أخبار أبي حزابة ونسبه

اسمه ونشأته  أبو حزابة اسمه الوليد بن حنيفة، أحد بني ربيعة بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. شاعر من شعراء الدولة الأموية بدوي حضر وسكن البصرة، ثم اكتتب في الديوان، وضرب عليه البعث إلى سجستان، فكان بها مدة، وعاد إلى البصرة، وخرج مع ابن الأشعث لما خرج على عبد الملك، وأظنه قتل معه، وكان شاعراً راجزاً فصيحاً خبيث اللسان هجاء.


أبطأ الدلاء أملؤها فأخبرنا الحسن بن علي قال: حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال: حدثنا محمد بن الهيثم الشامي قال: حدثني عمي أبو فراس عن العذري قال: دخل أبو حزابة على طلحة الطلحات الخزاعي، وقد استعمله يزيد بن معاوية على سجستان، وكان أبو حزابة قد مدحه، فأبطأت عليه الجائزة من جهته، ورأى ما يعطي غيره من الجوائز، فأنشده:

وأدليت دلوي في دلاء كـثـيرة

 

فجئن ملاء غير دلوي كما هيا

وأهلكـنـي ألا تـزال رغـيبة

 

تقصر دوني أو تـحـل ورائيا

أراني إذا استمطرت منك سحابة

 

لتمطرني عادت عجاجاً وسافيا

قال: فرماه طلحة بحق فيه درة فأصاب صدره، ووقعت في حجره، ويقال: بل أعطاء أربعة أحجار، وقال له: لا تخدع عنها، فباعها بأربعين ألفاً. ومات طلحة بسجستان.


خلف شحيح لسلف كريم ثم ولى من بعده رجل من بني عبد شمس يقال له عبد الله بن علي بن عدي وكان شحيحاً فقال له أبو حزابة:

يا بن علي برح الخفـاء

 

قد علم الجيران والأكفاء

أنك أنت النذل واللـفـاء

 

أنت لعين طلحة الفـداء

بنو عدي كلهـم سـواء

 

كأنهـم زينـية جـراء

رثاء وهجاء قال ثم وليها بعد عبد الله بن علي عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن كريز أيام الفتنة، فاستأذنه أبو حزابة أن يأتي البصرة، فأذن له، فقدمها، وكان الناس يحضرون المربد، ويتناشدون الأشعار، ويتحادثون ساعة من النهار، فشهدهم أبو حزابة، وأنشدهم مرثية له في طلحة الطلحت يضمنها ذماً لعبد الله بن علي وهي قوله:

هيهات هيهات الجناب الأخضر

 

والنائل الغمر الذي لا ينـزر

واراه عنا الجدث الـمـغـور

 

قد علم القوم غداة استعبـروا

والقبر بين الطلحات يحـفـر

 

أن لن يروا مثلك حتى ينشروا

أنا أتـانـا جـرز مـحـمـر

 

أنكره سريرنا والـمـنـبـر

والمسجد المحتضر المطـهـر

 

وخلف يا طلح منـك أعـور

بلية يا ربـنـا لا نـسـخـر

 

أقل من شبرين حين يشـبـر

مثل أبي القعواء لا بل أقصر

 

 

قال: وأبو القعواء حاجب لطلحة كان قصيراً.


بئس العقاب فقال عون بن عبد الرحمن بن سلامة - وسلامة أمه - وهو رجل من بني تميم بن مرة قيس: بئسما قلت! أتشاهر الناس بشتم قريش؟ فقال له، إني لم أعم، إنما سميت رجلاً واحداً، فأغلظ له عون حتى انصرف عن ذلك الموضع، ثم أمر عون ابن أخل له، فدعا أبا حزابة فأطعمه، وسقاه، وخلط في شرابه شبر ما فسلحه، فخرج أبو حزابة وقد أخذه بطنه، فسلح على بابهم وفي طريقه، حتى بلغ أهله، ومرض أشهراً، ثم عوفي، فركب فرساً له، ثم أتى المربد فإذا عون بن سلامة واقف، فصاح به، فوقف، ولو لم يقف كان أخف لهجائه، فقال له أبو حزابة:

يا عون قف واستمع الملامة

 

لا سلم الله علـى سـلامة

زنجية تحسبها نـعـلـمـه

 

شكاء شان جسمها دمامـه

ذات حر كريشتي حمامـه

 

بينهما بظر كرأس الهامـه

أعلمتها وعالـم الـعـلامة

 

لو أن تحت بظرها صمامه

لدفعت قدما بها أمـامـه

 

 

فكان الناس يصيحون به:

أعلمتها وعالم العلامة

أبو حزابة ينشد طلحة أخبرني عمي قال حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثني عمي أبو فراس، عن الهيثم بن عدي قال: كان عبد الله بن خلف أبو طلحة الطلحات مع عائشة يوم الجمل وقتل معها يومئذ، وعلى بني خلف نزلت عائشة بالبصرة في القصر المعروف بقصر بني خلف، وكان هوى طلحة الطلحات أموياً، وكانت بنو أمية مكرمين له.
فأنشد أبو حزابة يوماً طلحة:

يا طلح يأبى مجدك الإخلافا

 

والبخل لا يعترف اعترافاً

إن لنا أحمـرة عـجـافـاً

 

يأكلن كل لـيلة إكـافـا

فأمر له طلحة بإبل ودراهم، وقال له: هذه مكان أحمرتك.


يأبى الوقوف بباب يزيد أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال: حدثني العمري، عن لقيط قال: قيل لأبي حزابة: لو أتيت يزيد بن معاوية لفرض لك، وشرفك، وألحقك بعلية أصحابه، فلست دونهم، وكان أبو حزابة يومئذ غلاما حدثا، وكان معاوية حياً، ويزيد أميراً يومئذ، فلما أكثر قومه عليه في ذلك وفي قولهم: إنك ستشرف بمصيرك إليه قال:

يشرفني سيفي وقلـب مـجـانـب

 

لكل لئيم بـاخـل ومـعـلـهـج

وكري على الأبطال طرفاً كـأنـه

 

ظليم وضربي فوق رأس المدجـج

وقولي إذا ما النفس جاشت وأجهشت

 

مخـافة يوم شـره مـتـأجــج

عليك غمار الموت يا نفس إنـنـي

 

جريء على درء الشجاع المهجهج

ثم يقف؛ فلا يصل إليه فلما أكثر عليه قومه، وعنفوه في تأخره أتى يزيد بن معاوية، فأقام ببابه شهراً لا يصل إليه فرجع، وقال: والله لا يراني ما حملت عيناي الماء إلا أسيراً أو قتيلا، وأنشأ يقول:

فوالـلـه لا آتـي يزيد ولـو حـوت

 

أنامله ما بين شـرق إلـى غـرب

لأن يزيداً غـير الـلـه مـا بـــه

 

جنوح إلى السوءى مصر على الذنب

فقل لبني حرب تقـوا الـلـه وحـده

 

ولا تسعدوه في البطالة والـلـعـب

ولا تأمنوا التغـيير إن دام فـعـلـه

 

ولم ينهه عن ذاك شيخ بنـي حـرب

أيشربها صرفـاً إذا الـلـيل جـنـه

 

معتقة كالمسك تختال في العـلـب

ويلحى عليها شاربـيهـا وقـلـبـه

 

يهيم بها إن غاب يوماً عن الشـرب

يرهن سرجه ليبيت أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال: حدثنا عمر بن شبة، عن المدائني قال: لما خرج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث على الحجاج، وكان معه أبو حزابة فمروا بدستبى وبها مستراد الصناجة، وكانت لا يبيت بها أحد إلا بمائة درهم، فبات بها أبو حزابة ورهن عندها سرجه، فلما أصبح وقف لعبد الرحمن، فلما أقبل صاح به وقال:

أمر عضال نابني في العج

 

كأنني مطالـب بـخـرج

ومستراد ذهبت بالـسـرج

 

في فتنة الناس وهذا الهرج

فعرف ابن الأشعث القصة، وضحك، وأمر بأن يفتك له سرجه، ويعطى معه ألف درهم، وبلغت القصة الحجاج فقال: أيجاهر في عسكره بالفجور فيضحك، ولا ينكر! ظفرت به إن شاء الله.


لا يثيبه على المدح فيهجوه أخبرني عمي، قال حدثنا الكراني عن العمري، عن العتبي قال: مدح أبو حزابة عبد الله بن علي العشمي وهو على سجستان فلم يثبه فقال يهجوه:

هبـت تـعـاتــبـــنـــي أمـــا

 

مة فـي الـسـمـاحة والـفـضــال

وأبـيت عـنـد عـتـــابـــهـــا

 

إلا خـــلائق ذي الـــنـــــوال

أعـطـي أخـــي وأحـــوطـــه

 

جهـدي وأبـذل جــل مـــالـــي

وأقـيه عـنـد تـشـاجـر الأبـطـــا

 

ل بـالأســـل الـــنـــهـــال

حفـــظـــا لـــه ورعــــاية

 

للـخـالـيات مـن الــلـــيالـــي

إذ نـحـن نـشـــرب قـــهـــوة

 

درياقة كـــدم الـــغــــــزال

حمــراء يذهـــب ريحـــهـــا

 

