الفينيقيون : تجار العالم القديم

لا بد ونحن نتحدث في ابحاثنا هذه عن التجارة الدولية القديمة من ان نتكلم عن الفينيقيين بشكل رئيس . فهذا الشعب الذي قدم مهاجراً من جبال زغروس في الزاوية الشرقية الشمالية من بلاد ما بين النهرين العليا حط رحاله فوق تلة خضراء تطل على البحر الأبيض المتوسط إسمها أوغاريت ومنها تمدد شمالاً وجنوباً على طول الساحل الشرقي للبحر الابيض المتوسط وأقام له مملكة عرفت تاريخياً بمملكة أوغاريت، عاصمتها أوغاريت (راس شمرا) وميناءها ماهادو (مينا البيضا) قرب راس ابن هاني على الساحل السوري الشمالي، وعلى بعد بضع كيلومترات من مدينة اللاذقية الحالية. هذا الشعب الاوغاريتي الفينيقي كان تاجر العهود القديمة بامتياز. وان خرج بمراكبه شمالاً صوب المناطق الاوروبية المجاورة او جنوباً على طول الساحل الافريقي الشمالي المطل على البحر المتوسط ، فلم يخرج فاتحاً اومحارباً او مستعمراً بل متاجراً .

المحطات الفينيقية التجارية

قبرص

كانت جزيرة قبرص اولى محطاته التجارية، وهي لا تبعد سوى اقل من مئة كيلومتر عن ميناءه في ماهادو . وكان لقبرص علاقات تجارية مع الساحل السوري من قبل، لكنها كانت متواضعة ومحدودة، حتى اذا حل القرن الخامس عشر او الرابع عشر قبل الميلاد بدأت هذه التجارة تزدهر. وما وجد من آثار لبعض المصنوعات الخزفية، ومنها الخزفية الاغاريتية في الجزيرة القبرصية، وما وجد مثلها في أوغاريت وتعود الى القرنين المذكورين، لدليل مقنع ان تجارة ناشطة قد نشأت بين قبرص واوغاريت. وقد تزامن هذا العهد السابق للميلاد مع هجرات متواصلة من سكان بحر ايجه الى الجزيرة والى الساحل السوري، من شماله حتى جنوبه. وتظهر الحفريات التي جرت في الجزيرة، وخصوصاً في مدينة بافوس القبرصية مدى تأثر الايجيين بالحضارة الاوغاريتية بدءاً من القرن الرابع عشر قبل الميلاد .

وبالمقابل تأثر الاوغاريتيون – الفينيقيون بالحضارة الايجية. ولنا بعض الدلائل على ذلك. فعشتروت وفينيس اصبحتا تعبدان وكأنهما آلهة واحدة. ولنا في قصة اليسا او اليسار الهاربة من
صور بعد خلافها مع أخيها على خلافة الوالد الملك وتوقفها في قبرص حيث التحق بها بعض انصارها وهي في طريقها الى قرطاجة. وقد دلت بعض الحفريات التي تمت قرب مدينة لارنكا القبرصية ان فينقيين استوطنوا هناك في حوالى القرن الاول قبل الميلاد وتبعهم فينيقيون جدد باعداد كبيرة حوالى سنة 700 ق.م. وقد وجدت نقوش فينيقية كثيرة قرب لارنكا، التي كانت تدعى كيتيون آنذاك. 

لا يتحدث المؤرخون عن غزو او وجود استعماري اوغاريتي – فينيقي في جزيرة قبرص، إنما موقع استراتيجي تجاري كانت تتجمع فيه السفن المبحرة الى أماكن ابعد داخل
البحر الأبيض المتوسط . ولنا في الفخاريات الايجية التي قلدت الفخاريات الفينيقية شكلاً ولونا  (الاحمر) ما يثبت هذا القول .

كليكيا

كذلك كان للفينيقيين محطات تجارية في كليكيا. وكان لهم محطات مماثلة في جنوبي فلسطين، وبنوع خاص قرب غزة. وتذكر مصادر تاريخية ان تجاراً فينيقيين أقاموا لهم مراكز في دلتا النيل وفي منفيس بالذات. ويذكر هرودوتس ان الفينيقيين جاؤوا من شواطئ البحر الهندي وسكنوا في جزء من مدينة عرفت باسم "معسكر الصوريين"، وكان لهم معبد لعشتروت. أما وجودهم في مصر فقد أكدته الاثريات الفخارية الحمراء التي وجدت في اماكن متعددة من الدلتا. وهنا نؤكد ان هذا الوجود كان وجوداً تجارياً موقتا ً. فالفينقيون لم يقيموا لهم مستعمرات في بلدان حكمتها حكومات جيدة وفاعلة وتمتعت بنوع من التقدم الحضاري المقبول بمقاييس ذلك الزمان. فهمهم إنحصر بالتجارة وليس بالاستيطان الدائم، باستسثناء قرطاجة، وسرهم دائماً وجود مواطن مستقر وشعب متحضر يمكنهم ان يتاجروا معه .

بحر إيجية

نأتي الى بحر ايجيه. هنا نرى في جزيرة رودس، خاصة في مدينتي كامبروس واياليسوس تأثيراً فينيقياً. فالاثارات تدل ان فينيقيين جاؤوا الى الجزيرة خلال حروب طروادة وقام اليونانيون بطردهم. ويعتقد ان وجودهم اضمحل في القرن السادس بعد ان سيطر النفوذ الاغريقي على الجزيرة .

رحبت كريت بالفينيقيين وساعدتهم على اقامة محطات تجارية. فلطالما اعتبرت مدينة إتانوس الشرقية انها مدينة بناها التجار الفنيقيون. ورغم اننا نفتقر الى أي دليل أثري لاستيطان فينيقي حقيقي، الا ان آثارهم الفنية والحرفية التي وجدت هنا تعود الى القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد. وقد وجدت هذه الآثار في آماكن متعددة من الجزيرة.

كان الاغريق قد استقروا باعداد كبيرة في منطقة ايجيه ولم يرحبوا بأي وجود استيطاني فينيقي دائم هناك. فقد ذكر هومر ان التجار الفينيقيين كانوا يقصدون المنطقة لبيع مصنوعاتهم المعدنية التي اعتبرها أهل المنطقة مصنوعات حرفية فاخرة ومميزة. والامر مثله حدث في غربي اليونان حيت جاء التجار
الفينيقيون يتاجرون بمصنوعاتهم الحرفية المميزة. ومما يدل على ذلك تمثال ملكارت البرونزي الصغير الذي وجد قرب موقع على الشاطئ الجنوبي من صقلية، وكان من صنع فينيقي يعود الى القرن الرابع عشر او الثالث عشر قبل الميلاد .

الشاطئ الافريقي الشمالي

أقام الفينيقيون محطات ومستعمرات تجارية صغيرة على الشاطئ الشمالي من القارة الافريقية. وتعود هذه المحطات الى حوالى سنة 1100 قبل الميلاد، ومنها محطة في اوتيكا واخرى في هدروميتوم (سوسه الحالية) ولبس مغنا. واذا اتجهنا غرباً نجد للفينيقيين بقايا محطات اخرى، منها واحدة في غادس أنشأوها في القرن الثاني عشر قبل الميلاد. وكانت هذه المحطة أقدم محطات الفينيقيين على الساحل الافريقي الشمالي باستثناء قرطاجة .

