفل، الخفيف بلا ثقل. وقال ديمقراطيس وقد سئل عما يزيد في العمر فقال: من أدام أكل العسل ودهن جسمه زاد الله في عمره.

الحلواء:

قال بختيشوع: الحلواء كلها حقها أن تؤكل بعد الطعام، لأن للمعدة ثوراناً عقيب الإمتلاء كثوران الفقاع، فإذا صادفت الحلاوة سكنت. وقول الناس: إن في المعدة زاوية لا يسدها إلا الحلاوة على أصله. قال: والآكل إذا اشته الحلوة ثم فقدها وجد في حواسه نقصاً.

الفالوذج والخبيص:

قال سفيان: لابد للعاقل في كل أربعين يوماً من خبيصة تحفظ عليه قوته. كل طعام بلا حلو فهو خداج. وقال رجل في مجلس الأحنف: ما شيء أبغض إلي من الحلواء. فقال: رب ملوم لا ذنب له، وسمع الحسن قائلاً يعيب الفالوذج فقال: لباب البر بلعاب النحل بسمن الماعز، ما عاب هذا مسلم قط. وقال أعرابي: وددت أن الموت والفالوذج اعتلجا في صدري! وبعث رجل إلى مزيد فالوذجاً قليل الحلوة فقال: ينبغي أن يكون هذا عمل قبل أن يوحي ربك إلى النحل. وقيل: ذهبت بهجة الخبيص منذ عمل من عسل. وأتي يزيد بن الوليد بفالوذج، فجعل الغاضري يأكل ويسرع فقال يزيد: أرفق فالإكثار منه يقتل. فقال الغاضري: منزلي على طريق المقابر، وما رأيت جنازة قيل أن صاحبها مات من أكل الفالوذج. 

اللوذينج:

قيل لبعض الناس: إن التمر يسبح في البطن! فقال: إذا كان التمر يسبح في البطن فإن اللوذينج يصلي فيها التراويح! وقيل: اللوزينج قاضي قضاة الحلاوات. شاعر في وصفه:

مستكثف الحشو ولكنه ... أرق جسماً من نسيم الصبا

يخال من رقة خرشائه ... شارك في الأجنحة الجندبا

لو أنه صور من خبزه ... ثغر لكان البارد الأشنبا

وقيل لآخر: ما تقول في لوزينجة قد رق قشرها وغرقت في سكرها ودهن لوزها؟ فقال: فما أشد الوصف إذا عدم الموصوف.

العصيدة:

بعض الأغفال:

وقدم من قبل الخبيص عصيدة ... مغشى أعاليها بمنثور سكر

ترى الجمر أثناء العصيدة كامناً ... فتحسب مسكاً بين أقطاع عنبر

ورؤي مخارق وهو يدور حول قدر يتخذ فيها عصيدة ويقول بلحن عجيب:

أنت يا ذات الأثافي ... أسمعينا غليانك

فبنشك ونشيشك ... طاب عنبرك وبابك

إنما قتلي لنفسي ... واجتهادي لمكانك

القطائف:

كشاجم:

قطائف مثل أضابير الكتب ... كأنها إذا تبدت من كثب

كوائر النحل بياضاً وثقب

آخر:

ألذ شيء على الصيام ... من الحلاوات في الطعام

قطائف نضدت فحاكت ... فرائد الدر في النظام

منومات على جنوب ... في الجام كالصبية النيام

 التمر:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يصبه يومه ذلك سم ولا سحر. وقال صلى الله عليه وسلم: أول ما يفطر به الرطب والتمر، وأول ما تأكل النفساء الرطب والتمر، لأن الله سبحانه وتعالى قال لمريم: " وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً. وقال شيخ: ما وضع الناس في أفواههم شيئاً أطيب من عجوة. وصف أعرابي تمراً فقال: تمرات جرد فطس، يغيب فيهن الضرس، كأن نواها ألسن الطير، تضع التمرة في فمك فتجد حلاوتها في كعبك. وقال أعرابي: ضفنا فلاناً فأتى بتمر كأعنان الوردان، يوحل فيه الضرس! وقيل: خير التمر ما غلظ لحاه ورق سحاه ودق نواه. قال النابغة يصفه.

صغار النوى مكنوزة ليس قشرها ... إذا طار قشر التمر عنها بطائر

آخر:

وكنت إذا ما قرب الزاد مولعاً ... بكل كميت جلده لم يؤسف

مداخله الأقراب غير ضئيلة ... كميت إذا خفت مزادة مخلف

آخر:

يا حبذاالتمرة ما أحلاها! ... تدمن الفقحة من ذكراها

وقال الحجاج يوماً لجلسائه: ليكتب كل واحد منكم أطيب طعام وليدفعه إلي. فكتب كلهم التمر والزبد. وقال سوار لرجل حضر لشهادة: بم تشهد؟ فقال:

شهدت بأن التمر بالزبد طيب ... وأن الحبارى خالة الكروان

فقال: أما الأول فإني أشهد به أيضاً.

أكل التمر:

قال بعضهم: لم أنتفع بأكل التمر إلا مع الزنج وأهل أصفهان، فالزنج لا تختار وأنا أختار، وأهل أصفهان يأخذون قبضة فإلى أن يفرغوا من أكلها لم يأخذوا من غيرها، وأنا أختاركما أحب. وقيل: فلان برم قرون أي لا يخرج مع أصحابه ويأكل تمرتين تمرتين.

