فــاس

الكبرياء والبساطة يمتزجان في مدينة فاس الأثرية القديمة، وحيثما تطلعت اليها تقع عيناك على مآذن المسجد الذي يمثل أقدم جامعة عربية اسلامية. ولرؤية فاس لا يمكن إلا ان تغوص فيها برحلة داخلية، فبصمات الحنين، ما تزال مطبوعة هنا وهناك على هذه البوابة المزخرفة او تلك السجادة الملونة او تلك القبة الخضراء. وعندما تقوم بهذه المهمة الوجدانية ستبوح فاس اليك بكل أسرارها التاريخية والانسانية والجمالية.  

إنها أول عاصمة للمغرب، ومهد للاسلام، ويعود الفضل في تأسيسها الى مولاي ادريس الثاني في عام 808م. وبعد مرور السنوات أصبحت موطنا للأندلسيين الذين نزحوا من غرناطة إثر سقوطها. وجامعة القرويين هي من أقدم الجامعات في العالم وقد استقطبت الكثير من أهل العلم والادب على مر العصور، وقد أسستها احدى فضليات النساء الثريات اللاتي جئن من مدينة القيروان عام 859م، و لعبت فاس عبر العصور المتعاقبة دور المدينة المحورية في المغرب. ابن عربي شيخ المتصوفة الذي توفي في دمشق وابن خلدون الذي توفي في القاهرة وابن ماجة الذي توفي في مراكش، وعلماء وكتاب جاءوا من كل مكان ليقيموا في فاس ويجعلوا منها رحلة كتابة. فالاهتمام بفاس ليس جديدا بل يعود الى الأيام الأولى لتأسيسها، ودورها التاريخي لم يتوقف أبدا على مرّ السنين، وحين اكتشفها الأوروبيون أصبحت فاس نقطة لانطلاق الارساليات الأجنبية وكذلك نقطة جذبت الكتاب والفنانين الغربيين.

تقع فاس في الوسط الشمالي للمملكة المغربية وبذلك تربط شمال المغرب بشرقه وغربه وجنوبه. وفاس ذات موقع جغرافي متميز فشرقها يوجد نهر «وادي فاس» او وادي الجواهر ويقسم فاس الى قسمين هما: عدوة الأندلس، وعدوة القرويين. وتمتد فاس بقديمها وجديدها على مسافة 180كم وتحتضن أكثر من 2.5 مليون نسمة. 

عندما ينزل السائح في أزقة فاس القديمة سوف يشعر وكأنه يسبح في أمواج من البشر، انه التقاء بعالم آخر يغص بجمهور غفير وأصوات لا تنقطع، ومن بين مئات الحوانيت تنبثق الحركات الحية لأرباب الصناعة اليدوية والحديثة، فهذه روائح خشب الأرز او الجلد توقظ الحواس وتعلن قرب الوصول الى حي الدباغين ذي المنظر المدهش الزاهي الألوان، ولكن ذات المشاهد الرائعة لا يمكن ان تنسيك طابعها العتيق الذي تستمده من تاريخها العريق كعاصمة لأول دولة مغربية.. وكعاصمة للعلم والثقافة. ويمكن للسائح ان يزور المدارس العتيقة كالبوعنانية ذات الساعة الشمسية التي أنشئت عام 1357م، ومدرسة الصفارين التي مازالت تشعر بحيويتها باعتبارها شاهدا حيا على روعة الهندسة المعمارية الأندلسية المغربية.

ويمكن للسائح ان يلقي نظرة على بائعي الشموع الزاهية الألوان التي تباع بالحوانيت المحيطة بضريح مولاي ادريس الأصغر، وكذلك على المصاحف المزخرفة بماء الذهب والمعروضة بمتحف البطحاء.

ويستطيع السائح بعد الانتهاء من جولته في فاس القديمة ان يزور «فاس الجديدة»، حيث يتجول عبر ساحة العلويين، ويمتع نظره برؤية مدخل القصر الملكي، ومن هناك ينطلق الى باب السمارين ذي الهيئة الشامخة والأقواس السامقة.

وفي نهاية الجولة يمكنك ان تقصد أحد المطاعم الراقية التي تشتهر بها فاس وتتعرف على أنواع الطعام، فبعد ان تغسل يديك بماء الورد ستتلذذ بطواجن الدواجن والبصطيلة ( الحمام المهيأ برقائق هشة) والكسكسي واللحم المشوي ثم الشاي المنعنع المنعش.

وفي طريق عودتك الى بلادك يمكنك ان تحمل في جعبتك بعض الهدايا من الأواني، والجلابيب، والحلويات بالعسل والكباب، واللوز المحمص.