المجلس الاقتصادي العربي

أهم قرارات وتوصيات المجلس الاقتصادي العربي

بقلم " مراقب "

نشر هذا البحث في شباط / فبراير 1961 ، العدد الرابع ، الرائد العربي

بحث المجلس الاقتصادي العربي الذي إنعقد في
القاهرة بين 7 و 17 كانون الاول / ديسمبر 1960 مواضيع عديدة في حقل التعاون الاقتصادي العربي .

ليس بين هذه المواضيع شيء جديد . فالمؤسسة المالية العربية وقعت إتفاقيتها عام 1956 ، وما زالت هذه الاتفاقيات ، منذ ذلك الحين ، معلقة بسبب عدم تصديق العدد الكافي من الدول الاعضاء عليها ، وبسبب احجام بعض هذه الدول عن توقيع هذه الاتفاقية أصلاً . والتقدم الوحيد الذي أحرزه المجلس الاقتصادي العربي في دورته الحالية هو في مجال انجاز هذه الاتفاقية وأصبح من أمل معقول ان يتم انشاء المؤسسة في وقت ما من عام 1961 . ولئن حصل تقدم في موضوع المؤسسة المالية العربية ، فإن المواضيع الاخرى التي بحثها المجلس ، بقيت معلقة ودائرة في حلقة مفرغة .

أول هذه المواضيع وأهمها ، القيود الادارية التي أخذت تحد من تجارة الاقطار العربية في ما بينها وتعرقلها . فالتقدم المهم الذي احرزته حركة التعاون الاقتصادي العربي يوم وقعت اتفاقية التجارة والترانزيت بين البلدان العربية سنة 1953 ، يتمثل في ان الاتفاقية نصت على تطبيق مبدأ الافضلية بين البلدان العربية في حقل التعريفات الجمركية وحدها . فاعفيت بعض المنتجات العربية من الرسوم الجمركية إعفاءًا كاملاً ، بينما أخضعت منتجات عديدة لتعرفة جمركية مخفضة .

غير ان تطبيق الاتفاقية أظهر نقصاً جوهرياً فيها . ففي حين تقيد بعض الدول العربية حركة الاستيراد في بلدانها وتخضعها لاجازات استيراد وتحرم كذلك معظم السلع والمنتجات العربية من هذه الاجازات ، فإن دولاً عربية أخرى عديدة لا تمارس قيوداً على الاستيراد ،
كالسعودية والاردن ولبنان . وقد وجدت هذه الدول الاخيرة نفسها في وضع غير متكافىء أبداً مع الدول التي تمارس القيود. فالدول الممارسة للقيود تستفيد الآن من التفضيل الجمركي وتبيع منتجاتها في اسواق الدول المتحررة من القيود ، ولا تشتري منها بالمقابل إلا القليل . لذلك لجأت الدول المتحررة من القيود الى الضغط لتحرير السلع الواردة في جدول اتفاقية التجارة والترنزيت العربية من اجازات الاستيراد .

تم الاتفاق في اجتماع المجلس الاقتصادي العربي المنعقد في شهر اذار / مارس في القاهرة ، من حيث المبدأ، على تحرير التجارة بين البلدان العربية من القيود . ولكن ، بما ان هنالك ضرورات تموينية تستلزم فرض بعض القيود على بعض الدول ، فيجب ان يجعل القيد الاستثناء لا القاعدة . وعليه ، إتفق على ان تقدم كل دولة جدولاً بالسلع التي ترى إخضاعها للقيود ، ليعلن حصر القيود بها وتحرير تجارة السلع الاخرى من كل قيد . وعندما قدمت هذه الجداول تبين انها تشمل جميع السلع ، فلم يبق من امل بالتقدم بهذه الوسيلة .

قدِم اقتراح بديل خلال الدورة ، دعا الى قيام سوق عربية مشتركة خلال عشر سنوات بحيث يتم في هذه السنوات الغاء الحواجز الجمركية بين البلدان العربية إلغاء كاملاً ، كما يتم الغاء القيود الادارية ايضاً على مراحل ثلاث تتناول كل مرحلة منها ثلث السلع التي تفرض قيود عليها الان. بدا الاقتراح في ظاهره معقولاً ، من حيث المبدأ . لكن التفاصيل المهمة من حيث التنفيذ ، لم تقدم. ولو وضعت لوائح بالمواد التي ستعفى من القيود الادارية كل سنة من هذه السنوات العشر لأمكن لكل دولة ان تعرف مدى ما ستجنيه من نفع خلال المرحلة الانتقالية . اما ان يجرى التلاعب بترتيب السلع واماكنها في سلسلة التطبيق ، بحيث تقدم سلع وتؤخر اخرى ، فأمر مخالف للمنطق ولمصالح الدول التي سيتضرر بعضها بهذا الوضع غير المتكافيء . ولا يمكن ان تقبل الدول المتضررة بوعد واه بأنها ستبدأ بالانتفاع بعد عشر سنوات . فهذا مطلب صعب التحقيق ، إذ بعد عشر سنوات يخلق ما لا تعلمون .

