ذكر الأحوص وأخباره ونسبه

اسم الأحوص ولقبه ونسبه

هو الأحوص. وقيل: إن اسمه عبد الله، وإنه لقب بالأحوص لحوصٍ كان في عينيه. وهو ابن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح - واسم أبي الأقلح قيس - بن عصيمة بن النعمان بن أمية بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس. وكان يقال لبني ضبيعة بن زيدٍ في الجاهلية: بنو كسر الذهب. وقال الأحوص حين نفي إلى اليمن:

بدل الدهر من ضبيعة عكا

 

جيرةً وهو يعقب الأبدالا

سبب تسمية جده عاصم حمي الدبر وكان جده عاصمٌ يقال له حمي الدبر؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه بعثاً، فقتله المشركون؛ وأرادوا أن يصلبوه فحمته الدبر، وهي النحل، فلم يقدروا عليه، حتى بعث الله عز وجل الوادي في الليل فاحتمله فذهب به. وفي ذلك يقول الأحوص مفتخراً:

وأنا ابن الذي حمت لحمه الدب

 

ر قتيل اللحيان يوم الرجـيع

قصة وفد عضل والقارة وقتل البعث
الذي أرسل معهم:

حدثنا بالخبر في ذلك محمد بن جرير الطبري قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل قال حدثنا محمد بن إسحاق بن عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحدٍ رهطٌ من عضل والقارة، فقالوا: يا رسول الله، إن فينا إسلاماً وخيراً، فابعث معنا نفراً من أصحابك، يفقهونا في الدين، ويقرئونا القرآن، ويعلمونا شرائع الإسلام؛ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم نفراً ستةً من أصحابه: مرثد بن أبي مرثدٍ الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب، وخالد بن البكير حليف بني عدي بن كعب، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أخا بني عمرو بن عوف، وخبيب بن عدي أخا بني جحجبى بن كلفة بن عمرو بن عوف، وزيد بن الدثنة أخا بني بياضة بن عامر، وعبد الله بن طارق حليفاً لبني ظفر من بلي، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم " عليهم " مرثد بن أبي مرثدٍ، فخرجوا مع القوم، حتى إذا كانوا على الرجيع " ماء لهذيل بناحيةٍ من الحجاز من صدر الهدأة " غدروا بهم، واستصرخصوا عليهم هذيلاً، فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلا بالرجال في أيديهم السيوف قد غشوهم؛ فأخذوا أسيافهم ليقاتلوا القوم؛ فقالوا " إنا " والله ما نريد قتلكم، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئاً من أهل مكة، ولكم عهد الله وميثاقه ألا نقتلكم. فأما مرثد بن أبي مرثد، وخالد بن البكير، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فقالوا: إنا والله ما نقبل من مشركٍ عهداً ولا عقداً أبداً! فقاتلوهم حتى قتلوهم جميعاً. وأما زيد بن الدثنة، وخبيب بن عدي، وعبد الله بن طارقٍ فلانوا ورقوا ورغبوا في الحياة وأعطوا بأيديهم؛ فأسروهم، ثم خرجوا بهم إلى مكة ليبيعوهم بها؛ حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القرآن، ثم أخذ سيفه واستأخر عن القوم، فرموه بالحجارة حتى قتلوه، فقبره بالظهران. وأما خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة، فقدموا بهما مكة فباعوهما. فابتاع خبيباً حجير بن أبي إهابٍ التميمي حليف بني نوفل لعقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل - وكان حجيرٌ أخا الحارث بن عامر بن نوفل لأمه - ليقتله بأبيه. وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأمية بن خلف أبيه. وقد كان هذيل حين قتل عاصم بن ثابت قد أرادوا رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد، وكانت قد نذرت حين قتل عاصمٌ ابنها يوم أحدٍ لئن قدرت على رأس عاصمٍ لتشربن في قحفه الخمر، فمنعته الدبر. فلما حالت بينهم وبينه قالوا: دعوه حتى يمسي، فتذهب عنه فنأخذه. فبعث الله عز وجل الوادي فاحتمل عاصماً فذهب به. وكان عاصمٌ قد أعطى الله عز وجل عهداً لا يمسه مشركٌ أبداً ولا يمس مشركاً أبداً تنجساً منه. فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول حين بلغه أن الدبر منعته: " عجباً لحفظ الله عز وجل العبد المؤمن! كان عاصم نذر ألا يمسه مشركٌ ولا يمس مشركاً أبداً في حياته، فمنعه الله بعد مماته كما امتنع منه في حياته! ".


رواية أخرى عن البعث ومصيره قال محمد بن جرير: وأما غير ابن إسحاق، فإنه قص من خبر هذه السرية غير الذي قصه غيره: من ذلك ما حدثنا أبو كريبٌ قال حدثنا جعفر بن عون العمري قال حدثنا إبراهيم بن إسماعيل عن عمر أو عمرو بن أسيدٍ عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عشرة رهطٍ، وأمر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، فخرجوا، حتى إذا كانوا بالهدأة ذكروا لحيٍ من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فبعثوا إليهم مائة رجلٍ رامياً، فوجدوا مأكلهم حيث أكلوا التمر، فقالوا: نوى يثرب! ثم اتبعوا آثارهم؛ حتى إذا أحس بهم عاصمٌ وأصحابه التجؤوا إلى جبل، فأحاط بهم الآخرون فاستنزلوهم، وأعطوهم العهد. فقال عاصم: والله لا أنزل على عهد كافرٍ، اللهم أخبر نبيك عنا. ونزل إليهم ابن الدثنة البياضي، وخبيبٌ، ورجلٌ آخر؛ فأطلق القوم أوتار قسيهم، ثم أوثقوهم، فجرحوا رجلاً من الثلاثة، فقال: هذا والله أول الغدر، والله لا أتبعكم، فضربوه وقتلوه؛ وانطلقوا بخبيبٍ وابن الدثنة إلى مكة، فدفعوا خبيباً إلى بني الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد منافٍ، وكان خبيبٌ هو الذي قتل الحارث بأحدٍ. فبينما خبيبٌ عند بنات الحارث، استعار من إحدى بنات الحارث موسى ليستحد بها للقتل، فما راع المرأة ولها صبيٌ يدرج إلى خبيبٌ قد أجلس الصبي على فخذه والموسى بيده، فصاحت المرأة؛ فقال خبيبٌ: أتحسبين أني أقتله! إن الغدر ليس من شأننا. قال: فقالت المرأة بعد: ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيبٍ، لقد رأيته وما بمكة من ثمرةٍ وإن في يده لقطفاً من عنب يأكله، إن كان إلا رزقاً رزقه الله خبيباً. وبعث حيٌ من قيسٍ إلى عاصمٍ ليؤتوا من لحمه بشيء، وقد كان لعاصمٍ فيهم آثارٌ بأحدٍ، فبعث الله عليه دبراً فحمت لحمه فلم يستطيعوا أن يأخذوا من لحمه شيئاً. فلما خرجوا بخبيبٍ من الحرم ليقتلوه، قال: ذروني أصلي ركعتين، فتركوه فصلى ركعتين - فجرت سنة لمن قتل صبراً أن يصلي ركعتين - ثم قال: لولا أن يقال جزع لزدت، وما أبالي:

على أي شقٍ كان لله مصرعي

ثم قال:

وذلك في ذات الإله وإن يشـأ

 

يبارك على أوصال شلوٍ ممزع

اللهم أحصهم عدداً، وخذهم بدداً. ثم خرج به أبو سروعة بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد منافٍ فضربه فقتله.


حدثنا محمد قال حدثنا كريب قال حدثنا جعفر بن عون عن إبراهيم بن إسماعيل، قال وأخبرني جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وحده عيناً إلى قريش. قال: فجئت إلى خشبة خبيبٍ وأنا أتخوف العيون، فرقيت فيها، فحللت خبيباً فوقع إلى الأرض، فانتبذت غير بعيدٍ، ثم التفت فلم أر لخبيبٍ أثراً، فكأنما الأرض ابتلعته، فلم تظهر لخبيبٍ رمةٌ حتى الساعة.


