الطاقة النووية واستخدامها للاغراض السلمية

ندوة الرائد الشهرية

نشرت وقائع هذه الندوة في نيسان / ابريل 1961 ، العدد السادس ، الرائد العربي

كثر الحديث في السنوات الاخيرة عن استخدام الطاقة النووية للاغراض السلمية مما جعل الجميع يأملون ان تتحول هذه الطاقة من قوة هدامة الى قوة بناء . وحصل ، فعلاً ، بعض التقدم في مضمار الاستعمالات السلمية للطاقة النووية . غير ان استخدام الطاقة في المجالات السلمية بصورة فعالة وشاملة ، ينطوي على مصاعب جمة ، ويخضع للكثير من الاعتبارات الفنية والاقتصادية ، التي قد يجهلها الفرد العادي والتي من شأنها ان تبطيء التقدم .

ونحن في البلاد العربية نأمل ان نتمكن من استخدام الطاقة النووية كعامل فعال في نهضتنا الاقتصادية . لكن الى أي مدى سنتمكن من مجاراة التقدم في حقل الصناعة النووية بحيث نستطيع ان نستفيد استفادة كاملة من الاكتشافات الواسعة في هذا الحقل ؟ . وهل سنبقى دائماً مقلدين لسوانا ، نقبل ما يقدمه لنا الغير من دون ان نحاول ان نسهم في خلق امكانات جديدة ؟ .

طرحنا قضية استخدام الطاقة النووية في البلدان العربي على بساط البحث في ندوتنا هذه بقصد إظهار بعض الحقائق . واشترك في الندوة كل من :

الدكتور نزيه طالب : دار الهندسة للاستشارات الفنية والادارية .

الدكتور انطوان زحلان : رئيس قسم الفيزياء في الجامعة الاميركية في بيروت .

الدكتور نقولا الخوري : استاذ الفيزياء في الجامعة الاميركية في بيروت .

الدكتور جورج حنانيا : رئيس قسم الكيمياء في الجامعة الاميركية في بيروت .

وقام بإدارة الندوة الاستاذ راجي صهيون من "الرائد العربي ".

صهيون : أصبح الحديث عن الطاقة النووية واستعمالها للاغراض السلمية من الامور الشائعة عند الجميع . غير ان معرفة الحقائق العلمية الصحيحة عن الطاقة النووية لا تتوفر إلا لعدد قليل من العلماء والاخصائيين . فهل لنا ان نبدأ الندوة بشرح ماهية الطاقة النووية وباستعراض المجالات السلمية لاستخدام هذه الطاقة ؟ .

خوري : سأبدأ بإعطاء تعريف قصير للطاقة النووية . تنتج الطاقة النووية عن تحويل المادة الى طاقة في التفاعلات النووية . وتحدث هذه الطاقة عندما يكون وزن النواة ( كتلة ) النواة المتفاعلة اكبر من وزن النواة الحاصلة من التفاعل . ويمكن قياس كمية الطاقة التي تخرج من التفاعل النووي بتطبيق معادلة اينشتين الشهيرة :

الطاقة الحاصلة = الوزن الفاني في التفاعل × مربع سرعة القوE= MC2

وليس الفرن الذري سوى جهاز تحدث فيه ملايين من هذه التفاعلات النووية بشكل منضبط . أما في الافران النووية المخصصة لتوليد القوة ، فإن الطاقة النووية تتحول الى حرارة تستعمل لتوليد الطاقة الكهربائية . وفي انفجار القنبلة النووية يحدث عدد كبير جداً من التفاعلات النووية ، من دون انضباط وبسرعة كبيرة ينتج عنها كمية ضخمة من الطاقة تحدث الدمار والحريق .

حنانيا : لعل أفضل طريقة للدلالة على ضخامة الطاقة التي تنتج عن التفاعل النووي هي مقارنة كمية الطاقة الناتجة عن الاحتراق الكيماوي لكمية ما من معدن من المعادن ، مع الطاقة الناتجة عن فناء ذات الكمية من المادة نفسها في تفاعل نووي . فالاحتراق الكيماوي للكيلو غرام الواحد من اليورانيوم ، مثلاً ، يحدث بضعة الاف من الوحدات الحرارية، بينما تبلغ كمية الحرارة الناتجة عن انفجار قنبلة نووية زنتها كيلو غرام واحد من اليورانيوم ، حيث يفنى حوالى 1/1000 من المادة ، حوالى 10/20 ، أي الف مليون مليون مليون وحدة حرارية .

