تفاعلات حضارية

لم يعش العالم العربي أبداً منعزلاً عن محيطه الشرقي والغربي منذ بدء التاريخ حتى اليوم. فهو دائم التفاعل مع ما وجد من حضارات قديمة وجديدة، أعطته وأعطاها، أغناها وأغنته.

قديماً تأثر بحضارات عالمية بمقياس ذلك الوقت أهمها الحضارات الإغريقية والرومانية والفارسية والبيزنطية وبرز في جميع المراحل التي مرت بها هذه الحضارات، من اجتياحات عسكرية أو تسلط سياسي أو تفاعل حضاري ثقافي وديني، أناس تميزوا بما أغنوا بلدانهم والبلدان التي تواجد أبناؤها على أرضه. بينهم من أصبح جزءاً كاملاً من تراث تلك الحضارات يحسبه أهل تلك المدنية جزءاً من تاريخهم القديم والحديث.

الحضارة الإغريقية


اهتم اليونان، أهل الحضارة الإغريقية، بالنواحي الفكرية والفنية والدينية، وأعطوا العالم حضارة أضحت آنذاك عالمية طبعت منطقة الشرق الأوسط من اليونان حتى الهند شرقاً فإلى السواحل السورية والمصرية والأفريقية. شارك في تلك الحضارة العالم القديم بحماس ونشاط. ولم يغب عالمنا عن إغناء الحضارة الإغريقية ومثلها الحضارات التي تعاقبت على الغرب بعد الإغريق، بما كان عنده من تاريخ حضاري مميز فاق في زمن ما، ما كان عند الاوروبيين وسواهم من حضارة وتقدم. فالديانات التي تعرف اليوم في العالم المتقدم نشأت في أرضنا وانتشرت منه. والفكر الذي أغنى الإغريق كانت أصوله عندنا ومنه خرجت، وكذلك أكثر فروع الفكر والأدب والفلسفة إلخ.. أما العلوم فلم تقصر بلداننا في هذا المجال.

وفي الواقع، فإن الحضارة الإغريقية لم تكن حضارة يونانية فحسب، بل حضارة البلدان الشرقية التي تحدثت بلغة اليونانيين وألفت وكتبت بها بالإضافة إلى لغاتها وأهمها آنذاك الآرامية. إنها حضارة عالمية بمفهوم عالمية تلك الدهور شملت السياسة والحروب والإنتاج الفكري والاقتصاد. وكان بعض الذين عرفوا بالإغريق من المبرزين السوريين والمصرين.

إن تاريخ اليونان القديم غير واضح وقد مر بعهدين رئيسين هما: العهد الإيجي والعهد الهليني.

عرف بحر إيجة حضارة إغريقية متقدمة تفاعلت مع الحضارة الفينيقية والشرقية قبل أن تنتقل إلى داخل بلاد اليونان لتكون الحضارة الهلينية. وهذه الحضارة نجد نماذجها في حضارتي كريت ومدينة ميسين، وحضارة المدن الأيونية.

1- حضارة كريت ( 2000- 1400 ق.م.)، حيث تدور الكثير من الأساطير حول كريت وخصوصا فيما يتعلق بالملك مينوس الذي يروى أنه كان مشترعا وذا حكمة إلهية وأسس أول دولة بحرية كبيرة في البحر الإيجي عاصمتها كنوسوس.

2- حضارة ميسين العسكرية (1600-1200 ق.م.). ففي حدود 1600 ق.م. تدفقت قبائل الآخيين القادمة من الشمال باتجاه مقدونية وجزر بحر إيجة وشواطئ آسيا الصغرى وتوزعوا قبائل انصهرت مع السكان الأصليين وأسسوا مدنا مستقلة متنافرة ذات تنظيم ملكي وراثي.

3- حضارة المدن الأيونية. تكونت شعوب المدن الأيونية من القائل المهاجرة على دفعات من كريت وميسين إلى شواطئ آسيا الصغرى بفعل الضغط السكاني أو رغبة في بناء المستعمرات. نشأت في هذه المدن أولى حضارات الإغريق طوال عهود امتدت من القرن الثامن إلى القرن السادس ق.م.

أما طروادة فهي هيسارليك، تقع بالقرب من مدخل الدردنيل. وقد أثبت علماء الآثار أن تاريخ المدينة يعود إلى 3200 ق.م. وهي أشبه بقلعة محصنة، بيوتها قليلة وكبيرة، محاطة بالأسوار الحجرية العالية العريضة تحوي جرار الماء والزيت والنبيذ لتساعدها على الصمود أمام الحصار الطويل. وحسب ما يبدو أن طروادة تعرضت لأحداث خطيرة ومتعاقبة وكان في كل مرة يعاد بناؤها من جديد. ومرت عليها تسعة عهود من خلال اكتشاف تسع طبقات لتسع مدن بنيت الواحدة على أنقاض الأخرى. تمثل الطبقة السابعة منها طروادة التي دارت حول سقوطها أحداث إلياذة هوميروس.

