الجانب القانوني في اعمال مؤتمر البترول العربي

د. عثمان خليل عثمان: رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق في جامعة القاهرة

نشر المقال في شباط / فبراير 1962 ، العدد السادس عشر ، الرائد العربي

لست أخفي أنه عندما قرر مجلس جامعة القاهرة ان أحضر مؤتمر البترول العربي مندوباً عن كلية الحقوق ، سألت نفسي ما لي وأعمال مؤتمر خاص بالبترول يضم الاطراف المعنية في شؤون النفط الفنية ولا محيص من ان تدلي فيه الهيئات والشركات الممثلة بنتائج خبراتها العلمية والفنية وتتبادل الرأي في المشاكل التي تعترض انتاج البترول ونقله وتسويقه وما الى ذلك من أمور .

ولست أخفي كذلك ان هذا التساؤل عاد فراودني مرة اخرى عندما اطلعت على جدول الاعمال ووجدته يضم عدة لجان متخصصة في مختلف النواحي العملية والفنية السالفة الذكر ، ولم أجد الناحية القانونية تشغل الا جزئية من نطاق عمل اللجنة الاولى التي جمعت بين هذه الناحية القانونية والناحية الاقتصادية ومجموعة متنوعة من المسائل العامة ، منها الطبي والهندسي وغيرهما مما يدخل في شمول معنى " المسائل العامة " ، وبذلك كانت هذه اللجنة ضخمة العدد ، متنوعة الفئات ونواحي التخصص ، وكان على العضو فيها ان ينتقل من موضوع قانوني ، مثلاً، الى آخر يتعلق باشعاعات البترول وأثرها على الجلد ، وما قد يخلفه العمل البترولي من امراض صعبة العلاج ، ثم ننتقل مباشرة الى الجانب العلمي والهندسي في صناعة النفط او في نقله او في تسويقه ، ثم يعود فجأة الى موضوع قانوني بحت ، كالتحكيم في المنازعات البترولية ، ليستمع المشارك بعدها الى موضوعات من نوع آخر تماماً ، على كل ما في ذلك من متعة وفائدة ، كموضوع الحرص على المعين البترولي في بلادنا من ان يبدد حتى ينضب قبل ان نكون قد استعنا به على مواجهة كل احتمالات المستقبل ، وموضوع الاستفادة من الغازات البترولية المختلة ، وما الى ذلك من الموضوعات العامة المهمة .

بلغت الحيوية حداً بعيداً في مناقشات اللجنة الاولى ، رغم كل الاعتبارات التي ذكرتها سابقاً ، وأبرزت البحوث القانونية التي ألقيت والمناقشات التي نبعت عنها ان الجانب القانوني ، جانب أصيل ، وبالتالي يجب ان يكون كذلك في المقبل من اعمال هذا المؤتمر، وعلى نطاق اكثر ضبطاً واتساعاً ، وذلك على النحو الآتي :

اولاً ، أرجو ، من حيث المزيد من الضبط ، ان تخصص لجنة تهتم بشكل أساس بالجانب القانوني والاقتصادي المتعلق في شؤون البترول ، بحيث يحضرها فقط المعنيون بهذا الامر بالذات ولا يضيع بعض وقتهم في بحث او مناقشة مواضيع لا تمت لهذا الجانب بصلة مباشرة ، وحتى لا يفرضوا على غير القانونيين والاقتصاديين الاستماع الى المشاكل القانونية والاقتصادية في غير رغبة او اهتمام ، في حين يحتاج المؤتمر لعلمهم وخبرتهم في بعض نواحيه الاخرى . كذلك يجمل ، رغم ما اعترف به من الصعوبات العملية في ذلك ، ان يكون اعداد البحوث وتقديمها الى سكرتارية المؤتمر التي تقوم بدورها بتوزيعها على الاعضاء ، كاملة او مختصرة ، قبل انعقاد المؤتمر بوقت كاف ، حتى تكتمل الفائدة ونتفادى المناقشات المرتجلة والآراء المتيسرة التي قد تخلق بين الاراء جوة ، وربما فجوات ، يمكن تفاديها اذا ما اتحيت الفرصة للمشاركين الاطلاع عليها مسبقاً والتأمل ملياً بها وتدبر الرأي قبل الجلسة وقبل النقاش .

وفي النهاية ، أسجل لهذا المؤتمر ، العناية الكبيرة التي بذلها في اعداد الاماكن ووسائل الترجمة والاذاعة ، وإن كنت أرجو منها المزيد في المؤتمرات القادمة . ان اول مستلزمات العمل في المؤتمر هو توفير أعلى مستوى مستطاع من هذه الامكانات المادية ، خاصة عندما يضم المؤتمر ممثلين مختلفي الموطن واللغة والثقافة والتخصص والاتجاهات .

ثانياً ، أرى ان الجانب القانوني في شؤون النفط هو جانب في غاية الاهمية ، لذلك لا بد من ان لا يغيب عن مؤتمرات البترول القادمة . وفي مقدمة الامور القانونية المتعلقة في شؤون النفط هي الموضوعات ذات الصلة بالنظام القانوني (في الدول المختلفة) لتراخيص البحث والتنقيب عن النفط ، وما يجب ان تكفله هذه المرحلة من ضمانات للباحث والمنقب في حدود الحفاظ على حقوق الدولة التي يوجد البترول في اراضيها . ويأتي ايضاً موضوع الادارة الدستورية اللازمة لمنح امتيازات البترول ، ومدى مساهمة كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية في هذا الشأن ، وأثر ذلك في الروابط الدولية وفي تطبيق قواعد القانون الدولي العام والخاص على السواء . وهنالك موضوع قانوني ثالث شديد الاهمية ، سبق ان عني به المؤتمر السابق وهو القيمة القانونية لامتيازات البترول من زاوية سيادة الدولة ، والعدالة المنشودة في الشروط التي تتضمنها عقود الامتياز البترولي ، من حيث توزيع الارباح وضبط الميزانيات والحسابات والبيانات وأوجه رقابتها بالقدر الكافي والمعقول ، ووسائل الفصل اوالتحكيم في كل خلاف يثار بصدد اي امر . ولا بد له ان يشمل شؤون العمل والعمال وشؤون التسويق وتحديد الاسعار المحلية والعالمية وكفالة حسن العلاقات والتعاون بين الاطراف المعنية في الامتياز البترولي والتعديلات الاضافية التي يمكن ان ترد مع الزمن على نصوص الامتياز الاصلية، متابعة لتطور الزمن ولمقتضيات الامن او النظام العام او الصحة العامة .

كل هذه الامور لا بد ان ترد للذهن من الناحية القانونية وان تطرح في اعمال مؤتمر البترول العربي . وهي بعض من كل ، وتشبه رؤوس الموضوعات ، بحيث يمكن ان يجري تكميلها وبلورتها من جهة ، وان تتفرع عنها ، من جهة ثانية ، موضوعات ثانوية متعددة . واعتقد ان المجال يها متسع ، بحيث يستطيع كل اعضاء المؤتمر ان يؤدوا خدمة جليلة في دراسة معضلات البترول على الصعيد الداخلي والعربي والدولي . ويطيب لي في نهاية هذه الملاحظات ان أحيي مؤتمر البترول العربي الذي كان لي شر الاشتراك في جلساته بالاسكندرية في تشرين الاول / اكتوبر الماضي ، راجياً ان يكون للبحث القانوني نصيب أوفى من اعمال هذا المؤتمر في الاعوام المقبلة .