الرطب:

قال ابن هبيرة: أي لقمة مخلوقة غير مصنوعة وصرف غير ممزوجة أطيب؟ فقال بعضهم: البيضة، وقال بعضهم: التمرة. فقال: هلا قلتم رطبة؟ قال المتوكل يوماً للفتح: الحلواء أطيب أم الرطب؟ فقال: يد الله أصنع. وقال الثوري: ما أعنف رجلاً يبيع ثيابه أيام الرطب فيشتريه بها. ذاكر الرشيد عيسى بن جعفر: أي الرطب أطيب؟ فقال الرشيد: القريتا. وقال عيسى: السكر. فأرسلوا إلى الأصمعي، فسأل الأصمعي الرسول عما دعي له، فقال الرسول: كان كذا، فلما دخل سألاه فقال: هذا لا يخفى أن القريتا أجود، إنا كنا بالبصرة صبياناً نلعب بالنوى، فنجعل نوى القريتا دنانير، ونوى السكر دراهم، فنعطي نواة من قريتا ونأخذ عشرين من سائر النوى! فضحك الرشيد وأمر له بصلة. 

العنب:

قيل: أجود العنب ما غلظ أعمده وأخضر عوده وسبط عنقوده. وقال أبو حنيفة الدينوري عن بعض أهل دمشق: إنه وزن حبة عنب مجلوبة من قرية يقال لها قرية العنب، فكان وزنها عشرة دراهم، وإن العنقود منها يملأ السلة.

ابن الرومي:

ورازقي مخطف الخصور ... كأنه مخازن البلور

قد ضمنت مسكاً إلى السطور ... وفي الأعالي ماء ورد جوري

لم يبق منه وهج الحرور ... إلا ضياء في ظروف نور

لو أنه يبقى على الدهور ... قرط آذان الحسان الحور

الصاحب:

وحبة من العنب ... من المنى متخذه

كأنها لؤلؤة ... في وسطها زمردة

وله:

حسبتها من بعد تمييزي لها ... لؤلؤة قد ثقبت من جانب

الخوخ:

الطيلساني:

وخوخة أعطيتها هشة ... بيضاء مثل اللبن المخض

كأنها كف امرىء شدها ... قبضاً لضرب منه أو عض

آخر:

كأنه الزبد إذا ما التوى ... بالعسل الماذي في صحنه

الصنوبري:

كوجنة ألبست خلوقا ... فزال عن بعضها الخلوق

الرمان:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم الشيء الرمان! ما من رمانة إلا وفيها حبة من الجنة، من أكلها نورت قلبه وأذهبت عنه الوسواس. وقال أمير المؤمنين رضي الله عنه: كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ المعدة. وقال الواسطي:

رأيت رمانة من فوق دوحتها ... ولونها ببديع الحسن منعوت

فالقشر حق لماض ضم رائحة ... والشحم قطن له والحب ياقوت

أبو طالب المأموني:

حق خليع ناصع دهنه ... مستودع حمر اليواقيت

وله في وصفه عند تفتيته:

الجام أرض وبناني حيا ... تمطر منه برداً أحمرا

ابن شاه:

ورمانة شبهتها إذ رأيتها ... بثدي كعاب أو بحقة مرمر

منمنمة صفراء نضد حولها ... يواقيت حمر في ملاء معصفر

لها قشر عقيان ورأس مشرق ... وأغصان خيري وأوراق عبهري

التين:

كشاجم:

أهلاً بتين جاءنا ... مبتسماً على طبق

كسفرة مضمومة ... قد جمعت بلا حلق

البحتري:

وتين كأطراف الثدي معسل

كشاجم:

سفر جمعن من الحرير الأًصفر

الزبيب:

خطب أعرابي امرأة، فطلب سكراً للنثار فرآه غالياً، فاشترى زبيباً فنثره، وقال:

ولما رأيت السكر العام قد غلا ... وأيقنت أني لا محالة ناكح

نثرت على رأسي زبيباً وصحبتي ... وقلت كلوا كل الحلاوات صالح

بعضهم:

حوى زقين من عسل مصفى ... نسينا عند طيبته الرضابا

وهاب الاغتصاب عليه منا ... فأنشأ فيه تدبيراً عجابا

أرانا فوق عاتقه سناناً ... وأودع بينها خشباً صلابا

وله:

خذ عسلاً في زبرجد جعلوا ... له صماخاً يصون ما فيه

المأموني:

وذات احمرار صادق اللون خلتها ... أرتنا بأعكان لها شطب النصل

قد انتحلت لوناً من النحل ناصعاً ... ليعلم ما تحويه من عسل النحل

القشمش:

المأموني:

وقشمش كخرز للنظم لم يثقب

تتلى بها الكأس لما بينهما من نسب

كأنه أوعية يحملن ذوب الضرب

أو لؤلؤ حلي أعلاه بماء الذهب

الطين:

سئل بعض الفقهاء عن أكل الطين فقال: لا يجوز لأن الله تعالى قال: كلوا مما في الأرض حلالاً، ولم يقل كلوا الأرض. وقيل لرجل: كل من هذا الطين. فقال: أو بلغك أن في بطني ركناً أو ثلمة يجب سدها؟ وكان المأمون مولعاً بأكله فسأل ابن بختيشوع عن دوائه فقال: عزمة من عزمات الرجل! فآلى على نفسه أن لا يعاود تناوله.

الموز:

ابن الرومي:

إنما الموز حين يمكن منه ... كاسمه مبدلاً من الميم فاء

وكذا فقده العزيز علينا ... كاسمه مبدلاً من الزاي تاء

فلهذا التأويل سماه موزاً ... من أفاد المعاني الأسماء

وله مثله في طيب الطعم:

يكاد من موقعه المحبوب ... يدفعه البلع إلى القلوب

الجوز واللوز:

ابن الواسطي في وصفه:

قطع العاج لففت في حرير ... أحمر في مداهن من ساج

المأموني:

ومحقق التدوير يبعد نفعه ... من كف من يجنيه ما لم يكسر

درع يسوغ لآكليه بضمه ... صدف تكون جسمه من عرعر

متدرع في السلم فوق غلالة ... درعا مظاهرة بثوب أخضر

وله في اللوز:

ومستجن عن الجانين ممتنع ... بجنة لم يحكها كف نساج

در تكون من عاج تضمنه ... في البر لا البحر أصداف من العاج

الفستق:

الصنوبري:

من الفستق الشامي كل مصونة ... تصان عن الأحداث في بطن تابوت

زبرجدة ملفوفة في حريرة ... مضمنة دراً مغشى بياقوت

ابن الواسطي:

مثل الزمرد في حرير أخضر ... قد ضمه صدف من العاج الحسن

الشاهبلوط:

ببغا:

وشاهبلوط تناهى واستتم ... كخرز من سبح لم ينتظم

كأنه لما تراءى من أمم ... في صحة التشبيه أظلاف الغنم

العناب:

بعضهم:

بنادق قد خرطت ... من العقيق الأحمر

الأجاص:

بندار:

إجاصة تحكي إذا حد النظر ... في شكلها سود صغيرات الأكر

محزوزة ولا يرى فيها أثر

المشمش:

قال رجل طبيب لرجل يغرس مشمشاً: ما تصنع؟ فقال: أغرس شجرة تثمر لي ولك. فأخذ هذا المعنى ابن الرومي فقال:

إذا ما رأيت الدهر بستان مشمش ... تعلم يقيناً أنه لطبيب

يغل له ما لا يغل لأهله ... يغل مريضاً حمل كل قضيب

آخر:

كأنها بوتقة أحميت ... يجول فيها ذهب ذائب

الفرصاد:

بعضهم:

وجني فرصاد كأن متونه ... برش على ياقوتة حمراء

السفرجل:

أبو علي بن أبي العلاء في وصفه:

نصف السفرجل ثدي ... والنصف يحسب سره

فمن أحب رآه ... فما يغادر ذره

آخر:

إن السفرجل ريحان وفاكهة ... يحظى المشم بها والذوق والنظر

يحكى وديكة تبر بل لهيب لظى ... شبت ضحى وشعاع الشمس منتشر

ابن طباطبا:

سفرجلة حذفوا راءها ... تجم الفؤاد لقول النبي

وقد ذكر ما يضارع ذلك مع ذكر الأشجار والنبات في حده.

جهل العرب بطيبات الأطعمة:

كانت العرب لا تعرف طيبات الأطعمة، إنما كان طعامهم اللحم يطبخ بماء وملح، حتى أدرك معاوية رضي الله عنه الإمارة فاتخذ ألوان الأطعمة. قال أبو بردة: كانوا يقولون من أكل الخبز الحواري سمن، فلما فتحنا خيبر أجهضناهم عن خبزهم، فقعدت عليه آكل وأنظر في أعطافي هل سمنت؟ وقال خالد بن عمير العطوي: شهدت فتح الأيلة فوجدنا سفينة مملوءة جوزاً فقال رجل: ما هذه الحجارة؟ ثم كسروا واحدة فقالوا: طعام طيب. وقال بعضهم: أصابوا أجربة من الكافور فقالوا هاء الملح، فذاقوه وقالوا لا ملوحة لهذا الملح، ففطن ناس من أهل الخبرة، فجعلوا يعطونهم جراباً من الملح ويأخذون جراباً من الكافور. وقدم إلى أعرابي خبز عليه لحم، فأكل اللحم وترك الخبز وقال: خذوا الطبق. وقدم فالوذج إلى أعرابي فقيل له: ما هذا؟ قال: الرمان المعلق.

قاذورات أطعمة العرب:

كانت بنو أسد يأكلون الكلاب، ولذلك قال الفرزدق:

إذا أسدي جاع يوماً ببلدة ... وكان سميناً كلبه فهو آكله

ويأكلون الهبيد، وهو الحنظل المالح. وقال بعضهم: نزلت برجل فأضافني فأتى بحية فشواها فأطعمنيها، ثم أتى بماء منتن فسقانيه، فلما أردت الإرتحال قال: ألا أقمت؟ طعام طيب وماء نمير! وكانوا يأكلون في الجدب العلهز، وهو الحلم الكبار يدق مع الوبر. وقيل: هو العلهز بالفتح. وكان أحدهم يتناول الشعر المحلوق فيجعله في حفنة من الدقيق ثم يأكله مع ما فيه من القمل، ولذلك قال شاعرهم:

بني أسد جاءت بكم قملية ... بها باطن من داء سوء وظاهر

ومن طعامهم الفظ، وهو ماء الكرش. وقيل لأعرابي: ما تأكلون؟ فقال: نأكل ما دب ودرج إلا أم حبين. فقال: لتهن أم حبين العافية.

أبو نواس:

ولا تأخذ عن الأعراب طعماً ... ولا عيشاً فعيشهم جديب

وكان رؤبة يأكل الفأر فقيل له: ألا تستقذره؟ فقال: هو والله ما يأكل إلا فاخرات متاعنا. وبنو تميم يعيرون يأكل الضب؛ قال أبو نواس:

إذا ما تميميّ أتاك مفاخراً ... فقل: عد عن ذا كيف أكلك للضبّ؟

أكل قاذورات على غلط:

قال الأصمعي: دنوت من بعض الأخبية في البادية فسقيت لبناً في إناء، فلما شربته قلت هل كان هذا الإناء نظيفاً؟ فقيل: نعم إنا نأكل منه بالنهار، ونبول فيه بالليل، فإذا أصبحنا سقينا الكلب فيه فلحسه ونقاه! فقلت: لعن الله هذه النظافة ولعنكم من قوم متقذرين! قال: ونزلت على امرأة فنظرت إلى قطع من القديد منظومة في خيط، فأمعنت في أكله، فأقبلت المرأة فقالت: يا هذا ليس ما أكلت مما يؤكل! فقلت: ما هو؟ قالت: إني امرأة خاتنه أختن جواري الحي، فكلما خفضت واحدة نظمت خافضتها في هذا الخيط لأعرف عددهن، فتقأيت استشباعاً. وقعد رجل في سفينة، وركب معه يهودي قد احتضن سلة قديد، فاستولى عليها الرجل وأخذ يأكلها حتى لم يبق إلا عظيمات، فلما أراد الخروج إلى البر رأى اليهودي السلة فارغة، فسأل عنها فقيل: إن هذا الرجل أكل ما فيها. فولول وقال: أكلت أبي! فسئل عن ذلك فقال: كان أبي أوصى أن يدفن بيت المقدس، فلما مات قددناه ليسهل حمله فأكله هذا.

