البترول العربي : مشاكله ومستقبله

 

الوسائل السليمة للاستفادة من الثروة البترولية في البلاد العربية

نشرت وقائع هذه الندوة في كانون الاول / ديسمبر 1960 ، العدد الثاني ، الرائد العربي

ضمت ندوة مجلة الرائد العربي لهذا الشهر نفراً من كبار العاملين في ميدان النفط ممن اشتركوا في مؤتمر البترول العربي الثاني الذي عقد في بيروت وعالجوا اثناءه قضية تخفيض اسعار النفط واثر هذا التخفيض على عائدات البلدان المنتجة المالية ، وبحثوا امكانية مشاركة الدول العربية ، مشاركة ايجابية وفعالة، في صناعة النفط . وعقدت الندوة قبل ظهر يوم الاحد الواقع في 23 تشرين الاول / اكتوبر 1960 في قاعة الاجتماعات بمقر " مؤسسة الدراسات الادارية والمالية " . اشترك في الندوة كل من السادة :

1- الاستاذ محمد سلمان ، مدير ادارة البترول في الامانة العامة للجامعة العربية والسكرتير العام لمؤتمر البترول العربي الثاني .

2 – الدكتور احمد كامل البدري ، رئيس وفد الجمهورية العربية المتحدة الى مؤتمر البترول .

3 – الاستاذ اميل البستاني ، عضو الوفد اللبناني الى مؤتمر البترول .

4 – الاستاذ حسين بالعون ، رئيس وفد المملكة الليبية المتحدة الى مؤتمر البترول .

5 – الدكتور كمال الشاعر ، دار الهندسة للتصميم والاستشارات الفنية .

6 – الدكتور محمد عطا الله ، المدير العام للشركة العربية للتوظيف المالي ش.م.ل. ( تحت التأسيس ) .

7 – الاستاذ موريس خوري ، مؤسسة الدراسات الادارية والمالية .

8 – الاستاذ راجي صهيون ، مجلة الرائد العربي .

استهل الندوة الاستاذ راجي صهيون قألقى كلمة باسم " الرائد العربي " رحب فيها بالمشاركين ونوه بأهمية الندوات وفوائدها ، وقال : ان مجلة الرائد العربي ، إذ تنحو منحى الفكر والنقاش المجرد في ندواتها الشهرية التي يشارك فيها أهل الفكر والاختصاص ، إنما تهدف الى خدمة الاقتصاد العربي عن طريق العلم والرقم والحقيقية .

ثم ألقى كل من رئيس وفد الجمهورية العربية المتحدة ومدير ادارة البترول في الامانة العامة بجامعة الدول العربية كلمتين يجدهما القارىء ادناه . بعد ذلك قدم الاستاذ راجي صهيون لاعضاء الندوة الاستاذ موريس خوري ، المدير العام لمؤسسة الدراسات الادارية والمالية ليتولى ادارة الندوة .

خوري : عندما تعقد " الرائد العربي " هذه الندوات الشهرية ، فهي انما تعبر بذلك عن اتجاه فكري حديث يبرز في المجتمع العربي ، هو اتجاه التحسس العميق بمسؤوليته بالنسبة لقضاياه ومشاكله الاقتصادية . وهذا اسلوب متبع في ارقى دور الصحافة وانديتها العالمية .

ونحن اليوم نعالج قضية البترول . فهل هناك أهم من هذه القضية وأجدر منها بالبحث الفكري المجرد عن العاطفة والارتجال ؟ . وهل هناك في العالم العربي من يعالج هذه القضية سواكم ايها السادة ؟ انتم رواد هذا الميدان وأهل الاختصاص فيه .

إنه لمن دواعي سرور " الرائد العربي " ان تجعل من نفسها المنبر العلمي الحر ، تعبرون فيه عن آرائكم وتدلون بالمعلومات والحقائق ، من خلال المناقشة التي سنجريها الآن ، ليطلع عليه الرأي العام في مختلف البلاد العربية ، فتكون بذلك حافزاً الى المزيد من الدرس والتعمق في موضوع يمت الى صميم كياننا وكيان أجيالنا اللاحقة من بعد . والآن ، فإن سؤالنا الاول يتعلق بالقضية التي تثير اليوم اهتمام الرأي العام العربي ، الآ وهي قضية تخفيض الاسعار المعلنة لبترول الشرق الاوسط .