قال محمد بن جرير: وأما زيد بن الدثنة، فإن صفوان بن أمية بعث " به " -فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق - " مع " مولىً له يقال له نسطاس إلى التنعيم، فأخرجه من الحرم ليقتله؛ واجتمع " إليه " رهطٌ من قرش فيهم أبو سفيان بن حرب؛ فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل: أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمداً عندنا الآن مكانك فنضرب عنقه وأنك في أهلك؟ فقال: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكةٌ تؤذيه وأنا جالس في أهلي! قال يقول أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً! ثم قتله نسطاس.


أخبرني أحمد بن الجعد قال حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهابٍ قال: نزل عبد الله وأبو أحمد ابنا جحشٍ، حين قدما مهاجرين، على عاصم بن ثابت، وكنيته أبو سليمان.
شعر لعاصم بن ثابت وكنيته وقال عاصم:

أبو سليمان وريش المقعد

 

ومجنأٌ من جلد ثورٍ أجرد

وذكر لنا الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير أن عاصماً، فيما قيل، كان يكنى أبا سفيان. قال: وقال في يوم الرجيع:

أنا أبو سفيان مثـلـي رامـا

 

أضرب كبش العارض القداما

كنية الأحوص واسم أمه

أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا إسماعيل بن عبد الله عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه قال: كنية الأحوص أبو محمد. وأمه أثيلة بنت عمير بن مخشيٍّ؛ وكان أحمر أحوص العينين.

رأي الفرزدق في شعره

قال الزبير فحدثني محمد بن يحيى قال: قدم الفرزدق المدينة، ثم خرج منها، فسئل عن شعرائها، فقال: رأيت بها شاعرين وعجبت لهما: أحدهما أخضر يسكن خارجاً من بطحان يريد ابن هرمة؛ والآخر أحمر كأنه وحرةٌ على برودةٍ في شعره يريد الأحوص. والوحرة: يغسوبٌ أحمر ينزل الأنبار.

هجاؤه لابنه

وقال الأحوص يهجو نفسه ويذكر حوصه:

أقبح به من ولدٍ وأشـقـح

 

مثل جري الكلب لم يفقح

إن ير سوءاً لم يقم فينبـح

 

بالباب عند حاجة المستفتح

قال الزبير: ولم يبق للأحوص من ولده غير رجلين.

طبقته في الشعر

قال الزبير: وجعل محمد بن سلام الأحوص، وابن قيس الرقيات، ونصيباً، وجميل بن معمرٍ طبقةً سادسةً من شعراء الإسلام، وجعله بعد ابن قيس، وبعد نصيب. قال أبو الفرج: والأحوص، لولا ما وضع به نفسه من دنيء الأخلاق والأفعال، أشد تقدماً منهم عند جماعة أهل الحجاز وأكثر الرواة؛ وهو أسمح طبعاً، وأسهل كلاماً، وأصح معنى منهم؛ ولشعره رونقٌ وديباجةٌ صافية وحلاوةٌ وعذوبة ألفاظٍ ليست لواحدٍ منهم. وكان قليل المروءة والدين، هجاءً للناس، مأبوناً فيما يروى عنه.

جلد سليمان بن عبد الملك إياه

أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني أبو عبيدة أن جماعةً من أهل المدينة أخبروه: أن السبب في جلد سليمان بن عبد الملك، أو الوليد بن عبد الملك إياه ونفيه له، أن شهوداً شهدوا عليه عنده أنه قال: إذا أخذت جريري لم أبال أي الثلاثة لقيت ناكحاً أو منكوحاً أو زانياً. قالوا: وانضاف إلى ذلك أن سكينة بنت الحسين رضي الله عنهما فخرت يوماً برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ففاخرها بقصيدته التي يقول فيها:

ليس جهلٌ أتيته ببديع

فزاده ذلك حنقاً عليه وغيظاً حتى نفاه.

فخرت سكينة بالنبي ففاخرها بجده وخاله

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة: أن الأحوص كان يوماً عند سكينة، فأذن المؤذن، فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، فخرت سكينة بما سمعت؛ فقال الأحوص:

فخرت وانتمت فقلت ذرينـي

 

ليس جهلٌ أتـيتـه بـبـديع

فأنا ابن الذي حمت لحمه الدب

 

ر قتيل اللحيان يوم الرجـيع

غسلت خالي الـمـلائكة الأب

 

رار ميتاً طوبى له من صريع

قال أبو زيد: وقد لعمري فخر بفخرٍ لو على غير سكينة فخر به! وبأبي سكينة صلى الله عليه وسلم حمت أباه الدبر وغسلت خاله الملائكة.

هجاؤه لابن حزم عامل المدينة

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن يحيى عن أيوب بن عمر عن أبيه قال: لما جاء ابن حزمٍ عمله من قبل سليمان بن عبد الملك على المدينة والحج، جاءه ابن أبي جهم بن حذيفة وحميد بن عبد الرحمن بن عوف وسراقة، فدخلوا عليه فقالوا له: إيه ياابن حزم! ما الذي جاء بك؟ قال: استعملني والله أمير المؤمنين على المدينة على رغم أنف من رغم أنفه. فقال له ابن أبي جهم: يا ابن حزم، فإني أول من يرغم من ذلك أنفه. قال فقال ابن حزم: صادقٌ، والله يحب الصادقين. فقال الأحوص:

سليمان إذ ولاك ربك حكمـنـا

 

وسلطاننا فاحكم إذا قلت واعدل

يؤم حجيج المسلمين ابن فرتني

 

فهب ذاك حجاً ليس بالمتقبـل

فقال ابن أبي عتيق للأحوص: الحمد لله يا أحوص، إذ لم أحج ذلك العام بنعمة ربي وشكره. قال: الحمد لله الذي صرف ذلك عنك يا ابن أبي بكرٍ الصديق، فلم يضلل دينك، ولم تعن نفسك، وتر ما يغيظك ويغيظ المسلمين معك.

وفد على الوليد وتعرض للخبازين

فأمر عامل المدينة بجلده:

أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله عن عمه موسى بن عبد العزيز قال: وفد الأحوص على الوليد بن عبد الملك وامتدحه، فأنزله منزلاً، وأمر بمطبخه أن يمال عليه؛ ونزل على الوليد بن عبد الملك شعيب بن عبد الله بن عمرو بن العاصي، فكان الأحوص يراود وصفاء للوليد خبازين عن أنفسهم ويريدهم أن يفعلوا به. وكان شعيبٌ قد غضب على مولىً له ونحاه. فلما خاف الأحوص أن يفتضح بمراودته الغلمان، اندس لمولى شعيب ذلك فقال: ادخل على أمير المؤمنين فاذكر له أن شعيباً أرادك عن نفسك، ففعل المولى. فالتفت الوليد إلى شعيب فقال: ما يقول هذا؟ فقال: لكلامه غورٌ يا أمير المؤمنين، فاشدد به يدك يصدقك. فشدد عليه، فقال: أمرني بذلك الأحوص. فقال قيم الخبازين: أصلحك الله! إن الأحوص يراود الخبازين عن أنفسهم. فأرسل به الوليد إلى ابن حزم بالمدينة، وأمره أن يجلده مائةً، ويصب على رأسه زيتاً، ويقيمه على البلس، ففعل ذلك به. فقال وهو على البلس أبياته التي يقول فيها:

ما من مصيبة نكبةٍ أمنى بها

 

إلا تشرفني وترفع شأنـي

شعره الذي أنشده حين شهر به أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أيوب بن عمر قال أخبرني عبد الله بن عمران بن أبي فروة قال: رأيت الأحوص حين وقفه ابن حزمٍ على البلس في سوق المدينة وإنه ليصيح ويقول:

ما من مصيبة نكبةٍ أمنى بهـا

 

إلا تعظمني وترفع شـانـي

وتزول حين تزول عن متخمطٍ

 

تخشى بوادره على الأقـران

إني إذا خفي اللئام رأيتـنـي

 

كالشمس لا تخفى بكل مكان

شعره في هجو ابن حزم قال: وهجا الأحوص ابن حزمٍ بشعرٍ كثيرٍ، منه:

أقول وأبصرت ابن حزم بن فرتني

 

وقوفاً له بالمأزمـين الـقـبـائل

ترى فرتنى كانت بما بلغ ابنـهـا

 

مصدقةً لـو قـال ذلـك قـائل

- أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن أبي عبيدة قال: كل أمةٍ يقال لها فرتنى. وأخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال: فرتني: الأمة بنت الأمة - قال الزبير: فقال ابن حزمٍ حين سمع قول الأحوص فيه " ابن فرتنى " لرجلٍ من قومه له علمٌ: أنحن من ولد فرتنى؟ أو تعرفها؟ فقال: لا والله! قال: ولا أنا أعلم والله ذلك! ولقد عضهني به، ولو كانت ولدتني لم أجهل ذلك.


