خبر أليس، وهي صلب الفرات

خبر أليس، وهي صلب الفرات

قال أبو جعفر، حدثنا عبيد الله، قال حدثني عمي، قال: حدثنا سيف، عن محمد بن طلحة، عن أبي عثمان وطلحة بن الأعلم عن المغيرة بن عتيبة. وأما السرى فإنه قال فيما كتب إلى : حدثنا شعيب، عن سيف، عن محمد بن عبد الله عن أبي عثمان، وطلحة بن الأعلم عن المغيرة بن عتيبة، قالا: ولما أصاب خالد يوم الولجة من أصاب من بكر بن وائل من نصاراهم الذين أعانوا أهل فارس غضب لهم نصارى قومهم؛ فكاتبوا الأعاجم وكاتبهم الأعاجم ؛ فاجتمعوا إلى أليس، وعليهم عبد الأسود العجلي، وكان أشد الناس على أولئك النصارى مسلمو بني عجل: عتيبة بن النهاس وسعيد بن مروة وفرات بن ح0يان والمثنى بن لاحق ومذعور بن عدي. وكتب أردشير إلى بهمن جاذويه، وهو بقسيانا وكان رافد فارس في كل يوم رافد قد نصب لذلك يرفدهم عند الملك ؛ فكان رافدهم بهمن روز أن سرحتي تقدم أليس بجيشك إلى من اجتمع بها من فارس ونصارى العرب. فقدم بهمن جاذويه جابان وأمره بالحث، وقال كفكف نفسك وجندك من قتال القوم حتى ألحق بك إلا أن يعجلوك. فسار جابان نحو أليس ؛ وانطلق بهمن جاذويه إلى أرشير ليحدث به عهداً، وليستأمره فيما يريد أن يشير به، فوجده مريضاً ؛ فعرج عليهخ، وأخلى جابان بذلك الوجه، ومضى حتى أتى أليس، فنزل بها في صفر، واجتمعت إليه المسالح التي كانت بإزاء العرب ؛ وعبد الأسود في نصارى العرب من بني عجل زتيم اللات وضبيعة وعرب الضاحية من أهل الحيرة ؛ وكان جابر بن بجير نصرانياً، فساند عبد الأسود ؛ وقد كان خالد بلغه تجمع عبد الأسود وجابر وزهير فيمن تأشب إليهم، فنهد لهم ولا يشعر بدنو جابان، وليست لخالد همة إلا من تجمع له من عرب الضاحية ونصاراهم ؛ فأقبل فلما طلع على جابان بأليس، قالت الأعاجم لجابان: أنعاجلهم أم نغدي الناس ولا نريهم أنا نحفل بهم، ثم نقاتل بعد الفراغ؟ فقال جابان: إن تركوكم والتهاون بكم فتهاونوا، ولكن ظني بهم أن سيعجلونكم ويعجلونكم عن الطعام . فعصوه وبسطوا البسط ووضعوا الأطعمة، وتداعوا إليها، وتوافوا عليها. فلما انتهى خالد إليهم ، وقف وأمر بحط الأثقال، فلما وضعت توجه إليهم، ووكل خالد بنفسه حوامى يحمون ظهره، ثم بدر أمام الصف، فنادى: أين أبجر؟ أين عبد الأسود؟ أين مالك بن قيس؟ رجل من جذرة ؛ فنكلوا عنه جميعاً إلا مالكاً، فبرز له، فقال له خالد: يا بن الخبيثة، ما جرأك على من بينهم، وليس فيك وفاء! فضربه فقتله، وأجهض الأعاجم عن طعامهم قبل أن يأكلوا ؛ فقال جابان: ألم أقل لكم يا قوم ! أما الله ما دخلتني من رئيس وحشة قط حتى كان اليوم ؛ فقالوا حيث لم يقدوا على الأكل تجلداً: ندعها حتى نفرغ منهم ؛ ونعود إليها. فقال جابان: وأيضاً أظنكم والله لهم وشعتموها وأنتم لا تشعرون ؛ فالآن فأطيعوني ؛ سموها ؛ فإن كانت لكم فأهون هالك، وإن كانت عليكم كنتم قد صنعتم شيئأً ؛ وأبليتم عذراً. فقالوا: لا اقتداراً عليكم. فجعل جابان على مجنبتيه عبد الأسود وأبجر ؛ وخالد على تعبئته في الأيام التي قبلها، فاقتتلوا قتالاً شديداً، والمشركون يزيدهم كلباً وشدة ما يتوقعون من قدوم بهمن جاذويه، فصابروا المسلمين للذي كان في علم الله أن يصيرهم إليه، وحرب المسلمون عليهم، وقال خالد: اللهم إن لك على نهرهم بدمائهم! ثم أن الله عز وجل كشفهم للمسلمين، ومنحهم أكتافهم، فأمر خالد مناديه، فنادى في الناس: الأسر الأسر! لا تقتلوا إلا من امتنع ؛ فأقبلت اليول بهم أفواجاً مستأسرين يساقون سوقاً، وقد وكل بهم رجالاً يضربون أعناقهم في النهر، ففعل ذلك بهم يوماً وليلة، وطلبوهم الغد وبعد الغد ؛ حتى انتهوا إلى النهرين، ومقدار ذلك من كل جوانب أليس فضرب أعناقهم، وقال له القعقاع وأشباه له: لو أنك قتلت أهل الأرض لم تجر دماؤهم ؛ إن الدماء لا تزيد على أن ترقرق منذ نهيت عن السيلان، ونهيت الأرض عن نشف الدماء ؛ فأرسل عليها الماء تبر يمينك. وقد كان صد الماء عن النهر فأعاده، فجرى دماً عبيطاً فسمى نهر الدم لذلك الشأن إلى اليوم.

