أخبار عبد يغوث ونسبه

هو عبد يغوث بن صلاءة. وقيل: بل هو عبد يغوث بن الحارث بن وقاص بن صلاءة وهو قول ابن الكلبي بن المغفل، واسم المغفل: ربيعة بن كعب الأرت بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن خالد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. قال ابن الكلبي: قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. قال: وكان يقال ليعرب: المرعف. وكان عبد يغوث بن صلاءة شاعراً من شعراء الجاهلية، فارساً سيداً لقومه من بني الحارث بن كعب، وهو كان قائدهم في يوم الكلاب الثاني، إلى بني تميم، وفي ذلك اليوم أسر فقتل. وعبد يغوث من أهل بيت شعرٍ معرق لهم في الجاهلية والإسلام، منهم اللجلاج الحارثي، وهو طفيل بن يزيد بن عبد يغوث بن صلاءة، وأخوه مسهر فارس شاعر، وهو الذي طعن عامر بن الطفيل في عينه يوم فيف الريح. ومنهم ممن أدرك الإسلام جعفر بن علبة بن ربيعة بن الحارث بن عبد يغوث بن الحارث بن معاوية بن صلاءة، وكان فارساً شاعراً صعلوكاً، أخذ في دم، فحبس بالمدينة، ثم قتل صبراً. وخبره يذكر منفرداً، لأن له شعراً فيه غناء.


والشعر المذكور في هذا الموضع لعبد يغوث بن صلاءة، يقوله في يوم الكلاب الثاني جمع فيه قومه وغزا بني تميم، فظفرت به بنو تميم، وأسروه وقتل يومئذٍ.
وكان من حديث هذا اليوم، فيما ذكر أبو عبيدة، عن أبي عمرو بن العلاء، وهشام بن الكلبي عن أبيه، والمفضل بن محمد الضبي، وإسحاق بن الجصاص عن العنبري، قالوا: لما أوقع كسرى ببني تميم يوم الصفا بالمشقر، فقتل المقاتلة، وبقيت الأموال والذراري، بلغ ذلك مذحجاً، فمشى بعضهم إلى بعض، وقالوا: اغتنموا بني تميم، ثم بعثوا الرسل في قبائل اليمن وأحلافها من قضاعة، قالت مذحج للمأمور الحارثي، وهو كاهن: ما ترى؟ فقال لهم: لا تغزوا بني تميم، فإنهم يسيرون أغباباً، ويردون مياهاً جباباً، فتكون غنيمتكم تراباً. قال أبو عبيدة: فذكر أنه اجتمع من مذحج ولفها اثنا عشر ألفاً، وكان رئيس مذحج عبد يغوث بن صلاءة، ورئيس همدان يقال له مسرح، ورئيس كندة البراء بن قيس بن الحارث. فأقبلوا إلى تميم، فبلغ ذلك سعداً والرباب، فانطلق ناس من أشرافهم إلى أكثم بن صيفي، وهو قاضي العرب يومئذٍ، فاستشاروه، فقال لهم: أقلوا الخلاف على أمرائكم، واعلموا أن كثرة الصياح من الفشل، والمرء يعجز لا محالة. يا قوم تثبتوا، فإن أحزم الفريقين الركين، ورب عجلة تهب ريثا. واتزروا للحرب، وادرعوا الليل، فإنه أخفى للويل، ولا جماعة لمن اختلف.


فلما انصرفوا من عند أكثم تهيئوا، واستعدوا للحرب، وأقبل أهل اليمن، من بني الحارث من أشرافهم يزيد بن عبد المدان ويزيد بن مخرم، ويزيد بن الطيثم بن المأمور، ويزيد بن هوبر، حتى إذا كانوا بتيمن نزلوا قريباً من الكلاب، ورجل من بني زيد بن رياح بن يربوع، يقال له مشمت بن زنباع في إبل له، عند خال له من بني سعد، يقال له زهير بن بو، فلما أبصرهم المشمت قال لزهير: دونك الإبل، وتنح عن طريقهم، حتى آتي الحي فأنذرهم. قال: فركب المشمت ناقة، ثم سار حتى أتى سعداً والرباب وهم على الكلاب، فأنذرهم، فأعدوا للقوم، وصبحوهم، فأغاروا على النعم فطردوها، وجعل رجل من أهل اليمن، يرتجز ويقول:

في كل عام نعمٌ ننتابـه

 

على الكلاب غيباً أربابه

قال: فأجابه غلام من بني سعد كان في النعم، على فرس له، فقال:

عصا قليل سترى أربابه

 

صلب القناة حازماً شبابه

على جيادٍ ضمر عيابه

 

 

قال: فأقبلت سعد والرباب، ورئيس الرباب النعمان بن جساس، ورئيس بني سعد قيس بن عاصم المنقري. قال أبو عبيدة: اجتمع العلماء على أن الرئيس كان يومئذٍ قيس بن عاصم. فقال ضبي حين دنا من القوم:

في كل عام نعمٌ تحـوونـه

 

يلقحه قوم وتنتـجـونـه

أربابه نوكى فلا يحمونـه

 

ولا يلاقون طعانـاً دونـه

أنعم الأبناء تحـسـبـونـه

 

هيهات هيهات لما ترجونه

فقال ضمرة بن لبيد الحماسي: أنظروا إذا سقتم النعم، فإن أتتكم الخيل عصبا عصبا، وثبتت الأولى للأخرى، حتى تلحق، فإن أمر القوم هين. وإن لحق بكم القوم، فلم ينظروا إليكم حتى يردوا وجوه النعم، ولا ينتظر بعضهم بعضاً، فإن أمر القوم شديد. وتقدمت سعدٌ والرباب، فالتقوا في أوائل الناس، فلم يلتفتوا إليهم، واستقبلوا النعم من قبل وجوهها، فجعلوا يصرفونها بأرماحهم، واختلط القوم، فاقتتلوا قتالاً شديداً يومهم، حتى إذا كان من آخر النهار قتل النعمان بن جساس، قتله رجل من أهل اليمن، كانت أمه من بني حنظلة، يقال له عبد الله بن كعب،وهو الذي رماه، فقال للنعمان حين رماه: خذها وأنا ابن الحنظلية. فقال النعمان: ثكلتك أمك، رب حنظلية قد غاظتني. فذهبت مثلاً، وظن أهل اليمن أن بني تميم سيهدهم قتل النعمان، فلم يزدهم ذلك إلا جراءة عليهم، فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل، فباتوا يحرس بعضهم بعضاً، فلما أصبحوا غدوا على القتال، فنادى قيس بن عاصم: يال سعد، ونادى عبد يغوث: يال سعد. قيس بن عاصم يدعو سعد بن زيد مناة بن تميم، وعبد يغوث يدعو سعد العشيرة. فلما سمع ذلك قيس نادى: يال كعب، فنادى عبد يغوث: يال كعب. قيس يدعو كعب بن سعد، وعبد يغوث يدعو كعب بن عمرو. فلما رأى ذلك قيس من صنيع عبد يغوث، قال: ما لهم أخزاهم الله ما ندعو بشعار إلا دعوا بمثله. فنادى قيس: يال مقاعس، يعني بني الحارث بن عمرو بن كعب، وكان يلقب مقاعساً، فلما سمع وعلة بن عبد الله الجرمي الصوت، وكان صاحب اللواء يومئذٍ، طرحه، وكان أول من انهزم من اليمن، وحملت عليهم بنو سعد والرباب، فهزموهم أفظع هزيمة، وجعل رجل منهم يقول:

يا قوم لا يفلتكم اليزيدان

 

مخرماً أعني به والديان

وجعل قيس بن عاصم ينادي: يال تميم: لا تقتلوا إلا فارساً، فإن الرجالة لكم. وجعل يرتجز ويقول:

لما تولوا عصـبـا شـوازبـا

 

أقسمت لا أطعن إلا راكـبـا

إني وجدت الطعن فيهم صائبا

 

 