صهيون : هل لنا ان ننتقل ، بعد هذا التعريف المبسط للطاقة النووية ، الى إستعراض مجالات استخدام هذه الطاقة للاغراض السلمية ؟.

زحلان : يمكن استخدام الطاقة النووية في المجالات السلمية على شكلين : اولاً كمصدر للقوة لتسيير المحركات وتوليد الكهرباء وغيرها ؛ وثانيا، باستعمال العناصر التي تظهر في التفاعل النووي في الابحاث العلمية والطب والزراعة وغيرها من الحقول التطبيقية . فالتفاعلات النووية مكنت علماء الفيزياء من الحصول على عناصر لم يكن من الممكن الحصول عليها بأي طريقة اخرى ، وذلك لأنها لا تعمر إلا لمدة قصيرة في حالتها الطبيعية ، ومكنت بالتالي العلماء من إجراء دراسات أوسع وأدق على تركيب المادة وخصائصها . وفي حقل الطب ، تستعمل النظائر المشعة لدراسة نمو الخلايا البشرية ومعرفة مدى حياتها ، ولمكافحة وعلاج بعض الامراض كالسرطان مثلاً . وفي الزراعة، أصبح بالامكان الحصول على انواع جديدة من النباتات لم تكن موجودة من قبل . فقد إستحدث نوع جديد من القمح يقاوم الامراض التي تصيب القمح والتي لم يكن من الممكن القضاء عليها بالطرق الكيماوية . وفي هذا فائدة اقتصادية كبيرة .

حنانيا : يمكن تصنيف مجالات استخدام الطاقة النووية للاغراض السلمية التي ذكرها الدكتور زحلان في اربعة أبواب :

1 – إستخدام الطاقة كمصدر للقوة .

2 – إستخدام الطاقة في الابحاث العلمية الصرفة .

3 – إستخدام النظائر المشعة في الابحاث العلمية وفي حقل الطب .

4 – إستخدام النظائر المشعة في الحقول التطبيقية كالزراعة والصناعة وما الى ذلك . ويدخل ، بالطبع ، ضمن كل من هذه الابواب عدد كبير من التفاصيل والاستعمالات الفرعية .

لا يمكن تفصيل أي من هذه الاستعمالات ، فلكل منها أهميتها ، إنما انا شخصياً ، أرى ان على البلدان الحديثة العهد بالطاقة النووية ان تبدأ بالابحاث العلمية المجردة في هذا الحقل قبل ان تبدأ بالنواحي التطبيقية ، حتى تستطيع ان تكون الاساس الصحيح لصناعة نووية ناجحة .

طالب : أنا أوافق الدكتور حنانيا فيما قاله بشأن ضرورة البدء بإرساء الاساس العلمي النظري قبل الاقدام على استخدام الطاقة في الحقول التطبيقية . فألاساس العلمي هو الذي يقرر أفضل الطرق لاستخدام الطاقة النووية عملياً. وتطور هذا الاساس العلمي يقرر شكل وأسلوب التطبيق العملي للطاقة . فلو نحن بدأنا ، كأمة ناشئة ، باستخدام الطاقة النووية عملياً من دون تركيز الاساس العلمي ، فسنجد ان التطور العلمي والعملي في الدول المتقدمة سيجعل ما نستخدمه من الآلات والمعدات النووية وسيلة بالية غير فعالة ، ويصعب علينا عند ذاك مجاراة التقدم في هذا الميدان .

صهيون : يمكن أن نخلص من البحث الذي جرى حتى الآن الى نتيجة مهمة وهي انه يجب على البلاد العربية ، إن هي أرادت ان تقيم صناعة نووية ناجحة ، أن تبدأ بإرساء الاساس العلمي النظري لهذه الصناعة . لكننا ندرك بالطبع اننا ، لكي نتمكن من ذلك ، نحتاج الى مواد أولية واحتياجات أخرى . وهذا يقودنا الى السؤال التالي : ما هي المواد الاولية والاحتياجات الاخرى التي يجب توفرها كي نتمكن من اعداد الطاقة النووية واستخدامها ، والى أي مدى تتوفرهذه المواد والاحتياجات في البلدان العربية ، وكيف يمكن لهذه البلدان ان تتعاون في ما بينها لتذليل الصعاب التي ستواجهها عند إنشاء صناعة نووية ناجحة؟.