تعرضت بلاد الإغريق في أواخر القرن الثاني عشر ق.م. لغزوات القبائل الدورية التي قدمت من الشمال وتفوقت على الآخيين بفضل أسلحتها الحديدية. وهم شعوب هندو- أوروبية، أشداء أقوياء استطاعوا طرد بعض السكان الأصليين واستبعاد البعض الآخر، استقروا في إسبارطة التي أصبحت أكبر مدنهم. ومع الوقت اندمج الشعب الدوري بالشعوب الآخية وكونوا أمة واحدة استوطنت شبه الجزيرة اليونانية والجزر المحيطة بها مكونة الحضارة الهيلينية.

كان التنظيم السياسي والاجتماعي عند الآخيين قبليا عشائريا. تجمعت العائلات في وحدات دعيت بالجينوس، عاشت هذه القبائل في مدن مستقلة وكان المجتمع قبليا وفي القبيلة الأشراف والمزارعون والتجار والصناعيون وهو مجتمع غير طبقي. وكان الابن البكر يرث وحده الأرض وبقية أخوته يصبحون كهنة أو صناعيين أو تجارا أو جنودا. ويضاف إلى هذه المجموعة العائلية عناصر غريبة لا تتمع بحقوق المواطنية.

غصت بلاد اليونان بالمدن التي لم تكون دولة واحدة، كل مدينة هي دولة بحد ذاتها لها شرائعها وأنظمتها واستقلاليتها. وقد امتازت الدول- المدن بمجموعة من الخصائص منها:

- المدينة هي مجموعة من البيوت حول أرض مشتركة.
- كل مدينة هي دولة بحد ذاتها تعلن الحرب وتعقد الصلح.
- تتمتع ضمن المدينة جماعات القبائل المتآحية، دون أن تكون من دم واحد بالحقوق الرعوية.

تطورت أنظمة الحكم في المدن اليونانية من القبلي إلى الملكي إلى الأرستقراطي فإلى النظام الديمقراطي فالديكتاتوري أحيانا، وحدها إسبارطة لم تخضع لقاعدة هذا التطور.

إسبارطة. إسبارطة مدينة سكنتها القبائل الدورية التاريخية، ويعود تاريخها إلى القرن الثامن ق.م. وقد تطورت سريعا بفضل دستور ليكرغوس الذي بقي معمولا به مدة خمسة قرون. وتوزعت السلطات بين أربع مؤسسات هي: الملكان، الإيفور أي القضاة، مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية.

وقد كان المجتمع يتكون من ثلاث طبقات هي: الأسبرطيون الدوريون أصحاب الحقوق الكاملة، البيرياكيون وهم الآخيين، الهيلوطيون أي طبقة الفلاحين. وقد كان النظام التربوي صارما، يهدف إلى خلق المواطن الجندي المدرب. خضع الإسبارطي لنظام الثكنات العسكرية. فهو جندي قبل أي شيء آخر، عليه أن يبقى متأهبا للقتال، يحكم على الأطفال غير الأصحاء بالموت وغيرها من القوانين الصارمة التي طبقت على المجتمع ككل.

أثينا. تقع أثينا بالقرب من هضبة الأكروبوليس وهي قرية صغيرة استوطنها الآخيون بادئ الأمر ثم هاجمها الدوريون وقد دافع أهلها عن المدينة إلى أن انتهى بانصهار الشعبين في أمة واحدة أعطت الحضارة العالمية ما لم يعطها أحد الشعوب القديمة.

كثرت الفروقات بين النظام الإسبارطي والنظام الأثيني، فقد ساد الاهتمام في أثينا بالناحية العسكرية، وكذلك بالناحية الاقتصادية. فأثينا دولة بحرية احتلت التجارة فيها المركز الأولى، وتعاطى أهلها أعمال الزراعة والصناعة والمهن. كل ذلك جعل من أثينا دولة منفتحة غير منعزلة تميزت بتطور نظامها الاجتماعي والسياسي، ذلك التطور الذي أوصلها إلى الديمقراطية.

شكلت القبيلة نواة المجتمع الأثيني، وبرزت فئات طبقية متعددة أساسها المهنة كالكهنة والتجار والعمال والصناع والرعاة. وامتاز المجتمع الأثيني بالطبقية على أساس الثروة التي كانت تقدر بمساحة الأرض المملوكة أو المنقولة بالوراثة دون تقسيم، وقد انقسم المجتمع الأثيني إلى الفئات التالية: المواطنون الأصليون، أي من أبوين آثينيين ولهم الحقوق كاملة؛ الميتيك أي الأغراب الذين استوطنوا أثينا وليس لهم أية حقوق سياسية ومدنية؛ والعبيد ومصدرهم الأسر والتوالد والدَّين، ويعتبر الرقيق مالا في تصرف سيده.