يقول المدافعون عن القيود واستبقائها لعشر سنوات اخرى انها ضرورية لاغراض التنمية والتموين . وهذه الحجة في حد ذاتها تكفي اذا ما تذرعت بها الدول المتحررة من القيود لاحجامها عن القبول بمشروع السوق المشتركة . فقد تقول هذه الدول ، أو احداها ، بأن حاجتها للقيود من اجل التنمية والتموين ستبدأ بعد عشر سنوات ، حين تنشأ مخططات التنمية ، كما هو متوقع ، فلماذا عليها ان تتقيد اليوم بتحرير التجارة في حين انها تحتاج الى التقييد ، وقد لا تستفيد شيئاً يوم انتهاء الاجل المضروب ولا قبل انتهائه .

لكن ، من قال بأن ضرورات التنمية تفرض عرقلة التجارة بين البلاد العربية الآن . أليست مخططات التنمية ذاتها عبارة عن تقرير أفضليات وتقديم امور وتأخير اخرى ؟ فلماذا لا يقدم التعاون الاقتصادي العربي ويوضع له نطاق ضمن مخطط التنمية ذاتها ، فيتم بذلك تحرير ، ولو جزئي ، ينير السبيل ويخرج المشروع من الحلقة المفرغة التي يدور بها . إن مشاريع الاسواق المشتركة تقوم على اساس منافع مشتركة للجميع وتضحيات مشتركة من الجميع . فاذا حاول كل جانب استجلاب المنافع وحدها وعدم تقبل التضحيات ، يستحيل عندها التقدم نحو السوق المشتركة .

وهكذا ، فإن المشروع الذي يبحث في هذه الدورة من دورات المجلس الاقتصادي العربي لم يحتو على عنصر واحد من العناصر التي تجعله اساساً صالحاً لقيام السوق المشتركة .

من جهة ثانية ، فكلما اقترب الاجل الذي ضربه قانون تمصير البنوك وشركات التأمين ، وهو فبراير / شباط سنة 1962 ، كلما تركز الاهتمام على معرفة القرار النهائي لحكومة الجمهورية العربية المتحدة إزاء البنوك وشركات التأمين العربية . وينطبق القول نفسه على قانون التعريب الذي صدر بحق هذه المؤسسات في الاقليم الشمالي (
سوريا) متضمناً التعديلات التي ادخلت على قانون تملك الاجانب في المصارف وشركات التأمين ، لكنه كان أقل صرامة بحيث سمح للرعايا العرب ان يتملكوا حتى 49 بالمئة من هذه المؤسسات ، بينما اصر القانون نفسه في الاقليم الجنوبي ( مصر) على جعل الاسهم اسمية يمتلكها بالكامل الرعايا المصريون . وكانت حجة المصريين ان البنوك وشركات التأمين هي اوعية مهمة للادخار الذي هو بحد ذاته ضرورة رئيسة للانماء . غير ان هذه الحجة ضعيفة للغاية . ففي الاقليم الجنوبي شركة تأمين واحدة (لبنانية) ضعيفة ومصرفان او ثلاثة ، أحدهم المؤسسة القومية العربية العظيمة ( البنك العربي سابقاً ) . وحظ هذه المؤسسات من الادخار المصري قليل جداً . ثم انها خاضعة للقوانين المطبقة في الجمهورية العربية المتحدة كغيرها ، سواء بسواء . والمهم في وعاء الادخار هو كيف تستعمل الاموال المودوعة لديه ، وقدرة الدولة على توجيه هذه الاموال ، خاصة في الاقليم الجنوبي حيث تملك الدولة فعلاً أكثر من ثمانين بالمئة من رأسمال البنوك وشركات التأمين .

تعتقد الدوائر القومية ان الجمهورية العربية المتحدة لا بد وان تجد حلاً يسمح باعتبار هذه المؤسسات عربية فعلاً واقعاً وليست مؤسسات اجنبية خاضعة للشبهات نفسها التي كانت تحيط بالبنوك البريطانية والفرنسية وسواها .

المهم ان المجلس الاقتصادي العربي عجز عن مواجهة هذه المشاكل وأخذ يدور ويلف على نفسه معتمداً البيان والكلام المنمق ، بينما الاقتصاد هو أقل المواضيع تقبلاً للبلاغة وعلم الكلام .