قال الزبير: وحدثني عمي مصعبٌ عن عبد الله بن محمد بن عمارة قال: فرتنى: أمٌ لهم في الجاهلية من بلقين، كانوا يسبون بها، لا أدري ما أمرها، قد طرحوها من كتاب النسب وهي أم خالد " بنت خالد " بن سنان بن وهب بن لوذان الساعدية أم بني حزم.


أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز عن يوسف بن الماجشون: أن الأحوص قال لابن حزمٍ:

لعمري لقد أجرى ابن حزم بن فرتنى

 

إلى غايةٍ فيها السمام الـمـثـمـل

وقد قلت مهلاً آل حزم بن فرتـنـى

 

ففي ظلمنا صابٌ ممرٌ وحنـظـل

وهي طويلة. وقال أيضاً:

أهوى أمية إن شطت وإن قربـت

 

يوماً وأهدي لها نصحي وأشعاري

ولو وردت عليها الفيض ما حفلت

 

ولا شفت عطشي من مائه الجاري

لا تـأوين لـحـزمـيٍّ رأيت بـه

 

ضراً ولو طرح الحزمي في النار

الناخسين بمروانٍ بـذي خـشـب

 

والنفحمين على عثمان في الـدار

دفع عنه بنو زريق فمدحهم أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني جماعةٌ من مشايخ الأنصار: أن ابن حزم لما جلد الأحوص و وقفه على البلس يضربه، جاءه بنو زريق فدفعوا عنه، واحتملوه من أعلى البلس. فقال في ذلك - قال ابن الزبير: أنشدنيه عبد الملك بن الماجشون عن يوسف بن أبي سلمة الماجشون -:

إما تصبني المنايا وهـي لاحـقةٌ

 

وكل جنبٍ له قد حم مضطجـع

فقد جزيت بنو حزمٍ بظلـمـهـم

 

وقد جزيت زريقاً بالذي صنعـوا

قومٌ أبى طبع الأخـلاق أولـهـم

 

فهم على ذاك من أخلاقهم طبعوا

وإن أناسٌ ونوا عن كل مكـرمةٍ

 

وضاق باعهم عن وسعهم وسعوا

إني رأيت غداة السوق محضرهم

 

إذ نحن ننظر ما يتلى ونستـمـع

نفاه ابن حزم إلى دهلك وشعره في ذلكخرجنا مع محمد بن عباد بن عبد الله بن الزبير إلى العمرة، فإنا لبقرب قديد إذ لحقنا الأحوص الشاعر على جملٍ برحل؛ فقال: الحمد لله الذي وفقكم لي، ما أحب أنكم غيركم، وما زلت أحرك في آثاركم مذ رفعتم لي؛ فقد ازددت فيكم غبطةً. فأقبل عليه محمد، وكان صاحب جدٍّ يكره الباطل وأهله، فقال: لكنا والله ما اغتبطنا بك ولا نحب مسايرتك، فتقدم عنا أو تأخر. فقال: والله ما رأيت كاليوم جواباً! قال: هو ذاك. قال: وكان محمد صاحب جد يكره الباطل وأهله، فأشفقنا مما صنع، ومعه عدةٌ من آل الزبير، فلم يقدر أحدٌ منهم أن يرد عليه. قال: وتقدم الأحوص، ولم يكن لي شأنٌ غير أن أعتذر غليه. فلما هبطنا من المشلل على خيمتي أم معبد سمعت الأحوص يهمهم بشيء، فتفهمته فإذا هو يقول: خيمتي أم معبد، محمد، كأنه يهيىء القوافي؛ فأمسكت راحلتي حتى جاءني محمد، فقلت. إني سمعت هذا يهيىء لك القوافي، فإما أذنت لنا أن نعتذر إليه ونرضيه، وإما خليت بيننا وبينه فنضربه؛ فإنا لا نصادفه في أخلى من هذا المكان. قال: كلا! إن سعد بن مصعب قد أخذ عليه ألآ يهجو زبيرياً أبداً، فإن فعلت رجوت أن يخزيه الله، دعه.


قال الزبير: وأما خبره مع سعد بن مصعبٍ، فحدثني به عمي مصعب قال أخبرني يحيى بن الزبير بن عباد أو مصعب بن عثمان - شك: أيهما حدثه - قال: كانت أمة الملك بنت حمزة بن عبد الله بن الزبير، تحت سعد بن مصعب بن الزبير، وكان فيهم مأتمٌ، فاتهمته بامرأةٍ، فغارت عليه وفضحته. فقال الأحوص يمازحه:

وليس بسعد النار من تزعمونـه

 

ولكن سعد النار سعد بن مصعب

ألم تر أن القوم ليلة نـوحـهـم

 

بغوه فألفوه على شر مـركـب

فما يبتغي بـالـغـي لا در دره

 

وفي بيته مثل الغزال المربـب

- قال: وسعد النار رجلٌ يقال له سعد حضنة، وهو الذي جدد لزياد بن عبيد الله الحارثي الكتاب الذي في جدار المسجد، وهو آياتٌ من القرآن أحسب أن منها " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ". فلما فرغ منه قال لزياد: أعطني أجري. فقال له زياد: انتظر، فإذا رأيتنا نعمل بما كتبت، فخذ أجرك -.


قال: فعمل سعد بن مصعبٍ سفرةً، وقال للأحوص: اذهب بنا إلى سد عبيد الله بن عمر نتغذّ عليه، ونشرب من مائة، ونستنقع فيه؛ فذهب معه. فلما صارا إلى الماء، أمر غلمانه أن يربطوه وأراد ضربه، وقال: ما جزعت من هجائك إياي، ولكن ما ذكرك زوجتي؟! فقال له: يا سعد، إنك لتعلم أنك إن ضربتني لم أكفف عن الهجاء، ولكن خيرٌ لك من ذلك أحلف لك بما يرضيك ألا أهجوك ولا أحداً من آل الزبير أبداً؛ فأحلفه وتركه.


أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني مصعبٌ عمي عن مصعب بن عثمان قال: قال الأحوص لمجمع بن يزيد بن جارية:

وجمعت من أشياء شتى خبيثةٍ

 

فسميت لما جئت منها مجمعا

فقال له مجمع: إني لا أحسن الشعر، ثم أخذ كرنافةً فغمسها في ماءٍ فغاصت، ثم رفع يده عنها فطفت، فقال: هكذا والله كانت تصنع خالاتك السواحر.