لم تقم الديانة الإغريقية في وقت واحد وعلى يد رجل واجد فهي نتاج معتقدات السكان الأصليين والمجموعات التي غزت تلك البلاد، بالآلهة حسب أساطيرهم هم أول من سكن بلاد الإغريق، وقد نشأت الديانة عندهم كسائر الديانات القديمة، نتيجة لتفسير بعض القوى والمظاهر الطبيعية، وخاصة فيما يتعلق بالأمور الزراعية كالمطر والبرق والرعد. كما أكثروا من آلهتهم وأقاموا لها المعابد وقدموا لها القرابين والهدايا.

الميثولوجيا عند الإغريق عبارة عن قصص وأساطير. فقد اعتقد اليونان أن الآلهة كانت بشراً في مرحلة من المراحل تعيش حياة البشر في شعورهم ورغباتهم وحاجتهم وعيوبهم. وكان لزيوس عدة زوجات على خلاف الرجال العاديين، لكن الإغريق بعد وقت أدركوا أن قصص الآلهة بمعظمها غير متطابقة مع هذه الحياة فكفوا عن الإيمان بها.

كرم أهل اليونان آلهمتهم لأسباب كثيرة. فقد كان البيت المعبد الأول ورب البيت كاهنا يقوم بإجراء الطقوس، ثم عمدوا إلى بناء المعابد، فلا مدينة بدون معبد. ومن أجمل المعابد ما أقيم على جبل الأولمب حيث تنافس الحكام في بنائها وتزيينها، فجاءت آية في الروعة والجمال. ولا تزال الجدرانيات والرسوم والنقوش في المعابد وغيرها الشاهد الأكبر على اهتمام الإغريق بأعيادهم. إن الأعياد عبارة عن تطواف شامل ينطلق من أثينا باتجاه الأكروبول وهي أكثر من مناسبة دينية، فهي مناسبة وطنية تشترك في إحيائها كل المدن اليونانية.

كما أدخلت الألعاب الأولمبية إلى هذه الأعياد عا 776 ق.م. تكريما للإله زيوس وكانت تقام كل أربع سنوات وتستمر لمدة خمسة أيام.

كان اليونانيون السباقون بين الشعوب في الكثير من الفنون الأدبية والحقول الفنية والعلمية والفلسفية. فالشعر في الأدب كان الأسبق من النثر، وأسبق الفنون الشعرية هو الفن الملحمي، وكان اليونان أول السابقين في هذا النوع من الأدب، وقد عدت الإلياذة والأوذيسة من أهم روائع الأدب الملحمي عند اليونان. هذا بالإضافة إلى الشعر الغنائي والشعر المسرحي الذي نشأ بقسميه المأساوي والهزلي. وكان يقوم بالتمثيل المغنون أنفسهم.

تأثر اليونانيون بالفن الهندسي عند الإيجيين والمصريين في بادئ الأمر وكذلك فنهم الهندسي من أسمى الفنون رغم ما بلغته التماثيل اليونانية من الروعة والإتقان. وكذلك كان النحت في بادئ الأم جامدا كما عند المصريين ثم تحرر من الجمود، وأجمل المنحوتات عندهم هي التماثيل وقد صنعوها من الخشب والبرونز وأخيرا من الرخام. واتخذت تماثيلهم البشرية الممثلة للآلهة أوصافا مثالية فجاءت آية من الجمال والكمال الجسماني.

اهتم اليونان بالنواحي الفكرية وأعطوا العالم حضارة مميزة متنوعة لم يعطها أحد من الشعوب التي سبقتهم أو عاصرتهم. وأولى طلائع الفكر اليوناني المنظم تعود إلى القرن السابع ق.م. عندما تحول الفكر إلى دراسة الطبيعة وما وراء الطبيعة لا سيما في مدينة ميلوس في آسيا الصغرى حيث تفاعلت الحضارة اليونانية مع حضارات الشرق، وكان معظم المفكرين من أصل شرقي، وجهوا العقل اليوناني نحو البحث العلمي والفلسفي. فبرزت عندهم عدة نظريات في الفلسفة منها النظرية المادية، النظرية العددية، والسفسطة. كما برز منهم عدد من الفلاسفة أهمهم: سقراط، أفلاطون وأرسطو. هذا بالإضافة إلى العلوم والطب الذي أبدوا له اهتماما كبيرا فكانوا من منظميه، وكان أبوقراط أبو الطب العالم، اعتمد مبدأ الاختبار والتحري، والتطبيب بنظره لا يقوم على النظريات بل على الملاحظة والتجربة، خلق ثورة في الطب وذاع صيته في أنحاء العالم واستدعاه أرتحشتا الفارسي ليحد من ويلات مرض تفشى في معسكره، لكنه رفض تطبيب أعدائه رغم أنه أعطى لمهنة الطب صفتها الإنسانية ووضع قسما لمن أراد مزاولة المهنة.

الحضارة الرومانية


حققت روما حوالى 270 ق.م. الوحدة الإيطالية وتشكلت طبقة جديدة من النبلاء بعد أن انحطت طبقة الخواص السابقة وازدهرت طبقة العوام.