ملاحق

في ما يلي أهم التوصيات والقرارات الصادرة عن المجلس الاقتصادي العربي في دورته السابعة المنعقدة في القاهرة بين 7 و 18 كانون الاول / فبراير 1960

إجازات الاستيراد والتصدير

- يوصي المجلس الاقتصادي الحكومات الاعضاء بالتقليل ما أمكن من السلع التي ترى وجوب إبقائها خاضعة لاجازات الاستيراد والتصدير ، وبالغاء القيود الحالية في مدة أقصاها عشر سنوات ، فيما عدا بعض الاعفاءات الاستثنائية لاسباب تموينية او تتعلق بالتنمية الاقتصادية .

- يوصي المجلس الاقتصادي بالموافقة على حظر استيراد البضائع الاجنبية الى البلدان العربية من غير طريق المرافىء العربية . وبالنسبة لليمن والسعودية ، يمكن لهما ان يستوردا عن طريق ميناء عدن على اعتبار انه ميناء يمني .

التنسيق الصناعي

- يوصي المجلس الاقتصادي الحكومات العربية الاعضاء باصدار بيانات مفصلة عن الاوضاع الصناعية القائمة في كل بلد عضو والمشروعات الصناعية المنتظر تنفيذها والمشاكل التي تواجهها هذه الاوضاع والمشاريع بالنسبة لتوفر المواد الخام والاستلاك ، والتصرف في فائض الانتاج .

- يوصي المجلس الاقتصادي الحكومات الاعضاء بعقد مؤتمر يشترك فيه كل الوزراء المختصين بالشؤون الاقتصادية في البلاد لوضع نظام للتنسيق الصناعي في ما بينها ، على ان يمهد لذلك المؤتمر بدراسات فنية تقوم بها لجنة من كبار الخبراء المختصين من كل بلد عضو .

المكتب الفني الدائم

يرى المجلس الاقتصادي ان إنشاء المكتب الفني الدائم وتوسيع اعماله بحيث تشمل كل اوجه التنسيق الاقتصادي ، ضرورة ملحة بالنسبة للاقتصاد العربي وخطوة ايجابية تمهد السبيل العملي والواقعي لتحقيق التعاون الاقتصادي العربي .

انشاء هيئة فنية لتنسيق الانماء الزراعي

يوصي المجلس الاقتصادي بتكليف المكتب الفني الدائم المزمع انشاؤه ، بالقيام بجمع المعلومات والاحصاءات وتهيئة الدراسات اللازمة تمهيداً لوضع منهاج يهدف الى نحقيق الاغراض التي يستهدفها تنسيق الانماء الزراعي العربي .

تدابيرالحماية بوجه اسرائيل

- يوصي المجلس الاقتصادي العربي الامانة العامة بارسال الكشوف المتضمنة العناصر الهامة في صادرات اسرائيل الى الحكومات العربية ، لتعمل على وضع سياسة ثابتة تمكن الحكومات العربية ، كوحدة ، من منافسة اسرائيل في اسواق صادراتها ..

- يوصي المجلس الاقتصادي العربي الحكومات الاعضاء بالمبادرة بإخطار الامانة العامة عن الخطوات التي إتخذتها لتنفيذ قرار مجلس الجامعة العربية بشأن العلاقات الاقتصادية بين اسرائيل والدول الاجنبية ( الكتلة الاسيوية – الافريقية بنوع خاص ) لضمان تنسيق السياسة العربية تجاه هذا الموضوع .

- يوصي المجلس الاقتصادي الحكومات الاعضاء بالموافقة على تطبيق قانون ومبادىء المقاطعة المعمول بها حالياً ، على جميع شركات البترول التي تخالف هذه الاحكام .

- يوصي المجلص الاقتصادي الحكومات الاعضاء بمعاودة الاتصال الجماعي مع الحكومة الايرانية للتأكد من ان اسرائيل لن تحصل مستقبلاً على اية كمية من البترول الايراني . وكذلك بذل مساع مماثلة لدى فنزويلا وغيرها ، التي يثبت انها تقوم ، هي وغيرها من الشركات العاملة لديها بتصدير او بيع البترول لاسرائيل. والتأكيد على شركات البترول العاملة في البلاد العربية بالتعرض لاحكام المقاطعة في حال امدادها اسرائيل بالبترول بطريقة مباشرة او غير مباشرة .

شركة الملاحة العربية

يوصي المجلس باحالة مشروع اتفاقية شركة الملاحة العربية ونظامها الاساسي الى الحكومات الاعضاء للموافق عليهما ، على ان توافي الامانة بردودها قبل الدورة القادمة للمجلس . .