الموصوف بالطيب:

يقال ألذ من زبد بنرسيان، وأحلى من الشهد، وأزكى من الورد، وأشهى من إنجاز الوعد. أحلى من المن والسلوى. ألذ من نظر المعشوق في وجه عاشق بابتسام.

آخر:

وألذ من أنغام خلة عاشق ... زارته بعد تمنع وشماس

أعذب من الماء الزلال. أطيب من قبلة الحبيب على غفلة الرقيب. طعام تضن به العين عن الفم. وقال رقبة بن مصقلة في صفة دعوة: جاؤنا بخوان كالقاع في بياض الفضة، عليه رقاق كقباطي مصر، ورغف كدارة القمر وبقول كوشي السندس، وخل كذوب العقيق، ثم جاؤوا بفالوذج كأن الزئبق الجاري ينبع من خلله للجريان على وجهه، ترى نقش الدرهم من تحته ظاهراً، يذوب فبل التطعم، ويبتلع قبل التينع.

الموصوف بالنتن:

أنتن من الجيفة ومن ريح الجورب ومن العذراء، ومن مرقات النعجة أي ما تمرق من شعرها أي ما ينتف.

كنى الأطعمة وأسماؤها الأعلام عند الصوفية:

قد أكثر الناس من ذلك وذكرت منه طرفاً هو اقرب: الخبز أبو جابر، والسكباج أم القدور، والقلية زلزل المغني، والطباهج الزرزر الصناج، والمضيرة الشيخ اليهودي، أبو الزئبق البقل، أبو زحام بلا منفعة الخل، أبو عامر الغضبان. الخيار أبو الأخضر. البندق القثاء. أبو القرون البصل. أبو قمصان الدجاج. أم حفص الفروج. بنات المؤذن السكر. أبو شيبة الخوزي.

أنواع من ذكر الأطعمة:

كان النظام إذا خلط كلامه في ذكر الأطعمة ببعض الفاكهة يقول: الزيت نصراني والخل يهودي، واللبن والزبيبان نصرانيان راهبان، وعلى لون صبغهما صبغوا ثيابهم. وقيل: الصحناة والتفشيل يهوديان والسمن مسلم، من تعود أكل الطعام وإن كان ضاراً لم يضره بل ينفعه، حتى أن السم من تعود أكله لم يضره، والطعام الجيد النافع للعامة إذا أكله من كان مستغرباً له غير عاهده يضره. وقد ذم الأطباء ما يخرج من الضرع، وقريش تعودت أكلها. وانظر كيف كرمها وسخاؤها وعقولها ودهاؤها. ومر جالينوس مع تلامذته ببقلة فسألوه عنها فقال: هي سم ساعة. فإذا رجل يأكلها ولا تضره، فسألوه فقال: هذا غذاء لنا فقال جالينوس: هل لك في مصاحبتي فأحسن إليك؟ فقال الرجل: بلى. فصاحبه زماناً يأكل ما يأكلونه، ثم عرض عليه ذلك البقل فأكله فمات لوقته.

أبو طالب المأموني في السكنجبين:

ومستنتج ما بين خلّ وسكر ... دوائي من دائي به وشفائي

رأيت به في الكأس أعجب منظر ... مذاب عقيق فيه جامد ماء

مما جاء في أحوال الأكل والأكلة والتطفل

الرخصة في تناول المباحات:

قال الله تعالى: " لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا " . وقال: " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا " . وقال: " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق " . وقال تعالى: " كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله" . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اعمل صالحاً وكل طيباً والبس ليناً. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطاك إسراف ومخيلة. ورغب الله تعالى آدم في الخلود في الجنة فقال: " إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى، وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى " . فبدأ باشتراط الشبع. ومر عمر رضي الله عنه بشاب فاستسقاه ماء فخاض له عسلاً فلم يشرب وقال: إني سمعت الله تعالى يقول: " أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا " . فقال الفتى: إنها واله ليست لك اقرأ ما قبلها: " ويوم يعرض الذين كفروا على النار " . فشربها عمر رضي الله عنه وقال: كل الناس أفقه من عمر. واجتمع فرقد السنجي والحسن على مائدة، فأتي بجام خبيص فأبى فرقد أن يأكل وقال: أخاف أن لا أؤدي شكر الله تعالى عليه. فقال الحسن: كل فلنعمة الله عليك في الماء البارد أعظم منها في الخبيص. قال الشيخ أبو القاسم رحمه الله: فانظر إلى فقه الحسن وفهمه وإلى ضعف رأي فرقد مع إسلامه. واعتبر بهما قول النبي صلى الله عليه وسلم: فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة، ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد. 

