الأردن يزخر بالامكانات السياحية العالمية

نشر المقال في تموز / يوليو 1962 ، العدد الواحد والعشرون ، الرائد العربي  

عندما نتحدث عن السياحة في الأردن ، يتبادر الى الاذهان اول ما يتبادر السؤال الذي لا بدمنه : ما هي الامكانات التي يمكن ان ترتكز عليها السياحة في الاردن حتى تكون للبلاد مورداً له قيمته وأثره البارزان ؟ . وما قيمة هذه الامكانات إن وجدت ، وهل تستطيع ان تقف على قدم المساواة مع ما هو قائم في البلدان الاخرى؟. الجواب على ذلك ان الامكانات السياحية في الاردن ليست موجودة فحسب ، وانما هي في بعض الحالات النادرة فريدة في نوعها . ودعني اسردها لكم على التوالي :

1 – الاماكن المقدسة  

تأتي الاماكن المقدسة في الطليعة ، من دون منازع ، وما أكثرها ، وما أجلها ، وما أندر وجود اي مثيل لها في هذا الكون العريض على سعته . فهناك القدس الشريف ، البلد الذي عبق فيه عطر النبوات واشرق فيه نور الوحي وحملت ارضه الحواريين والقديسيين والشهداء وكان مسرحاً لاروع آيات السماء على الارض وكان موضع الاسراء والمعراج . وهناك بيت لحم ، ويالله ما أروع هذا الاسم وما اجمل وقعه في اسماع مئات الملايين من بني الانسان ! . أليس فيها المذود الذي حضن السّيد المسيح ليلة ميلاده ؟ . أليس فيها مغارة اللبن حيث سقطت على الارض اول قطرة من حليب العذراء ؟ . أليس فيها حقل الرعاة حيث تجلى الملائكة هناك ؟ . إن فيك يا بيت لحم ذكريات الاجيال . وانها لتهفو اليك قلوب الملايين بالاشواق . وستظلين على ممر الليالي والايام حديث هذا الدهر الذي لا ينقضي !. وهناك يا أخي ، وما أكثر ما هناك ، مدينة الخليل حيث يرقد ابو الانبياء ابراهيم وبنوه ، وحيث شجرة البلوط التي زرعها ، او زرع امها في يوم بعيد .. بعيد .. تراكمت خلفه ايام يصعب على الحاسبين عدّها . وهناك نهر الاردن المقدس حيث تعمد السيد المسيح ، وهناك الكثير غير ذلك كجبل التجربة والعازرية وبئر يعقوب وسواها . 

2 – الاماكن الاثرية

حين نجاوز الاماكن المقدسة الى الاماكن الاثرية ، نجد في الأردن منها ما يوشك ان يكون لا مثيل له . ولا تظنني ابالغ . هل سمعت ان مدينة بكاملها نحتت في الصخر ، وليس صخراً كباقي الصخور ، وانما هو صخر وردي فاتن أخاذ . إنك لو القيت هذا الكلام على مسمع احد من الناس في اي طرف من اطراف الارض لتوهمك تسمعه خيالاً واساطير . لكن هذا الخيال ، وهذه الاساطير تجسمت حقيقة ماثلة رائعة تطل عليك بعد ان تجاوز "السيق " ، اذا هي تروي حديث الاجيال وتحدثك عن براعة الانباط ودقة صنعهم وكفاءتهم الفنية ، ممتدة بين يديك على اتساع الوادي لتقول لك من غير لسان : هأنذا البتراء مدينة الصخر الوردي ! . ولا يقف الحديث بنا عند هذا الحد حين نتحدث عن الآثار في الاردن . فهناك مدينة جرش ، احدى المدن الرومانية العشر التي كانت تتمتع بما يشبه الاستقلال الذاتي مع الارتباط بروما . وما يزال من آثارها الخالدة قائماً ما يقدم لك آية مشرقة عن المدى الذي وصلت اليه من الحضارة والازدهار . واروع ما يطالعك من هذه الآثار شارع الاعمدة وقوس النصر والمدرج العام والكنيسة وسور المدينة وبركة السباق وغيرها من الآثار . 

ومن آثار الاردن القديمة قلعة عمان والمدرج الرومانييها واطلال أم الجمال واطلال مأدبا وأم قيسفي الضفة الشرقية وأطلال شكيم واسوار اريحا وآثار سبطة في الضفة الغربية . اما الآثار الاسلامية فانها تتجلى في القصور الصحراوية وقلعة الكرك وقلعة الربض في الضفة الشرقية وقصر هشام بن عبد الملك وسور القدس والمسجد الأقصىوقبة الصّخرةالمشرّفة وكثير غيرها في الضفة الغربية .