وما كاد ينتصف القرن الثاني قبل الميلاد حتى شهد العالم نهاية استقلال كثير من الشعوب. فقد فتح الرومان مقدونية وزهقت حرية اليونان سنة 146 ق.م. وأصبحت
قرطاجة خراباً في آخر عام 146 ق.م. ولفظت اسبانيا أنفاسها بعد ثلاثة عشر سنة وأصبحت آسية الصغرى وإفريقيا القرطاجية ولايات مسالمة في امبراطورية روما العالمية. ثم فتحت سورية عام 64 ق.م. وأنهى الرومان حكم السلوقيين ثم فتحت مصر.

اتخذ الرومان لأنفسهم الحضارة اليونانية منهجاً فأمدوا بحياتها ونشروها في كل الأصقاع التي وصلوا إليها فانطبعت بطابعهم وأصبحت تدعى بالحضارة الإغريقية ـ الرومانية. ولما احتكوا بالشرق وامتزجوا بأممه، أخذوا عنها الكثير من العلوم والمعارف وتلقوا منها المسيحية فاعتنقوها بعد تردد.

كان للحروب والفتوحات التي خاضتها الدولة الرومانية أثر كبير في الحياة الاقتصادية. فقد ساعدت على اتساع رقعتها الجغرافية، ووفرت لها السهول الزراعية الخصبة المحاصيل المتنوعة في السهول الإسبانية والفرنسية، وسهول نهر البو في إيطاليا وأراضي بلاد ما بين النهرين وسهول سورية وآسيا الصغرى ووادي النيل في مصر. كما أن ممتلكات الإمبراطورية أمدت روما بالعديد من أنواع المعادن كالحديد، النحاس، القصدير، البرونز، الذهب والفضة وجميعها كانت تشكل الركيزة للصناعة الرومانية. كل هذا فتح الباب واسعا أمام نشاط حركة التبادل التجاري ليس داخل حدود الإمبراطورية فحسب بل وفي خارجها أيضا. وقد عاصر هذا العصر الاقتصادي مرحلة الازدهار السياسي، وتأثر إلى حد كبير بتطوراته ونتائجه. وحين تدهور الوضع السياسي، انهارت معه الحياة الاقتصادية، وعمت الضائقة المعيشية الطبقات الشعبية، وأخذ الانهيار الاقتصادي يتزامن مع الانهيار السياسي للإمبراطورية الرومانية.

كان المجتمع الروماني قبل ظهور المسيحية، مجتمعا تنتشر فيه عبادة الأوثان والأصنام وخضوعهم لمشيئة قوى خفية وغير منظورة، لذلك كانوا يتفادون إغضاب الآلهة ويعملون كل ما في وسعهم لاسترضائها. فكل الظواهر الطبيعية هي بمثابة إنذارات تحذر البشر من الأخطار التي قد تعترضهم كالصواعق والبروق والرعود التي تعتبر كلها نذيرا للشر أو بشيرا للخير. وتميزت ديانتهم بتعدد الآلهة وتفاوتها من حيث المرتبة والأهمية وطبقا لكواكب السيارة: هو المشتري أي صاحب المقام الأول، الإله فينوس أي الزهرة وهو إله الخصب والجمال والحب والحظ. أما الإله مارس فهو إله الحرب، يحمي الجيوش الرومانية وينصرها. والإله عطارد هو حارس أرواح الموتى وإله التجارة والمسافرين. والإله جونو هي إلهة الزواج المقدس والنور والقمر. والإلهة مينرفا هي إلهة الحكمة والعلم والثقافة والأعمال اليدوية.

وكان يمارس طقوس العبادة ومراسيمها جماعة الكهنة وعلى رأسها حبر أعظم.

أما الديانة الوثنية، فكانت هي العبادة السائدة في أرجاء الإمبراطورية الرومانية، كما عرفت أجزاء الإمبراطورية الديانة اليهودية التي كان يعتنقها العبرانيون في بعض أنحاء
فلسطين، وكان هؤلاء ينظرون إلى المخلص لإنقاذ شعب إسرائيل من التشرد والاضطهاد ويدعونه المسيح.

أما من الناحية الأدبية، فما لبثت الحضارة اليونانية أن انتهت حين استولت روما على بلاد اليونان وأورثت أوروبا والشرق الأدنى تراثا عظيما. فكان كل امتداد سياسي للرومان انتشارا للحضارة اليونانية. فكانت اللغة في البداية مختصرة ومحدودة المعاني، ثم أصبحت اللاتينية هي اللغة الشائعة والمستعملة لغة الإمبراطورية الرسمية، ولكنها بقيت أضيق مجالا من اللغة الإغريقية، لأن الحروب اللاتينية تعود بمجملها إلى اليونانية. وكان الرومان يكتبون بالحبر بأقلام معدنية على أوراق الشجر في بادئ الأمر. وكثيرا ما كانوا يكتبون على ألواح بيضاء من الخشب المطلى بالشمع، ثم على الجلد المدبوغ وعلى الورق.