غسل اليدين قبل الطعام:

دعي سلمان رضي الله عنه إلى طعام، فلما دخل توضأ للصلاة فصلى، ثم قدم الطعام فاستدعي الماء وغسل يده فقيل: ألم تغسلها آنفاً؟ فقال: نعم ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:من غسل يده قبل الطعام وبعده أكل في سعة من رزقه. وقال الحسن رضي الله عنه: غسل اليد قبل الطعام بنفي الفقر، وبعده بنفي اللمم. وامتنع رجل من غسل اليد للطعام عند موسى الرضا فقال: اغسلها فالغسلة الأولى لنا، والثانية لك، فإن شئت فاتركها. وغسل رجل يده عند المأمون ومد يده إلى رأسه، فأمر بإعادة غسلها ثم مددها إلى لحيته، فأمره بإعادته وقال: لا يلي غسل اليد للطعام إلا الطعام. وقدم إلى مالك بن أنس رضي الله عنه حيث يراه المهدي الماء ليغسل يده للطعام فقال: هذا بدعة. فقال المهدي: يا أبا عبد الله البدعة تعتبر في الشر، فأما أبواب الخيرات فإحداثها سنة. وغسل رجل يده مراراً فلم تذهب عنها الدسومة. فقال: كاد هذا الدسم أن يكون لنا نسباً وصهرأ. وامتنع أعرابي من غسل اليد بعد الطعام فسئل عنه فقال: فقد رائحته كفقده. وكان أعرابي عند سعيد ابن مسلم فقعد للطعام فقتل قملة فقيل له: اغسل يدك. فقال: لا ضير ما بقي على يدي إلا خرشاؤها. وكان أعرابي يفلي ثوبه ويأكل ويحبق فقيل له: أما تستحي ويحك! فقال: وما أنكرت؟ أدخل حديثاً وأخرج عتيقاً وأقتل عدواً. وكان عبد الله بن سلمان يبطىء في غسل اليدين ويقول: يجب أن تكون مدته مدة زمان الأكل.

ذكر الله على الطعام:

قيل: إذا جمع الطعام أربعاً فقد كمل إذا كان حلالاً وكثرت عليه الأيدي وسمى الله في أوله وحمد في الآخرة. وقال طاووس: من سمى الله على طعامه لم يسأله عن نعيمه. وقيل: ذكر الله على الطعام شفاء يبرىء من الداء، وذكر الناس داء لا يقبل الشفاء. وقيل: إذا أكلتم فسموا وأدنوا أي اذكروا الله وكلوا مما بين أيديكم. وكان ابن عباس إذا وضع الطعام يقول: بسم الله عني وعن كل آكل معي.وكان سعيد بن جبير إذا فرغ من الطعام يقول: اللهم قد أشبعت وأرويت وطيبت فهنئنا برحمتك. وقال بعض القصاد: يا معشر الناس إن الشيطان إذا سمى الإنسان على الطعام والشراب لم يأكل معه، فكلوا خبر الذرة والمالح ولا تسموا ليأكل معكم، ثم اشربوا الماء وسموا الله حتى تقتلوه عطشاً.

حمد الأكل من جانب الصحفة وعذر ذلك:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن البركة تنزل في وسط الصحفة فكلوا من جوانبها ولا تأكلوا من وسطها. وقال أنس بن مالك: كل بيمينك وتناول مما يليك. وأكل أعرابي مع بعض السلاطين فقال: كل مما يليك. فقال: رأيت جانبك أمرع، ومن أجدب انتجع. وأكل أعرابيان على مائدة فمد أحدهما يده فقال له الآخر: كف يدك! فإن لك في ما بين يديك مقنعاً. فقال: إني من قوم إذا أجدبوا انتجعوا. فقال له: ويلك! وهل على مائدة أمير المؤمنين جدب؟ ثم مد الآخر يده فقال له كف يديك! فقال له: إني من قوم إذا أخصبوا تخيروا فاستحسن عبد الملك كلامه، وأمر له بصلة. وأكل أعرابي من بني عذرة مع معاوية فمد يده إلى ثريدة بين يدي معاوية فقال معاوية: أخرقتها لتغرق أهلها؟ فقال الأعرابي: ولكن سقناه إلى بلد ميت. فضحك معاوية وأمر له بجائزة. وكان أبو علي بن حمدون في مجلس وعند القوم نقل، فمد يده إلى ما بين يدي صديق له فقيل له: ما تفعل؟ فأنشد:

وأحياناً على بكر أخينا ... إذا ما لم نجد إلا أخانا

وكان الهائم الشاعر على مائدة عليها جدي، فجعل يجر الجدي الذي كان يليه ولم ينجر، وكان الجانب الذي عليه اللحم يلي قوماً آخرين فقال:

ففينا غواشيها ... وفيهم صدورها

أوقات الطعام المحمودة والمذمومة:

سئل طبيب: أي أوقات الطعام أحمد؟ قال: أما من قدر فإذا جاع، ومن لم يقدر فإذا وجد.

الغداء والعشاء:

قيل: العشاء متخمة وتركه مهرمة. وقال بقراط: من تعود العشاء ثم تركه التبس عليه طبعه. وقال عمر رضي الله عنه لابنه: لا تخرج يا بني من منزلك حتى تأخذ حلمك. يعني حتى تتغدى. ودعا الحجاج رجلاً إلى غدائه فقال: قد أكلت. فقال له الحجاج: إنك لتباكر الغداء. فقال الرجل: لخلال ثلاث: إن نوجيت لم يوجد من فمي خلوف، وإن شربت شربت على ثفل، وإن حضرت قوماً أكلت ومعي بقية من عرضي. وقيل: خير العشاء بواكره. فقيل: أمحمود ذلك في كل وقت؟ فقال: نعم إذا كان شتاء فلطول الليل، وإذا كان صيفاً فلبرد الماء وقلة الذباب. واستدعى رجل الغداء فقيل له: اصبر حتى تطلع الشمس. فقال: أنتظر بغدائي قادماً من وراء خراسان. وقيل: خير الغداء بواكره، وخير العشاء بواصره. وقيل: خير الغداء بواكره وخير العشاء سوافره أي أن تأكل وعليك ضوء. وسأل رجل الحسن عمن يأكل مرة فقال: أكل الصالحين. فقيل: مرتين. فقال: غداء وعشاء أكل التجار، فقيل: ثلاث مرات. فقال: ذاك حمار يبني له آري.

