أجمل ما قيل في الشوق

قصيدة لابن زريق البغدادي


لا تعذليه فإن العذل يولعه ... قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه

جاوزت في لومه حداً أضر به ... من حيث قدرت أن اللوم ينفعه

فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلاً ... من عذله فهو مضنى القلب موجعه

يكفيه من لوعة التفنيد أن له ... من النوى كل يوم ما يروعه

ما آب من سفر إلا وأزعجه ... رأي إلى سفر بالبين يجمعه

كأنما هو من حل ومرتحل ... موكل بفضاء الأرض يذرعه

قد وزع الله بين الخلق رزقهم ... لم يخلق الله من خلق يضيعه

والحرص في الرزق والأرزاق قد قسمت ... بغي ألا إن بغي المرىء يصرعه

والدهر يعطي الفتى من حيث يمنعه ... إرثاً ويمنعه من حيث يطعمه

أستودع الله في بغداد لي قمراً ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه

ودعته وبودي لو يودعني ... صفو طيب الحياة وأني لا أودعه

كم قد تشفع بي أن لا أفارقه ... وللضرورة حال لا تشفعه

وقد تشبث بي يوم الرحيل ضحى ... وأدمعي مستهلات وأدمعه

لا أكذب الله ثوب الصبر منخرق ... عني بفرقته لكن أرقعه

رزقت ملكاً فلم أحسن سياسته ... وكل من لا يسوس الملك يخلعه

كم قائل لي ذقت البين قلت له ... الذنب والله ذنبي لست أدفعه

إني لأقطع أيامي وأنفدها ......... بحسرة منه في قلبي تقطعه

ما كنت أحسب أن الدهر يفجعني ... به ولا أن بي الأيام تفجعه

حتى جرى البين فيما بيننا بيد ... عسراء تمنعني حقي وتمنعه

هل الزمان معيد فيك عيشتنا؟ ... أم الليالي الذي أمضته ترجعه

من عنده لي عهد لا يضيعه ... كما له عهد صدق لا أضيعه

ومن يصدع قلبي ذكره وإذا ... جرى على قلبه ذكري يصدعه

لأصبرن لدهر لا يمتعني.... ... به ولا بي في حال يمتعه

علماً بأن اصطباري معقباً فرجاً ... فأضيق الضيق إن فكرت أوسعه

عسى الليالي التي أضنت بفرقتنا ... جسمي ستجمعني يوماً وتجمعه

وإن تنل أحداً منا منيته ... فما الذي بقضاء الله يصنعه