هل حدث تغيير في الاسعار العالمية يبرر تخفيض الاسعار المعلنة لنفط الشرق الاوسط ؟ وهل سيؤدي تخفيض أسعار النفط الخام الى تخفيض في اسعار المنتجات البترولية ؟ ومن هو بالتالي المستفيد من اجراء التخفيض ؟ .

سلمان : لقد خفضت الاسعار المعلنة لنفط الشرق الاوسط مرتين منذ شباط / فبراير 1959 . وبما ان العائدات التي تجنيها الدول المنتجة تحسب على أساس الاسعار المعلنة ، فقد أدى تخفيض هذه الاسعار الى خسارة هذه الدول لجزء من عائداتها المالية . وقد بلغت خسائر الدول العربية نتيجة التخفيض الذي جرى في شباط / فبراير 1959 ما يلي :

الكويت 40 مليون دولار

السعودية 35 مليون دولار

العراق 27 مليون دولار

وسيؤدي التخفيض الاخير ، بالطبع ، الى خسائر إضافية .

أما الاسباب التي قدمتها الشركات لتبرير اجراء التخفيض فكانت ثلاثة :

1 – منافسة البترول الروسي .

2 – منافسة الشركات المستقلة .

3 – زيادة الانتاج .

هذه هي الحجج التي تتذرع بها الشركات . لكن ، هل هي بالفعل الاسباب التي أوجبت اجراء التخفيض . يتوجب تحليل هذه الحجج تحليلاً منطقياً ليتسنى لنا ان نقرر مدى أهميتها . لنأخذ البترول الروسي . انا لا أعتقد ان للصادرات الروسية اي أثر ملموس على اسعار البترول . فالاتحاد السوفياتي يصدر الى الاسوافق العالمية ما لا يزيد عن 3 % من مجموع الصادرات العالمية . ولا يستطيع الاتحاد السوفياتي ان ينافس بهذه الكمية المحدودة الانتاج العالمي بشكل يؤدي الى تخفيض الاسعار .

أما منافسة الشركات المستقلة فهي حجة واهية . فالشركات الكبيرة تشكل في ما بينها إتحاداً احتكارياً (كارتل) يسيطر على السوق العالمية . ولا تستطيع الشركات المستقلة بانتاجها الضئيل منافسة هذا الاحتكار .

وزيادة الانتاج هي ايضاً حجة واهية ، إذ لو ان هناك بالفعل زيادة في الانتاج فكيف يمكن للشركات ان تعوض على الحكومات خسائرها عن طريق زيادة الانتاج . إن الزيادة الاضافية في الانتاج ستؤدي الى تخفيض جديد في الاسعار والى خسائر جديدة .

وهكذا نلمس ان هذه المبررات لا تنسجم والمنطق السليم ، و ليست الاسباب الحقيقية لتخفيض الاسعار .

البستاني : أرى شخصياً ان البترول الروسي لا يشكل منافسة مهمة إلا اذا استغلت هذه المنافسة كأداة سياسية. على انه من الحكمة ان نحول دون سيطرة الروس على أسواقنا في اوروبا الغربية . لقد صرح المندوب السوفياتي في المؤتمر ان الاتحاد السوفياتي يهدف الى استعادة المركز الذي كان يحتله قبل الحرب العالمية الثانية في أسواق النفط ، حيث كا يصدر حوالى 10 % من مجموع الصادرات العالمية . وكلما ازدادت الصادرات الروسية إزداد أثرها على صادرات الشرق الاوسط . لذا علينا ان نسعى جهداً للمحافظة على أسواق نفطنا .