كانت معظم الأقاليم التي سيطر عليها الرومان غنية بالثقافة اليونانية من لغة وأدب وفلسفة، فأخذت هذه الثروة الفكرية تتدفق على روما، وتبعث في لغتها وآدابها الحياة. وتجلى ذلك حين أنشأ الإمبراطور أغسطس قيصر دور الكتب العامة في أرجاء الإمبراطورية وتميز بسخائه على الشعراء والأدباء، فبرز العديد منهم مثل فرجيل، وهوراس، وأفيديوس. أما في الفلسفة، فقد كان معظم فلاسفة الرومان من أتباع المذهب الرواقي، أما الأبيقريون فلم تترك لهم الخمرة والنساء وقتا للنظريات الفلسفية. وكان للأباطرة الرومان فلاسفة يقيمون معهم في بلاطهم.

أما الطب، فقد اقتبسوه عن اليونان، ولكنهم أحسنوا صياغته وتنظيمه. وكان الناس في العصور القديمة يحاولون التغلب على الأمراض بالسحر والصلوات. ولكن في القرن الأول الميلادي تطور الأمر وفتحت المدارس لتعليم الطب. وكان يطلق على خريجي هذه المعاهد اسم أطباء الجمهورية. وأصدر الرومان القوانين التي تقضي بإشراف الدولة على الأطباء وتحميلهم تبعة أعمالهم، وأبرز المعروفين في علم الطب هو كاتب من أصل روماني يدعى سلس.

كذلك وضع الرومان خرائط قسموا فيها سطح الأرض إلى منطقة حارة في الوسط ومنطقتين معتدلتين شمالية وجنوبية. وكان الجغرافيون الرومان يعرفون أوروبا وجزءا من آسيا. أما سائر أجزاء العالم فكانت لديهم عنها أفكار غامضة وأقاصيص خرافية غربية.كما حدد مارينوس الصوري خطوط الطول والعرض، ولمع اسم بطليموس الذي اشتهر بوضع الخرائط.

أبدع الرومان في مجال العمارة. لكنهم لم يستطيعوا أن يتجاهلوا التراث الأتروكسي والتأثير اليوناني الذي أغنى التراث المعماري الروماني في بناء الهياكل والقصور وهندسة المدن. من هذا المزيج نشأ فن العمارة الروماني. وتميزت المدن الرومانية بالفخامة والروعة ومتانة البناء. وكان الآجر المادة الشائعة الاستعمال في بناء العقود والأقواس والمعابد والمسارح والمدرجات والحمامات.

ومن أهم المنجزات المعمارية الرومانية: معبد جوبيتير الكابيتولي وعمود تراجان وهياكل
بعلبك العظيمة وأقواس النصر.

كذلك فقد تجلى النقش في تزيين القصور وزخرفتها بالفسيفساء ذات المكعبات الصغيرة والكثيرة الألوان، وبذلوا في ذلك الجهد الكبير، فأخرجوا منها رسوما مدهشة في واقعيتها وروعتها. كما اهتموا بأثاث هذه القصور من المقاعد والكراسي والأسرة المرصعة بالعاج والذهب والفضة. وكانت الأحجار الكريمة المستوردة من أفريقيا والهند تقطع وتركب في الخواتم والعقود والأساور. وملأ خزافو روما المنازل الإيطالية، بجميع أنواع الآنية الخزفية، ثم انتقل الرومان من الخزف إلى صنع الزجاج الفني الجميل، وقد نقل هذا الفن من
صيدا والإسكندرية إلى روما. ومن أشهر الآنية الزجاجية "المزهرية الزجاجية الزرقاء" التي تمثل عيد الخمرة للإله باخوس.

أما في النحت فيظهر تأثير الإغريق بارزا. فقد ظل الفنانون في روما زمنا ينحتون العقود والمذابح التي تبدو فيها دقة العمل وروعة الشكل. ويمتاز النحت الروماني بقدرة فائقة على تصوير المظاهر الطبيعية المؤثرة وتنظيم الأضواء والظلال تنظيما جاء غاية في الإتقان. وأكثر المنحوتات مدعاة للإعجاب هي تلك التماثيل النصفية الملونة، وأروعها تمثال رأس قيصر. وصبوا تماثيل حيوانات مدهشة في دقتها ووضوح معالمها كرؤوس الذئاب والخيول الواثبة.

يظهر تيار الحضارة اليونانية بشكل جلي في فن التصوير الروماني، من خلال المصورين الرومانيين الذي اقتبسوا في رسومهم الأشياء الكثيرة عن فن التصوير الإغريقي. وأتقن الرومان الرسم على الجدران الخارجية للأبنية، فكانوا يستعملون الجدار بكامله ليرسموا عليه صورة واحدة أو مجموعة من الصور المتصلة بعضها في موضوعها، حتى غدت الصور الجدرانية جزءا متمما للبيت في هندسته المعمارية. كما رسموا على الجدران الداخلية أروع المناظر الطبيعية، والتي تفوقوا فيها على بلاد اليونان، وعنوا بتصوير النساء، وأشهرهن المتكئات في رشاقة على القيثارات.