حنانيا : لم تجر حتى الآن دراسة وافية لمعرفة مدى توفر المواد الاولية الضرورية لإعداد الطاقة النووية في البلدان العربية . فمن الجائز ان يكون لدينا بعض خامات الراديوم واليورانيوم . إلا أننا لا نستطيع ان نجزم بذلك . والبلد العربي الوحيد الذي يقوم بدراسات كيميا – جيولوجية واسعة النطاق هو الاقليم المصري .

خوري : أنا أعتقد ان هناك ناحية أكثر أهمية من المواد الاولية لاعداد الطاقة النووية هي توفر الطاقة البشرية، أي العلماء والفنيين الاخصائيين . ووجود هؤلاء ضرورة حيوية ، ليس في حقل الطاقة النووية فحسب ، بل من أجل تقدم البلاد العربية في مختلف الميادين العلمية . فقد أصبح عصرنا الحالي ، بفضل التقدم السريع والكبير في شتى الحقول العلمية ، يدعى بحق "عصر الثورة العلمية" . فإن نحن أردنا ان لا نبقى دولاً متخلفة ، وان نسهم يصورة فعالة في مجالات التقدم العلمي بحيث نصبح في وضع يمكننا من ان نخلق بدلاً من أن نقلد ، وبحيث نستطيع الاستفادة من كل الاكتشافات والاختراعات العلمية ، علينا ان ندخل فعلاً وجدياً "عصر الثورة العلمية ". وهذا يتطلب منا إقامة القاعدة العلمية النظرية والتطبيقية واحداث المؤسسة التي يمكن لها ان تستوعب هؤلاء العلماء والاخصائيين . أما وضعنا الحالي فلا يؤهلنا للاستفادة من التطور العلمي الحاصل في البلدان المتقدمة . وأود ان أضيف ان التعليم ، بشكل عام ، له أثر إيجابي كبير في التقدم في كل مجالاته ، وقد يكون للتعليم أهمية تفوق أهمية وجود الموارد الاولية والمعطيات الاقتصادية .

زحلان : وانا أيضاً أعتقد أن العقبة الرئيسة التي تحول بيننا والاستفادة الكاملة من التقدم السريع في ميادين العلوم المختلفة هو النقص الكبير في العلماء والاخصائيين والمؤسسات العلمية ، وعدم توفر التشجيع الكافي للعلماء للقيام بالابحاث والدراسات العلمية . فالرغبة في خلق نهضة علمية في البلدان العربية متوفرة ، لكن قيام هكذا نهضة يتطلب التشجيع والمؤازرة على الصعيدين الشعبي والحكومي . فالكثير من العلماء الذين يتخصصون في الخارج يضطرون الى البقاء هناك لعدم توفر المجال المناسب لهم في بلدهم . فلو توفر التشجيع المعنوي والمادي لهؤلاء لاستطاعوا ان يحققوا الكثير في ميادين تخصصهم .

صهيون : هذه النقطة التي أثرتموها خطيرة وبالغة الأهمية . لذلك أرى ان نتوسع في بحثها ، ولو ان في هذا التوسع خروجاً على الموضوع الاساسي للندوة . لقد عرضتم المشكلة . فهل لديكم حلاً تقترحونه ؟ . هل يمكن لنا ان نرسم خطة يمكن اتباعها لمعالجة المشكلة ، وأن نقترح الخطوط العملية التي تؤدي الى تحقيق الغاية المنشودة ، ونحدد دور كل من القطاعين الشعبي والحكومي في هذا الصدد ؟ . لنبدأ بما يمكن عمله على الصعيد الشعبي .