أما منافسة الشركات المستقلة ، فلم تنشأ إلا لأن الشركات الكبرى ، خشية منها أن تضطر الى زيادة نسبة عائدات الحكومات ، لم تشأ ان تحصل على امتيازات التنقيب عندما كانت الحكومات تعرضها . فخطر الشركات المستقلة اذن ليس موجودا بالنسبة للشركات الكبيرة نفسها ، حيث قد تجبرها هذه المنافسة على زيادة العائدات . والبلاد المنتجة ترحب بالطبع بهذه الزيادة في العائدات .
عطا الله : لا شك في ان اهمية المنافسة البترولية الروسية كعامل تخفيضي للاسعار تتوقف على مدى استعمال هذه المنافسة كوسيلة سياسية . وتشير الدلائل الى ان السوفيات يودون بالفعل اللجوء الى هذه الوسيلة.

البدري : هذا أمر محتمل ، لكن الحكومات العربية تستطيع الحؤول دون تحقيقه . فحجة السوفيات في محاولتهم التأثير على سوق النفط العالمية هي رغبتهم ، على حد قول السيد خوروف في المؤتمر ، في كسر احتكار الشركات الكبرى للبترول العالمي .فلو تقررت الاسعار بموافقة الحكومات العربية فإن الاتحاد السوفياتي سيجد انه لا يواجه الشركات وحدها ، بل الحكومات العربية مجتمعة . وسيكون في هذا إحراج للاتحاد السوفياتي يجعله يتردد في الاقدام على التأثير على الاسعار . فاشتراك الحكومات العربية اذن في تقرير اسعار النفط عامل حيوي في استقرار السوق النفطية وفي المحافظة على مصالح الدول العربية ومصالح الشركات نفسها .

عطا الله : أرى هنا ان اوضح للمستمع وللقارىء العربي ناحية مهمة قد يصعب عليه فهمها . فالشركات تسعى الى تخفيض الاسعار ، مع ان مصلحتها ، كمصلحة البلدان المنتجة ، هي في زيادة هذه الاسعار . وقد يصعب على المستمع او على القارىء العربي السير وراء هذا العمل . والسؤال الذي يتوارد الى الخاطر هو لماذا تحاول الشركات تخفيض الاسعار مع ان في هذا ضرراً بمصالحها كبائع للنفط .

سلمان : أود ان أورد حادثة توضح هذه النقطة . فبعد اجراء التخفيض حضرت اجتماعاً لخبراء البترول في جدة . ودعتني شركة ارامكو لزيارة الظهران ، حيث بحثت خلال ندوة هناك مع المسؤولين موضوع التخفيض. وقد ظهر ان اسعار المنتجات النفطية لم تخفض نتيجة لتخفيض سعر النفط الخام ، وان الفرق بين اسعار النفط الخام بعد التخفيض يذهب الى شركات النقل والتكرير . وفي هذا جواب على تساؤلات الدكتور عطا الله . فشركات النقل والتكرير تتفرع من الشركات الام التي تملك شركات الانتاج . فالفرق ، اذن ، في اسعار النفط الخام يذهب الى الشركات الام . وهي بهذا تعوض خسارتها بربح مضاعف إذ انها تحصل ايضاًعلى ما تخسره الحكومات المنتجة .

البستاني : لقد اتيح لي بحكم عملي ان أطلع على شؤون البترول وشجونه لفترة طويلة . وانا أؤيد ما جاء به الزميلان الاستاذ سلمان والدكتور البدري كل الـتأييد .وارجو ان ازيد المسألة إيضاحاً بايراد الحقائق الرقمية التالية :

يبلغ سعر الطن الواحد من النفط الخام 6 جنيهات تقريباً ، بينما سعر الطن الواحد من منتجات النفط يبلغ أضعاف هذا المبلغ . وهكذا ، فمهماخفض سعر البترول الخام فلن يؤثر هذا التخفيض تأثيراً كبيراً على أسعار المنتجات . أي انه لو خفض سعر الطن الواحد من النفط الخام الى خمسة جنيهات فستبقى اسعار المنتجات على حالها . إن عمليتي التكرير والتسويق هي العمليات الرابحة . وادعاء الشركات العكس مختلق . وهكذا ، فإن شركات الانتاج ، بارتباطها بشركات التكرير والتسويق ، تحافظ على ارباحها عند اجراء اي تخفيض على اسعار الخام بينما تتحمل الدول المنتجة الخسارة كاملة .