الحضارة البيزنطية

عندما اعتلى قسطنطين سنة 306 عرش الامبراطورية، تمكن من توحيد البلاد الرومانية وأخذ على عاتقه مهمة إتمام الإصلاحات التي كان قد بدأها سلفه دقلديانوس. وكانت الخطوة الأهم التي أقدم عليها قسطنطين انتقاله إلى مدينة القسطنطينية التي باشر ببنائها سنة 324 م على الموقع الذي كانت تقوم عليه بيزنطة. وفي سنة 330 م اتخذها عاصمة للامبراطورية الرومانية. وبهذا فقدت روما أهميتها كعاصمة كبرى، وانتقل الثقل السياسي والاقتصادي في الامبراطورية إلى الشرق، حيث أصبحت الدولة مسيحية في دينها، إغريقية في لغتها وشرقية في اتجاهاتها وميولها.

بعد وفاة الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير سنة 395م، انشطرت الإمبراطورية بين ولوديه أركاديوس الذي اعتلى عرش الإمبراطورية البيزنطية في الشرق عاصمتها رواما، حتى انهارت تحت ضربات الشعوب البربرية. وقد شملت الإمبراطورية البيزنطية الشرقية، بلاد البلقان وآسيا الصغرى وبلاد الشام ومصر. وأبرز من تولى عرشها الإمبراطور جوستينيان الكبير الذي اشتهر بمجموعة قوانينه. وتحت تأثير الحروب بدأت بيزنطية تفقد ممتلكاتها تدريجيا، في الشرق بسبب غزوات الفرس وفتوحات العرب. وبعد أن سيطر الأتراك على آسيا الصغرى سقطت القسنطينية في أيديهم سنة 1453 م.

كان النظام السياسي يتصف بالمركزية. فسلطة الإمبراطور فيه أصبحت مطلقة، وتجمعت بين يديه جميع السلطات، وزالت المؤثرات التي كانت تجمع بينه وبين مجلس الشيوخ، واختفت تدريجيا المؤسسات التمثيلية التي عرفتها الإمبراطورية من قبل. ومجلس الشيوخ لم يعد مجلساً تشريعياً، أو استشاريا، بل أصبح مجلسا عاديا لمدينة روما فقط. ثم أوجد الإمبراطور قسنطين مثله في مدينة القسنطينية أيضا. أما الحكام فقد أصبحت وظائفهم اسمية من دون نفوذ يذكر، وأصبحوا يعينون جميعهم بقرار من الإمبراطور مباشرة.

كان للديانة المسيحية أثر ملحوظ في القانون الروماني، وفي تطور قواعده، لا سيما بعد أن انتصرت المسيحية واعتنقها الأباطرة الرومان. فألغيت القوانين القديمة مع الديانة الجديدة، ونشأت قواعد جديدة تتفق مع مبادئ الدين الجديد.

أما القانون الروماني فقد عرف قبل الإمبراطورية عدة تشريعات أهمها قانون الألواح الاثني عشر والمجموعات الفقهية. وهذه الأعمال القانونية تشكل تشريعات المصادر القديمة وتبعثرها. لذلك أمر الإمبراطور جوستينيان بوضع مجموعات قانونية تشمل القوانين الرومانية كافة، وقد تم إنجازها بعد ست سنوات.

إن أعظم أثر حقوقي يذكر في تاريخ الإمبراطورية الرومانية كلها، هو ذلك الأثر التشريعي الذي صدر عن الإمبراطور جوستينيان والذي يقع في المجموعات التالية: مجموعة الدساتير الإمبراطورية، الموسوعة، مجموعة النظم.

جمع الاقتصاد البيزنطي بين الحرية الاقتصادية الفردية والاقتصاد الحكومي. كما لجأ الامبراطور جوستينيان إلى السيطرة على الأثمان والأجور. وبقيت القسنطينية ردحا من الزمن أعظم الأسواق التجارية، ومركز النقل البحري في الشرق. ومن أهم العوامل في النشاط الاقتصادي، النقد الامبراطوري الذي كان عمله مقبولا في جميع أنحاء العالم تقريبا لسلامته وثباته. فكان امتلاك الفلاحين للأراضي التي يزرعونها، القاعدة المعمول بها في الزراعة.

كانت الدولة تحتكر معظم أنواع المنسوجات الحريرية والصبغات الارجوانية في مدينة القسنطينية في حوانيت داخل القصر الإمبراطوري أو قريبة منه. أما التجارة الداخلية والخارجية فكانت ناشطة، نظرا لتوفرالطرق والجسور. وقد شجع الإمبراطور جوستينيان إنشاء المرافئ على البحر الأسود، لتفادي عبور الطريق البحري إلى الهند، لأن الفرس كانوا يسيطرون على ثغور الهند ويفرضون رسوما مرتفعة على السلع والبضائع وكأنها تمر عبر بلاد إيران نفسها.