وقال آخرون منهم بشير بن الخصاصية، قال: وبلغنا أن الأرض لما نشف دم ابن آدم نهيت عن نشف الدماء ونهى الدم عن السيلان إلا مقدار برده.

ولما هزم القوم وأجلوا عن عسكرهم ورجع المسلمون من طلبهم ودخلوه ؛ وقف خالد على الطعام ، فقال : قد نفلتكموه فهو لكم. وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى على كعام مصنوع نفله. فقعد عليه المسلمون لعشائهم بالليل، وجعل من لم ير الأريلف ولا يعرف الرقاق يقول: ما هذه الرقاق البيض! وجعل من قد عرفها يجيبهم، ويقول لهم مازجاً: هل سمعتم برفيق العيش؟ فيقولن: نعم ، فيقول: هو هذا ؛ فسمى الرقاق، وكانت العرب تسمية القرى.

حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، قال: حدثنا سيف، عن عمرو بن محمد، عن الشعبي، عمن حدث، عن خالد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل الناس يوم خبير الخبر والطبيخ والشواء، وما أكلوا غير ذلك في بطونهم غير متأثليه.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة، عن المغيرة، قال: كانت على النهر أرحاء، فطحنت بالماء وهو أحمر قوت العسكر؛ ثمانية عشر ألفاً أو يزيدون ثلاثة أيام. وبعث خالد بالخبر مع رجل يدعى جندلاً من بني عجل، وكان دليلاً صارماً، فقدم على أبي بكر بالخبر، وبفتح أليس، وبقاه الفئ وبعدة السبي، وبما ح0صل من الخماس؛ وبأهل البلاء من الناس؛ فلما قدم على أبي بكر، فرأى صرامته وثبات خبره، قال: ما إسمك؟ قال جندل، قال : ويهاً جندل!

نفس عصام سودت عصاما           وعودته الكر والإقدامـا

وأمر له بجارية من ذلك السبي، فولدت له.

قال: وبلغت قتلاهم من أليس سبعين ألفاً جلهم من أمغيشياً.

قال أبو جعفر: قال لنا عبيد الله بن سعد: قال عمي: سألت عن أمغيشياً بالحيرة فقيل لي منشياً، فقلت لسيف، فقال: هذاان إسمان .

حديث أمغشياً في صفر وأفاءها الله عز وجل بغير خيل.

حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، عن سيف، عن محمد، عن أبي عثمان وطلحة، عن المغيرة، قال : لما فرغ خالد من وقعة أليس، نهض فأتى أمغشيياً، وقد أعجلهم عما فيها، وقد جلا أهلها ؛ وتفرقوا في السواد، ومن يومئذ صارت السكرات في السواد ؛ فأمر خالد بهدم أمغيشياً وكل شئ كان فيحيزها، وكانت مصراً كالحيرة ؛ وكان فرات بادقلي ينتهي إليها، وكانت أليس من مسالحها، فأصابوا فيها ما لم يصيبوا مثله قط.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن بحر بن الفرات العجلي، عن أبيه، قال: لم يصب المسلمون فيما بين السلاسل وأمغيشياً مثل شئ أصابوه في أمغيشيا، بلغ سهم الفارس ألفاً وخمسمائة، سوى النفل الذي نفله أهل البلاء. وقالوا جميعاً: قال أبو بكر رحمه الله حين بلغه ذلك: يا معشر قريش - يخبرهم بالذي أتاه: عدا أسدكم على الأسد فغلبه على خراذيله ؛ أعجزت النساء أن ينسلن مثل خالد! حديث يوم المقر وفم فرات بادقلي قال أبو جعفر: كتب إلى السرى، عن شعيب عن سيف عن محمد عن أبي عثمان وطلحة، عن المغيرة: أن الآزاذبه كان مرزبان الحيرة أزمان كسرى إلى ذلك اليوم؛ فكانوا لا يمد بعضهم بعضاً إلا بإذن الملك، وكان قد بلغ نصف الشرف، وكان قيمة قلنسوته خمسين ألفاً؛ فلما أخرب خالد أمغشياً، وعاد أهلها سكرات لدهاقين القرى علم الآزاذيه أنه غير متروكط، فأخذ في أمره وتهيأ لحرب خالد، وقدم ابنه ثم خرج في أثره حتى عسكر خارجاً من الحيرة؛ وأمر ابنه بسد الفرات، ولما استقل خالد من أمغيشاً وحمل الرجل في السفن مع الأنفال والأثقال، لم يفجأ خالد إلا فسلك الماء غير طريقه ؛ فلا يأتينا الماء إلا بسد الأنهار، فتعجل خالد في خيل نحو ابن الآزاذيه، فتلقاه على فم العتيق خيل من خيله ؛ فجأهم وهم آمنوا لغارة خالد في تلك الساعة، فأنامهم بالمقر، ثم سار من فوره وسبق الأخبار إلى ابن الآزاذبة حتى يلقاه وحنده على فم فرات بادقلي؛ فاقتتلوا فأنامهم ؛ وفجر الفرات وسد الأنهار وسلك الماء سبيله.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد، عن أبي عثمان وطلحة عن المغيرة، وبحر عن أبيه، قالوا. وحدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي ، قال حدثنا سيف عن محمد عن أبي عثمان، قال حدثني عمي، قال حدثنا سيف، عن محمد عن أبي عثمان، وطلحة عن المغير، قالا: لما أصاب خالد ابن الآزاذبه على فم فرات بادقلي، قصد للحيرة، واستلحق أصحابه، وسار حتى ينول بين الخورنق والنجف، فقدم خالد الخورنق، وقد قطع الآزاذبه الفرات هارباً من غير قتال؛ وإنما حداه على الهرب أن الخبر وقع إليه بموت أردشير ومصاب ابنه، وكان عسكره بين الغريين والقصر الأبيض. ولما تتام أصحاب خالد إليه بالخوانق خرج من العسكر حتى يعسكر بموضع عسكر الآزاذبه بين الغريين والقصر الأبيض، وأهل الحيرة متحصنون، فأدخل خالد الحيرة الخيل من عسكره، وأمر بكل قصر رجلاً من قواده يحاصر أهله ويقاتلهم، فكان ضرار بن الخطاب محاصراً القصر الأبيض، وفيه إياس بن قبيصة الطائي، المقتول، وكان ضرار بن مقرن المزني عاشر عشرة إخوة له محاصراً قصر بني ابن عبد المسيح؛ فدعوهم جميعاً، وأجلوهم يوماً، فأبى أهل الحيرة ولجوا، فناوشهم المسلمون.