جزيرة مالطا

يعود التواجد الفينيقي في جزيرة مالطا الى القرن الثامن قبل الميلاد، وربما قبل ذلك. واذا صدقنا افتراضات بعض الباحثين حول قراءتهم للكتابات والنقوش على صخرة نورا في جزيرة سردينيا بانها تعود الى القرن التاسع قبل الميلاد، فان الوجود الفينيقي لا بد انه بدأ في القرن الثامن قبل الميلاد. فالنقاط الحساسة ومفتاح قرطاجة واوتيكا وموتيا ومالطة كانت تتحكم بالممر المائي الضيق الموصل الى قادس وما وراءها. وان الوجود الفينيقي في سردينيا، من نورا الى ثاروس وسولسيس وكاراليس، أبعد الاغريق عن الشطر الجنوبي من الجزيرة. الا ان الاغريق ربحوا السباق في فرنسا، بينما أقام الفينيقيون لهم مستعمرة في مساليا في سنة 600 ق.م. وتحكموا بصقلية وجنوبي ايطاليا وثبتوا وجودهم على الشاطئ الافريقي من مصر الى سرتيكا. وبعد حوالى مئة عام، أي حوالى سنة 500 ق.م. قام خط وهمي ليرسم مناطق النفوذ التجاري بين الاغريق والفينيقيين في الشمال الافريقي .

قرطاجة

قامت قرطاجة باول مغامرة توسع خارجي سنة 654 / 653 كما يخبرنا المؤرخ ديدوروس سيكولوس حين أقامت مستعمرة في ابيزا حيث كان هناك مرفأ طبيعي جيد بعيد عن خطر الاغريق وسواهم من المنافسين . وكذلك أنشأوا مرفأ تجارياً في مينوركا حمل الاسم الفينيقي "مرفأ ماهون" . وكان هذا المرفأ من أفضل مرافئ البحر الأبيض المتوسط

الشاطئ الاسباني

إستعمل الفينيقيون مرفأ غادس الاسباني القائم فوق موقع مميز لجمع وتخزين المعادن الخام المستوردة من طرطوس ، او ربما من ترشيش . وكان هناك ما يشير الى ان نفوذاً فينيقياً تجارياً قد بدأ يظهر في جنوبي او في جنوبي غربي اسبانيا في القرن الثامن قبل الميلاد وليس قبلاً . من هنا شكك البعض في ان انشاء غادس يعود الى القرن الثاني عشر، كما شككوا في ان اوتيكا قد أقيمت في زمن مماثل ، مما حمل بعض المؤرخين الى عدم الاقرار بنشاط تجاري ، او وجود فعلي ، فينيقي في اسبانيا يسبق الالفية الاولى قبل الميلاد . واذا كانت صخرة اتيكا التي تحدثنا عنها اعلاه تعود الى القرن التاسع قبل الميلاد فانها تكون أصدق برهان يؤكد الوجود الفينيقي في الجنوب الاسباني . وعلى كل فان الحفريات لا تعيدنا الى ابعد من القرن الثامن قبل الميلاد .

هناك بعض الادلة التاريخية التي تشير الى نشاط فينيقي تجاري عائد الى القرن السادس او السابع قبل الميلاد على الشاطئ الشمالي من
المغرب القريب من الشواطئ الاسبانية، وبنوع خاص في موغادور وطنجة وتامودا. وليس من دليل قاطع ان القادمين جاؤوا من فينيقيا او غادس وليس من قرطاج. الا ان الآثار التي وجدت في هذه الامكنة ومن بينها الفخاريات التي وجدت في المقابر القديمة تدل الى ان هؤلاء الفينيقيين قد قدموا فعلاً من قرطاج. ومما يعزز هذه الدلالة قصة رحلة هانو التي سنتحدث عنها لاحقاً .

الصناعة الحرفية وتجارتها

يجمع المؤرخون ان الفينيقيين كانوا في الاساس فلاحين ورعاة. وتؤكد النصوص الدينية الاوغاريتية ذلك عندما تتحدث عن العوامل الطبيعية والتبدل المناخي. وعندما إستقر هؤلاء على الشواطئ إتخذوا صيد الاسماك صنعة. ولما كانت مناطق استقرارهم قريبة من الاحراج الداخلية ، استعملوا الاخشاب في بناء سفنهم وامتهنوا التجارة ، خصوصاً وان المناطق الساحلية التي استقروا فيها لم تكن لتكفي حاجاتهم فتطلعوا نحو الخارج القريب لاستيراد الدواجن والمواشي والدواب والذرة. وعندما توسعوا داخل الاراضي القريبة من شواطئهم وجدوا انهم ما زالوا بحاجة الى هذه المستوردات .

صناعة القماش والصباغ

ولم يمض طويل وقت حتى دخلوا مجال الصناعة الحرفية واستوردوا موادها الاولية من البلدان القريبة ، فاشتهروا ، اول ما اشتهروا به. بصناعة القماش مستعملين المواد التي ينتجونها بالاضافة الى ما كانوا يستوردونه من الخارج، كالكتان والقطن من مصر والصدف من بلاد ما بين النهرين، ولونوا هذه الاقمشة بصباغهم الارجواني الشهير الذي استخرجوه من المريّق وهو ضرب من الرخويات البحرية الذي ينتج صبغاً ارجوانياً. وشملت مستورداتهم العاج والمعادن والاحجار شبه الكريمة والحلى الصغيرة وبعض المشغولات الفنية. وما استوردوه وصنعوه جزئياً صدروه الى الخارج لبيعه من الشعوب الاخرى. فكانوا بذلك اول من دشن الاقتصاد المتبادل القائم على الصناعة والتجارة.

الخشب وبناء السفن

ورث الفينيقيون ارض قرطاج الواقعة على الساحل التونسي المطل على البحر الأبيض المتوسط والقريب من روما وامبراطوريتها الكبيرة فاستغلوها بجد حتى أصبحوا اكبر مورد للذرة والقمح الى اهراءات روما. وكما ورثوا الارض كذلك ورثوا الحيوانات المدجنة وجعلوا الاتجار بهذه الحيوانات أحد أعمدة إقتصادهم. أما صناعتهم في قرطاج فنمت بسرعة مذهلة وشملت بناء السفن التي احتاجوا اليها لتعزيز تجارتهم ولحماية موقعهم. ومع تكاثر اعدادهم بنوا منازل من خشب واحجار .

صناعات صغيرة

أما صناعاتهم الصغيرة فشملت صناعة القدر الفخارية والادوات المعدنية والأقمشة. ورغم حروبها الخارجية فان صناعة قرطاج وتجارتها لم تتأثر بشكل كبير. فحرفيوها ظلوا يعملون في حرفهم وعمال ارضها ظلوا يحرثون الارض. أما المحاربون فكان أكثرهم من رعاياها المحليين والحلفاء والمرتزقة. وطالما ظلت الحروب خارج اراضيهم ولم تهدد اوضاعهم، طالما ظل القرطاجيون يتابعون اعمالهم بشكل طبيعي .