وجعل يأخذ الأسارى، فإذا أخذ أسيراً قال له: ممن أنت؟ فيقول: من بني زعبل، وهو زعبل بن كعب، أخو الحارث بن كعب، وهم أنذال، فكأن الأسارى يريدون بذلك رخص الفداء، فجعل قيس إذا أخذ أسيراً منهم، دفعه إلى من يليه من بني تميم، ويقول: أمسك حتى أصطاد لك زعبلة أخرى، فذهبت مثلاً. فما زالوا في آثارهم يقتلون ويأسرون، حتى أسر عبد يغوث، أسره فتى من بني عمير بن عبد شمس. وقتل يومئذٍ علقمة بن سباع القريعي، وهو فارس هبود، وهبود فرس عمرون الجعيد المرادي وكان علقمة قتل عمراً وأخذ فرسه من تحته، وأسر الأهتم، واسمه سنان بن سمي بن خالد بن منقر، ويومئذٍ سمي الأهتم رئيس كندة البراء بن قيس، وقتلت التيم الأوبر الحارثي، وآخر من بني الحارث يقال له معاوية، قتلهما النعمان بن جساس، وقتل يومئذٍ من أشرافهم خمسة، وقتلت بنو ضبة ضمرة بن لبيد الحماسي الكاهن، قتله قبيصة بن ضرار بن عمرو الضبي.


وأما عبد يغوث فانطلق به العبشمي إلى أهله، وكان العبشمي أهوج، فقالت له أمه ورأت عبد يغوث عظيماً جميلاً جسيماً: من أنت؟ قال: أنا سيد القوم. فضحكت، وقالت: قبحك الله من سيد قوم حين أسرك هذا الأهوج. فقال عبد يغوث:

وتضحك مني شيخةٌ عبشمية

 

كأن لم ترا قبلي أسيراً يمانياً

ثم قال لها: أيتها الحرة، هل لك إلى خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: أعطي ابنك مئة من الإبل وينطلق بي إلى الأهتم، فإني أتخوف أن تنتزعني سعد والرباب منه، فضمن له مئة من الإبل، وأرسل إلى بني الحارث، فوجهوا بها إليه، فقبضها العبشمي، فانطلق به إلى الأهتم، وأنشأ عبد يغوث يقول:

أأهتـم يا خـير الـبـرية والـدا

 

ورهطاً إذا ما الناس عدوا المساعيا

تدارك أسيراً عانياً فـي بـلادكـم

 

ولا تثقفني التيم ألقـى الـدواهـيا

فمشت سعد والرباب فيه. فقالت الرباب: يا بني سعد، قتل فارسنا ولم يقتل لكم فارس مذكور، فدفعه الأهتم إليهم، فأخذه عصمة بن أبير التيمي، فانطلق به إلى منزله، فقال عبد يغوث: يا بني تيم، اقتلوني قتلة كريمة. فقال له عصمة: وما تلك القتلة؟ قال: اسقوني الخمر، ودعوني أنح على نفسي، فقال له عصمة: نعم. فسقاه الخمر، ثم قطع له عرقاً يقال له الأكحل، وتركه ينزف، ومضى عنه عصمة، وترك مع ابنين له، فقالا: جمعت أهل اليمن وجئت لتصطلمنا، فكيف رأيت الله صنع بك؟ فقال عبد يغوث في ذلك:

ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بـيا

 

فما لكما في اللوم نفعٌ ولا لـيا

ألم تعلما أن الملامة نفـعـهـا

 

قليل وما لومي أخي من شماليا

فيا راكباً إما عرضت فبلـغـن

 

ندامي من نجران أن لا تلاقـيا

أبا كربٍ والأيهمين كلـيهـمـا

 

وقيساً بأعلى حضرموت اليمانيا

جزى الله قومي بالكلاب ملامةً

 

صريحهم والآخرين المـوالـيا

ولو شئت نجتني من الخيل نـهـدةٌ

 

ترى خلفهما الحو الجياد تـوالـيا

ولكنني أحـمـي ذمـار أبـيكـم

 

وكان الرماح يختطفن المحـامـيا

وتضحك مني شيخة عبـشـمـية

 

كأن لم ترا قلبي أسـيراً يمـانـيا

وقد علمت عرسي مليكة أنـنـي

 