زحلان : يلعب الافراد كالهيئات الشعبية في البلدان المتقدمة دوراً كبيراً في تشجيع المؤسسات العلمية بواسطة التبرعات المالية . أعطي مثلاً الهبات والمنح التي تقدم الى دائرة الفيزياء في الجامعة الاميركية في بيروت . فقد بلغت ميزانية دائرة الفيزياء لهذه السنة حوالى مليون ليرة لبنانية ، خصص منها مبلغ 600 الف ليرة للابحاث العلمية . وقد توفر هذا المبلغ بأكمله من المنح التي قدمتها مؤسسات أميركية عديدة . ولم يقدم احد في لبنان حتى ولو ليرة واحدة .ولكم تتمنى دائرة الفيزياء ان توسع برامج الابحاث فيها لو كانت لديها المخصصات الكافية . فهذا مجال كان يمكن للافراد ان يسهموا فيه . ونحن نعلم ان في لبنان وغير لبنان في البلاد العربية عدد كبير ممن تمكنهم أحوالهم المادية من المساهمة . وليس أدل على ذلك من ان برنامج بعلبك الفني يتلقى مساعدات سنوية تبلغ حوالى ربع مليون ليرة . فخير ما يمكن ان يقوم به الافراد في هذا المضمار هو المؤازرة المادية للمؤسسات العلمية . وعلى سبيل المثال ايضاً ، أقول إنه يمكن جمع مبلغ مليوني ليرة سنوياً في لبنان تخصص للايحاث العلمية . وسيكون بالاستطاعة ، لو جمع هذا المبلغ ، إنشاء معهد للدراسات النووية يكون الخطوة العملية الاولى في مجال التقدم في الابحاث النووية .

صهيون : وماذا يمكن عمله على الصعيد الحكومي ؟ .

خوري : أنا أرى أن أهم ما يمكن عمله على الصعيد الحكومي هو تنظيم التعليم في جميع مستوياته بغية تأمين القاعدة العلمية التي تحدثنا عنها قبلاً . فعلى المستوى الجامعي ، أرى ان يجري اهتمام جدي بتدريب اساتذة يقومون بتدريس المواضيع العلمية في المدارس الثانوية حتى يتم خلق جو علمي على مستوى التعليم الثانوي لتنمية الكفاءات الموجودة لدى الطلاب ، وحتى لا نخسر مواهب لا تجد المجال للبروز بسبب ضعف الجهاز التعليمي في المواضيع العلمية ، بحيث تصبح الدراسة الثانوية منطلقاً لاصحاب المواهب .

طالب : من الامور التي يمكن القيام بها على الصعيد الحكومي هو انشاء معاهد للدراسات العليا في البلدان العربية ، تضم بين جدرانها المتفوقين من العلماء وتؤمن لهم دخلاً يكفل لهم جياة محترمة ، بحيث ينصرفون بكليتهم الى الابحاث والدراسات . فالعالم ، مهما شاء ان يضحي في سبيل العلم ، لا بد له من كسب عيشه الكريم . ومثل هذه المعاهد كفيلة بإغراء العلماء العرب الذين يهجرون بلادهم على العودة اليها وتكريس جهودهم لخدمتها .

زحلان : لقد سبقتنا الدول المتقدمة في انشاء هذه المعاهد . فما علينا اليوم ، اذا توفرت لنا الرغبة الحقيقية ، إلا إقتفاء خطوات من سبقنا .

صهيون : لا شك ان مجال العمل في هذا المضمار متسع امام الحكومات والهيئات الشعبية والافراد . وقد كان بودي لو استطعنا تخصيص المزيد من الوقت لدراسة هذه القضية . لكن ، لما كنا هنا لنبحث موضوع الطاقة النووية ، فأرجو ان نعود فنحصر بحثنا في هذا الموضوع لنرى كيف يمكن للبلدان العربية ان تتعاون في ما بينها في هذا الميدان .

حنانيا : إن إقامة صناعة نووية تتطلب نفقات باهظة ، كما تقتضي جمع عدد كبير من العلماء والفنيين في مركز واحد . والبلاد العربية تشكو عجزاً في المال ونقصاً في العلماء . لذلك فإن في إقامة أفران نووية منفصلة في كل بلد عربي ، كما هو الاتجاه الآن ، هدراً وخسارة . وانا أرى انه من الأفضل للبلاد العربية ان تعمل على صعيدين : صعيد حكومي محلي ، أي ان يقوم كل بلد عربي بانشاء مراكز للابحاث النووية فيه ؛ وعلى صعيد عربي عام ، بحيث تشترك الحكومات العربية ، بانشاء الافران النووية والمشاريع النووية الضخمة الاخرى .

إلا أنني أعتقد أنه ليس من الحكمة ان نقوم الآن بشراء وانشاء الافران النووية ، إذ ان الفائدة التي سنحصل عليها تكاد لا تضاهي تكاليف اقامة هذه الافران . فالفرن النووي الذي يجري انشاءه حالياً في الاقليم المصري، والذي يزمع انشاءه في العراق ، ليس مصنوعاً لانتاج طاقة محركة . لذلك لا فائدة من هذه الافران. اما النظائر المشعة التي يمكن انتاجها في هذه الافران ، فمن الأفضل شراؤها من الخارج ، إذ نستطيع الحصول عليها بثمن أقل من كلفة إنتاجها هنا ، وبدرجة أكبر من النقاوة . ولن يكون باستطاعة أفراننا الذرية ان تنافس منتجات الافران العاملة في الخارج في المستقبل القريب . وعليه ، نجد ان بناء افران نووية سيعود علينا بفائدة واحدة هي تدريب العلماء الاخصائيين في حقل الذرة .