زراعة الزيتون والعنب

وصلنا بعد تدمير قرطاج، في ترجمة لاتينية تقع في 28 كتاباً، أطروحة ماغو القرطاجي الزراعية. وهي تتعلق بالزراعة بشكل عام وبزراعة الزيتون والعنب بشكل خاص وتربية الحيوانات الداجنة وتربية النحل. ولم يكن من الممكن ان يقوم ماغو بكتابة اطروحته لو لم تكن الزراعة قد بلغت حداً من التقدم والتطور. وقد ذكر دايودورس في هذا المجال انه في القرن الرابع قيل الميلاد وجد الاراضي الريفية ممتلئة بالسكان الذين اهتموا بتربية الماشية وزراعة العنب والزيتون. أما الحبوب فكانت تزرع في وادي بغرادس وفي وسط تونس

وتشير معاهدة الصلح التي عقدت بين روما وقرطاج سنة 203 الى ان هذه الاخيرة تعهدت بتقديم نصف مليون مكيال من الذرة وثلاثمئة الف مكيال من الشعير تعويضاً لخسائر روما.

وكان القمح الذي يجمع بعد حصاده يحفظ في اهراءات مغلقة مقامة تحت الارض. وهناك حتى يومنا هذا اهراءات مماثلة مقامة في بعض بلدان
البحر الأبيض المتوسط ومنها مالطا . 

جاء العنب وزيت
الزيتون والتين والبلح في المقام اللاحق بعد انتاج الحبوب. وقد استعمل القرطاجيون البلح شعاراً في عملتهم، ويظهر كذلك فوق أعمدتهم التذكارية. كما ان صناعة النبيذ كانت منتشرة هناك، و كذلك عند الرومان. أما الماشية فكانت، إن في الشرق او في الغرب، كثيرة الوجود وبنوع خاص الماعز والغنم. اما الحصان الذي وصل الى المشرق من اواسط آسيا في الألف الثاني قبل الميلاد فظل حتى وقت طويل يستعمل في الصيد او في الحروب وليس في الفلاحة. وكانت تربية النحل منتشرة، إذ ان عسلها استعمل كمصدر للسكر والافراز الشمعي او الصملاج او للمعالجات الطبية .

إستعمل
الفينيقيون خشب الارز والطنوب المنتشر في جبال لبنان في صناعاتهم الخشبية. إلا انهم نادراً ما استعملوا الخشب في بناء مبانيهم الكبيرة التي كانت تبنى من الاحجار والاجر والصلصال. وحدها التوابيت كانت تصنع من الخشب بدءاً من السلالة الثانية عشرة. وقد صدَر الفينيقيون هذه التوابيت الى الخارج، خاصة الى مصر السفلى حيث سكنت بعض العائلات الفينيقية.

من الاشارات التي دلت على تصدير فينيقي المشرق مصنوعاتهم الخشبية الى أقرانهم في المناطق المجاورة ما اكتشف في
نينوى من رسوم لجنود أشوريين ممسكين بمقاعد خشبية مصنوعة في فينيقيا ومصدرة الى بلاد ما بين النهرين. ومثلها وجدت مصنوعات خشبية من الطراز ذاته في مقابر قرطاج تعود الى القرن السادس، يدل شكلها ونوع الخشب المستعمل انها صنعت في الشرق وجرى تصديرها الى قرطاج في الغرب .

كان الفينيقيون بناؤون مهرة. وقد اهتموا دوماً لدى انشاء مستوطنات لهم ان تكون هذه المستوطنات قريبة من مقالع الحجارة الجيدة. وكانت الحجارة المستعملة في البناء من الحجارة الكلسية او الرملية. وكانت بأكثرها منحوتة، ولم تكن من قياس موحد. فقد أظهرت الحفريات ان حجارة كبيرة الحجم كانت تلاصق تلك الصغيرة. غير انهم ، بعد ان تأثروا بالاغريق، إتجهوا الى بناء جدران منازلهم من قطع حجرية مربعة ومتماثلة الاحجام.

إنتشرت صناعة الصباغ في كل ارجاء فينيقيا، رغم ان صيدون وصور ظلتا تتصدران هذه الصناعة الحرفية . وما جلب نهاية هذه الحرفة المميزة هو اضمحلال المريّق ، وهو، كما سبق ان ذكرنا ، نوع من الرخويات البحرية التي تنتج صباغاً ارجوانياً . وكانت هذه الرخويات تنتشر في كل ارجاء فينيقيا، كما انها انتشرت في الغرب حيث أقام الفينيقيون ، مما يشير الى انها استعملت في الصباغ الارجواني في كل الاماكن الغربية حيث حط الفينيقيون رحالهم .

الصناعة النحاسية والبرونزية

ظهرت صناعة الصلب والحديد في المشرق حوالى السنة 1200 ق.م. مترافقة مع قيام المدن الفينيقية وحصولها على استقلال ذاتي . كما ان الفلسطينيين، وهم قوم قدم من شواطئ ايجية، إمتهنوا صناعة الحديد. غير ان الصناعة النحاسية والبرونزية ظلت حكراً على الفينيقيين. فقد حصلوا على خامات النحاس من قبرص وبعض المصادر الآسيوية، أما الفضة والذهب فكانوا يبتاعونها من الحبشة وربما من تركيا ايضاً. ولم يترك الفينيقيون مكاناً ينتج أي نوع من المعادن الصلبة الا وزاروه مشترين او منقبين. ولنا بعلاقتهم مع وادي عربة القائمة بين البحر الميت وخليج العقبة أفضل مثال على وصولهم اليها بغية شراء الحديد والنحاس. وقد إكتشف المنقبون المحدثون، وبنوع خاص الفريق الذي قاده نلسون غلوك، مواقع عديدة لمناجم قديمة في هذه المنطقة. كما اكتشف غلوك آثار مدينة صناعية في تل خليفة في رأس الخليج ووجد فيها بقايا مصانع لصهر النحاس والصلب ولصناعة أدوات معدنية.

تميز
الفينيقيون في صناعة الحلي والمجوهرات المصنوعة من الذهب والفضة وقاموا بتسويقها في كل الانحاء المحيطة بالبحر الابيض المتوسط. وقد وجد المنقبون عقوداً وأساور وحلى متدلية من كل الانواع والاشكال في انحاء مختلفة على طول الشواطيء السورية وقبرص وقرطاج وسردينيا .

أظهرت الحفريات التي أجريت على المواقع الفينيقية على طول الساحل الشرقي للبحر الابيض المتوسط وفي دلتا النيل ان صناعة الخزف والاجر والقدر الفخارية كانت شائعة ومنتشرة. وتميزت هذه الاوعية والادوات الخزفية المصقولة بلونها الأحمر او الأخضر البرتقالي وكان لها شفة تشبه حبة الفطر. وقد حمل معهم الفينيقيون المهاجرون غرباً، خاصة نحو
قرطاج، حرفهم الفخارية هذه وتابعوا تصنيعها هناك. وقامت بعض شعوب المتوسط التي كانت على علاقة وتواصل مع الفينيقيين بتقليد هذه المصنوعات الحرفية، ومن بينهم القبارصة وسكان صقلية وسردينيا واسبانيا وايطاليا وفي وقت لاحق طور سكان هذه المناطق حرفة الفخاريات فاستفاد فينيقيو قرطاج من هذا التطوير وأدخلوا عليها رسوماً وأشكالاً متواضعة الشكل والتنفيذ. فالفينيقيون كانوا أكثر اهتماماً بالمنفعة المادية من اهتمامهم بالتذويق  الفني.