خوري : الآن ، وعلى ضوء الحقائق الآنفة الذكر ، ما هي الاجراءات التي يتوجب على الدول العربية القيام بها لزيادة الفوائد التي تحصل عليها من صناعة البترول ومن العائدات المالية التي تتقاضاها ؟ .

البستاني : أعتقد ان مركزنا سيكون أقوى عند طلب الزيادة او المشاركة لو اننا نستعمل عائدات النفط في تنمية اقتصاديات بلادنا بشكل صحيح . وعندما تقتنع حكوماتنا بمناقشة علمية ومنطقية فستكون حجتنا امام العالم وامام الشعب العربي حجة قوية .

سلمان : لا شك ان البلدان العربية قد خطت خطوات واسعة في هذا المضمار . وتقوم الحكومات العربية حالياً بتنفيذ مشاريع إنمائية متعددة . إنما مما لا شك فيه ايضاً انه كان يجب ان يكون هناك اهتمام أكبر بمشاريع التنمية . فحرام ان تضيع العائدات سدى ولا تستغل استغلالاً صحيحاً .

خوري : لعل في ما تقوم به ليبيا حالياً في ميدان الانماء ما يجدر الافادة منه . فهل للاستاذ بالعون ان يحدثنا عما تقوم به بلاده في هذا الميدان ؟ .

بالعون : يخصص الجزء الاكبر من عائدات النفط في ليبيا للمشاريع الانمائية . ويجري توزيع العائدات على أساس تخصيص جزء من هذه العائدات للتنمية في المقاطعة التي يستخرج منها النفط والباقي يضاف الى الميزانية العامة لتنفيذ المشاريع العامة . ونحن نأمل ان نستطيع تنفيذ مشاريع انمائية مهمة ترفع من مستوى الشعب الليبي بأجمعه .

سلمان : تهتم الجامعة العربية حالياً بايجاد السبل لاستغلال عائدات النفط بحيث تستفيد منه البلدان العربية بأجمعها ، أي ان تفيض اموال النفط من البلدان العربية المنتجة الى سائر البلدان العربية .

البستاني : لقد تقدم لبنان بمشروع أرى أنه يكفل النهوض اقتصادياً بالبلدان العربية . يوصي هذا المشروع بتخصيص نسبة من عائدات البترول لاستثمارها في المشاريع الانمائية في البلدان العربية تبلغ 5 % سنوياً. وفي تقديرنا ان الحصيلة المالية من هذا المشروع ستبلغ ما يقارب 50 مليون جنيه سنوياً ، وهو مبلغ ضخم سيمكن الدول العربية من تمويل مشاريعها الانمائية تدريجياً . ولقد درس هذا المشروع في مؤتمر البترول العربي الاول وفي المجلس الاقتصادي الاعلى وسيدرس ايضاً في الجلسة القادمة لهذا المجلس .

سلمان : انا أؤيد الاستاذ البستاني في ما قاله عن فوائد هذا المشروع . انما أرى ان لا نقف في جهودنا عند هذا الحد ، بل ان نسعى لايجاد تعاون اوثق بين البلدان العربية في ميدان استغلال العائدات . وافضل وسيلة لذلك هو انشاء بنك الانماء العربي . لقد تقرر انشاء هذا البنك ولكنه لم يمول حتى الآن .

عطا الله : انا أؤيد تخصيص 5 % من العائدات للمشاريع الانمائية ، لكن ماذا بشأن ال 95 % وكيف تصرف ؟..