خبره مع أم الليث والأنصارية الجميلة

أخبرني الحرمي قال وحدثنا الزبير قال: كانت امرأةٌ يقال لها أم ليث امرأة صدقٍ، فكانت قد فتحت بينها وبين جارةٍ لها من الأنصار خوخة، وكانت الأنصارية من أجمل أنصاريةٍ خلقت. فكلم الأحوص أم ليثٍ أن تدخله في بيتها يكلم الأنصارية من الخوخة التي فتحت بينها وبينها، فأبت؛ فقال: أما لأكافئنك، ثم قال:

هيهات منك بنو عمرٍ ومسكنهم

 

إن تشتيت قنسرين أو حلـبـا

قامت تراءى وقد جد الرحيل بنا

 

بين السقيفة والباب الذي نقبـا

إني لمانحهـا ودي ومـتـخـذٌ

 

بأم ليثٍ إلى معروفها سبـبـا

فلما بلغت الأبيات زوج المرأة، سد الخوخة؛ فاعتذرت إليه أم ليث، فأبى أن يقبل ويصدقها. فكانت أم ليث تدعو على الأحوص.


: أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني عمر بن شبة قال حدثني أبي قال: ركب الأحوص إلى الوليد بن عبد الملك قبل ضرب ابن حزمٍ إياه، فلقيه رجلٌ من بني مخزوم يقال له محمد بن عتبة، فوعده أن يعينه. فلما دخل على الوليد قال: ويحك! ما هذا الذي رميت به يا أحوص؟ قال: والله يا أمير المؤمنين، لو كان الذي رماني به ابن حزمٍ من أمر الدين لاحتنبته، فكيف وهو من أكبر معاصي الله! فقال ابن عتبة: يا أمير المؤمنين، إن من فضل ابن حزمٍ وعذله كذا وكذا، وأثنى عليه. فقال الأحوص: هذا والله كما قال الشاعر:

وكنت كذئب السوء لما رأى دماً

 

يصاحبه يوماً أحال على الـدم

فأما خبره في بقية أيام سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز، فأخبرني به أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي قال حدثنا عون بن محمد بن سلام قال حدثني أبي عمن حدثه عن الزهري، وأخبرني به الطوسي والحرمي بن أبي العلاء قالا: حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعبٌ عن مصعب بن عثمان قال: كان الأحوص ينسب بنساءٍ ذوات أخطار من أهل المدينة، ويتغنى من شعره معبدٌ ومالك، ويشيع ذلك في الناس، فنهي فلم ينته؛ فشكي إلى عامل سليمان بن عبد الملك على المدينة وسألوه الكتاب فيه إليه، ففعل ذلك. فكتب سليمان إلى عامله يأمره أن يضربه مائة سوطٍ ويقيمه على البلس للناس، ثم يصيّره إلى دهلك ففعل ذلك به؛ فثوى هنالك سلطان سليمان بن عبد الملك. ثم ولي عمر ابن عبد العزيز؛ فكتب إليه يستأذنه في القدوم ويمدحه؛ فأبى أن يأذن له. وكتب فيما كتب إليه به:

أيا راكباً إما عرضت فبلـغـن

 

هديت أمير المؤمنين رسائلـي

وقل لأبي حفصٍ إذا ما لقـيتـه

 

لقد كنت نفاعاً قليل الـغـوائل

وكيف ترى للعيش طيبـاً ولـذةً

 

وخالك أمسى موثقاً في الحبائل!

-هذه الأبيات من رواية الزبير وحده، ولم يذكرها ابن سلام - قال: فأتى رجالٌ من الأنصار عمر بن عبد العزيز، فكلموه فيه وسألوه أن يقدمه، وقالوا: قد عرفت نسبه وموضعه وقديمه، وقد أخرج إلى أرض الشرك، فنطلب إليك أن ترده إلى حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودار قومه. فقال لهم عمر: فمن الذي يقول:

فما هو إلا أن أراها فجاءةً

 

فأبهت حتى ما كاد أجيب

قالوا: الأحوص. قال: فمن الذي يقول:

أدور ولولا أن أرى أم جعفـرٍ

 

بأبياتكم ما درت حـيث أدور

وما كنت زواراً ولكن ذا الهوى

 

إذ لم يزر لا بـد أن سـيزور

قالوا: الأحوص. قال: فمن الذي يقول:

كأن لبنى صبيرٌ غـاديةٍ

 

أو دميةٌ زينت بها البيع

الله بيني وبين قيمـهـا

 

يفر مني بها وأتـبـع

قالوا: الأحوص. قال: بل الله بين قيمها وبينه. قال: فمن الذي يقول:

ستبقى لها في مضمر القلب والحشا

 

سريرة حبٍ يوم تبلى الـسـرائر

قالوا: الأحوص. قال: إن الفاسق عنها يومئذ لمشغولٌ، والله لاأرده ما كان لي سلطان. قال: فمكث هناك بقية ولاية عمر وصدراً من ولاية يزيد بن عبد الملك.


قال: فبينا يزيد وجاريته حبابة ذات ليلةٍ على سطح تغنيه بشعر الأحوص، قال لها: من يقول هذا الشعر؟ قالت: لا وعينيك ما أدري! - قال: وقد كان ذهب من الليل شطره - فقال: ابعثوا إلى ابن شهابٍ الزهري، فعسى أن يكون عنده علمٌ من ذلك. فأتي الزهري فقرع عليه بابه فخرج مروعاً إلى يزيد. فلما صعد إليه قال له يزيد: لا ترع، لم ندعك إلا لخير، اجلس، من يقول هذا الشعر؟ قال: الأحوص بن محمد يا أميرالمؤمنين. قال: ما فعل؟ قال: قد طال حبسه بدهلك. قال: قد عجبت لعمر كيف أغفله. ثم أمر بتخلية سبيله، ووهب له أربعمائة دينار. فأقبل الزهري من ليلته إلى قومه من الأنصار فبشرهم بذلك.


أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا محمد بن إسماعيل ومحمد بن زيد الأنصاري قالا: لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة أدنى زيد بن أسلم، وجفا الأحوص. فقال له الأحوص:

ألست أبا حفصٍ هديت مـخـبـري

 

أفي الحق أن أقصى ويدنى ابن أسلما

فقال عمر: ذلك هو الحق.


قال الزبير: وأنشدنيها عبد الملك بن الماجشون عن يوسف بن الماجشون:

ألا صلة الأرحام أدنى إلى التقى

 

وأظهر في أكفائه لو تكرمـا

فما ترك الصنع الذي قد صنعـتـه

 

ولا الغيظ مني ليس جلداً ولا أعظما

 

وكنا ذوي قربى لديك فأصبـحـت

 

قرابتنـا ثـدياً أجـد مـصـرمـا

 

وكنت وما أملت مـنـك كـبـارقٍ

 

لوى قطره من بعد ما كان غـيمـا

 

وقد كنت أرجى الناس عندي مـودةً

 

ليالي كان الظن غيبـاً مـرجـمـا

 

أعدك حرزاً إن جـنـيت ظـلامةً

 

ومالا ثريا حين أحمل مـغـرمـا

 

تدارك بعتبـي عـاتـبـاً ذا قـرابةٍ

 

طوى الغيظ لم يفتح بسخط له فمـا

 

             

أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال: كتب إلي إسحاق بن إبراهيم أن أبا عبيدة حدثه: أن الأحوص لم يزل مقيماً بدهلك حتى مات عمر بن عبد العزيز، فدس إلى حبابة فغنت يزيد بأبيات له - قال أبو عبيدة: أظنها قوله:

صوت

أيهذا المخـبـري عـن يزيدٍ

 

بصلاحٍ فداك أهلي ومالـي

ما أبالي إذا يزيد بقـي لـي

 

من تولت به صروف الليالي

لم يجنسه. كذا جاء في الخبر أنها غنته به، ولم يذكر طريقته قال أبو عبيدة: أراه عرض بعمر بن عبد العزيز ولم يقدر أن يصرح مع بني مروان - فقال: من يقول هذا؟ قالت: الأحوص، وهونت أمره، وكلمته في أمانه فأمنه. فلما أصبح حضر فاستأذنت له، ثم أعطاه مائة ألف درهم.