وانسحب هذا المبدأ على ما انتجوه من مصابيح وقوارير وجرار، وكلها مصنوعات يسهل بيعها ويكثر زبائنها بعكس المصنوعات ذات الاتقان العالي التي ترغب فئات قليلة العدد باقتناءها. وقد ساعدهم توفر الطين والصلصال الجيد بكميات كبيرة في اماكن قريبة من قرطاج، وبنوع خاص في سيدي بو سعيد وراس غامرت في صناعتهم الفخارية .

خطا فينيقو افريقيا الشمالية على خطى اقرانهم في المشرق، فصنعوا الزجاج والادوات الزجاجية المصقولة والكؤوس والأقداح والقلادات ذات الرؤوس الصغيرة المنحوتة في حجر العقد والخرز. وقد سوقت كلها محلياً او بيعت من زبائن في الخارج. أما المصنوعات العاجية التي انتشرت صناعتها في
سوريا فصنعت كذلك في قرطاج. ومن جهة أخرى عمد فينيقيو المشرق الى استيراد أنياب وخراطيم الفيلة من الهند عبر البحر الأحمر وأعادوا تصدير بعضها براً الى قرطاج عبر الشمال الافريقي . وكانت تجارة العاج قد ازدهرت في هذا الوقت بعد ان شاع استعمال العاج في تزيين المفروشات او في صنع التماثيل الصغيرة او الصناديق المطعمة. وسبق لتجارة العاج المستورد ان شاعت في كركامش ودمشق وصيدون واماكن اخرى في القرن التاسع قبل الميلاد وما بعده ووصلت هذه التجارة الى قرطاج في القرن السابع قبل الميلاد ، وربما الى اسبانيا ايضاً .

التجارة حسب المصادر القديمة

مقدمة

يتحدث العهد القديم عن قوافل الشرق الادنى التجارية التي حملت ذهب أفريقيا وعاجها ورقيقها وحبوبها وماشيتها الى آسيا ونقلت بالمقابل معادن آسيا الصلبة ومصنوعاتها المعدنية ومنسوجاتها الى مصر . وكانت الاحمال الخفيفة تنقل براً على ظهور الحيوانات والاحمال الثقيلة تشحن عبر الانهار او البحور. وقد سجلت رسوم آشورية مشاهد لقوارب نهرية يقودها فينيقيون وهي تحمل جذوع اشجار الطنوب المقطوعة والمقطعة واحياناً الجذع مكتملاً وتتجه من جبال لبنان الى بلاد ما بين النهرين .

وكانت هذه الحمولات تربط احياناً بحبل الى مؤخرة السفينة. وتظهر رسوم اخرى هذه القوارب وهي تفرغ حمولتها. أما كيف وصلت هذه الاحمال من جبال لبنان الى بلاد ما بين النهرين وأي نهر سلكت فلا أحد يعرف. ويقال ان الاحمال نقلت براً من أدنى
نهر العاصي او ربما الى طرسوس ومنها براً الى تركيا وعبرها .

تتحدث المصادر التاريخية المصرية عن فينيقي بيبلوس ( مدينة
جبيل الحالية ) ونشاطهم التجاري الذي لم ينقطع وصولاً الى عهد الملك سليمان. وقد شجعت مصر وبلاد ما بين النهرين هذا النشاط وتبنته لأنه خدم مصالحها التجارية. ولم يزدهر هذا النشاط طالما كانت جزيرة كريت وتجار مدينة مسيني القديمة في جنوب اليونان تسيطر على الخطوط البحرية في شرقي المتوسط والتي انتهت بمأساة عندما جاء غزاة من الشمال الاوروبي حوالى سنة 1200 ق.م. وقضوا على نفوذ كريت ومسيني فملأ الفينيقيون الفراغ الذي تركه غيابهما وأصبح الفينيقيون أسياد بحر ايجيه. وقد لعب تجار مسيني دورهم في تشجيع الفينيقيين عندما رسموا لهم صورة مبالغ فيها عن الثروات الكبيرة التي تنتظرهم ان هم نظموا صفوفهم وشقوا طريقهم البحرية نحو الغرب. وكان للمسيين علاقات تجارية ممتازة مع الجنوب الايطالي وجزيرة صقلية واسبانيا والجزر البريطانية رغم ان أقدامهم لم تطأ قط تلك البلدان النائية .

سبق للفينيقيين ان أبحروا الى أماكن بعيدة على شواطئ
البحر الأبيض المتوسط. لم يذهبوا فاتحين بل تجاراً، حتى ان المحطات التي أقاموها كانت بقصد التجارة وليس الاستيطان الدائم. ومن هذه المحطات الرئيسة اوتيكا وقرطاج وغادس. وكانت كلها متقاربة ولم يتحول بعضها الى مناطق استيطان الا في عهود لاحقة، وكانت قرطاج ابرزها .

شهد القرن الثامن قبل الميلاد تقلصاً في تجارة الفينيقيين مع اليونان وقامت منافسة بين الاثنين. الا ان تجارتهم عبر صقلية ومعها ظلت قائمة حتى مطلع القرن الخامس ق.م. أما في اسبانيا فكانت منافسة شديدة بين الاغريق والفينيقيين انتهت بتسلط الفينيقيين على الشاطئ الجنوبي الشرقي الاسباني. وعندما ظهر
الاسكندر المقدوني بقوته العسكرية الجبارة أخضع القسم الشرقي من البحر الابيض المتوسط بكليته لسلطته، بما في ذلك فينيقيا، وأقام سلاماً هلينياً في العالم القديم. وكان الاسكندر قد خطط لغزو قرطاج وانهاء سلطانها التجاري في البحر المتوسط لكن موته المفاجئ أنقذها .

تجارة مدينة أوغاريت وطرقها

أدت أوغاريت، عاصمة مملكة أوغاريت الفينيقية، دوراً بارزاً في التجارة الفينيقية. فالمملكة التي امتدت على طول الشاطئ من رأس شمرا حتى غزة وعسقلان جنوباً، مروراً بالمدن الفينيقية التاريخية: بيبلوس (جبيل) وصيدون وصور، أضحت المركز الرئيسي للتجارة الشرقية القديمة. فموقعها الجغرافي المنفتح على البحر غرباً وقربها من النهر الكبير الذي سهل لها الاتصال شرقاً داخل البلاد، وصولاً الى أقاصي بلاد ما بين النهرين العليا، ربط الداخل بالساحل ومعه المواقع التجارية العديدة التي كانت قائمة في حوض البحر الأبيض المتوسط. وشهدت المدينة ومعها المملكة ازدهاراً كبيراً قام بأكثره على علاقاتها التجارية. كما ان نشاطها الزراعي الذي أغنته أرضها الخصبة، جعل منها مركزاً منتجاً زراعياً ومسوقاً لهذا الانتاج، إن في الداخل او في الخارج. ومن أهم ما كانت تصدره القمح وزيت الزيتون والنبيذ. 

تجارة أوغاريت الخارجية

شملت تجارة اوغاريت الخارجية مصر وقبرص وبلدان البحر الايجيه. وأقامت المملكة علاقات " دبلوماسية" مع البلدان التي تاجرت معها ومن بينها مصر وقبرص وبلاد الحثيين. كما وقعت اتفاقاً متبادلاً مع جارتها مملكة كركامش لحماية التجار في كلا المملكتين والتعويض عن الذين يفقدون من التجار حياتهم اثناء قيامهم بنشاطهم التجاري في البلدين بحيث اذا توفي احدهم من مملكة في المملكة الاخرى دفع لعائلته التعويض المتفق عليه .