البستاني : هناك بالاضافة الى استغلال عائدات النفط في الانماء الاقتصادي قضية المشاركة في ملكية الشركات . لن نستطيع ان نفرض هذه المشاركة على الشركات من دون ان نسهم في راس مالها . ويمكننا في هذا المجال ان نستقطع نسبة مئوية معينة كل عام من عائدات النفط ونشتري بالاموال الحاصلة اسهماً في الشركة . وبهذا نتمكن من المشاركة في عمليات الشركات على جميع المستويات . ويمكننا عن طريق هذه المشاركة ان ننشىء المصافي لتكرير البترول في الدول المستقلة كبلدان افريقيا مثلاً ، وبهذا نزيد من تصريف بترولنا الخام ونحصل على ارباح اضافية .

الشاعر : بالاضافة الى المشروع اللبناني يجب ان يكون لدينا مشروع مماثل تخصص له 5 % من عائدات البترول للمساهمة الفعلية في الشركات المنتجة . غير ان هذه المساهمة تقتضي وجود خبراء فنيين عرب يمكنهم المشاركة في اتخاذ القرارات والادارة الفعلية للشركة . وليس لدينا حالياً الا عدد محدود من هؤلاء . فعلينا ان نستعد لتوفير واعداد هؤلاء الخبراء .

البدري : انا أؤمن باننا نحصر انفسنا في نطاق ضيق عندما نكتفي ببحث نسبة الارباح وشروط الامتياز واسعار النفط الخام ، وان النطاق الحقيقي الذي يجب ان نوجه اليه اهتمامنا ونشاطنا هو نطاق العوائد بشكل عام . فما الاسعار ونسب الارباح الا عناصر في هذه العوائد . ولكي تكون في مستوى معقول يجب ان نشارك ايجابياً في الصناعة البترولية . وهذه المشاركة الايجابية تتم من خلال خطوات عديدة يبدأ بالمساهمة في رأس مال الشركات ، ثم المساهمة الفعلية في ادارة هذه الشركات ، وبعد ذلك تزويد هذه الشركات محلياً باحتياجاتها من المواد ومن القطع المصنعة . وما دامت مجلة " الرائد العربي " قد أعطتنا المثل الصالح باهتمامها بالبيانات الرقمية التي تستند الى حقائق ، فلا بأس من ان أسوق مثلاً عددياً أوضح به وجهة نظري. لنفترض ان لدينا بترول قيمته في السوق 10 ملايين جنيه ، وهذا المبلغ يشمل المصروف والارباح . لنفترض بالتالي ان قسمة الارباح تبلغ خمسة ملايين جنيه ، تحصل منها الحكومة على 2.50 مليون جنيه . فاذا ساهمنا برأس مال الشركات ب50 % ، فهذا يعني اننا سنتقاضى محلياً نصف ارباح المساهمات . فبدلا ً من 2.50 مليون جنيه سنحصل محلياً على 2.50 + 1.25 = 3.75 مليون جنيه . هذه اولى فوائد المساهمة الايجابية . لننتقل الى قسم المصروف . فالى اي مدى يستفيد القطاع القومي من هذه المصروفات ؟ مع العلم ان هذه المصروفات المحلية تشمل روايب واجور ومشتريات محلية وتصنيع محلي . فلو بلغت الاجور والرواتب نصف مليون جنيه والمشتريات المحلية 2.25 مليون جنيه ، يصبح مجموع ما يعود على هذه القطاعات 6 ملايين جنيه من مجموع ثمن البيع . ونكون بهذه المساهمة الايجابية قد رفعنا ما يعود الى القطاع القومي من ثمن البيع من 2.50 الى 6 ملايين جنيه . فلو اكتفينا بزيادة نسبة الارباح لاستطعنا ان نزيدها بنسبة 5 او 10 % على الاكثر ، بينما نستطيع بالمساهمة الايجابية ان نزيدها بنسبة 95 % .

صهيون : هناك نتيجة اخرى لهذه المساهمة وهي تطوير المجتمع العربي تصنيعياً وتقنياً .