صهيون : يفهم مما قلته ، دكتور حنانيا ، أنك تدعو الى تنسيق جهود الدول العربية لاقامة جهاز علمي عربي شامل يعنى بالدراسات والابحاث النووية التي تتطلب نفقات باهظة ، على ان يبادر كل بلد عربي بمفرده باقامة مراكز صغيرة يتدرب فيها العلماء والاخصائيين تمهيداً لاطلاق نهضة نووية شاملة تجتمع اجزاؤها في النهاية على مستوى عربي شامل .

حنانيا : هذا هو بالفعل ما قصدته ، أي المشاركة على صعيد عربية شامل ومن ثم المشاركة على صعيد عالمي .

زحلان : هذا خير ما يمكن للبلدان العربية ان تفعله . وهذه الطريقة متبعة في اوروبا حيث اشتركت الدول الاوروبية كافة في انشاء مركز واحد للابحاث في حنيف . وهو مركز ضخم تبلغ ميزانيته 300 مليون دولار سنوياً .

خوري : أنا أيضاً أوافق على فكرة انشاء مؤسسة نووية عرية شاملة ، شرط ان لا تهمل الحكومات العربية تشجيع الابحاث العلمية محلياً .

صهيون : هل في رأيكم ان تتشارك الدول العربية بانشاء الافران النووية ؟

حنانيا : طبعاً ، عندما يصبح من المفيد اقتصادياً انشاء مثل هذه الافران .

صهيون : إن ما قاله الدكتور حنانيا يثير قضية بالغة الاهمية وهي قضية الدور الذي يمكن للطاقة النووية ان تلعبه في تنمية البلدان المتخلفة اقتصادياً ، وما اذا كان استخدام الطاقة النووية سيحقق للبلاد العربية فوئد اقتصادية . هذه أسئلة تضاربت الاراء في الاجابة عليها . لذلك أود ان استطلع رأيكم فيها .

طالب : إن إستخدام الطاقة النووية كمصدر للقوة في الوقت الحاضر ليس إقتصادياً في البلدان المتخلفة والمتقدمة على السواء ، ولا مبرر اقتصادي لاستخدام الطاقة النووية لهذا الغرض إلا في البقاع النائية حيث لا توجد مصادر أخرى للطاقة ، وحيث يصعب إيصال هذه المصادر الا بكلفة عالية جداً تجعل من الافضل استخدام الطاقة النووية . أما في البلدان المتخلفة إقتصادياً ، وأذكر البلدان العربية كمثل ، فهناك مصادر اخرى للطاقة كالبترول والقوى المائية ، التي لا تستخدم بشكل صحيح ، والتي يمكن الاستفادة منها على نطاق واسع في عمليات الانماء الاقتصادي . ولدينا نحن في البلدان العربية الشىء الكثير من هذه المصادر ، مما يمكن ان نستغلها قبل ان نبدأ بإستخدام الطاقة النووية .

خوري : أنا أوافق الدكتور طالب فيما قاله بشأن إستخدام الطاقة في الوقت الحاضر . لكنني أعتقد ان الوقت سيحين عندما يصبح بالامكان توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة النووية بكلفة أقل من توليدها بواسطة البترول. وسيكون هذا الوقت قريباً ، قد لا يتجاوز 10 الى 15 سنة ، خصوصاً اذا تمكنا من استخدام الطاقة التي تنتج عن التفاعلات الاندماجية ، كالطاقة الحاصلة من انفجار القنبلة الهيدروجينية . وميزة التفاعلات الاندماجية ان الحصول على الهيدروجين الثقيل (ديوتيريوم) ، وهو المادة الرئيسة في التفاعلات الاندماجية ، أسهل بكثير من الحصول على اليورانيوم المستعمل الان في الافران النووية .