تفيدنا الآثار الموجودة في مدينتي ماهادو (مينا البيضا) واوغاريت ان تجارة باتجاهين، استيراد وتصدير، قد ازدهر هناك. ومن بين هذه الآثار منحوتات حجرية وادوات معدنية وعاجية واختام اسطوانية وتماثيل مصنوعة من الطين المطبوخ وأوعية برونزية ومصنوعات من السيراميك. كما اكتشفت وثائق تجارية واتفاقيات في بقايا القصر المهجور او في بيوت الاثرياء. وهناك رسائل تتحدث عن تصدير مجوهرات شبه كريمة وأصواف وفضة واسماك من منطقة كركامش ومصنوعات نحاسية واصداف زرقاء وشبة. كما كانت للمدينة ومملكتها علاقات مع مدينة صور الفينيقية، وهي مدينة اشتهرت بتصدير أقمشتها الارجوانية وخشب الارز والاسماك المملحة. كذلك نشطت تجارة متبادلة بين المدينتين عن طريق مرفأ ماهادو (مينا البيضا) الاوغاريتي شملت الفضة والنحاس والأقمشة المزركشة والقمصان المصنوعة من الكتان او الصوف وقطع زجاجية او معدنية.

جاء في رسالة بعث بها مسؤول مصري الى ملك
أوغاريت يخبره فيها انه أرسل اليه 12 حزمة تحتوي على أغطية وغلائل ومشالح وعباءات وبلاط مزين بالرسوم واحجار بيضاء.

إستوردت اوغاريت القمح والزيت والنحاس من جزيرة قبرص. كذلك جاءت بالارقاء والعبيد من قبرص او عن طريق الجزيرة. وكانت بعض هذه المستوردات تنقل بدورها من ماهادو (مينا البيضا) الى المناطق الداخلية .

أظهرت الحفريات التي أجريت في اوغاريت ومنطقة ايجيه ان مملكة اوغاريت كانت تصدر الجرارالفينيقية الى جزيرة كريت واليونان. وتشهد وثائق قديمة مكتشفة في اوغاريت عن قيام تجارة متبادلة مع الداخل السوري . وتلمح هذه الوثائق ، بطريقة غير مباشرة، ان الايجيين كانوا يستوردون من اوغاريت القطع البرونزية والاختام الاسطوانية وبعض المواد الاولية، كالخشب والمرمر والاحجار الكريمة اللازوردية بنوع خاص، اما بشكلها الطبيعي اومن انتاج الحرفيين المحليين. كذلك صدَرت اوغاريت المفروشات والزيت والحبوب والنبيذ والعطور. ويشهد على نشاط هذه التجارة ما تبقى من حطام مركبين تجاريين بالقرب من الساحل التركي حيث وجدت بين بقايا أحد المركبين جعلان واشياء مصنوعة من العاج وفخاريات مصنوعة في ايجيه وقبرص. ووجد بين حطام القارب الثاني سبائك نحاسية (ما يفوق العشرة أطنان) وقصدير وزجاجيات وخشب الابنوس وراتنج الصنوبر وزيت التربنتين وعاج غير مشغول. وأكثر هذه المواد والمصنوعات جاءت من بلدان بعيدة. فالاحجار اللازوردية جاءت من بلاد فارس وافغانستان وعاج الفيلة من الهند والعنبر وبعض الاحجار الكريمة الصلبة من بلدان اوروبا الوسطى، ربما من شواطئ البلطيق .

المصنوعات الفخاريات

حظيت المصنوعات الفخاريات باهتمام خاص في اوغاريت فاستوردتها بشكليها الطبيعي والمصنَع من مصادر عديدة او من جزيرة قبرص بنوع خاص. وكانت قبرص المصدَر الاول للفخاريات الى بلدان الشرق. وقد رغب أغنياء الفينقيين بهذه الفخاريات باشكالها المختلفة، إن أقداحاً او أوعية أو مزهريات. وقد وجد المنقبون في مبنى قديم العهد في مينا البيضا (ماهادو القديمة) أكثر من ألف ابريق فخاري، أعناقها ضيقة ومستدقة الشكل ووسطها كروي وترتكز على قاعدة حلقية. ويستدل من هذا الشكل انها كانت من صنع قبرصي .

كانت اليونان المصدر الثاني للفخاريات. وكانت فخارياتها الأكثر دقة والأجمل شكلاً خلال هذه الحقبة. كانت متنوعة الاشكال، مميزة، تعلوها قشرة خفيفة من اللون الأسمر الفاتح.

وكانت اليونان تصدر فخارياتها الى مناطق عديدة من شرقي
البحر الأبيض المتوسط  والى مصر كذلك .

دخلت مناطق اخرى على خطوط التجارة الفينيقية، من بينها جزيرة كريت التي كانت تصدر الجرار ذات الحجم الكبير الى أوغاريت. وقد استعملت هذه الجرار في تخزين الزيت والنبيذ. كذلك فعلت
فلسطين، إذ صدَرت الى اوغاريت اوان تميزت بزخرفتها السوداء والحمراء.

لم يقتصر استيراد اوغاريت على الاواني والادوات الغالية الاثمان والمميزة شكلاً وصناعة، بل استوردت كذلك الاواني العادية كالجرار الكنعانية التي وجدت اعداد منها في مستودعات تعود الى عهد مملكة اوغاريت. كانت هذه الجرار معتدلة الحجم لا يتعدى طولها 60 سنتمتراً. وكانت بعض هذه الجرار، عند اكتشافها، ما زالت ممتلئة. وكانت تتميز بعنقها الطويل والدقيق مما يحفظ محتوياتها السائلة ويمنعها من ان تتسرب.

دامت
أوغاريت، هذه المملكة الصغيرة، لأكثر من جيلين اثنين تمتعت خلالهما باستقرار وحققت ثروة كبيرة من خلال علاقاتها التجارية الناشطة.

كانت أوغاريت مدينة مفتوحة سكنها، إضافة الى الفينيقيين، أناس من جنسيات اخرى. وكان أكثر سكانها من التجار. وقد حافظت المدينة على علاقاتها التجارية المميزة مع بيبلوس (
جبيل) وصيدون (صيدا) وصور . وكان التواصل بين هذه المدن واوغاريت مستمراً ونشطاً. وقد سهل قرب دلتا النيل النسبي تعزيز العلاقات التجارية بين مصر واوغاريت. كما كانت هذه التجارة على أفضل حال بين فينيقي اوغاريت وقبرص . كذلك كانت العلاقات جيدة بين اوغاريت واليونان غرباً وبلاد ما بين النهرين شرقاً.

