الكويت في بطون التاريخ

نشر هذا التحقيق في آذار / مارس 1962 ، العدد السابع عشر ، الرائد العربي  

لم تكن المنطقة التي تضم الكويت مجهولة في العالم القديم . فقد دلت الحفريات التي اجريت في جزيرة فيلكا ، التي تبعد حوالى 18 كيلومتراً عن الكويت ، ان المنطقة كانت معروفة منذ حوالى الخمسة الاف سنة الماضية . وقد وجدت فيها آثار معبد يوناني يعود تاريخه الى ايام الحملة التي ارسلها الاسكندر لفتح الشرق عام 334 قبل الميلاد . كما عرفت مدينة كاظمة في الكويت منذ عهد الفتح الاسلامي الاول . اما الكويت بواقعها الحالي فقد اشتهرت باسمها هذا في اوائل القرن الثامن عشر ، واشتهرت ايضاً باسم " القرين " ، كما جاء في سجلات البحارة والرواد من برتغاليين وهولنديين وانكليز . فقد ذكر الرحالة الدانمركي المشهور نيبور في كتابه الذي ألفه عن زيارته للمنطقة سنة 1765 الكويت ووصفها بانها بلدة عدد سكانها عشرة الاف نسمة ، يملكون ثمانمئة مركب ويعيشون على التجارة وصيد السمك والغوص على اللؤلؤ ، كما رسم خارطة للخليج موجودة حتى الآن في المتحف البريطاني ، حدد بموجبها موقع الكويت ، مع ذكر اسم "القرين " . 

وكانت المنطقة في ما مضى ، من سواحل الاحساء حتى رأس الخليج العربي ، تخضع لسيطرة قبيلة بني خالد ، لكن نجمهم بدأ في الزوال عندما دب الشقاق بين زعمائهم ، وكذلك بسبب حروبهم المستمرة مع الوهابيين . وكان من شأن  كل هذه الاسباب القضاء على نفوذ بني خالد وتشتيت شملهم . 

إن بعد الكويت عن مناطق الصراع والاطماع في ذلك الوقت ، مثل البصرة والاحساء ، جعلها منطقة أمان بالنسبة لما يجاورها من مناطق . وكونها منطقة قاحلة جرداء أبعد عنها طمع الطامعين ، واستقرت فيها جماعة مسالمة تعتمد على الكد والتعب لكسب عيشها ، فركب أهلها البحر ، وتحملوا أهواله ، ومهروا في صناعة السفن ، ومزاولة التجارة . واختار الكويتيون سنة 1756 صباح بن جابر او صباح الأول ليكون أول أمير لهم، ثم خلفه ابنه عبد الله سنة 1762 . 

برزت أهمية الكويت عندما أحتل الفرس البصرة سنة 1776 – 1779 . وكانت البصرة ، في ذلك الوقت ، مركزاً تجارياً مهماً . وكان من جراء ذلك الاحتلال ان انتقلت حركة التجارة من البصرة الى الكويت ، بعد ان نقلت شركة الهند الشرقية مكاتبها ومخازنها وموظيها اليها ، كما وجهت اليها سفنها المحملة بالبضائع فازدادت بذلك أهمية الكويت ، كما ازدادت الهجرة البشرية اليها من الخليج العربي والجزيرة العربية .

لم يذكر المؤرخون ان الكويت كانت جزءاً من العراق ، او ان غالبية أهلها من أصل عراقي . فقد ذكر المؤرخ الانكليزي بردجس ، وكان احد موظفي شركة الهند الشرقية ، بأنه لجأ الى الكويت عام 1793 بسبب خلاف دب بين شركته والسلطات العثمانية في البصرة . وهذا يدل ، دلالة واضحة ، على انفصال الكويت عن ولاية البصرة . وقد ألف بردجس كتاباً قيماً عن الحركة الوهابية ، التي عاصرها عن كثب ، ويعود اليه الفضل في اعطائنا معلومات قيمة عن حال المنطقة في تلك الايام . 

حدثنا هذا المؤرخ عن لجوء احد ولاة البصرة الى الكويت وهو مصطفى آغا ، او مصطفى الكردي ، كما يسميه بعض المؤرخين العرب . ويقول في هذا الصدد ان مصطفى آغا لجأ الى الكويت مع صديقه ثويني السعدون بعد نزاع وقع بينهما وبين والي بغداد سليمان باشا الكبير . وقد حدث هذا الامر في سنة 1789 حيث جند سليمان باشا حملة كبرى زحفت من بغداد الى البصرة . كذلك حدثنا هذا المؤرخ عن غزوات شنها الوهابيون على الكويت ، ولكنهم ردوا على اعقابهم في كل محاولاتهم . وذكر ان البلدة كانت محاطة بسور لحمايتها ، وهو غير السور الذي أنشيء عام 1920 وهدم عام 1957 . 

في سنة 1871 قاد مدحت باشا ، والي بغداد المشهور ، حملة بنفسه ، ماراً بالبصرة والكويت متوجهاً نحو الاحساء . وقد ساعده في حملته هذه شيخ الكويت عبد الله الثاني . وانتهت الحملة بان احتل مدحت باشا الاحساء وعين نافذ باشا متصرفاً على نجد . وفي عودته مر بالكويت وانعم على شيخها بلقب قائمقام ، اعترافاً منه بمساعدته . غير ان ما بناه مدحت باشا انهار بعد ثلاث سنوات ، بعد ان تفشت الامراض والأوبئة بين العساكر والموظفين في منطقة الاحساء . وكانت الدولة العثمانية تجتاز آنذاك مرحلة الضعف والتفكك ، فتقلصت سيطرتها على الاجزاء البعيدة عن بغداد . وكان من الامور الاعتيادية ان يقبض قائد الحملة الغازية رشوة من اعداء الدولة العلية فيعود بجنوده الى ثكناتهم وكأن شيئاً لم يكن . وهكذا لم يتبق للدولة العثمانية خارج العراق غير السيادة الاسمية التي استمرت بدافع الولاء الديني لخليفة المسلمين . 

تولى الشيخ مبارك الصباح في سنة 1896 زمام الحكم في الكويت . وأصبحت الكويت ، مذاك ، تتمتع بكل مظاهر السيادة ، حتى ان الشيخ مبارك أعلن الحرب في اكثر من مناسبة على حلفاء الدولة العلية من امثال ابن الرشيد وآل السعدون ، ثم عقد المعاهدة المشهورة مع الانكليز عام 1899 . 

كان من مظاهر السيادة العثمانية فيما مضى : تعيين الولاة وعزلهم ، جباية الضرائب ، بناء الثكنات العسكرية ، فرض اللغة التركية في المدارس ، التجنيد الاجباري وغيرها من مظاهر السيطرة العثمانية التي لم يكن لها أثر في الكويت بفضل تصميم أهلها ، حكومة وشعباً ، على العيش احراراً مستقلين . وباعلان الحرب العالمية الاولى سنة 1914 زال كابوس الحكم العثماني من كل البلاد العربية ، وكتبت صفحات جديدة في تاريخ الامة .