البدري : هذا صحيح . فالدراسات العلمية تدل على اننا عندما نقيم صناعة ما ، فان فرص التوظيف الاتي تزيد على عدد الوظائف التي تخلقها هذه الصناعة بنسبة معينة ، وذلك نتيجة لقيام صناعات اخرى متعلقة بالصناعة الاةلى . وتكون هذه النسبة في البلاد المتقدمة اقتصادياً من 4 ، و 1 الى 6 او 7 في البلاد النامية . وهذا يعود بفائدة كبيرة على الدخل القومي . اذن ، فعملية التخطيط الكامل لجميع مراحل النشاط البترولي هو ما يجب ان نهتم به .

خوري : هنالك واجب كبير يقع على عاتق جامعة الدول العربية في هذا الموضوع . فما هو الدور الذي يتوجب على الجامعة القيام به بالنسبة لقضايا البترول ؟ .

سلمان : عندما قررت اللجنة السياسية في الجامعة العربية انشاء لجنة لخبراء البترول كانت تهدف الى منع البترول عن اسرائيل . الا ان هذه اللجنة وجدت ان اعمالها لن تسير سيراً حسناً الا اذا أنشأت في جامعة الدول العربية ادارة تعمل على تنظيم الشؤون المتعلقة بالنفط . وعندما شكلت هذه الادارة ، خرجت عن نطاق موضوع المقاطعة لتدخل في صميم موضوع البترول وتحديد السياسة البترولية التي يجب ان تسير عليها البلاد العربية مجتمعة . وقد كلفت انا شخصياً بهذا العمل فقمت بزيارة البلدان العربية داعياً الى تنسيق السياسات البترولية فيها .

عطا الله : اعتقد ان دور الجامعة العربية يجب ان يكون دوراً توجيهياً ، أي ان يكون لديها مثلاً جهاز يرسل بعثات دراسية الى البلدان العربية وتقدم تقارير عن اعمالها ودراساتها وتقترح اصلح الطرق لتنظيم اقتصاديات هذه الدول . فالدول العربية بحاجة الى نصائح عملية .

سلمان : بدأنا بذلك بصورة مصغرة هذا العام . فقد أرسلنا باسم الجامعة العربية خمسة عشر طالباً من الذين يدرسون شؤون البترول في جامعات القاهرة الى قطر والكويت والمملكة السعودية . كما اننا سنرسل آخرين . ونحن سائرون في هذا السبيل . والظروف تفرض علينا السير بحذر . والارادة والادارة موجودة ، لكن تنفيذ المشاريع يتطلب بعض الوقت.

خوري : سؤالنا الرابع والاخير هو : مضى على البلاد العربية سنوات عديدة وهي تكتفي بمجرد السماح للشركات الاجنبية بانتاج البترول من اراضيها فتسويقه لقاء عائدات مالية من دون ان تبذل اي جهد آخر من جانبها . أليس هناك امكانات لتصنيع هذا البترول محلياً ، وهل فكرت حكومات البلاد العربية المنتجة للنفط في انشاء صناعات تعتمد في اساسها على البترول الخام ؟.

وبمناسبة وجود مهندس كيميائي بيننا هو الدكتور كمال الشاعر ، فهلا تحدثت الينا يا دكتور كمال في هذا الموضوع ؟ .

