مركز تنمية المجتمع العربي بسرس الليان

 

المعهد يخرج اخصائيين في التعامل مع الجماعات والاتصال بالجماهير

نشر هذا التحقيق في ايلول / سبتمبر 1961 ، العدد الحادي عشر ، الرائد العربي

شهدت البلاد العربية في السنوات العشر الماضية نهضة ملحوظة شملت الكثير من مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والادارية . وهذه النهضة لم تكن الا نتيجة للعمل المستمر والجهد المبذول من قبل الحكومات والمؤسسات الاهلية ، انبثاقاً من شعورها بالحاجة الى التحرر ومحاربة التخلف الاجتماعي بشتى مظاهره وصوره ، تمهيداً لإرساء دعائم وقواعد مجتمع عربي جديد تسوده الرفاهية وتظلله العدالة . فقد كانت البلاد العربية ، وما تزال ، في أمس الحاجة الى خبراء في مختلف متطلبات الحياة ، تستعين بهم على وضع مخططات النهضة والاشراف على تنفيذها . ومن هذه الحاجة انبثقت فكرة انشاء " مركز تنمية المجتمع العربي في سرس الليان " في المنوفية بالاقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة .

مركز التربية الاساسية

أنشئ المركز في سنة 1952 تحت اسم " مركز التربية الاساسية " . وكان المقصود من التربية الاساسية حينذاك العمل مع الجماعات المتخلفة اقتصادياً وعلمياً لكي تسعى هذه الجماعات الى النهوض بنفسها . وكانت هذه التسمية في الواقع مطاطة وغامضة لأنها اقتصرت في عملها على بعض النواحي الفنية التي تتصل ، بشكل او بآخر ، بالاعلام ، أي تبصير الناس بوسائل مختلفة تبدأ من القراءة والكتابة للكبار ، وتمتد الى مختلف النواحي التي يشتمل عليها المجتمع كالزراعة والتعليم والصحة الخ ..

كان هذا التقسيم في الواقع تقسيماً مفتعلاً . لذلك استبدل اسم المركز من " التربية الاساسية " واصبح " مركز تنمية المجتمع " لأن هذه التسمية أعم وأشمل وتتعدى مجرد الاعلام الى خدمة المجتمع . وبذلك اصبح باستطاعة المركز تحقيق مهمته الاساسية في تخريج قادة اجتماعيين من جميع البلدان العربية كي يعودوا الى بلدانهم اما لتدريب غيرهم واما لادارة مشروعات التنمية القائمة في تلك البلدان.

برامج الدراسة ومدتها

تقسم الدراسة في المركز من الناحية الزمنية الى قسمين : دراسة طويلة ومدتها تسعة أشهر ، ودراسة قصيرة مدتها ثلاثة أشهر . ويتلقى الطلاب ، في كلا القسمين ، نوعين من الدروس . النوع الأول نظري يستهلك 30 بالمئة من ساعات البرنامج وتقدم فيه للطالب المعلومات التي يحتاج اليها للتعامل مع الجماعات ، من سيكولوجية الجماعات الى اساليب الاتصال بالجماهير ، ومن وسائل الدعاية والنشر الى عقلية الفلاح الخ.. والنوع الثاني من الدروس عملي ويستهلك 70 بالمئة من ساعات البرنامج يقضيها الطالب في قرى التدريب التي تبلغ حوالى 20 قرية ، وتطبق فيها المعلومات والدروس النظرية السابقة الذكر .

يقوم على التدريس نخبة من الاخصائيين الاجتماعيين في البلاد العربية ، كما يقوم المركز بالاستعانة في بعض الاحيان ببعض الاساتذة الاجانب الذين لم تتعد نسبتهم 1.6 من الهيئة التعليمية في المركز . ومن الطبيعي ان يكون الطلاب الذين يلتحقون بالمركز من حملة المؤهلات العالية وممن يشتغلون في وزارات الصحة والزراعة والتربية والشؤون الاجتماعية وممن لاعمالهم علاقة بالريف . وتجدر الاشارة الى ان عدد الخريجين قد بلغ منذ انشاء المركز حتى الآن نحو الف خريج من رعايا جميع الدول العربية . 

نفقات المركز

تشترك مؤسسة اليونسكو والدولة المضيفة ، وفي هذه الحالة الجمهورية العربية المتحدة ، بموجب اتفاقية محددة ، بتحمل مصاريف المركز . وقد وزعت الميزانية على الفريقين بحيث تتكفل حكومة الجمهورية العربية المتحدة بتوفير الارض والمباني والمواصلات والعمال وحقول التجارب الخ.. بينما تتكفل اليونسكو بتقديم الخبراء والمعدات والمنح الدراسية والبعثات . كذلك نصت الاتفاقية على توزيع البعثات على جميع الدول العربية بنسبة الثلث للدولة المضيفة ، ويوزع الثلثان الآخران بالتساوي على الدول العربية الاخرى . وبمقتضى برنامج المعونة الفنية التي تقدمها اليونسكو للدول المتخلفة ، يمكننا القول ان بعثات الدول العربية ، من غير الجمهورية العربية المتحدة ، قد تضاعفت في السنتين الماضيتين .