أخبرنا الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن صالح بن حسان: أن الأحوص دس إلى حبابة، فغنت يزيد قوله:

كريم قريشٍ حين ينسـب والـذي

 

أقرت له بالملك كهـلاً وأمـردا

وليس وإن أعطاك في اليوم مانعـاً

 

إذا عدت من أضعاف أضعافه غدا

أهان تلاد المال في الحـمـد إنـه

 

إمام هدى يجري على ما تعـودا

تشرف مجـداً مـن أبـيه وجـده

 

وقد ورثا بنيان مـجـدٍ تـشـيدا

فقال يزيد: ويلك يا حبابة! من هذا من قريش؟ قالت: ومن يكون! أنت هو يا أمير المؤمنين. فقال: ومن قال هذا الشعر؟ قالت: الأحوص يمدح به أمير المؤمنين؛ فأمر به أمير المؤمنين أن يقدم عليه من دهلك، وأمر له بمالٍ وكسوة.
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني بعض أهل العلم قال: دخل الأحوص على يزيد بن عبد الملك وهو خليفةٌ؛ فقال له يزيد: والله لو لم تمت إلينا بحرمة، ولا توسلت بدالة، ولا جددت لنا مدحاً، غير أنك مقتصرٌ على البيتين اللذين قلتهما فينا، لكنت مستوجباً لجزيل الصلة مني حيث تقول:

وإني لأستحـييكـم أن يقـودنـي

 

إلى غيركم من سائر الناس مطمع

وأن أجتدي للنفع غيرك مـنـهـم

 

وأنت إمامٌ للـرعـية مـقـنـع

قال: وهذه قصيدةٌ مدح بها عمر بن عبد العزيز.


أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري قال حدثني عمر بن موسى بن عبد العزيز قال: لما ولي يزيد بن عبد الملك بعث إلى الأحوص، فأقدم عليه، فأكرمه وأجازه بثلاثين ألف درهم. فلما قدم قباء صب المال على نطع ودعا جماعة من قومه، وقال: إني قد عملت لكم طعاماً. فلما دخلوا عليه كشف لهم عن ذلك المال، وقال: " أفسحرٌ هذا أم أنتم لا تبصرون ".


قال الزبير: وقال في يزيد بن عبد الملك يمدحه حينئذ بهذه القصيدة:

صرمت حبلك الغداة نوار

 

إن صرماً لكل حبلٍ قصار

وهي طويلة، يقول فيها:

من يكن سـائلاً فـإن يزيداً

 

ملكٌ من عطائه الإكثـار

عم معروفه فعز به الـدي

 

ن وذلت لملكه الكـفـار

وأقام الصراط فابـتـهـج

 

الحق منيراً كما أنار النهار

ومن هذه القصيدة بيتان يغنى فيهما، وهما:

صوت

بشرٌ لو يدب ذرٌ علـيه

 

كان فيه من مشيه آثار

إن أروى إذا تذكر أروى

 

قلبه كاد قلبه يستطـار

غنت فيه عريب لحناً من الثقيل الأول بالبنصر، وذكر ابن المكي أنه لجده يحيى.


أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعبٌ عن مصعب بن عثمان قال: حج يزيد بن عبد الملك فتزوج بنت عون بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأصدقها مالاً كثيراً؛ فكتب الوليد بن عبد الملك إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن خزم: أنه بلغ أمير المؤمنين أن يزيد بن عبد الملك قد تزوج بنت عون بن محمد بن علي بن أبي طالب وأصدقها مالاً كثيراً، ولا أراه فعل ذلك إلا وهو يراها خيراً منه، قبح الله رأيه! فإذا جاءك كتابي هذا فادع عوناً فاقبض المال منه؛ فإن لم يدفعه إليك فأضربه بالسياط حتى تستوفيه منه ثم افسخ نكاحه. فأرسل أبو بكر بن محمد بن عمرو إلى عون بن محمد وطالبه بالمال. فقال له: ليس عندي شيءٌ وقد فرقته. فقال له أبو بكر: إن أمير المؤمنين أمرني إن لم تدفعه إلي كله أن أضربك بالسياط ثم لا أرفعها عنك حتى أستوفيه منك. فصاح به يزيد: تعال إلي؛ فجاءه؛ فقال له فيما بينه وبينه كأنك خشيت أن أسلمك إليه، ادفع إليه المال ولا تعرض له نفسك؛ فإنه إن دفعه إليك رددته عليك، وإن لم يرده علي أخلفته عليك، ففعل. فلما ولي يزيد بن عبد الملك، كتب في أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وفي الأحوص، فحملا إليه، لما بين أبي بكر والأحوص من العداوة؛ وكان أبو بكر قد ضرب الأحوص وغربه إلى دهلك وأبو بكر مع عمر بن عبد العزيز، وعمر إذ ذاك على المدينة. فلما صارا باب يزيد أذن للأحوص، فرفع أبو بكر يديه يدعو، فلم يخفضهما حتى خرج الغلمان بالأحوص ملبباً مكسور الأنف، وإذا هو لما دخل علي يزيد قال له: أصلحك الله هذا ابن حزمٍ الذي سفه رأيك ورد نكاحك. وقال يزيد: كذبت! عليك لعنة الله ومن يقول ذلك! أكسروا أنفه، وأمر به فأخرج ملبباً.


أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو الجمحي قال: كان عبد الحكم بن عمرو بن عبد الله بن صفوان الجمحي قد اتخذ بيتاً فجعل فيه شطرنجاتٍ ونرداتٍ وقرقاتٍ ودفاتر فيها من كل علم، وجعل في الجدار أوتاداً، فمن جاء علق ثيابه على وتدٍ منها، ثم جر دفتراً فقرأه، أو بعض ما يلعب به فلعب به مع بعضهم. قال: فإن عبد الحكم يوماً لفي المسجد الحرام إذا فتًى داخلٌ من باب الحناطين، باب بني جمح، عليه ثوبان معصفران مدلوكان وعلى أذنه ضغث ريحانٍ وعليه ردع الخلوق، فأقبل يشق الناس حتى جلس إلى عبد الحكم بن عبد الله؛ فجعل من رآه يقول: ماذا صب عليه من هذا! ألم يجد أحداً يجلس إليه غيره! ويقول بعضهم: فأي شيء يقوله له عبد الحكم وهو أكرم من أن يجبه من يقعد إليه! فتحدث إليه ساعةً ثم أهوى فشبك يده في يد عبد الحكم وقام يشق المسجد حتى خرج من باب الحناطين - قال عبد الحكم: فقلت في نفسي: ماذا سلط الله علي منك! رآني معك نصف الناس في المسجد ونصفهم في الحناطين -حتى دخل مع عبد الحكم بيته، فعلق رداءه على وتدٍ وحل أزراره واجتر الشطرنج وقال: من يلعب؟ فبينا هو كذلك إذ دخل الأبجر المغني، فقال له: أي زنديق ما جاء بك إلى هاهنا؟ وجعل يشتمه ويمازحه. فقال له عبد الحكم: أتشتم رجلاً في منزلي! فقال: أتعرفه؟ هذا الأحوص. فاعتنقه عبد الحكم وحياه. وقال له: أما إذا كنت الأحوص فقد هان علي ما فعلت.