الشاعر : تشير الدلائل بشكل عام الى ان الثروة النفطية في البلدان العربية تمكِن هذه البلدان من انشاء صناعات نفطية ناجحة . فالتركيب الكميائي للغاز الطبيعي في الكويت مثلاً يجعله من أجود أصناف الغاز الطبيعي الموجود في العالم . إلا ان قيام هذه الصناعات النفطية يتطلب وجود عدد كبير من الخبراء في هذا الميدان ، وهو لا يتوفر حالياً في البلاد العربية مما سيضطرها الى استخدام خبراء اجانب . كما ان الصناعات النفطية تتطلب رأسمال كبير مقابل نسبة ضئيلة من اليد العاملة . وهذا يعني استثمار مبالغ ضخمة في هكذا صناعات . وهناك بالاضافة الى ذلك مشكلة التسويق . وقد قامت معظم البلدان العربية المنتجة للنفط بدراسات متعددة للصناعات النفطية وأتيح لي ان أطلع على معظم التقارير التي وضعت فوجدتها تقتصر على النواحي الفنية . وتدل التقارير ، من الوجهة الفنية ، على امكانية اقامة عدد كبير من الصناعات المشتقة من النفط . لكن السؤال الاهم هو اين سنجد الاسواق لهذه المشتقات والمنتجات ومن سيقوم بتسويقها . فلكي تنجح المشاريع الصناعية النفطية اقتصادياً يجب ان يكون حجمها وانتاجها كبيرين . وهذا يقتضي ايجاد اسواق تستوعب هذا الانتاج . وانا أرى ان تقوم الجامعة العربية بدراسة تستهدف معرفة مدى نجاح هذه الصناعات اقتصادياً .

سلمان : أرجو ان يأتي كلام الدكتور الشاعر بصفة اقتراح للجامعة العربية من قبل الحكومة اللبنانية .

البستاني : نرجو من الدكتور الشاعر تحضير دراسة عن هذا الموضوع كي نقدمها في مؤتمر الخبراء العرب الذي سيعقد في الكويت في 19 تشرين الثاني / نوفمبر .

البدري : قد يكون من المفيد ان اعرض ما قامت به الجمهورية العربية المتحدة في هذا المضمار . فالجمهورية العربية ستقوم بتنفيذ مشروعات بترولية تصل كلفتها الى 126 مليون جنيه لغاية سنة 1964 خصص منها 40 مليون جنيه لقطاع النقل والتخزين . وسأشرح بالتفصيل بعض هذه المشروعات . لدينا حالياً فائض من البنزين والمازوت نجد صعوبة في تسويقه في الاسواق العالمية . لذا بدأنا نعالج الخام المحلي معالجة خاصة نتمكن بواسطتها من تحويل المازوت الناتج من الخام الى المشتقات الوسطى التي نحن بحاجة اليها مثل الكيروسين والغاز اويل والديزل اويل وأنشأنا معمل تكرير خاص لهذه الغاية . يسمى هذا المشروع " تفحيم الغاز " ، أي تحويل المازوت الى كيروسين وغاز اويل وفحم .ولقد درست اقتصاديات هذا المشروع دراسة معمقة وثبت لنا انها سليمة . فالسوق المحلية تستوعب جميع منتجاته. فسيستعمل الفحم المستخرج في اقامة محطات كهربائية في السويس تنتج 75 الف كيلو وات . اما الغاز الذي يخرج من المصنع فسيستعمل في صنع المنظفات الصناعية . ولما كنا الان نستورد الزيوت المستعملة في صناعة الصابون فاننا سنمنع استيرادها وسنستعمل الغازات المستخرجة من المصنع في صنع الصابون والمنظفات الصناعية الاخرى .

لدينا كذلك مشاريع اخرى من هذا النوع كتحويل البنزين الى غازات نصنع منها مجموعة كبيرة من المنتجات البتروكيماوية والمطاط الصناعي . وستعود كل هذه المشاريع على الدخل القومي بما يزيد عن 30 مليون جنيه سنوياً وستقوم بتشغيل ما يزيد عن 10 الاف عامل وموظف .

إننا ننوي كذلك اقامة معهد بحوث لدعم التطور الصناعي في الجمهورية العربية وسنوقع اتفاقية مع المانيا الغربية لاقامة مركز للبحوث البترولية . فلدينا حالياً مراكز بحوث قومية ، ولكننا نريد التخصص الذي يتفق مع هذا التطور في صناعة البترول . ولدينا مشروعات لاستغلال النفط في الاقليم الشمالي . وقد تقدمت شركات كثيرة بعروض لاستغلال النفط هناك . غير ان الانتاج لم يبدأ بعد . اما المشاريع المنوي القيام بها فهي استغلال حقل كراتشوك وزيادة اعمال التنقيب عن النفط والغاز .