حدثني عبيد الله بن سعد، قال: حدثني عمي، عن سيف، عن الغصن بن القاسم، رجل من بني كنانة - قال أبو جعفر: هكذا قال عبيد الله. وقال السرى فيما كتب به إلى: حدثنا شعيب، عن سيف، عن الغصن بن القاسم، عن رجل من بني كنانة - قال عهد خالد إلى أمرائه أن يبدءوا بالدعاء، فإن قبلوا قبلوا منهم وإن أبوا أن يؤجلوهم يوماً، وقال: لا تمكنوا عدوكم من آذنكن، فيتربصوا بكم الدوائر؛ ولكن ناجزوهم ولا ترددوا المسلمين عن قتال عدوهم. فكان أول القواد أنشب القتال بعد يوم أجلوهم فيه ضرار بن الأزور، وكان على قتال أهل القصر الأبيض، فأصبحوا وهم مشرفون ؛ فدعاهم إلى إحدى ثلاث: الإسلام، أو الجزاء، او المنابذة، فاختاروا المنابذة وتنادوا: عليكم الخزازيف ، فقال ضرار: تنجوا لا ينالكم الرمى ؛ حتى ننظر في الذي هتفوا به. فلم يلبث أن امتلأ رأس القصر من رجال متعلق المخالي، يرمون المسلمين بالخزازيف - وهي المداحي من الخزف - فقال ضرار: ارشفوهم، فدنوا منهم فرشقوهم بالنبل، فأعروا رءوس الحيطان، ثم بثوا غارتهم فيمن يليهم، وصبح أمير كل قوم أصحابه بمثل ذلك ، فافتتحوا الدور والديرات، وأكثروا القتل، فنادى القسيسون والرهبان: يا أهل القصور، ما يقتلنا غيركم. فنادى أهل القصور: يا معشر العرب، قد قبلنا واحدة من ثلاث؛ فاعوا بنا وكفوا عنا حتى تبلغونا خالداً. فخرج إياس بن قبيضة وأخوه إلى ضرار بن الأزور، وخرج عدى بن عدي وزيد بن عدي إلى ضرار بن الخطاب - وعدي الأوسط الذي رئته أمه وقتل يوم ذي قار - وخرج عمرو بن عبد المسيح وأبن أكال، هذا إلى ضرار بن مقرن، وهذا إلى المثنى بن حارثة، فأرسلوهم إلى خالد وهم على مواقفهم.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد عن أبي عثمان، وطلحة عن المغيرة، قالا: كان أول من طلب الصلح عمرو بن عبد المسيح ابن قيس بن حيان بن الحارث وهو بقيلة - وإنما سمى بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين، فقالوا: يا حار ما أنت إلا بقيلة خضراء - وتتابعوا على ذلك، فأرسلهم الرؤساء إلى خالد، مع كل رجل منهم دون الآخرين، وبدأ بأصحاب عدي، وقال: ويحكم! ماأنتم! أعرب؟ فما تنقمون من العرب! أو عجم؟ فما تنقمون من الأنصاف والعدل! فقال له عدي: بل عرب عاربة وأخرى متعربة، فقال: لو كنتم كما تقول لم تحادونا وتكرهوا أمرنا، فقال له عدي: ليدلك على ما تقولون أنه ليس لنا لسان إلا العربية، فقال: صدقت . وقال : اختاروا واحدة من ثلاث: أن تدخلوا في ديننا فلكم ما لنا وعليكم ما علينا إن نهضتم وهاجرتم وإن أقمتم في دياركم، أو الجزية، أو المنابذة والمناجرة ؛ فقد والله أتيتكم بقوم هم على الموت أحرص منكم على الحياة. فقال: بل تعطيك الجزية، فقال خالد: تباً لكم، ويحكم! إن الكفر فلاة مضلة، فأحمق العرب من سلكها فلقيه دليلان: أحدهما عربي فتركه واستدل العجمي. فصالحوه على مائة ألف وتسعين ألفاً؛ وتتابعوا على ذلك، وأهدوا له هدايا، وبعث بالفتح والهدايا إلى أبي بكر رحمه الله مع الهذيل الكاهلي، فقبلها أبو بكر من الجزاء، وكتب إلى خالد أن احسب لهم هديتهم من الجزاء، إلا أن تكون من الجزاء، وخذ بقية ما عليهم فقو بها أصحابك: وقال ابن بقيلة:

أبـعـد الـمـنـذرين أرى ســـوامـــاً                            تروح بـالـخـوانـق والـــســـدير!
وبـعـد فـوارس الـنـعـمـان أرعــى                             قلـوصـاً بـين مـرة والـحـــفـــير
فصـرنـا بـعـد هـلـك أبـي قـبــيس                          كجرب المـعـز فـي الـيوم الـمـطـير
تقسمنا القبائل من معد علانية كأيسار الجزور       وكنا لا يرام لنا حريم فنحـن كـضـرة الـضـرع الـفـخـور
نؤدي الـخـرج بـعـد خـراج كـســرى                        وخـرج مـن قـريظة والـنــضـــير
كذاك الـدهـر دولـتــه ســـجـــال                            فيوم مـن مـــســـاءة أو ســـرور

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن الغصن بن القاسم عن رجل من بني كنانة، ويونس بن أبي إسحاق بنحو منه، وقالا: فكانوا يختلفون إليه ويقدمون في جوائجهم عمرو بن عبد المسيح فقال له خالد: كم أتت عليك من السنين قال: مئو سنين، قال: فما أعجب ما رأيت؟ قال: رأيت القرى منظومة ما بين دمشق والحيرة، تخرج المرأة من الحيرة فلا تزود إلا رغيفاً. فتبسم خالد، وقال: هل لك م شيخك إلا عمله خرقت والله يا عمرو! ثم أقبل على أهل الحيرة فقال: ألم يبلغني أنكم خبثة خدعه مكرة ! فما لكم تتناولون حوائجكم بخرف لا يدري من أين جاء! فتجاهل له عمرو وأحب أن يريه من نفسه ما يعرف بع عقله، ويستدل به على صحة ما حدثة به، فقال : وحقك أيها الأمير، إني لأعرف من أين ج-ئت؟ قال: فمن أين جئت؟ قال: أقرب أم أبعد؟ قال: ما شئت، قال: من بطن أمي، قال: فأين تريد؟ قال: أمامي، قال: وما هو؟ قال: الآخرة . قال فمن أين أقصى أثرك؟ قال: من صلب أبي، قال فوجده حين جاهلها، وقتل أرضاً عالمها ؛ والقوم أعلم بما فيهم. فقال عمرو: أيها الأمير. النملة أعلم بما في بيتها من الجمل بما في بيت النملة. وشاركهم في هذا الحديث من هذا المكان محمد بن أبي السفر، عن ذي الجوشن الضبابي، وأما الزهري فإنه حدثنا به، فقال شاركهم في هذا الحديث رجل من الضباب.

قالوا: وكان مع ابن بقيلة منصف له فعلق كيساً في حقوه، فتناول خالد الكيس، ونثر ما فيه في راحته، فقال: ما هذا يا عمرو؟ قال: هذا وأمانة الله سم ساعة، قال: لم تحتقب السم؟ قال: حشيت أن تكونوا على غير ما رأيت، وقد أتيت على أجلي، والموت أحب إلى من مكروه أدخله على قومي وأهل قريتي. فقال خالد: إنها لن تموت نفس حتى تأتي على أجلها، وقال بمم الله خير الأسماء، رب الأرض ورب السماء، الذي ليس يضر مع إسمه داء، الرحمن الرحيم. فأهووا إليه ليمنعوه منه، وبادرهم فابتلعه، فقال عمرو: والله يا معشر العرب لتملكن ما أردتم ما دام منكم أحد أيها القرن . وأقبل على أهل الحيرة، فقال: لم أر كاليوم أمراً أوضح إقبالاً!