أخبرني الطوسي والحرمي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني حميد بن عبد العزيز عن أبيه قال: لما قدم عبد الملك بن مروان حاجاً سنة خمس وسبعين، وذلك بعد ما اجتمع الناس عليه بعامين، جلس على المنبر فشتم أهل المدينة ووبخهم ثم قال: إني والله يا أهل المدينة قد بلوتكم فوجدتكم تنفسون القليل وتحسدون على الكثير، وما وجدت لكم مثلاً إلا ما قال مخنثكم وأخوكم الأحوص:

وكم نزلت بي من خطوبٍ مهمةٍ

 

خذلتم عليها ثم لم أنـخـشـع

فأدبر عني شرها لم أبل بـهـا

 

ولك أدعكم في كربها المتطلع

فقام إليه نوفل بن مساحق فقال: يا أمير المؤمنين، أقررنا بالذنب وطلبنا المعذرة؛ فعد بحلمك، فذلك ما يشبهنا منك ويشبهك منا؛ فقد قال من ذكرت من بعد بيتيه الأولين:

وإني لمستأنٍ ومنتـظـرٌ بـكـم

 

وإن لم تقولوا في الملمات دع دع

أؤمل منكم أن تروا غير رأيكـم

 

وشيكاً وكيما تنزعوا خير منـزع

أخبرني الحرمي والطوسي قالا حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن الضحاك عن المنذر بن عبد الله الحزامي: إن عراك بن مالك كان من أشد أصحاب عمر بن عبد العزيز على بني مروان في انتزاع ما حازوا من الفيء والمظالم من أيديهم. فلما ولي يزيد بن عبد الملك ولى عبد الواحد بن عبد الله النصري المدينة، فقرب عراك بن مالك وقال: صاحب الرجل الصالح، وكان لا يقطع أمراً دونه، وكان يجلس معه على سريره. فبينا هو معه إذ أتاه كتاب يزيد بن عبد الملك: أن أبعث مع عراك بن مالك حرسياً حتى ينزله أرض دهلك وخذ من عراكٍ حمولته. فقال لحرسي بين يديه وعراكٌ معه على السرير: خذ بيد عراك فابتع من ماله راحلةً ثم توجه به نحو دهلك حتى تقره فيها؛ ففعل ذلك الحرسي. قال: وأقدم الأحوص؛ فمدحه الأحوص؛ فأكرمه وأعطاه. قال: فأهل دهلك يأثرون الشعر عن الأحوص، والفقه عن عراك بن مالك.


أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام عن أبي الغراف عمن يثق به قال: بعث يزيد بن عبد اللملك حين قتل يزيد بن المهلب في الشعراء، فأمر بهجاء يزيد بن المهلب، منهم الفرزدق وكثيرٌ والأحوص. فقال الفرزدق: لقد امتدحت بني المهلب بمدائح ما امتدحت بمثلها أحداً، وإنه لقبيحٌ بمثلي أن يكذب نفسه على كبر السن، فليعفني أمير المؤمنين؛ قال: فأعفاه. وقال كثيرٌ: إني أكره أن أعرض نفسي لشعراء أهل العراق إن هجوت بني المهلب. وأما الأحوص فإنه هجاهم. ثم بعث به يزيد بن عبد الملك إلى الجراح بن عبد الله الحكمي وهو بأذربيجان، وقد كان بلغ الجراح خجاء الأحوص بني المهلب، فبعث إليه بزقً من خمرٍ فأدخل منزل الأحوص، ثم بعث إليه خيلاً فدخلت منزله فصبوا الخمر على رأسه ثم أخرجوه على رؤوس الناس فأتوا به الجراح، فأمر بحلق رأسه ولحيته، وضربه الحد بين أوجه الرجال، وهو يقول: ليس هكذا تضرب الحدود؛ فجعل الجراح يقول: أجل! ولكن لما تعلم. ثم كتب إلى يزيد بن عبد الملك يعتذر فأغضى له عليها.


رأي أبي الفرج قال أبو الفرج الأصبهاني: وليس ما جرى من ذكر الأحوص إرادةً للغض منه في شعره، ولكن ذكرنا من كل ما يؤثر عنه ما تعرف به حاله من تقدم وتأخرٍ، وفضيلةٍ ونقصٍ؛ فأما تفضيله وتقدمه في الشعر فمتعالم مشهور، وشعره ينبئ عن نفسه ويدل على فضله فيه وتقدمه وحسن رونقه وتهدبه وصفائه.

رأي الفرزدق وجرير في نسيبه

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء والطوسي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز قال حدثني عبد الله بن مسلم بن جندب الهذلي قال حدثنا شيخٌ لنا من هذيل كان خالاً للفرزدق من بعض أطرافه قال: سمعت بالفرزدق وجرير على باب الحجاج، فقلت: لو تعرضت ابن أختنا! فامتطيت إليه بعيراً، حتى وجدتهما قبل أن يخلصا، ولكل واحدٍ منهما شيعةٌ؛ فكنت في شيعة الفرزدق؛ فقام الآذن يوماً فقال: أين جرير؟ فقال: جرير: هذا أبو فراس؛ فأظهرت شيعته لومه وأسرته. فقال الآذن: أين الفرزدق؟ فقام فدخل. فقالوا لجرير: أتناوئه وتهاجيه وتشاخصه، ثم تبدى عليه فتأبى وتبديه؟! قضيت له على نفسك! فقال لهم: إنه نزر القول، ولم ينشب أن ينفد ما عنده وما قال فيه فيفاخره ويرفع نفسه وعليه؛ فما جئت به بعد حمدت عليه واستحسن. فقال قائلهم: لقد نظرت نظراً بعيداً. قال: فما نشبوا أن خرج الآذن فصاح: أين جرير؟ فقام جرير فدخل. قال: فدخلت، فإذا ما مدحه به الفرزدق قد نفد، وإذا هو يقول:

أين الذين بهم تسامي دارمـاً

 

أم من إلى سلفي طهية تجعل

قال: وعمامته على رأسه مثل المنسف، فصحت من ورائه:

هذا ابن يوسف فاعلموا وتفهموا

 

برح الخفاء فليس حين تناجي

من سد مطلع النفاق علـيكـم

 

أم من يصول كصوله الحجاج

أم من يغار على النساء حفيظةً

 

إذ لا يثقـن بـغـيرة الأزواج

قل للجبان إذا تأخر سـرجـه

 

هل أنت من شرك المنية ناجي

قال: وما تشبيبها؟ وطرب: فقال جرير:

لج الهوى بفؤادك الملـجـاج

 

فاحبس بتوضح باكر الأحداج

وأمرها، أو قال: أمضاها. فقال: عطوه كذا وكذا؛ فاستقللت ذلك. فقال الهذلي: وكان جرير عربياً قروياً، فقال الحجاج: قد أمر لي الأمير بما لا يفهم عنه، فلو دعا كاتباً وكتب بما أمر به الأمير! فدعا كاتباً واحتاط فيه بأكثر من ضعفه، وأعطى الفرزدق أيضاً. قال الهذلي: فجئت الفرزدق فأمر لي بستين ديناراً وعبدٍ، ودخلت على رواته فوجدتهم يعدلون ما انحرف من شعره، فأخذت من شعره ما أردت. ثم قلت له: يا أبا فراس، من أشعر الناس؟ قال: أشعر الناس بعدي ابن المراغة. قلت: فمن أنسب الناس؟ قال الذي يقول:

لي ليلتان فليلةٌ مـعـسـولةٌ

 

ألقى الحبيب بها بنجم الأسعد

ومريحةٌ همي علي كأننـي

 

حتى الصباح معلقٌ بالفرقد

قلت: ذاك الأحوص. قال: ذاك هو. قال الهذلي: ثم أتيت جريراً فجعلت أستقل عنده ما أعطاني صاحبي أستخرج به منه؛ فقال: كم أعطاك ابن أختك؟ فأخبرته. فقال: ولك مثله؛ فأعطاني ستين ديناراً وعبداً. قال: وجئت رواته وهم يقوِّمون ما انحرف من شعره وما فيه من السناد، فأخذت منه ما أردت، ثم قلت: يا أبا حزرة، من أنسب الناس؟ قال الذي يقول:

يا ليت شعري عمن كلفت بـه

 

من خثعمٍ إذ نأيت ما صنعـوا

قومٌ يحلون بالـسـدير وبـال

 

حيرة منهم مرأىً ومستـمـع

أن شطت الدار عـن ديارهـم

 

أأمسكوا بالوصال أم قطعـوا

بل هم على خير ما عهدت وما

 