التجارة الفينقية الواسعة

جاء في العهد القديم، وهو من المصادر الاساس لتاريخ الشرق الادنى، ان قوافل الشرق التجارية جلبت منذ القدم ذهب افريقيا وعاجها ورقيقها وماشيتها ومنتوجاتها الزراعية، وبنوع خاص، الذرة الى الشرق وحملت من هذا الشرق المعادن الخام والمعادن المصنعة او المشغولة والاقمشة الى مصر. وبينما كانت الحمولات الصغيرة تنقل براً على ظهور الحيوانات المدجنة، كانت الحمولات الكبيرة تنقل بحراً اوعبر الانهار. وتذكر مصادر قديمة ان الاشغال العاجية كانت تتم صناعتها في فينيقيا وارجاء سوريا، وكذلك في قرطاج على الساحل التونسي. وكان الفينيقيون يجلبون خراطيم الفيلة من الهند عبر البحر الأحمر بعد ان إختفت الفيلة السورية من الوجود في الألف الأول قبل الميلاد. وبدورها كانت القوافل تنقل الخراطيم الهندية براً الى قرطاج عبر الشمال الافريقي . وكانت قرطاج تمتلك مزارع في شمال افريقيا لتربية الفيلة. وقد إستعملت هذه الفيلة في حروبها مع الرومان.

تجارة العاج

إستعمل القرطاجيون العاج في صنع تماثيلهم الصغيرة او الدقيقة وفي تطعيم الصناديق والامشاط ودبابيس الشعر. وذكرت وثائق اشورية ان تجارة العاج كانت رائجة في الشرق في خلال القرن التاسع ق.م وما بعده . وتقول هذه الوثائق ان ملوك آشور آنذاك تقبلوا هدايا كثيرة مصنوعة من العاج او الآثاث المطعم بالعاج التي جاءتهم من دمشق وصيدون وجبيل (بيبلوس) واماكن اخرى .

انتشرت تجارة العاج في القرن السابع قبل الميلاد في مناطق عديدة من بلدان
البحر الأبيض المتوسطمثل اليونان واسبانيا. وكانت بعض الصناعات المطعمة بالعاج تصنع في قرطاج على نطاق واسع في القرن السادس قبل الميلاد . ومع ان العاج دخل الصناعات الحرفية الدقيقة، فانه استعمل كذلك في تزويق وتزيين الصناديق الخشبية . 

ذكر العهد القديم ان قوافل التجار حملت ذهب افريقيا والعاج والرقيق والذرة والدواجن الى آسيا، ونقلت بالمقابل المعادن الآسيوية والمصنوعات المعدنية والقماش الى
مصر. وتأتي مصادر مصرية قديمة على ذكر تجار بيبلوس (جبيل) الذين حملوا متاجرهم من فينيقيا الى مصر. وقد شجعت مصر، كما فعلت بلدان ما بين النهرين ، هذه التجارة المفيدة . وعندما وقعت بعض مدن الساحل الفينيقي في قبضة محتلين فان هؤلاء لم يتدخلوا في التجارة او حاولوا السيطرة عليها او خنقها . 

يخبرنا العهد القديم عن العلاقات التجارية التي نشأت وازدهرت بين أحرام ملك صور وداود وسليمان في خلال القسم الثاني من القرن العاشر ق.م . وقد ارسل أحيرام عماله ومعهم خشب الارز ليبنوا منزلاً لداود ، وبادله سليمان ابن داود بان زود أحيرام بعشرين مثقال من القمح لاطعام حاشيته، وكمية مماثلة من الزيت الصافي. وكان هذا التبادل التجاري في غياب العملة آنذاك، ما يمكن وصفه بالمقايضة، وهي عادة كانت شائعة آنذاك.

نشطت سفن ترشيش في نقل البضائع على الساحل الشرقي من البحر الابيض المتوسط. ولا أحد يعرف بالضبط اين كانت تقع ترشيش هذه . فمن قائل ان ترشيش هي طرطوس في كليكيا، بينما ألمح حزقايل التوراتي الى انها كانت في اسبانيا عندما ذكر ان فضة وحديدأ ورصاصاً كانت تصل الى صور قادمة من ترشيش، وكلها معادن شمال أفريقية المصدر .

تعرضت التجارة الفينيقية الاغريقية الى نكسة في القرن الثامن قبل الميلاد بعد ان شهدت اليونان وصقلية نهضة تجارية بارزة. فقد أضحت صقلية تتاجر مباشرة مع اليونان وليس عن طريق الفينيقيين. واستمرت هذه التجارة الى مطلع القرن الخامس ق.م. على الاقل. غير ان هذا الوضع لم يؤثر كثيراً على التجارة الفينيقية، إذ وجه فينيقيو قرطاج جل تجارتهم الى اسبانيا بدل اليونان

ظل هذا الوضع المنقسم الى ان وحد
الاسكندر المقدوني منطقة الشرق بكاملها تحت سلطته، بما في ذلك فينيقيا. أما قرطاج فتأقلمت مع الوضع وعادت توجه قوافلها الى اليونان. وحملت هذه القوافل البحرية منذ ذلك الوقت، إضافة الى المواد الاولية كالاخشاب من لبنان ومعادن الغرب، ما اشتروه من منتجات حيث وجدوا، بخاصة من اليونان ومصر واعادوا بيعها ممن تقدم لشرائها. غير ان هذا التطور المستجد فتح شهية تجار اليونان على شراء بضائع مصنعة خارج فينيقيا وبيعها على انها صناعة فينيقية. وشملت هذه البضائع الاوعية الزجاجية والعاج الخ .. التي بدأ وصولها الى أسواق اليونان منذ القرن السابع قبل الميلاد وبعده .

التجارة مع إيطاليا

هناك دلائل على ان الفينيقيين والاغريق تاجروا مع ايطاليا. وكانت البضائع تنقل مباشرة من السواحل الشرقية الى المدن الساحلية الايطالية في سفن فينيقية. ومن جهة اخرى أظهرت الحفريات التونسية التي تمت مقابل قرطاج ان اوان ومزهريات واقداحا وصلت الى قرطاج في القرن السابع من صنع غير فينيقي، رغم انها كانت تشبه المصنوعات الفينيقية الى حد كبير. ولم يتمكن المؤرخون من الجزم ان تجاراً اغريق او ايطاليين او فينيقيين هم الذين جاؤوا يهذه المصنوعات. ومن المعلوم ان الاتروريين، وهم من اتروريا وهي بلاد قديمة في غربي ايطاليا ، سيطروا آنذاك على اجزاء من كورسيكا وسردينيا والجزر القريبة وبعض الساحل الاسباني، مما أغضب القرطاجيين. ويذكر ديدوروس ان نزاعاً قام بين الاثنين حول جزيرة تقع في المحيط الاطلسي انتهى بان توقف الاتروريون من الذهاب بعيداً الى الغرب.

جاء في أول معاهدة وقعتها روما مع قرطاج سنة 509 ق.م. ان تتعهد المدينة الفينيقية بعدم التسبب بأي أضرار تطال المدن الايطالية الواقعة في وسط البلاد، وان لا تبني قلعة في لاتيوم. وهذا ما يثبت، خلافاً لما قاله بعض المؤرخين ان القرطاجيين وصلوا الى وسط ايطاليا حيث كانوا يتبادلون البضائع مع التجار اليونان .