كان لانقسام الامبراطورية ولظهور الاضطرابات السياسية أثر واضح على الأحوال الاجتماعية في الامبراطورية البيزنطية، فظهرت طبقات اجتماعية جديدة لكل منها امتيازات خاصة بها مما زاد في سوء الأوضاع الاجتماعية. فتألفت من طبقة الأشراف، الصناع والعمال وطبقة الفلاحين، مما أدى إلى سوء أوضاع الطبقات الشعبية إلى فقدانها الإيمان بالسلطات الحاكمة.

اهتمت بيزنطية بالتعليم فأنشأت المدارس والمعاهد وأهمها جامعة القسنطينية التي كانت تدرس الفلسفة والقانون والطب ونحو اللغة اللاتينية واليونانية وبلاغتها. وفي الفلسفة برعت الفيلسوفة هيباشيا التي سارت على خطى أفلاطون، وعينت أستاذة للفلسفة في جامعة الاستكندرية. أما العلوم، فقد عرف البيزنطيون الطب فكتبوا الموسوعات الطبية التي تضمنت شروحا في أمراض العين والأذن والفم والعمليات الجراحية، وقد ترجمت هذه الموسوعات إلى اللاتينية والسريانية والعربية.

كما تطور البيزنطيون في حقول كيمياء المعادن والسبائك والرياضيات والهندسة الجغرافية، وكانوا يؤمنون بأن الكواكب والنجوم لها تأثير على أحداث الأرض.

يدين الفن البيزنطي بجمال قصوره وعظمة كنائسه وروعة زخارفه لبلاد الشرق. فقد اندفعت سورية وآسيا الصغرى ومصر بحضاراتها الغنية إلى بيزنطية، بعد أن انحطت حضارة روما وتلاشت حين غزتها القبائل الجرمانية المتبربرة.

ولما انتصرت المسيحية على الوثنية، احتاجت إلى صروح فخمة تأوي عبادها المتزايدين، فارتفعت الكنائس فوق أنقاض الوثنية القديمة. وأصبح التصوير البيزنطي من الفسيفساء ذات المربعات الصغيرة الملونة من الرخام أو الزجاج، وسيلة لتزيين الكنائس والقصور. وكان البيزنطيون مولعين بالمنسوجات الملونة والمزدانة بالصور والرسوم والثياب الحريرية المطرزة وبفن حفر المعادن الثمينة والأحجار الكريمة.

برع الفنان البيزنطي في الأشياء الدقيقة أيضا، فكانت زخرفة المخطوطات المسيحية واضحة في كتاب الأناجيل الذي زخرفه الراهب رابولا وكتاب سفر التكوين المكتوب في القرن الخامس ميلادي.

الحضارة الفارسية

ينتمي الفرس إلى الجنس الآري وموطنهم الأصلي في الشمال الشرقي لبحر قزوين. كانوا قبائل رحل يجوبون تلك المناطق بمواشيهم، ثم نزحوا في أوائل الألف الثاني ق.م. إلى الهضبة الإيرانية المجاورة لبلاد ما بين النهرين. وكان الشعب الفارسي في ذلك الوقت ينقسم إلى قسمين: الميديون وسكنوا في الشمال الغربي للهضبة الإيرانية، والأخميدون الذين سكنوا في الجنوب الغربي منها.

كانت زعامة الفرس حتى القرن السادس ق.م. بيد الميديين الذي تمكنوا من تأسيس مملكة واسعة امتدت من الخليج العربي حتى بحر قزوين. ولكن ما لبث أحد زعماء الأخميديين قورش أن أعلن الثورة على استياج آخر ملوك الميديين واستولى على العرش في سنة 555 ق.م. واتخذ لقب شاهنشاه (ملك الملوك) ثم سيطر على آشور وشمال أرض الرافدين وتقدم غربا ودخل سارديس عاصمة مملكة ليديا في آسيا الصغرى، ثم دخل بابل وقضى على الكلدانيين سنة 539 ق.م. ولكنه قتل في إحدى المعارك مع بعض القبائل في الشمال الشرقي من إيران فخلفه ابنه قمبيز.

اتبع قمبيز سياسة والده في التوسع والفتوحات فاستولى على
مصر سنة 525 ق.م. وبلغت الامبراطورية الفارسية في عهده أقصى اتساعها فامتدت من نهر السند حتى بحر إيجى. وعندما أراد احتلال قرطاجة رفض الفينيقيون مساعدته فاضطر للعودة عندما بلغته أنباء بعض الفتن في بلاد فارس. توفي في الطريق سنة 521 ق.م. فخلفه قائد جيشه دارا (داريوس) الذي اهتم بالفتح أيضا فوصل إلى البنجاب ولكنه دخل في حروب طويلة مع بلاد اليونان عرفت باسم الحروب الميدية وقد انهزم الفرس في معركة الماراتون سنة 490 ق.م.

وبعد موت دارا خلفه ابنه أحشوبروش الذي أخمد الثورات التي واجهته. ثم هاجر بلاد اليونان ودخل أثينا وأحرقها ولكنه هزم في معركة سلامين البحرية سنة 480 ق.م. فعاد إلى بلاده. وبعده دخلت بلاد الفرس في عهد الانحطاط ولم تستطع الصمود أمام ضربات الإسكندر المقدوني.