أنا اليث معـدواً عـلـيه وعـاديا

أقول وقد شدوا لساني بـنـسـعةٍ

 

أمعشر تيم أطلقوا لي لـسـانـيا

أمعشر تيم قد ملكتم فأسـجـحـوا

 

فإن أخاكم لم يكـن مـن بـوائيا

فإن تقتلوني تقتـلـوا بـي سـيداً

 

وإن تطلقوني تحربوني بمـا لـيا

أحقا عباد الله أن لست سـامـعـاً

 

نشيد الرعاء المعزبين المـتـالـيا

وقد كنت نحار الجزور ومعمل ال

 

مطي وأمضي حيث لا حي ماضيا

وأنحر للشرب الكرام مـطـيتـي

 

وأصدع بين الـقـينـتـين ردائيا

وعادية سوم الجـراد وزعـتـهـا

 

بكفي وقد أنحوا إلي الـعـوالـيا

كأني لم أركب جـواداً ولـم أقـل

 

لخيلي كري نفسي عن رجـالـيا

ولم أسبأ الزق الـروي ولـم أقـل

 

لأيسار صدق أعظموا ضوء ناريا

قال: فضحكت العبشمية، وهم آسروه. وذلك أنه لما أسروه شدوا لسانه بنسعة، لئلا يهجوهم، وأبوا إلا قتله، فقتلوه بالنعمان بن جساس. فقالت صفية بنت الخرع ترثي النعمان:

نطاقه هـنـدوانـيٌّ وجـبـتـه

 

فضفاضة كأضاة النهي موضونه

لقد أخذنا شفاء النفس لو شفـيت

 

وما قتلنا بـه إلا أمـراً دونـه

وقال علقمة بن سباع لعمرو بن الجعيد:

لما رأيت الأمر مخـلـوجةً

 

أكرهت فيه ذابلاً مـارنـا

قلت له: خذها فإنـي امـرؤ

 

يعرف رمحي الرجل الكاهنا

قوله: يعرف رمحي الرجل الكاهنا يريد: أن عمرو بن الجعيد كان كاهناً. وهو أحد بني عامر بن الديل بن شن بن أفصى بن عبد القيس، ولم يزل ذلك في ولده. ومنهم الرباب بن البراء، كان يتكهن، ثم طلب خلاف أهل الجاهلية، فصار على دين المسيح عليه السلام، فذكر أبو اليقظان أن الناس سمعوا في زمانه منادياً ينادي في الليل، وذلك قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم: خير أهل الأرض ربابٌ الشني، وبحيرا الراهب، وآخر لم يأت بعد. قال: وكان لا يموت أحد من ولد الرباب إلا رأوا على قبره طشا. ومن ولده مخربة، وهو أحد أجواد العرب، وإنما سمي مخربة لأن السلاح خربه، لكثرة لبسه إياه، وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم، فأرسله إلى ابن الجلندى العماني. وابنه المثنى بن مخربة أحد وجوه أصحاب المختار، وكان قد وجهه إلى البصرة ليأخذها، فحاربه عباد بن الحصين فهزمه، وكان ابنه بلج بن المثنى جواداً، وفيه يقول بعض شعراء عبد القيس:

ألا يا بلج بلج بني المثـنـى

 

وأنت لكل مكرمة كـفـاء

ألومك طائعاً مادمـت حـيا

 

علي إذن من الله العـفـاء

كفى قوماً مكارم ضيعوهـا

 

وأحسن حين أبصرهم أساءوا

قال: فأما وعلة بن عبد الله الجرمي، فإنه لحقه رجل من بني سعد، فعقر به، فنزل، وجعل يحضر على رجليه، فلحق رجلاً من بني نهد يقال له سليط بن قتب، من بني رفاعة، فقال له لما لحقه: أردفني، فأبى، فطرحه، عن فرسه، وركب عليها، وأدركت الخيل النهدي فقتلوه، فقال وعلة في ذلك:

ولما سمعت الخيل تدعو مقاعسـاً

 

علمت بأن اليوم أغبر فـاجـر

نجوت نجاءً لـيس فـيه وتـيرة

 

كأني عقاب دون تيمن كـاسـر

خداريةً صقعاء لـبـد ريشـهـا

 