التجارة مع القارة الأفريقية

لم تتوقف تجارة الفينيقيين في حدود البحر الأبيض المتوسط . فقد أقاموا تجارة مع القارة الاقريقية عبر البحر الأحمر ووصلوا الى أقاصي الصحراء الأفريقية الشمالية وربما الى نيجيريا وجاراتها الجنوبية. وكانت الصحراء آنذاك أقل نشافاً من اليوم، وكان يسكنها بعض الاقوام البيض، ربما من أصل ليبي . ولم يكن اي رجل أسود يشاهد الا بعد الخروج من الصحراء. وكانت هناك طرق تجارية تمر بين الشاطئ الافريقي الشمالي ونيجيريا، واخرى بين مصر وموريتانيا. وما من شك ان التجار الذين عبروا هذه الطرق القاحلة والصعبة المناخ لم يكونوا من الاغريق والمصريين بل من الفينيقيين. فالمصريون حصروا أنشطتهم التجارية في حوض النيل وما جاوره، والأغريق ما رغبوا بالطرق البرية بل فضلوا البحار والانهار. ويعتقد ان المصريين كانوا يجمعون الذهب والعاج والحيوانات المتوحشة والارقاء في هذا الحوض ويبيعونها من التجار الفينيقيين، خاصة القرطاجيين. وربما سلك القرطاجيون طريقاً برياً قادتهم الى مصر مباشرة .

رحلة هانو الفينيقي نوح أفريقيا

يذكر هيرودوتس ان القرطاجيين تعاملوا مع الليبيين على اساس المبادلة. فكانوا يتركون بضاعتهم على الشاطئ ويعودون الى قواربهم ويطلقون دخاناً. عندها كان السكان الاصليون يأتون بذهبهم ويضعونه على الشاطئ ويأخذون بالمقابل حاجاتهم من بضاعة القرطاجيين. وقال هيرودوتس ان احداً من الطرفين كان يغش الطرف الآخر.

تعامل الفينيقيون مع الحبشيين على أسس المبادلة ذاتها. وكانت تجري هذه المبادلة فوق جزيرة داخلية تدعى سرن. فكان الفينيقيون يأتون بمراكبهم ومعهم بضاعتهم ويبادلونها مع الحبشيين بحيث يأخذ الحبشيون الاحجار شبه الكريمة وربما المصنوعات الزجاجية مقابل جلود حيواناتهم وخراطيم فيلهم ونبيذهم .

بدأ الاغريق بسك العملة في القرن السابع قبل الميلاد. غير ان الفينيقيين لم يجاروهم بذلك وفضلوا الاستمرار بالمبادلة . وهي ما كان يفضلها زبائنهم آنذاك. وفعل الفينيقييون الشيء ذاته مع الفرس . وكان الفرس قد سكوا عملتهم ايام داريوس في نهاية القرن السادس قبل الميلاد .

جاءت اول محاولة فينيقية لسك العملة في صور في أواسط القرن الخامس قبل الميلاد، ثم تبعتها بيبلوس و
أرواد وصيدون في اواخر القرن الخامس ومطلع القرن الرابع قبل الميلاد . وبعد وقت غير قصير بدأت قرطاج بسك نقودها، وكانت ذهبية وفضية. وهذا ما حدث في اواخر القرن الخامس حيث استعملت العملة لشراء الارقاء .

كانت السفن التي بناها الفينيقيون تأخذ شكل السفينة المستديرة، وهي قد خصصت للتجارة ، بينما خصصت السفن المستطيلة الشكل للحرب. وكانت صفوف من المجذفين تدفع السفينة عند ابحارها. وصنع الفينيقيون نوعاً من القوارب الصغيرة المخصصة للصيد او للابحار في الانهر .

يذكر هيرودوتوس ان الفينيقيين داروا بسفنهم حول القارة الافريقية. وكانت الرحلة تستغرق حوالى ثلاث سنوات. وكانت تتوقف حيث أمكن للتزود. ولا يذكر هيرودوتوس رحلة هانو الى غربي افريقيا او رحلة همليكوا الذي توجه شمالاً ودار حول ايبريا. والرحلتان بدأتا في قرطاج. وكان القصد من رحلة هملكو فتح طريق القصدير في الغرب والتفتيش عن مصدر جديد لهذا المعدن بعد ان بدأت مناجم القصدير الاسبانية تنضب .

رحلة هانو الفينيقي حول أفريقيا

يذكر هيرودوتس ان الفينيقيين قاموا برحلة بحرية استمرت ثلاث سنوات حول القارة الأفريقية بتكليف من احد فراعنة مصر. وكانوا يتوقفون حيث وصلوا في مواسم الحصاد للتزود بالمؤن والماء. ورغم تشكيك بعض المؤرخين بحدوث هذه الرحلة الطويلة، فان الباحثين المحدثين اعتبروا ان الرحلة قد تمت بالفعل، رغم ما رافقها من شكوك وغموض. في وقت لاحق من التاريخ القديم قام فينيقيان من قرطاج هما هانو وهمليكو برحلتين، الاولى ترأسها هانو والثانية ترأسها هميلكو واتجهت عبر البحر الابيض المتوسط نحو شبه الجزيرة الايبرية. وكان الهدف من الرحلتين استطلاع امكانيات التوسع التجاري واقامة محطات تجارية. ونحن لدينا وصفاً لرحلة هانو سجلها بنفسه على لوحة وجدت في معبد ساتورن (بعل هامون) في قرطاج بترجمتها الأغريقية. وترك لنا أفينيوس الذي عاش في القرن الرابع بعد الميلاد وصفاً لرحلة همليكو. والرحلتان تحدث عنهما المؤرخ بليني.

رحلة هانو كانت الأهم والمعلومات المؤكدة عنها أكثر دقة. ويستفاد من هذه المعلومات ان الرحلتين هدفتا لاستكشاف المناطق المجاورة والبعيدة بهدف توسيع التجارة القرطاجية والفينيقية بشكل أوسع وأشمل. وكان الاغريق في ذلك الوقت قد حالوا بين الفينقيين في الشرق وبين الانطلاق في رحلات استكشافية وربما استيطانية من الشرق، فانطلقت الرحلتان من قرطاج في الغرب. وذكر هيرودوتس ان الرحالة والمستكشفين الفينيقيين المتجهين شمالاً وغرباً حملوا معهم بضائع آشورية ومصرية .

هدفت رحلة همليكو لفتح طريق القصدير الغربية لأن المناجم الاسبانية لم تكن تنتج ما يكفي. ورغم ان البعض زعم ان الفينيقيين وصلوا في تجوالهم الاستكشافي الى الجزر البريطانية، الا ان المصادر التاريخية تكاد تجمع على ان الفينيقيين لم يتوقفوا في الجزر البريطانية إنما مروا بالقناة من دون توقف. وكانت محاولتهم هذه تهدف الى فتح طريق بحري والى الحصول على حصة أكبر من تجارة القصدير التي سبقهم اليها تجار من البحر المتوسط عبر البر الاوروبي. واذا كان لدينا القليل عن رحلة همليكو ومدى نجاحها، فان رحلة هانو موثقة بشكل أفضل بعد ان كشفت لوحة أثرية في القرن العاشر بعد الميلاد عن هذه الرحلة.

صدَق العديد من علماء الآثار قصة رحلة هانو، انما شككوا ان هانو قد زار فعلاً المناطق التي تحدث عنها. غير ان كتاب التاريخ الجدد مثل الايطالي كاركوبينو والفرنسي روسو وكذلك الفرنسي بيكار أكدوا صحة وثيقة هانو ووصفه للرحلة .

النص الذي سجله هانو لرحلته

أما النص كما سجله هانو لرحلته فقد جاء على الشكل التالي :

هذه قصة رحلة هانو "ملك" القرطاجيين في الاراضي الليبية الأبعد من أعمدة هركليس مسجلة على لوحة مهداة لمعبد كرونس.