ذم الشبع والإكثار من الأكل وحمد الإقلال منه:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والبطنة فإنها مفسدة للبدن مورثة للسقم، مكسلة عن العبادة. وقال صلى الله عليه وسلم: الرغب شؤم. وقيل: الموت جوعاً خيرا من الحياة شبعاً. وقال ذو الرياستين: ما عجبت لاتفاق الأطباء على ثلاث كلمات. قال طبيب الروم: كل قليلاً ولا تكن عليلاً، وقال طبيب فارس: كل قصداً لا تلق من الكظة جهداً، وقال طبيب الهند كل قدراً لا تضيق به صدراً. وقيل:صحة الجسم قلة الطعم وصحة الروح اجتناب الإثم. وجاء رجل إلى أبي مسلم فقال: أعطيك دواء تأكل معه ما شئت فلا يضرك. فقال: لا حاجة لي فيه فقبيح بالإنسان أن يدخل المستراح في كل يوم أكثر من مرة، وقبيح به أن يحن في الشهر أكثر من مرة. وقال الخليل: اثقل ساعاتي ساعة آكل فيها. وقال مالك بن دينار: وددت أن رزقي حصاة أمصها فقد ضجرت من كثرة تردادي إلى الخلاء. وقال تعالى: " والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم " . وقال صلى الله عليه وسلم: ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولابد فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس. وفي كتاب كليلة ودمنة: ليعد من البهائم من همته بطنه وفرجه. وكانت العرب تسمي الشبع أبا الكفر. وقيل: إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة. البطنة تذهب الفطنة. قيل: لا تسكن الحكمة بطناً ملىء طعاماً. من الكرم تنزيه القرم. وقيل: الشبع داعية البشم، والبشم داعية السقم، والسقم داعية الموت، ومن مات هذه الميتة فقد مات ميتة لئيمة. قال الحسن: مسكين ابن آدم صريع الشبع أسير الجوع.

شاعر:

وإن امتلاء البطن في جسد الفتى ... قليل غناء وهو في الجسم صالح

وقال طرفة في عمرو بن هند:

ويشرب حتى يغمر المحض قلبه ... وإن أعطه أترك لقلبي مجثما

وباع مالك بن دينار جارية فزارته يوماً فقال: كيف ترين مواليك؟ فقالت: ما أكثر خير بيوتهم! فقال: أخبرتني عن عمران حشوشهم. وقال يحيى بن معاذ: من أكل حتى شبع عوقب بثلاث: يلقي الغطاء على قلبه، والنعاس على عينيه، والكسل على جسمه. وقال بشر الحافي: من ضبط بطنه فقد ضبط الأعمال الصالحة كلها. وقال بشر بن الحارث: لا تعود نفسك الشبع من الحلال فتدعوك إلى الحرام. وسأل رجل عن غسل الجمعة فقال: اغسل بطنك بكفيك من غسل بدنك. واشتهى أبو مسلم الهريسة فقال لطباخه: اشتهيت هريسة فاتخذها أجود ما يكون. فلما قدمت إليه أمر بأن ترفع ولم يأكل. ثم قال له من بعد: اتخذ هريسة. فاتخذها وقدمها إليه فلم يأكل. وتقدم إليه ثالثاً فعملها وقدمها فلم يأكل فقال الطباخ: أيها الأمير لقد أجدت حتى لا غاية فما الذي يحجزك عنها؟ قال: رأيت نفسي قد شرهت إلى تناولها فكرهت أن تغلبني شهوتي. وقيل: لا تجعلوا بطونكم خزائن الشيطان يضع فيها ما أحب.

حد الشبع:

قيل لأعرابي سأل ما حد الشبع: هو الامتلاء من الطعام حتى لا تشتهيه. فقال: وهل يكون ذلك إلا في الجنة؟ أعرابي: اللهم إن أسالك ميتة كميتة عرفجة. فقيل: كيف مات؟ قال: أكل بزجاً وشرب مشعلاً والتف في كسائه ومات، فلقي الله شبعان ريان دفآن.

حمد الطوى وذمه:

المغيرة بن شعبة: علموا أولادكم الخفاف، احملوهم على الطوى لأن من اتبع أمراً لزمه، ومن أكثر من تركه أجمه. الحارث بن كلدة: خير الدواء الأزم، وشر الدواء إدخال الطعام على الطعام. قيل ليوسف عليه السلام: لم تجوع وأنت على خزائن الأرض؟ فقال: أخاف أن أشبع فأنسى الجائع. وقيل: ترك الأكل يضيق الأمعاء.

الصابر على الجوع:

قال:

ولقد أبيت على الطوى وأظله ... حتى أنال به لذيذ المطعم

وخرج أبو خراش في سفر فعدم الطعام أياماً، فمر بامرأة فقال: هل من طعام، فأتته بعمروس فقالت: اذبحه، فذبحه وسلخه ثم شواه، فلما وجد رائحة الشواء قرقر بطنه فقال: أتقرقر من رائحة الشواء، يا ربة البيت هل من صبر؟ فأتته بصبر فاقتحمه وأتبعه بماء، ثم ارتحل ولم يأكل وقال:

وإني لأثوي الجوع حتى يملّني ... فيذهب لم تدنس ثيابي ولا عرضي

آخر:

وأغتبق الماء القراح وأنتهي ... إذا الزاد أمسى للمزلج ذا طعم

مخافة أن أحيا برغم وذلة ... وللموت خير من حياة على رغم

الصائن بطنه عما يلزم منة أو مذمة:

قيل: أحسن بيت في هذا المعنى قول نهشل:

أغر كمصباح الدجنّة يتقى ... قذى الزاد حتى يستفاد أطايبه

وقال:

إذا مطعمي كان ذا غصة ... غسلت يدي منه قبل أكتفائي

آخر:

ألبان إبل تعلة بن مساور ... ما دام يملكها علي حرام

وطعام عمران بن أوفى مثلها ... ما دام يسلك في البطون طعام

إن الذين يسوغ في أعناقهم ... زاد يمن عليهم للئام

قال بعضهم: اكتريت من جمال فكان يحدو بنا بقول الشاعر:

أبلج بين ... حاجبيه نوره

فلما بلغ قوله:

إذا تغدى ... رفعت ستوره

أمسك حتى بلغنا المنزل فقلنا: لمَ لم تكن تنشد قبل هذا؟ فقال: تفادياً من أن تحسبوني أعرض بزادكم.