عبد الفرس الظواهر الطبيعية كالشمس والقمر والنجوم والأرض. ولكن النار كانت أعظم الآلهة عندهم. وكانت الهياكل عبارة عن مذبح حجري منصوب في العراء يضرم عليه الكهنة النار التي يحافظون عليها مشتعلة باستمرار.

في أوائل القرن السادس ق.م. ظهر مصلح ديني يدعى زرادشت انتقد ديانة أبناء قومه وأخذ يبشر بدين جديد، فبدأ بإصلاح الطقوس الدينية وأبطل بعض العادات كالشراب والنشوة المقدسة لكنه أبقى على مذابح النار باعتبارها رمزا للخير والنور. ثم دعا إلى اتباع الحكمة وقول الصدق وشدد على أن الخير هو الأصل في الكون، ويتمثل بالإله أهورامزدا (رب الحكمة) ويعاونه عدد من الملائكة يتمثلون بالنور (متراس) والنار والشمس. أما الشر فهو مجموعة أرواح شريرة يقودها أهريمان (رب الظلام). وقال إن الانسان خلق حرا وعليه أن يختار بين أهورامزدا وأهريمان، وعلى أساس اختياره سيمثل في الآخرة أمام أهورامزدا ليحاسبه على أعماله، فمن كان صالحا يرث حياة النعيم ومن كان من أتباع أهريمان يرث العذاب والظلام.

كان الفرس في الأصل رعاة غير متحضرين ولكن اتصالهم بشعوب بلاد ما بين النهرين جعلهم ينتسبون حضاريا إلى تلك المنطقة. فاقتبسوا أساليب حياتهم وتعلموا كتابتهم وأدبهم وعلومهم، واستفادوا من تنظيم تلك الشعوب السياسي والإداري فنسجوا على منواله وأدخلوا عليه بعض التحسينات حتى بلغ أوجه على أيام دارا (داريوس). فبعد أن توج ملكا على بابل ومصر قسّم الإمبراطورية إلى عشرين ولاية (مرزبانة) على رأس كل منها حاكم مدني يسمى المرزبان ويعاونه حاكم عسكري. وكان الحاكم مطلق الصلاحية تقريبا في إدارة شؤون ولايته شرط أن يؤدي ما يتوجب عليه من الضرائب. وكالن الملك يراقب المرزابة مراقبة دقيقة بواسطة موظفين هما القائد العسكري و"أذن وعين الملك" يتصلان مباشرة بالملك وذلك للحؤول دون محاولتهم الاستقلال عن السلطة المركزية..

كان المجتمع الفارسي يتألف من الملك، ويلقب بالشاهنشاه واعتبر ممثلا لإله الخير أهورامزدا. والنبلاء وهم أبناء العشائر وتنتقل سلطتهم بالإرث. أما عامة الشعب فكانوا بدوا يسكنون المراعي والهضاب ويهتمون بتربية الماشية ويعملون في الزراعة في أراضي النبلاء ويؤدون الضرائب من محاصيلهم الزراعية للسلطة المركزية. أما الجيش فقد كان يتألف من المشاة والرماة والفرسان. وكانت عربات الخيل القوة الضاربة في الجيش الفارسي.

استعان الفرس بالفينيقيين لبناء الأساطيل الحربية والتجارية وقيادتها، وقد عاملهم دارا معاملة حسنة فتعاونوا وبنوا له أسطولا كبيرا استخدمه أبناء أحشوبروش في قتال اليونانيين.

لم يهتم الفرس بالعلوم لأن الكتابة عمل شاق ودون فائدة. إلا أن اتساع الامبراطورية وحاجتهم إلى ضبط الحسابات وجباية الضرائب وتنظيم المراسلات دفعتهم إلى اقتباس الكتابة المسمارية لكتابة لغتهم. وقد اهتموا ببناء القصور الضخمة وكان أشهرها قصر دارا في مدينة سوسة وقد شيده بالحجارة الضخمة والأعمدة الكبيرة.

كذلك اهتم الفرس بالمواصلات من أجل أحكام سيطرتهم وسهولة انتقال الجيش إلى أطراف الإمبراطورية، ومن أجل تحسين طرق التجارة البرية والبحرية في مختلف أرجائها، خاصة وأن العلاقات التجارية كانت قد بدأت تزدهر بين بلاد الهند في الشرق وبلدان البحر المتوسط. واهتم دارا بتنشيط الأعمال التجارية فأمر بإعادة حفر ترعة السويس التي تبرط بين البحر الأحمر ونهر النيل والتي كان قد شقها فراعنة مصر وردمتها الرياح الرملية. وقد اشتهر الفرس أيضا بتنظيم البريد وكان سعاة البريد يستخدمون الخيول والعربات إلا أنهم كانوا ينقلون المراسلات الرسمية فقط.