وأبي خالد أن يكاتبهم إلا على إسلام كرامة بنت عبد المسيح إلى شويل ؛ فثقل ذلك عليهم، فقالت: هونوا عليكم وأسلموني، فإني سأفتدى. ففعلوا ؛ وكتب خالد بينه وبينهم كتاباً: بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما عاهد عليه خالد بن الوليد عدياً وعمراً ابني عدي، وعمرو بن عبد المسيح وإياس بن قبيصة وحيري بن أكال - وقال عبيد الله: جبري - وهم نقباء أهل الحيرة ؛ ورضى بذلك أهل الحيرة، وأمروهم به - عاهدهم على تسعين ومائة ألف درهم، تقبل في كل سنة جزاء عن أيديهم في الدنيا ؛ رهبانهم وقسيسهم ؛ إلا من كان منهم على غير ذي يد، حبيساً عن الدنيا، تاركاً لها - وقال عبيد الله: إلا من كان غير ذي يد حبيساً عن الدنيا تاركاً لها - أوسائحاً تاركاً للدنيا، وعلى المنعة، فإن لم يمنعهم فلا شئ عليهم حتى يمنعهم، وإن غدروا بفعل أو بقول فالذمة منهم بريئة. وكتب في شهر ربيع الأول من سنة اثنتي عشرة، ودفع الكتاب إليهم.

فلما كفر أهل السواد بعد موت أبي بكر استخفوا بالكتاب، وضيعوه، وكفروا فيمن كفر، وغلب عليهم أهل فارس ؛ افتتح المثنى ثانية ؛ أدلوا بذلك، فلم يجيبهم إليه، وعاد بشرط آخر ؛ فلما غلب المثنى على البلاد كفروا وأعانوا واستخفوا وأضاعوا الكتاب. فلما افتتحها سعد ةأدلوا بذلك سألهم واحداً من الشرطين، فلم يجيئوا بهما ؛ فوضع عليهم وتحرى ما يرى أنهم مطيقون ، فوضع عليهم أربعمائة ألف سوى الحرزة - قال عبيد الله: سوى الخرزة .

حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، عن سيف - والسري، عن شعيب، عن سيف - عن الغصن بن القاسم الكناني عن رجل من بني كنانة ويونس بن أبي إسحاق، قالا: كان جرير بن عبد الله ممن خرج مع خالد بن سعيد بن العاصى إلى الشأم، فاستأذن الداً إلى أبي بكر ليكلمه في قومه وليجمعهم له ؛ وكانوا أوزاعاً في العرب، وليتخلصهم ؛ فأذن له، فقدم على أبي بكر، فذكر له عدة من النبي صلى الله عليه وسلم وأتاه على العدة بشهود، وسأله إنجاز ذلك، فغضب أبو بكر، وقال له: ترى شغلنا وما نحن فيه بغوث المسلمين ممن بإزائهم من الأسدين فارس والروم؛ ثم أنت تكلفني التشاغل بما لا ينبغي عما هو أرضى لله ولرسوله! دعني وسر نحو خالد بن الوليد حتى أنظر ما يحكم الله في هذين الوجهين.

فسار حتى قدم على خالد وهو بالحيرة، ولم يشهد شيئاً مما كان بالعراق إلا ما كان بعد الحيرة ؛ ولا شيئاً مما كان خالد فيه من أهل الردة. وقال القعقاع بن عمرو في أيام الحيرة :

سقـى الـلـه بـالـفـرات مـقـيمة                   وأخرى بأنباج النجـاف الـكـوانـف
فنحن وطئنا بالـكـواظـم هـرمـزاً                   وبالثنى قرني قـارن بـالـجـوارف
ويوم أحطنا بالقصـور تـتـابـعـت                    على الحيرة الروحاء إحدى المصارف
حططناهم منها وقد كـاد عـرشـهـم             يميل بهم فعل الجبان الـمـخـالـف
رمينا عليهم بـالـقـبـول وقـد رأوا                  غبوق المنايا حول تلك الـمـحـارف
صبيحة قالوا نحـن قـوم تـنـزلـوا                   إلى الريف من أرض العريب المقانف