بطخفة يومٌ ذو أهاضيب ماطـر

وقد قلت للنهدي: هل أنت مردفي

 

وكيف رداف الفل أمك عـاثـر

فإن أستطع لا تبتئس بي مقاعس

 

ولا يرني باديهم والحـواضـر

فدى لكما رجليّ أمي وخالـتـي

 

غداة الكلاب إذ تحز الحنـاجـر

فمن كان يرجو في تميم هـوادة

 

فليست لجرم في تميم أواصـر

وقالت نائحة عمرو بن الجعيد:

أشاب قذال الرأس مصرع سيد

 

وفارس هبودٍ أشاب النواصيا

وقال محرز بن مكعبر الضبي:

فدى لقومي ما جمعت من نشب

 

إذ ساقت الحرب أقواماً لأقوام

قد حدثت مذحج عنا وقد كذبـت

 

أن لا يورع عن نسواننا حـام

دارت رحاهم قليلاً ثم واجههـم

 

ضرب يصبح منهم مسكن الهام

ساروا إلينا وهم صيد رؤوسهـم

 

فقد جعلنا لهـم يومـاً كـأيام

ظلت ضباع مجيرات يعدنـهـم

 

وألحموهن منهـم أي إلـحـام

ظلت تدوس بني كعب بكلكلهـا

 

وهم يوم بني نهـد بـإظـلام

وقال أوس بن مغراء:

وفي يوم الكلاب إذ اعترتنا

 

قبائل أقبلوا متناسـبـينـا

قبائل مذحج اجتمعت وجرم

 

وهمدان وكندة أجمعـينـا

وحمير ثم ساروا في لهـام

 

على جرد جميعاً قادرينـا

فلما أن أتونا لـم نـكـذب

 

ولم نسألهم أن يمهلـونـا

قتلنا منهم قتـلـى وولـى

 

شريدهم شعاعاً هاربينـا

وفاظت منهم فينا أسـارى

 

لدينا منهم متخشـعـينـا

وقال ذو الرمة غيلان بن عقبة في ذلك:

وعمي الذي قاد الرباب جماعة

 

وسعدهم الرأس الرئيس المؤمر

عشية أعطتنـا أزمة أمـرهـا

 

ضرار بنو القرم الأغر ومنقر

وعبد يغوث تحجل الطير حوله

 

قد احتز عرشيه الحسام المذكر

العرشان: عرقان في العنق:

عشية فر الحـارثـيون بـعـدمـا

 

قضى نحبه في معرك الخيل هوبر

وقـال أخـو جـرم ألا لا هـوادة

 

ولا وزر إلا النجاء الـمـشـمـر

أبى اللـه إلا أنـنـا آل خـنـدف

 

بنا يسمع الصوت الأنام ويبـصـر

إذا ما تمضرنا فلا نـاس غـيرنـا

 

ونضعف أحياناً ولا نـتـمـضـر

وقال أيضاً:

فما شهدت خيل امرئ القيس غـارة

 

بثهلان تحمي عن ثغور الحـقـائق

آثرنا به نـقـع الـكـلاب وأنـتـم

 

تثيرون نقع الملتقى بـالـمـعـازق

أدرنا على جزم وأفـنـاء مـذحـج

 

رحى الموت فوق العاملات الخوافق

صدمناهـم دون الأمـانـي صـدمة

 

عماساً بأطـواد طـوال شـواهـق

إذا نطحت شهباء شهبـاء بـينـهـا

 

شعاع القنا والمشرفـي الـبـوارق

وقال براء بن قيس الكندي:

قتلتـنـا تـمـيم يومـاً جـديداً

 

قتل عـاد وذاك يوم الـكـلاب

يوم جئنا يسوقنا الحـين سـوقـاً

 

نحو قوم كأنهـم أسـد غـاب

سرت في الأزد والمذاحج طراً

 

بين صـل وكـاشـر الأنـياب

وبني كندة المـلـوك ولـخـم

 

وجـذام وحـمـير الأربـاب

ومـراد وخـثـعـم وزبــيد

 