 3 – المصايف

المصايف في الاردن عديدة وطبيعتها فاتنة أخاذة . ومنها ما لا تزال الطبيعة فيها كما كانت لم تمسها يد التغيير، ومنها ما وصلت اليه يد الابداع والتهذيب ، فاذا هي لا تقل شأناً عن المصايف في بلدان الحضارة والمدنية . من هذه المصايف مصيف رام اللهالقائم على جبل شاهق يطل على القدس من جهة ، و على ساحل فلسطين من جهة اخرى . في هذا المصيف يتهيأ للمصطاف كل ما يتطلع اليه من وسائل الحضارة . فهناك دور للهو ، من السينما الى الاندية والمقاهي الى المطاعم والمتنزهات ، وقد أعدت فيها اسباب التسلية للكبار والصغار . وهناك الفنادق من مختلف الدرجات حيث لا يتعذر على السائح او المصطاف ان يجد فيها ما يتفق مع رغباته ويلائم قدرته المالية . كما لا يتعذر عليه ان يجد الجو العائلي في الغرف المفروشة التي تقدمها بعض الاسر للراغبين . وهكذا تتهيأ للمرتاد هناك الطبيعة الضاحكة والجو الهاديء والمستوى اللائق . يتسع بين يديه المجال للنزهة الجميلة او التسلية الممتعة او المطالعة المفيدة حيث تكثر في مكتبتها العامة كل انواع الكتب . واذا شاء ان يقتني ما يرغب من الكتب الحديثة او القديمة فالمكتبات التجارية تملأ الشوارع الواسعة المشجرة. وعلى مقربة من رام الله يقوم مصيف القبية وكذلك مصيف بيت جالا المتربع ، هو الآخر ، على جبل شاهق يطل على القدس ، كما تنبسط على مد نظره مدينة بيت لحم الطافحة بالامجاد والممتلئة بذكريات الماضي ذات الطابع المقدس . وتتهيأ في هذا المصيف كل اسباب الراحة ، مثلما هي في رام الله ، مع اختلاف المنظر وتبدل الالوان وبروز الطبيعة على فطرتها ، من كروم العنب التي تغطي الهضاب والتلال من حولها الى اشجار الصنوبر التي تحيط بالمصيف من كل حوانبه . وتنتشر في المدينة اشجار الفاكهة على اختلاف انواعها . ويها يشاهد المصطاف لوحة من التاريخ الغابر لا تزال حية ماثلة ، تطل عليه من خلال الشوارع الضيقة المسقوفة والحوانيت الصغيرة ذات المصاطب العالية ومصانع الزجاج التي لا نتزال يمارس فيها الحرفيون اعمالهم ، تماماً كما مارس اجدادهم العمل نفسه منذ زمن بعيد بعيد . 

هناك في الخليلمصايف كثيرة تتهيأ للقاصدين في ضواحي القدس وضواحي نابلس ، في الضفة الغربية . أما في الضفة الشرقية ، فهناك من المصايف عجلون الواقعة في صميم جبال عجلون المكسوة باشجار الغابات القديمة ، تحيط بها الكروم واشجار الصنوبر واللزاب . وهناك مشروع ضخم  يوشك ان يبرز الى حيز الوجود هو مصيف الحسين الذي سيقدم للمصطافين كل ما يطلبونه من اسباب الراحة . وفي الخليل حيث مدينة السلط المزنرة بالكروم والحدائق والتي تكثر فيها الينابيع ، وكذلك مصايف صويلح ووادي سيروهما على مسافة  قريبة من عمان وفيهما الخضرة الغالبة على طبيعتيهما وحيث الحياة هناك تحافظ على وجهها البسيط غير المتكلف . 

4 – المشاتي  

تنحصر المشاتي في  الأردنفي موقعين ، اولهما الغور وفيه  اريحا وشاطئ البحر الميّت. ويتميزهذا المشتى بكونه يقع على انخفاض اربعمئة متر تقريباً عن سطح البحر ، وهو أخفض مكان مأهول بالسكان على سطح الكرة الارضية . وبذلك ينفرد هذا المشتى بصفة لا يتمتع بها مشتى آخر في هذه المعمورة . 

تنتشر الحدائق الخضراء في انحاء اريحا وتكثر الشوارع الواسعة المشجرة وتتوفرالمياه وتقوم فنادق من مختلف الدرجات . وفيها من وسائل اللهو : السينما والمقاهي والمطاعم والمتنزهات والحدائق العامة ، الى جانب ما تحتوي عليه من المواقع الأثرية والدينية . وعلى مقربة من اريحا يجري نهر الاردن ، وعلى بعد امتارمنه يمتد شاطيء بحر الميط ، حيث الفادق السياحية والمسابح والمطاعم .  

من مشاتي الاردن كذلك شاطئ العقبة حيث يمكن للمرتادين ان يستمتعوا بزرقة البحر التي تبلغ هناك حد الروعة وحيث يتاح لكل راغب ان يستحم في الليل تحت أضواء القمر . وفي العقبة الآن استراحات عديدة ، والعمل جار على انشاء فندق سياحي رفيع المستوى.