1 – قرر القرطاجيون ان يبحر هانو الى ما وراء أعمدة هركليس والمدن الليبية – الفينيقية وانطلق في رحلته ومعه 30 الف رجل وامرأة في 60 سفينة وما يكفي من زاد وحاجات اخرى.

2 – بعد الابحار ليومين بعيداً عن الأعمدة وصلنا الى اول مدينة يحيط بها سهل كبير فدعوناها تيمياتيرون.

3 – تابعنا ابحارنا غرباً ووصلنا الى سولويس ، وهي عبارة عن رعن ( قنة جبل خارجة منه وداخلة في البحر) مغطى بالاشجار. هناك أقمنا معبداً لبوسيديوم .

4 – أبحرنا شرقاً لنصف يوم ووصلنا الى بحيرة لا تبعد كثيراً عن البحر، مغطاة بالقصب الطويل حيث كانت ترعى افيال وحيوانات برية اخرى .

5 – بعد يوم من الابحار بعيداً عن البحيرة وجدنا مدناً على ساحل تدعى كاريكون ونيكوس وجيت واكرا ومليتا وارامبيس.

6 – أكملنا الابحار فوصلنا الى نهر كبير يدعى لكسوس يجري عبر ليبيا ورأينا رعاة يدعون "لكسيتاي" يرعون أغنامهم. مكثنا بعض الوقت معهم وأصبحنا أصدقاء .

7 – كان يسكن في المناطق الداخلية شعب غير مضياف من الاحباش. وكانت الوحوش البرية تملأ الارض المحاطة بجبال عالية. قيل لنا ان النهر يجري نزولاً من هناك وان قروداً تشبه الانسان تعيش في الجبال. وقال لنا " الكسيتاي" ان هذه القرود اسرع جرياً من الاحصنة .

8 – أخذنا معنا مترجمون من الكسيتاي وابحرنا جنوباً قرب صحراء ليومين اثنين ثم اتجهنا شرقاً ليوم واحد ووجدنا جزيرة صغيرة محيطها خمسة ستاد (184 قدماً او حوالى كيلومتر واحد) في آخر الخليج حبث أقمنا مستعمرة صغيرة وأسميناها "سرن". وقدَرنا انها تقع مقابل قرطاج مباشرة لأن الرحلة من قرطاج الى الاعمدة ومن الاعمدة الى سرن كانت  مماثلة.

9 – إنطلقنا من هنا عبر نهر كبير يدعى كريتس ووصلنا الى بحيرة أكبر مساحة من سرن وتضم ثلاث جزر. وبعد يوم واحد من الابجار وصلنا الى آخر البحيرة حيث تعلو جبال مزدحمة باناس متوحشين يرتدون جلود حيوانات برية وقاموا برمينا بالحجارة لمنعنا من النزول من قواربنا .

10 – ابحرنا من هناك ووصلنا الى نهر كبير آخر يعج بالتماسيح والبرنيق (فرس النهر). رجعنا من هناك وعدنا الى سرن .

11 – أبحرنا جنوباً لاثني عشر يوماً ملتصقين بالشاطئ الذي كان يمتليء بالاحباش فهربوا عندما شاهدونا. وكانت لغتهم غير مفهومة حتى لمرافقينا الكسيتاي .

12 – شططنا في اليوم الاخير في ظل جبال عالية مليئة بالاشجار، أخشابها ملونة وتفوح منها رائحة حلوة.

13 – بعد ان تركنا الجبال وابحرنا ليومين وصلنا الى خليج كبير على جانبيه سهل فسيح ورأينا في الليل ناراً مشتعلة، كبيرة وصغيرة، تطلق لهباً بين الحين والاخر في كل اتجاه.

14 – هنا تزودنا بالماء ومن ثم ابحرنا لخمسة ايام على طول الشاطئ الى ان وصلنا الى خليج كبير. قال لنا المترجمون المرافقون ان اسمه قرن الغرب. في وسطه جزيرة كبيرة، وفي الجزيرة بحيرة ماء مالحة. وكانت في وسط هذه البحيرة جزيرة صغيرة، نزلنا فيها. لم نتمكن في النهار ان نرى شيئاً سوى حرج، انما رأينا في الليل انواراً وسمعنا صوت الابواق وطرق الصنوج والطبول وضجيج اصوات قوية. إنتابنا الذعر والخوف ودعانا العراف للخروج من الجزيرة .

15 – أبحرنا مسرعين حول شاطئ تفوح منه رائحة البخور المشتعل. كانت لهب النار والحمم تتساقط في الماء وفوق اليابسة، وكان من الصعب الاقتراب من الشاطئ بسبب الحرارة المرتفعة جداً .

16 – تركنا المكان مسرعين وخائفين وابحرنا لاربعة ايام، رأينا في نهايتها اليابسة ليلاً وقد إمتلأت باللهب. في الوسط كان لهب عال، أطول من اللهب الاخرى ويصل، على ما بدا لنا، الى النجوم. وفي النهار كان ما رأيناه جبلاً شديد الارتفاع يدعى "عربة الآلهة" .

17 – بعد ان أبحرنا لثلاثة ايام هرباً من حمم اللابة (مقذوفات البركان) وصلنا الى خليج يدعى قرن الجنوب.

18 – كانت هناك جزيرة في آخر هذا الخليج. وهي كسابقاتها تتوسطها بحيرة وفي داخلها بحيرة اخرى تمتليء بالمتوحشين. كان عدد النساء كبيراً. أجسادهن مغطاة بالشعر الخشن . قال لنا مترجمنا انهن غرلى (غوريلا). حاولنا القبض على أي منهن، لكننا لم نفلح. فتلك الحيوانات اعتادت تسلق الجروف لذلك تمكنوا من الهرب ودافعوا عن أنفسهم بأن أمطرونا بوابل من الحجارة. غير اننا تمكنا من القبض على ثلاث نساء، رغم انهن قوامن بشراسة، من عض او محاولة سحق من حاول القبض عليهن. حملنا هذه الحيوانات بعد ان رفضت السير ومن ثم أجهزنا عليهم. سلخنا جلودهم وجلبنا الجلود معنا الى قرطاج، ذلك اننا لم نبحر بعيداً بعد ان نفذت مؤناتنا .

إنتهت القصة كما سجلها هانو على لوحة. وقد تبين ان الاماكن التي ذكرها هانو، بما في ذلك نهر لكسوس، كان نهر درا على الحدود بين المغرب والصحراء الاسبانية. وربما كان "الكسيتيون" الذين حل بينهم لبعض الوقت من البربر او من الاحباش السود غير الودودين. وكان اللجوء الى اللكستيت بمهمة الترجمة في خلال الرحلة من الأهمية الكبيرة. فهذا ما يثبت ان هؤلاء كانوا يعرفون المناطق الجنوبية. وبعد ثلاثة ايام من الابحار أنشأ هانو محطة سرن على جزيرة. وهي أبعد موقع استيطاني فينيقي على شاطئ افريقيا الغربية .

بعض المراجع
1– Harden ,D. The Phoenicians , Thames and Hudson , London 1963
2 – Several contributors , Ougarit , Somogy , Paris , 2004
3 – Fantar , M.Hassine , Carthage , Alif , 1993
4- Contenau , G. Manuel D,Archeol. Oriental ,Paris 1947
5- العهد القديم

 



أوغاريت
اللاذقية
قرطاجة