ذلك إلا التأميل والـطـمـع

قلت: ومن هو؟ قال: الأحوص. فاجتمعا على أن الأحوص أنسب الناس.
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء منها الأبيات التي يقول فيها الأحوص:

لي ليلتان فليلةٌ معسولةٌ

وأول ما يغني به فيها:

صوت

يا للرجال لوجدك المتـجـدد

 

ولما تؤمل من عقيلة في غد

ترجو مواعد بعث آدم دونهـا

 

كانت خبالاً للفؤاد المقتصـد

هل تذكرين عقيل أو أنساكـه

 

بعدي تقلب ذا الزمان المفسد

يومي ويومك بالعقيق إذ الهوى

 

منا جميع الشمل لـم يتـبـدد

لي ليلتان فلـيلةٌ مـعـسـولةٌ

 

ألقى الحبيب بها بنجم الأسعد

ومريحةٌ همي علي كأنـنـي

 

حتى الصباح معلقٌ بالفرقـد

- عروضه من الكامل. يقال: يا للرجال ويا للرجال بالكسر والفتح وفي الحديث أن عمر رضي الله عنه صاح لما طعن: يا لله ويا للمسلمين. وقوله: " في غد "، يريد فيما بعد وفي باقي الدهر؛ قال الله سبحانه: " سيعلمون غداً من الكذاب الأشر ". والخبل والخبال: النقصان من الشيء. والمخبل:، أصله مأخوذ من النقص بلأنه ناقص العقل. والمعسولة: الحلوة المشتهاة -.


الشعر للأحوص. والغناء في البيت الأول والثاني لمالك خفبف رملٍ بالبنصر عن الهشامي وحبش. وفي الثالث والرابع لسليمان أخي بابويه ثقيلٌ أول بالوسطى عن عمرو. وفيهما وفي الخامس والسادس لحنٌ لابن سريج ذكره يونس ولم يجنسه. وذكر حماد بن إسحاق عن أبيه أن لمعبدٍ في الأبيات كلها لحناً وأنه من صحيح غنائه، ولم يجنسه.

سألت امرأة ابنا للأحوص عن شعر له

أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه. عن أيوب بن عباية قال: بلغني أن ابناً للأحوص بن محمد الشاعر دخل على امرأةٍ شريفةٍ، وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني إبراهيم بن زيد عن عنبسة بن سعيد بن العاصي قال أخبرني أشعب بن جبير قال: حضرت امرأةٌ شريفةٌ ودخل عليها ابن الأحوص بن محمد الشاعر؛ فقالت له: أتروي قول أبيك:

لي ليلتان فليلةٌ مـعـسـولةٌ

 

ألقى الحبيب بها بنجم الأسعد

ومريحةٌ همي علي كأننـي

 

حتى الصباح معلقٌ بالفرقد

قال نعم. قالت: أتدري أي الليلتين التي يبيت فيها معلقاً بالفرقد؟ قال: لا والله. قالت: هي ليلة أمك التي يبيت معها فيها. قال إبراهيم في خبره: فقلت لأشعب: يا أبا العلاء، فأي ليلتيه المعسولة؟ فقال:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً

 

ويأتيك بالأخبار من لم تـزود

هي ليلة الإسراف، ولا تسأل عما بعدها.

ما قاله ابن جندب حين أنشد شعر الأحوص

أخبرني عبد العزيز ابن بنت الماجشون قال: أنشد ابن جندبٍ قول الأحوص:

لي ليلتان فليلةٌ مـعـسـولةٌ

 

ألقى الحبيب بها بنجم الأسعد

ومريحةٌ همي علي كأننـي

 

حتى الصباح معلقٌ بالفرقد

فقال: أما إن الله يعلم أن الليلة المريحة همي لأبلذ الليلتين عندي. قال الحرمي بن أبي العلاء: وذلك لكفله بالغزل والشوق والحنين وتمني اللقاء.

من هي عقيلة التي شغف بها الأحوص

وللأحوص مع عقيلة هذه أخبارٌ قد ذكرت في مواضع أخر. وعقيلة امرأةٌ من ولد عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه. وقد ذكر الزبير عن ابن بنت الماجشون عن خاله أن عقيلة هذه هي سكينة بنت الحسين عليهما السلام، كنى عنها بعقيلة.

أخبار متفرقة

أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي: أن إنساناً أنشد عند إبراهيم بن هشامٍ وهو والي المدينة قول الأحوص:

إذ أنت فينا لمن ينهاك عاصيةٌ

 

وإذ أجر إليكم سادراً رسني

فوثب أبو عبيدة بن عمار بن ياسرٍ قائماً ثم أرخى رداءه ومضى يمشي على تلك الحال ويجره حتى بلغ العرض ثم رجع. فقال له إبراهيم بن هشام حين جلس: ما شأنك؟ فقال: أيها الأمير، إني سمعت هذا البيت مرةً فأعجبني، فحلفت لا أسمعه إلا جررت رسني.
نسبة هذا البيت وما غني فيه من الشعر

صوت

سقـياً لـربـعـك مـن ربـع بـــذي ســـلـــمٍ

 

وللزمان به إذ ذاك من زمن أة ابنا للأحوص عن شعر له :

أة أة أة

إذ أنت فينا لمن ينهاك عاصيةٌ

 

وإذ أجر إليكم سادراً رسني

عروضه من البسيط. غنى ابن سريج في هذين البيتين لحناً من الثقيل الأول بالوسطى عن عمرو. وذكر إسحاق فيه لحناً من الثقيل الأول بالسبابة في مجرى الوسطى ولم ينسبه إلى أحد، وذكر حبشٌ أنه للغريض.


أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام عن سلام بن أبي السحماء وكان صاحب حمادٍ الراوية: أن حماداً كان يقدم أحوص في النسيب.


أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا عمر بن أبي سليمان عن يوسف بن أبي سليمان بن عنيزة قال: هجا الأحوص رجلاً من الأنصار من بني حرامٍ يقال له ابن بشير، وكان كثير المال؛ فغضب من ذلك، فخرج حتى قدم على الفرزدق بالبصرة وأهدى إليه وألطفه، فقبل منه، ثم جلسا يتحدثان؛ فقال الفرزدق: ممن أنت؟ قال: من الأنصار. قال: ما أقدمك؟ قال: جئت مستجيراً بالله عز وجل ثم بك من رجلٍ هجاني. قال: قد أجارك الله منه وكفاك مؤنته، فأين أنت عن الأحوص؟ قال: هو الذي هجاني. فأطرق ساعةً ثم قال: أليس هو الذي يقول:

ألا قف برسم الدار فاستنطق الرسما

 

فقد هاج أحزاني وذكرني نعـمـا

قال بلى. قال: فلا والله لا أهجو رجلاً هذا شعره. فخرج ابن بشير فاشترى أفضل من الشراء الأول من الهدايا، فقدم بها على جرير؛ فأخذها وقال له: ما أقدمك؟ قال: جئت مستجيراً بالله وبك من رجلٍ هجاني. فقال: قد أجارك الله عز وجل منه وكفاك، أين أنت عن ابن عمك الأحوص بن محمد؟ قال: هو الذي هجاني. قال: فأطرق ساعةً ثم قال: أليس هو الذي يقول:

تمشى بشتمي في أكاريس مالـكٍ

 

تشيد به كالكلب إذ ينبح النجـمـا

فما أنت بالمخسوس في جذم مالكٍ

 

ولا بالمسمى ثم يلتـزم الإسـمـا

ولكن بيتي إن سـألـت وجـدتـه

 

توسط منها العز والحسب الضخما

قال: بلى والله. قال: فلا والله لا أهجو شاعراً هذا شعره. قال: فاشتري أفضل من تلك الهدايا وقدم على الأحوص فأهداها إليه وصالحه.


نسبة ما في هذا الخبر من الغناء

صوت

ألا قف برسم الدار فاستنطق الرسما

 

فقد هاج أحزاني وذكرني نعمـى

فبت كأنـي شـاربٌ مـن مـدامةٍ

 

إذا أذهبت هماً أتاحت لـه هـمـاً

غناه إبراهيم الموصلي خفيف رملٍ بالوسطى عن الهشامي. وذكر عبد الله بن العباس الربيعي أنه له.