وعندما تصبح كلفة انتاج الطاقة النووية أقل من كلفة الطاقة الحاصلة من البترول ، عندها ستلعب الطاقة النووية دوراً حيوياً مهماً في إنماء البلدان المتخلفة اقتصادياً . ولعل أفضل مثل على ذلك ما يمكن عمله من أجل إحياء المناطق الصحراوية في البلدان العربية . فمن المعروف ان من أهم المشاكل الاقتصادية في بلداننا العربي كون النسبة الكبرى من مساحة ارضها صحراوية جافة لا تصلح للزراعة . لكن عندما تنخفض كلفة انتاج الطاقة الكهربائية باستخدام الطاقة النووية ، يصبح بالامكان تكرير مياه البحر واستعمال هذه المياه في ارواء المناطق الصحراوية . وبما أننا نحتاج الى مدة لا تقل عن المدة التي اعتقد انه ستصبح فيها كلفة الطاقة النووية أقل من كلفة انواع الطاقة الاخرى ، لإعداد أنفسنا لاستخدام الطاقة النووية . فانا أرى انه ، وان لم يكن من المفيد حالياً استخدام هذه الطاقة ، فمن الواجب ان نبدأ بالتخطيط والاستعداد كي نتمكن من الاستفادة منها عندما يحين الوقت المناسب .

طالب : أنا لا أنكر امكانية الاستفادة من الطاقة النووية في المستقبل . لكنني أعتقد انه ، من الأفضل في الوقت الحاضر، استغلال الامكانات الاخرى المتوفرة لدينا ، خاصة اذا ما أخذنا الاوضاع الاقتصادية الحالية بالاعتبار .

صهيون : الواقع ان عشر سنوات او خمس عشرة سنة ليست شيئاً يذكر في حياة أي أمة . والتخطيط في اي وجه من اوجه نشاطات الامة يحتاج الى فترة تزيد عن هذه الفترة ، فكم بالحري في ناحية مهمة كإستخدام الطاقة النووية .

حنانيا : أود أن أعود فأضيف الى ما قاله الدكتور خوري بصدد فوائد استخدام الطاقة النووية . أن توفر المياه سيمكننا ، ليس من إراواء الصحارى فحسب ، بل ايضاً من غسلها من الاملاح السطحية ، مما يحولها الى اراض خصبة وغنية . كذلك، فإن توفر الطاقة الكهربائية بكلفة قليلة سيمكننا من استخدامها في انتاج بعض المعادن التي يصعب اعدادها كيماوياً كالمغنيزيوم والالومنيوم واليثيوم وغيرها . وهذا عامل له أثره الكبير في تطوير القطاع الصناعي في البلدان العربية .

الرائد العربي: الواقع ان اختلاف الرأي حول الفوا ئد الاقتصادية التي يمكن ان تحصل عليها البلدان المتخلفة من استخدام الطاقة النووية ، يتعدى موضوع كلفة الانتاج النسبية ومدى توفر مصادر الطاقة الاخرى . فهناك من علماء الاقتصاد من يقول انه حتى عندما تنخفض كلفة انتاج الطاقة النووية بمقدار يسمح لها بمنافسة مصادر الطاقة الاخرى ، ويصبح استعمالها في البلدان المتقدمة جائزاً إقتصادياً ، فلن يكون بإمكان الدول المتخلفة الاستفادة منها اقتصادياً . وحجة هؤلاء ان استخدام الطاقة النووية بشكل فعال ، يتطلب وجود قاعدة صناعية وتكنولوجية متقدمة . وهي لا تتوفر حالياً في البلدان المتخلفة مما يحول بينها و الاستفادة بشكل سليم من الطاقة النووية في مختلف أوجه استعمالها . وعلى النقيض من هؤلاء ، يرى بعض علماء الاقتصاد ان استخدام الطاقة النووية سيوفر للبلدان المتخلفة مصداً للقوة زهيد الكلفة ، وسيمكنها بالتالي من التصنيع بشكل أوسع .

صهيون : يضيق بنا الوقت عن تعداد الفوائد الاقتصادية التي يمكن للبلدان المتخلفة ان تجنيها من استخدام الطاقة النووية . والواقع اننا لا نهدف من ندوتنا هذه ان نلم إلماً تاماً بالموضوع في جميع تفاصيله الفنية والاقتصادية ، بل اردنا طرح المشكلة بصورة عامة وابراز بعض الحقائق المهمة في موضوع الطاقة النووية ، آملين ان يكون ابرازها حافزاً للقارىء على المزيد من الاستطلاع والتعمق .