الشاعر : امامي ملاحظة واحدة احب ان ابديها بالنسبة لما قاله الاستاذ البدري بخصوص تصنيع النفط . لا شك في ان الجمهورية العربية تقوم الان بالتخطيط للاستفادة من النفط الموجود لديها الى أبعد الحدود . انما اريد ان أشير الى بعض التباين بين الجمهورية العربية والبلدان الاخرى المنتجة للنفط . إن سكان الجمهورية العربية حوالى 30 مليون نسمة والسوق الداخلية فيها تكفي لاستيعاب النفط الذي تنتجه . اما البلدان العربية الاخرى المنتجة للنفط فتنتج وتحرق سنوياً حوالى 15 مليون طن من الغاز الطبيعي . فأي تصنيع لهذه الكمية يجب ان يكون برسم التصدير الى الاسواق الخارجية . فتصنيع الغاز يتطلب استثمار حوالى 500 مليون جنيه او أكثر . وسينتج بتروكيماويات يكون دخلها ، بحسب الاسعار الحالية ، مساوياً سنوياً لقيمة الاستثمار . وهذا جيد . انما المشكلة تكمن في تسويق هذه المنتجات وايجاد الاسواق التي تحتاج اليها .

البدري : لا شك ان ملاحظة الدكتور الشاعر سليمة وفي محلها . فعملية التصنيع تعتمد ، ولا شك ، على ظروف كل دولة ، وعلى ظروف السوق الخارجية التي بمقدورها ان تستوعب جزءاً كبيراً من المنتجات النفطية ، خصوصاً وان أسواق البلدان المنتجة للبترول محدودة ولا يمكن اقامة مشروعات كبيرة على اساسها.

هنا كان الوقت المحدد للندوة قد انتهى فاختتم الاستاذ موريس خوري المناقشة بكلمة جاء فيها : " كان هدفنا من عقد هذه الندوة ايراد الحقائق الرئيسة في موضوع البترول العربي بشكل ينسجم مع الغاية الاساسية للرائد العربي ، ألا وهي خدمة القارىء العربي عن طريق تزويده بالحقائق المجردة . ونحن نشكر حضرات المشتركين على المعلومات والايضاحات القيمة التي قدموها والتي تعطي الجواب على كثير من الاسئلة التي تجول ، ولا شك ، في ذهن المواطن العربي" .

ملحق

كلمة الاستاذ المهندس محمد سلمان ن مدير دائرة البترول بجامعة الدول العربية في ندوة الرائد العربي

نحن نشكر أسرة الرائد العربي على هذا المجال الذي اتاحته لنا كي نبحث ونناقش هذه القضية التي تعتبر من أهم قضايانا القومية . لقد ساهمت جامعة الدول العربية مساهمة فعالة في توجيه الرأي العام العربي في مختلف الميادين ، وعليكم انتم الان واجب التوجيه . لقد بدأتم البداية الصالحة ، فسيروا قدماً في هذا السبيل . ونحن في الامانة العامة لجامعة الدول العربية على استعداد لدراسة كل ما تتقدمون به من آراء واقتراحات . ونرجو ان نسير جميعاً يداً واحدة لتحقيق خير الامة العربية المجيدة .

وختاماً أكرر شكري باسم الامانة العامة لجامعة الدول العربية لاسرة الرائد العربي على عقدها هذه الندوة القيمة بحثاً ومناقشة .

كلمة الدكتور احمد كامل البدري ، رئيس وفد الجمهورية العربية المتحدة في ندوة الرائد العربي

باسم وفد الجمهورية العربية المتحدة وباسم زملائي رؤساء الوفود العربية الذين اشتركوا في هذه الندوة القيمة، أشكر الرائد العربي على اتاحتها لنا هذا المجال المفيد ، واننا نرجو لمجلة الرائد العربي التوفيق في إداء رسالتها ، رسالة العروبة ، وكلنا أمل ان تكون رائداً للبلاد العربية بأجمعها لتحقيق الرفاهية للمواطن العربي.