أنشد أبو السائب شعراً له فطرب ومدحه

أخبرني الحرمي قال حدثني الزبير قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز قال: قال لي أبو السائب المخزومي: أنشدني للأحوص؛ فأنشدته قوله:

قالت وقلت تحرجي وصلـي

 

حبل امرئٍ بوصالكم صـب

واصل إذاً بعلي فقلت لـهـا

 

الغدر شيءٌ ليس من ضربي

صوت

ثنتان لا أدنو لوصـلـهـمـا

 

عرس الخليل وجارة الجنب

أما الخليل فلست فـاجـعـه

 

والجار أوصاني بـه ربـي

عوجوا كذا نذكر لـغـانـيةٍ

 

بعض الحديث مطيكم صحبي

ونقل لها فيم الصـدود ولـم

 

نذنب بل أنت بدأت بالذنـب

إن تقبلي نقبل ونـنـزلـكـم

 

منا بدار السهل والـرحـب

أو تدبري تكدر معيشـتـنـا

 

وتصدعي متلائم الشـعـب

- غنى في " ثنتان لا أدنو " والذي بعده ابن جامع ثقيلاً أول بالوسطى. وغنى في " عوجوا كذا نذكر لغانيةٍ "والأبيات التي بعده ابن محرزٍ لحناً من القدر الأوسط من الثقيل الأول مطلقاً في مجرى البنصر - قال: فأقبل علي أبو السائب فقال: يابن أخي، هذا والله المحب عيناً لا الذي يقول:

وكنت إذا خليلٌ رام صرمـي

 

وجدت وراي منفسحاً عريضاً

اذهب فلا صحبك الله ولا وسع عليك "يغني قائل هذا البيت ".


أخبرني الحرميّ قال حدثّني الزّبير قال حدثّنا خالد بن وضاح قال حدثني عبد الأعلى بن عبد الله بن محمد بن صفوان الجمحي قال: حملت دينا بعسكر المهدي، فركب المهدي بين أبي عبيد الله وعمر بن بزيع، وأنا وراءه في موكبه على برذونٍ قطوف؛ فقال: ما أنسب بيتٍ قالته العرب؟ فقال له أبو عبيد الله: قول امرئ القيس:

وما ذرفت عيناك إلا لتضربي

 

بسهميك في أعشار قلبٍ مقتل

فقال: هذا إعرابي قحٌ. فقال عمر بن بزيع: قول كثير يا أمير المؤمنين:

أريد لأنسى ذكرها فكأنما

 

تمثل لي ليلى بكل سبيل

فقال: ما هذا بشيءٍ وماله يريد أن ينسى ذكرها حتى تمثل له! فقلت: عندي حاجتك يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك! قال: الحق بي. قلت: لا لحاق بي، ليس ذلك في دابتي. قال: احملوه على دابة. قلت: هذا أول الفتح؛ فحملت على دابة، فلحقت. فقال: ما عندك؟ فقلت: قول الأحوص:

إذا قلت إني مشتفٍ بلفـائهـا

 

فحم التلاقي بيننا زادني سقما

فقال: أحسن والله! اقضوا عنه دينه؛ فقضي عني ديني.
نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني منها الشعر الذي هو:

أريد لأنسى ذكرها فكأنما

 

تمثل لي ليلى بكل سبيل

صوت

ألا حييا ليلى أجد رحـيلـي

 

وآذن أصحابي غداً بقفـول

ولم أر من ليلى نوالاً أعـده

 

ألا ربما طالبت غير منـيل

أريد لأنسى ذكرها فكأنـمـا

 

تمثل لي ليلى بكل سـبـيل

وليس خليلي بالملول ولا الذي

 

إذا غبت عنه باعني بخلـيل

ولكن خليلي من يدوم وصاله

 

ويحفظ سري عند كل دخيل

عروضه من الطويل. الشعر لكثير. والغناء في ثلاثة الأبيات الأول لإبراهيم، ولحنه من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر. ولابنه إسحاق في:

وليس خليلي بالملول ولا الذي

ثقيلٌ آخر بالوسطى.

حديث ابن سلام عن كثير وجميل

أخبرني أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام، وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن محمد بن سلام قال: كان لكثيرٍ في النسيب حظٌ وافر، وجميلٌ مقدمٌ عليه وعلى أصحاب النسيب جميعاً، ولكثيرٍ من فنون الشعر ما ليس لجميل. وكان كثير راوية جميل، وكان جميلٌ صادق الصبابة والعشق، ولم يكن كثير بعاشق، وكان يتقول. قال: وكان الناس يستحسنون بيت كثيرٍ في النسيب:

أريد لأنسى ذكرها فكأنما

 

تمثل لي ليلى بكل سبيل

قال: وقد رأيت من يفضل عليه بيت جميلٍ:

خليلي فيما عشتما هل رأيتما

 

قتيلاً بكى من حب قاتله قبلي

حديث ابن مصعب الزبيري عن كثير قرأت في كتابٍ منسوبٍ إلى أحمد بن يحيى البلاذري: وذكر إسحاق بن إبراهيم الموصلي أن عبد الله بن مصعب الزبيري كان يوماً يذكر شعر كثيرٍ ويصف تفضيل أهل الحجاز إياه، إلى أن انتهى إلى هذا البيت. قال إسحاق: فقلت له: إن الناس يعيبون عليه هذا المعنى ويقولون: ما له يريد أن ينساها! فتبسم ابن مصعبٍ ثم قال: إنكم يا أهل العراق لتقولون ذلك.

ذكر كثير عن أنسب بيت قاله فأجاب

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو يحيى الزهري قال حدثني الهزبري قال: قيل لكثيرٍ: ما أنسب بيتٍ قلته؟ قال: الناس يقولون:

أريد لأنسى ذكرها فكأنما

 

تمثل لي ليلى بكل سبيل

وأنسب عندي منه قولي:

وقل أم عمرٍ داؤه وشـفـاؤه

 

لديها ورياها الشفاء من الخبل

وقد قيل: إن بعض هذه الأبيات للمتوكل الليثي.
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عثمان - قال الحرمي: أحسبه ابن عبد الرحمن المخزومي - قال حدثنا إبراهيم بن أبي عبد الله قال: قيل لمحرز بن جعفر: أنت صاحب شعرٍ، ونراك تلزم الأنصار، وليس هناك منه شيء؛ قال: بلى والله، إن هناك للشعر عين الشعر، وكيف لا يكون الشعر هناك وصاحبهم الأحوص الذي يقول:

يقولون لو ماتت لقد غاض حبه

 

وذلك حين الفاجعات وحينـي

لعمرك إني إن تحم وفاتـهـا

 

بصحبة من يبقى لغير ضنين

وهو الذي يقول:

وإني لمكرامٌ لسـادات مـالـكٍ

 

وإني لنوكى مالكٍ لـسـبـوب

وإني على الحلم الذي من سجيتي

 

لحمال أضغانٍ لهن طـلـوب

ما قاله الأحوص في مرض موته

أخبرني الحرمي قال حدثني الزبير قال حدثني عمي مصعبٌ قال حدثني يحيى بن الزبير بن عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير، قال الزبير وحدثني علي بن صالح عن عامر بن صالح: أن الأحوص قال في مرضه الذي مات فيه - وقال عامر بن صالح: حين هرب من عبد الواحد النصري إلى البصرة -:

يا بشر يا رب محزونٍ بمصرعنا

 

وشامتٍ هذلٍ ما مسه الـحـزن

وما شمات امرئٍ إن مات صاحبه

 

وقد يرى أنه بالموت مرتـهـن

يا بشر هبي فإن الـنـوم أرقـه

 

نأيٌ مشتٌ وأرضٌ غيرها الوطن