حمد الرضا بما يتسهل:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء عيباً أن يتسخط ما قرب إليه. وقيل: كل في شهوة أهلك. قال الأصمعي: رأيت أعرابية تأكل قشور الرمان فقلت: ما هذا؟ قالت: أدفع به الجوع فإن الجوع إذا دفعته بشيء اندفع.

شاعر:

تنافس في طيب الطعام وكلّه ... سواء إذا ما جاوز اللهوات

ابن الرومي:

ومتى شرهت فإن أيسر لذة ... لك إن نظرت مع السلامة كافيه

آخر:

وما هي إلا جوعة إن سددتها ... فكل طعام بين جنبيك واحد

آخر:

وما أكلة إن نلتها بغنيمة ... ولا جوعة إن جعتها بغرام

وقال بعضهم: لقيت أعرابياً فقلت من أين؟ فقال: من البادية من جبل ضربة، أرض لا نبتغي بها بدلاً ولا عنها حولاً، في أرغد عيش وأنعم معيشة، فالحمد لله على ما بسط من السعة ورزق من حسن الدعة، أو ما سمعت قول قائلنا:

إذا ما أصبنا كل يوم مذيقة ... وخمس تميرات صغار هوامز

فنحن ملوك الناس خصباً ونعمة ... ونحن أسود الغاب وقت الهزاهز

وكم من متمن عيشة لا ينالها ... ولو نالها أضحى بها جد فائز

الشاكي عدم المأكل:

قيل لرجل: بم تسحرت البارحة؟ فقال: باليأس عن الفطور الليلة. وقيل لرجل: ما تأكل؟ قال: الخبز والزيت. فقيل: أتصبر عليهما؟ فقال: ليتهما صبرا علي.

جرير:

تكلفني معيشة آل زيد ... ومن لي بالمرفق والصناب

وقال أعرابي لامرأته: لو كان عندنا تمر وسمن لطلبنا دقيقاً، واستعرنا طنجيراً واتخذنا عصيدة. والعرب تسمي الجوع أبا عمرة. قيل لأعرابي: أتعرف يا أبا عمرة؟ قال: كيف لا أعرفه وكبدي مخيمة على أمعائه والصفر. وقيل: هو حية في البطن تعض إذا جاعت صاحبها. قال أعرابي: ما لي عهد بعضاض ولا مضاغ ولا لماج ولا شماج منذ زمان. وقيل: نزل به أبو عمرة؛ وهو كناية عن الجوع. وقال:

حل أبو عمرة وسط حجرتي

استطابة الجائع الطعام:

قيل لأبي العملس: أي طعام أطيب؟ فقال: طعام لقي الجوع بطعم وافق الشهوة. قيل: فما ألذ الأشربة؟ قال: شربة ماء تضيع بها غلتك. وقال محمد بن جعفر: العين طليعة المعدة. وكان مكتوباً على مائدة أنوشروان. ما طعمته وأنت تشتهيه فقد أكلته. وما طعمته وأنت لا تشتهيه فقد أكلك. وقيل: أحدّ شيء ضرس جائعة.

من جسمه ينبىء عن جودة أكله:

في المثل: أفواهه هجاسة. قيل: يريك البشر ما أجاد مشفر. وقيل لرجل: ما أسمنك! فقال: أكلي الحار وشربي القار والاتكاء على الشمال. وقيل لآخر فقال: قلة الفكرة وطول الدعة والنوم في الكظة.

وصف الأكلة:

من الأكلة سعد الفراقر الذي قيل فيه: أجوع من كلب حومل، ودرواس الذي يقول: الغداء غذاء والغبوق دواء والقيل حمض والجاشرية خفض. وزهمان الذي قيل فيه: في بطن زهمان زاده. أكل سليمان بن عبد الملك أربعين دجاجة وثمانين كلية بشحومها، وثمانين جردقة وأحضر الأجاص فاحصي له ثمانمائة نواة. وكان هلال بن مشعر التيمي أكل فصيلاً وأكلت امرأته فصيلاً فلما تضاجعا لم يصل إليها فقالت: تصل إلي وبيننا جملان؟ وقال سالم بن قتيبة: عددت الحجاج أربعاً وثمانين لقمة في كل لقمة رغيف فيه ملء كف من سمك طري. وكان معاوية يأكل حتى يتربع ثم يقول: ارفع، ما شبعت حتى مللت.

ابن أبي الأسود:

كأنما في فيه أحجار الرحا ... وكأنما في جوفه تنور

آخر:

أقل ما يأكله أقله ... لا يحمل النيل ولا يقله

ووصف أعرابي رجلاً فقال: هو أكلة وكلة وتكلة.