وبني الحارث الطوال الرغاب

وحشدنا الصميم نرجو نـهـابـا

 

فلقينا البـوار دون الـنـهـاب

لقيتنا أسـود سـعـد وسـعـد

 

خلقت في الحروب سوط عذاب

تركوني مسـهـداً فـي وثـاق

 

أرقب النجم ما أسيغ شـرابـي

خائفاً للردى ولـولا دفـاعـي

 

بمئين عن مهجتي كالضـبـاب

لسقيت الردى وكنت كقـومـي

 

في ضريح مغيباً في التـراب

تذرف الدمع بالعويل نـسـائي

 

كنساء بكت قـتـيل الـربـاب

فلعيني على الألى فارقـونـي

 

درر من دموعها بانـسـكـاب

كيف أبغي الحياة بعـد رجـال

 

قتلوا كالأسود قتـل الـكـلاب

منهم الحارثـي عـبـد يغـوث

 

ويزيد الفتيان وابـن شـهـاب

في مـئين نـعـدهـا ومـئين

 

بعد ألف منوا بقوم غـضـاب

برجال من الـعـرانـين شـم

 

أسد حرب ممحوضة الأنسـاب

قال وعلة بن عبد الله الجزمي:

عذلتني نهد فقـلـت لـنـهـد

 

حين حاست على الكلاب أخاها

يوم كنا علـيهـم طـير مـاء

 

وتميم صقـورهـا وبـزاهـا

لا تلوموا على الفرار فسـعـد

 

يال نهد يخافهـا مـن يراهـا

إنما همها الـطـعـان إذا مـا

 

كره الطعن والضراب سواها

تركوا مذحجاً حديثاً مـشـاعـاً

 

مثل طسم وحمير وصـداهـا

يال قحطان وادعـوا حـي سـعـد

 

وابتغوا سلمها وفـضـل نـداهـا

إن سعد السـعـود أسـد غـياض

 

باسل بـأسـهـا شـديد قـواهـا

فضحت بالكلاب حار بن كـعـب

 

وبنو كنـدة الـمـلـوك أبـاهـا

أسلموا للمـنـون عـبـد يغـوث

 

ولعض الكـبـول حـولا يراهـا

بعد ألف سقوا المـنـية صـرفـا

 

فأصابت في ذاك سعد مـنـاهـا

ليت نهـداً وجـرمـهـا ومـراداً

 

والمـذاحـيج ذو أنـاة نـهـاهـا

عن تميم فلم تـكـن فـقـع قـاع

 

تبتدرهـا ربـابـهـا ومـنـاهـا

قل لبكر العراق تسـتـر عـمـراً

 

عمرو قيس فرأي عمرو قـراهـا

عن تميم ولو غزتـهـا لـكـانـت

 

مثل قحطان مستباحـاً حـمـاهـا

ما بال شمس أبي الخطاب قد حجبت

 

أظن يا صاحبي الساعة اقتـربـت

أولا فما بال ريح كنـت آنـسـهـا

 

عادت علي بصر بعدما جـنـبـت

أشكو إليك أبا الخـطـاب جـارية

 

غريرة بفؤادي اليوم قد لـعـبـت

وأنت قيمها فانظر لـعـاشـقـهـا

 

يا ليت قد قربت مني وما بـعـدت

عروضه من البسيط. الشعر والغناء لإبراهيم الموصلي رمل بالبنصر، عن الهشامي وعلي بن يحيى. وذكر محمد بن الحارث بن بسخنر أن فيه هزجاً بالبنصر لإبراهيم بن المهدي، وذكر عمرو بن بانة أنه لإبراهيم الموصلي أيضاً.

وأبو الخطاب الذي عناه إبراهيم الموصلي في شعره هذا: رجل نخاس يعرف بقرين، مولى العباسة بنت المهدي، وكان إبراهيم يهوى جارية له، يقال لها خنث، وكانت من أجمل النساء وأكملهن، وكان لها خال فوق شفتها العليا، وكانت تعرف بذات الخال، ولإبراهيم ولغيره فيها أشعار كثيرة. نذكر منها كل ما كان فيه غناء بعد خبرها إن شاء الله.