قانون النفط العراقي الجديد

استهتار الشركات بمصالح العراق

القانون الجديد يبشر بعقلية جديدة

نشر المقال في كانون الثاني 1962 ، العدد الخامس عشر ، الرائد العربي

لا نبالغ اذا قلنا ان قانون النفط الجديد الذي أصدرته الحكومة العراقية مؤخراً ، والذي جردت بموجبه شركات النفط العاملة في العراق من مناطق الامتياز غير المستثمرة ، يشكل نقطة تحول في تاريخ العلاقات بين الحكومة العراقية وشركات النفط ، كما ان فيه كسباً كبيراً لبلاد ما بين النهرين . فالمفاوضات التي دامت ما يزيد عن الثلاث سنوات ، إنتهت قبل حوالى شهرين برفض الشركات للمطالب العراقية الرئيسة ، ومنها قضية استرجاع المناطق غير المستثمرة . وقد أظهرت المفاوضات استهتار الشركات بمصالح العراق ، مستفيدة من الظروف السياسية الحرجة التي كان يمر بها العراق . كذلك ، فان معرفة الشركات بأن العراق لا يملك امكانية استثمار نفطه وتسويقه بنفسه ، وانه لن يستطيع الاعتماد في استمالة أي من الشركات الكبيرة لاستثمار هذه المناطق في حال تجريد الشركات الحالية من امتيازاتها ، قد شجع هذه الشركات على المضي في تصلبها في رفض المطالب العراقية المحقة .

جاء القانون الجديد وفيه الكثير من الحكمة والجرأة . وفيه يثبت العراق بطلان الزعم القائل بعجز الحكومات العربية حيال شركات النفط ، وبان الحل الوحيد لتصحيح الاوضاع المجحفة بمصالح البلدان العربية ، في حال فشل المفاوضات ، هو التأميم ، بينما هذا التأميم مستبعد عملياً في الوقت الحاضر . لقد كانت الشركات تتخذ وجهة النظر هذه في تعاملها مع حكومات البلدان العربية المنتجة للنفط ، وفي مفاوضاتها الاخيرة مع العراق . وكانت تبدو واثقة من نصر أكيد ، خاصة وان الحكومة العراقية قد اعلنت عن عزمها احترام مصالح الشركات، مستبعدة بذلك احتمال اللجوء الى اجراءات تأميمية .

هنا تكمن الحكمة في القانون الجديد . فاسترجاع المناطق غيرالمستثمرة منصوص عليه في الاتفاقيات المعمول بها حالياً . فليس ، والحالة هذه ، أي تعسف تجاه الشركات او اي خرق لتعهدات الحكومة العراقية . ألا ان فيه مكاسب كبيرة للعراق . فالمناطق المسترجعة غنية بالنفط الخام ، وسيؤدي استثمارها الى زيادة عائدات الحكومة العراقية زيادة ملحوظة . غير ان زيادة العائدات ليست المكسب الوحيد او الأكثر أهمية . فالمناطق المسترجعة ستعطي الحكومة العراقية امكانية اجراء تجربة جديدة في مجال استثمار الثروة النفطية . وامام العراق الآن طريقتان لاستثمار هذه المناطق ، فاما ان تعهد بذلك الى الشركة الوطنية التي أنشأتها مؤخراً ، فتكون بذلك قد خطت الخطوة الاولى في سبيل تعريب صناعة النفط ، واما ان تتعاقد مع شركات اجنبية جديدة بالشروط الني تضمن لها تحقيق المطالب التي كانت أساس مفاوضاتها مع الشركات الحالية ، فتوجد بهذا العمل بادرة تستند اليها في اجراءاتها المقبلة تجاه هذه الشركات العاملة حالياً في البلاد.

تبقى المطالب الرئيسة الاخرى التي طالب بها العراق والتي لم يشملها القانون الجديد ، وأبرزها زيادة نسبة العائدات والمشاركة في ملكية الشركات بما لا يقل عن 20 بالمئة . هذه المطالب هي من صلب مصالح العراق التي شكلت الاساس المعنوي لموقف الجمهورية العراقية في المفاوضات . ولا يمكن مطلقاً الاستنتاج بأن في عدم شمول القانون الجديد لهذه المطالب تراجعاً عنها من قبل حكومة بغداد . فقد أعلنت الحكومة العراقية بلسان رئيسها ان القانون الجديد ما هو الا خطوة اولى في سبيل تحقيق مصلحة العراق في بتروله . ويفهم من هذا القول ان في جعبة الحكومة العراقية مشاريع اخرى لا بد ان يكون هدفها تحقيق المطالب الرئيسة المذكورة .

قلنا في مطلع تعليقنا هذا على القانون الجديد انه يشكل نقطة تحول في علاقات العراق بالشركات العاملة في اراضيه . أي ان العراق قد بدأ يسير في الطريق العملي الصحيح الذي يؤدي الى تحقيق ما تمليه عليه المصلحة العامة ، بواسطة العمل الايجابي المنطقي المنظم . فالاسلوب الذي كان متبعاً حتى الآن ، والذي كان يقوم على اساس المطالبة بمطالب اجمالية غير واضحة المعالم وبلهجة ملؤها الحماسة ولكن يعوزها المنطق ، قد أثبت فشله وبرهن على انه لتغطية العجز في تحقيق المصالح العربية بصورة جدية ومنطقية . والاسلوب الصحيح يقوم على تحديد الاهداف حتى في أدق تفاصيلها ، وتقدير الامكانات ، وبالتالي التخطيط الصحيح على هدى هذه الاهداف والامكانات ، وايجاد الظروف الملائمة للوصول الى الاهداف المرجوة . وهذا ، على ما يبدو ، ما بدأ العراق فعله . ولهذا نقول ان قانون النفط الجديد هو نقطة تحول ، لا في علاقات العراق بالشركات فحسب ، بل في المنطق العربي حيال فضايا البترول . وهذا ما يبشر ببروز عقلية جديدة ، نأمل ان تسيطر على تفكير المسؤولين جميعاً تجاه ثروتنا البترولية .