ما فـي الـرؤوس مـن الـخـبـــال

وإذا تشعشع في الإناء رمت أخاها باغتيال

 

 

وعلا الحباب فخلته

 

عقـداً ينــظـــم مـــن لآلـــي

تشـفـي الـسـقـيم بـريحـــهـــا

 

وتـمـيتـه قـــبـــل الإجـــال

تلـك الـتـي تـــركـــت فـــؤا

 

د أبـي حــزابة فـــي ضـــلال

لا يســـتـــفـــيق ولا يفــــي

 

ق نـزيفـهـا فـي كـــل حـــال

وإذا الـكـمــاة تـــنـــازلـــوا

 

ومـشـى الـرجـال إلـى الـرجــال

وبـدت كـتـائب تـــمـــتـــري

 

مهـج الـكـتـائب بـالـعـوالـــي

فأبـــو حـــزابة عـــنــــد ذا

 

ك أخـو الـكـريهة والـــنـــزال

يمـشـي الـهـوينـي مـعـلـمـــاً

 

بالـسـيف مـــشـــياً غـــير آل

كالـلـــيث يتـــرك قـــرنـــه

 

متـجــدلا بـــين الـــرمـــال

إنـي نـذير بــنـــي تـــمـــي

 

م مــن أخـــي قـــيل وقـــال

من لا يجـــــود ولا يســـــــو

 

د ولا يجـير مـــن الـــهـــزال

وتـراه حـين يجــيئه الـــســـؤا

 

ل يولـع بـــالـــســـعـــال

متـشـاغـلاً مـتـنـحـنـــحـــا

 

كالـكـلـب جـمـجـم لـلـعـظـال

فارفض قريشاً كـلـهـا

 

من أجل ذي الداء العضال

 

           

يعني عبد الله بن علي العبشمي.


يشيد بشجاعة التميميين: أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال: حدثني محمد بن الهيثم الشامي قال: حدثني عمي أبو فراس، عن العذري قال: دخل أبو حزابة على عمارة بن تميم ومحمد بن الحجاج، وقد قدما سجستان لحرب عبد الرحمن بن محمد بن الهيثم الشامي قال: حدثني عمي أبو فراس، عن العذري قال: دخل أبو حزابة على عمارة بن تميم ومحمد بن الحجاج، وقد قدما سجستان لحرب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وكان عبد الرحمن لما قدماها هرب، ولم يبق بسجستان من أصحابه إلا سبعمائة رجل من بني تميم كانوا مقيمين بها، فقال لهما أبو حزابة: إن الرجل قد هرب منكما، ولم يبق من أصحابه أحد، وإنما بسجستان من كان بها من بني تميم قبل قدومه فقالا له: ما لهم عندنا أمان، لأنهم قد كانوا مع ابن الأشعث، وخلعوا الطاعة، فقال: ما خلعوها، ولكنه ورد عليهم في جمع عظيم لم يكن لهم بدفعة طاقة. فلم يجيباه إلى ما أراد، وعاد إلى قومه، وحاصرهم أهل الشام، فاستقتلت بنو تميم، فكانوا يخرجوا في كل يوم إليهم، فيواقعونهم، ويكبسهونهم بالليل، وينهبون أطرافهم، حتى ضجروا بذلك، فلما رأى عمارة فعلهم صالحهم، وخرجوا إليه، فلما رأى قلتهم قال: أما كنتم إلا ما أرى! قالوا: نعم، فإن شئت أن نقيلك الصلح أقلناك، وعدنا للحرب، فقال: أنا غني عن ذلك، وآمنهم، فقال أبو حزابة في ذلك:

لله عينـا مـن رأى مـن فـوارس

 

أكر على المكروه منهم وأصـبـرا

وأكرم لو لاقوا سـواداً مـقـاربـا

 

ولكن لقوا طماً من البحر أخضـرا

فما برحوا حتى أعضوا سيوفـهـم

 

ذرى الهام منهم والحديد المسمـرا

وحتى حسبناهم فوارس كـهـمـس

 

حيوا بعد ما ماتوا من الدهر أعصرا

صوت

إذا الله لم يسق إلا الـكـرام

 

فسقى وجوه بني حـنـبـل

وسـقـى ديارهـم بـاكـراً

 

من الغيث في الزمن الممحل

تكفكفه بالعشي الـجـنـوب

 

وتفرغه هـزة الـشـمـأل

كأن الرباب دوين السـحـاب

 

نعام تـعـلـق بـالأرجـل

الشعر لزهير السكب التميمي المازني، والغناء لإبراهيم خفيف رمل بالبنصر عن الهشامي وحبش.