آخر:

كأنه برذونة رغوث

آخر:

قرضابة طرفاه الدهر في تعب ... ضرس طحون وفرج يفسد الدينا

آخر:

خب جبان، وإذا جاع بكى ... لا يواري فرجه إذا اصطلى

ويأكل التمر ولا يلقي النوى ... كأنه غرارة ملأى خنا

آخر:

أيا آكل من نار ... ويا أشرب من رمل

وكان بلال بن أبي بردة أكولاً، وفيه يقول الحسن رضي الله عنه: يتكى على شماله ويأكل غير ماله حتى إذا كظه الطعام يقول ابغوا لي هاضوماً. وقيل: وهل تهضم إلا دينك؟ وقيل لرجل: كيف أكل فلان؟ فقال: كما لا يحبه لبخيل. ويتمثل في هذا الباب بقول جرير:

كالحوت لا يلهيه شيء يلهمه ... يصبح ظمآن وفي البحر فمه

وفي الجشاء لابن عيينة:

وتصبح تقلس عن تخمة ... كان جشاءك عن فجله

المسرع اللقم:

شاعر:

ما يبن لقمته الأولى إذا ازدردت ... وبين أخرى تليها قيس أظفور

آخر:

يدارك اللقم ولا يخشى الغصص ... تلقما يقطع أزرار القمص

وقال آخر: فلان إذا أكل شدق وعلق وحملق أي لقمة في فمه، وأخرى في يده، وأخرى يرمقها بعينه. وقيل: فلان برم قرون لمن لا يدخل في الميسر ثم يأكل تمرتين تمرتين. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاماً، فرفع إلى فيه لقمة لم يأخذ غيرها حتى ينقي فاه منها.

المعظم اللقم:

شاعر:

أعددت للقم بنانا مجرفا ... وضرس ناب كالرحا محرفا

ومعدة تغلي وبطناً أكنفا ... حولاً دكيكاً ما يذوق علفا

أعرابي:

يحشو زوايا بطنه إذا اضطرم ... لقماً كأمثال جلاميد الأكم

البحتري:

وكأن الفتى يطمّ ركاباً ... قد تهورن أو يسد بشوقا

آخر:

يلقم لقماً ويغدى زاده ... يرمي بأمثال القطا فؤاده

آخر:

ترى كل محلول الإزار كأنما ... يطين سطحا أو يلقم ناضحا

وقيل: فلان إن أكل لف وإن شرب اشتف.

شاعر:

وكأنما صوت التطعم منهم ... قبل يفوه بهن صوت شفاه

آخر:

كأن دويه في الحلق لما ... يهمهم صوت رعد في سحاب

الأكل بالملعقة:

أكل أعرابي بملعقة شيئاً فاحترق فمه فقال: أبعدني الله أن أحكم على فمي غير يدي، فإنها رائد حق ونذير صدق. وكره الأكل بالملعقة مع الغير فإن إدخالها إلى الفم وإعادتها إلى الصحفة مستقبح. وكان بعض أهل المروءات يضع بين يديه ملاعق، فإذا التقم بواحدة لم يعد إليها.

المملوء فمه من الطعام:

سلم رجل على أعرابي وكان في فمه لقمة، فلما بلعها قال: حياك من خلا فوه! وقال حميد الأرقط:

أتانا وما داناه سحبان وائل ... بياناً وعلماً بالذي هو قائل

فما زال عنه اللقم حتى كأنه ... من العي لما أن تكلم باقل

من أكل ما اشتهاه ولم يخف عقباه:

حضر أعرابي طعام أمير فأكل معه، فأحضر الفالوذج فقال الأمير: إن أكلت هذا حززت رأسك! فنظر ملياً ثم رأى تركه خسراناً فمد إليه يده وقال: أوصيك بصبيتي خيراً! مر أعرابي بقوم وعندهم طعام فقال: ما هذا؟ قالوا: زقوم. قال: طيب والله لأساعدنكم على أكله.

استدعاء الطعام:

قال الأصمعي: أضفت أعرابياً فلما أكلنا قلت يا جارية أطعمينا تيناً، فنسيته، فقلت له بعد ساعة: أتحسن شيئاً من القرآن؟ قال: نعم. فقلت: اقرأ فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم والزيتون وطور سينين. فقلت وأين التين؟ فقال: نسيته أنت وجاريتك من ذلك الوقت. دخل رجل على قوم يشربون، فناولوه أقداحاً وكان جائعاً فقال للمغني عن:

خليلي داويتما ظاهراً ... فمن ذا يداوي جوى باطنا

فعلم صاحب الدار أنه جائع فقال عن له:

من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله ما يخيب

ودخل آخر على قوم فقالوا له: أي صوت أحب إليك؟ فقال: صوت المقلى! ودعي ابن حجاج إلى دعوة مع جماعة فتأخر عنهم الطعام فقال لصاحب الدعوة:

يا ذاهباً في داره آتياً ... من غير ما معنى ولا فائده

قد جُن أضيافك من جوعهم ... فاقرأ عليهم سورة المائده

وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما في دعوة، فاستبطأ الطعام فقال: ائتونا بالخوان نأنس به إلى أن يحضر الطعام. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة لا تزال تصلي على أحدكم ما دامت مائدته موضوعة. ودخل أعرابي على رجل بين يديه سلة فيها طعام فقال: ما هذا؟ قال: بظر أمك. فقال: اعضضن به. ودخل الشعبي على أبي عمرو فتطاولا ثم قال الشعبي: أعندك تحفة؟ فقال: نعم أي التحفتين أحب إليك أتحفة إبراهيم أم تحفة مريم؟ فقال: تحفة إبراهيم عهدي به الساعة، يعني اللحم، ولكن ائتني بتحفة مريم فأتاه بالرطب. وقيل لأعرابي: ما تشتهي؟ فقال: حرف جردق وعرق مرق. وقال بعض أهل الكوفة: دخل علي جعيفران فقال: هل من طعام؟ فقلت: سلق بخردل. فقال: فاشتر بطيخاً. فقلت للجارية: قدمي الطعام واذهبي فاشتري بطيخاً، فقدمت الطعام وذهبت وتباطأت فقال جعيفران:

سلقتنا وخردلت ... ثم ولت وهرولت

وأراها بواحد ... وافر الأير قد خلت

فخرجت في طلبها فإذا بالسائس قد خلا بها في الدهليز كما وصف.