تعاون المركز مع الحكومات

يقول الدكتور محمد سعيد قدري ، مدير المركز ، ان تعاون المركز مع حكومات الدول العربية آخذ في الازدياد يوماً بعد يوم ، حيث ان تفهم الحكومات لرسالة المركز آخذ بالنمو ، مما جعلها ، أي الحكومات ، تتزاحم على ارسال المبعوثين .

مؤتمر الخريجين الاول

تجمعت لدى " مركز تنمية المجتمع العربي " حصيلة كبيرة من الخبرات في ميدان تدريب العاملين في تنمية المجتمع ، كما تجمعت لدى خريجيه خبرات اخرى من العمل في بلدانهم بعد تخرجهم . فكان ان شعر المسؤولون من رجال الحكومات العربية والمنظمات الدولية المشتركة في المركز بالحاجة الى تبادل تلك الخبرات وتدريسها ، كما أكدت اتصالات المركز بالخريجين رغبتهم في عقد مؤتمر يجمعهم مع بعض المسؤولين في البلاد العربية وخبراء المركز لتدريس طرق تدريب العاملين في مشروعات تنمية المجتمع في البلاد العربية وما استحدث فيها . فكان مؤتمر الخريجين الاول الذي عقد في بيروت في الفترة الواقعة بين 25 تموز / يوليو و 2 آب / اغسطس 1961 ، حيث تمثلت فيه جميع الافواج التي تخرجت ، واشتركت فيه الحكومات العربية والامانة العامة لجامعة الدول العربية والمنظمات الدولية ، الى جانب بعض ذوي الرأي من رجال الفكر ، في هذا الميدان ، القادمين من البلدان العربية .

الاتجاهات التي أسفر عنها المؤتمر

قام المؤتمر بنشاط ملحوظ ، فانتظمت اعماله في اثنتي عشرة لجنة تناولت اهم ميادين تنمية المجتمع . وعقدت اجتماعات درست فيها المسائل التي كانت في جدول اعمالها واستعرضت بعض البحوث التي اعدت خصيصاً للمؤتمر واطلعت على بعض التقارير الموزعة . خرجت هذه الاجتماعات والجلسات والمناقشات بقرارت ودراسات مستفيضة . ثم عقدت جلسة عامة نوقشت فيها كل التقارير والتوصيات التفصيلية العامة للمؤتمر ( التوسيات في الملحق ادناه ) . وكان لمنظمي المؤتمر ندوات اذاعية وتلفزيونية تحدثوا فيها عن اعمال المؤتمر ومقرراته .

برزت في معرض استعراض المؤتمر لواقع البلاد العربية ودراسته لشؤون التنمية الاجتماعية فيها ، اتجاهات واضحة تظهر التصميم الجدي على رفع مستوى معيشة الناس وتأمين حياة لائقة لجميع المواطنين . ولعل أهم هذه الاتجاهات :

- ان التفكير بتنمية المجتمع والعمل على تحسين مستوى معيشته قد اخذ ينتقل ، في مختلف البلدان العربية ، من الصعيد العاطفي والكلامي الى الصعيد الموضوعي ، ومن الصعيد الفردي العفوي الى الصعيد الجماعي المنظم .

- ان العالم العربي قد اخذ يدرك ادراكاً متزايداً بوجوب العناية بكل العناصر المادية والبشرية من اجل تحقيق اهداف التنمية .

- ان تنمية المجتمع تقوم على ايجاد الحيوية وتنشيطها وزيادة الطاقة في مختلف المجالات والعناصر المادية والبشرية ، وانه لا بد من ان تشتمل برامج تنمية المجتمع على تكوين اتجاهات جديدة وقيم متطورة لدى المواطنين لتزداد ثقتهم بانفسهم وقدرتهم على العمل والانتاج وعلى الشعور بالمسؤولية الجماعية .

- ان العدل الاجتماعي والتماسك القومي يستلزمان نوعاً من التعاون بين البيئات والمجتمعات المحلية المحرومة وبين المجتمعات المحلية الاوفر حظاً ، وان الحاجة قد ظهرت في البلاد العربية الى توجيه قسم كبير من العناية بالبيئة الريفية وسكان البادية والاحياء الفقيرة في المدن .

ملحق

أهم توصيات المؤتمر

ندرج في ما يلي أهم التوصيات التي تقدم بها المؤتمر للحكومات والهيئات المسؤولة التي لها علاقة بشؤون التنمية الاجتماعية .

يوصي المؤتمر بما يلي :

- مراعاة التنسيق بين برامج التنمية المحلية والخطط القومية بحيث يغذي كل منهما الآخر .

- مراعاة التنسيق بين مختلف المؤسسات بحيث يمتنع التداخل والتكرار ، وتتنوع الخدمات التي تؤديها تلك المؤسسات بما يضمن الوفاء بأكبر قدر ممكن من حاجات المجتمع .

- ضرورة اشتراك الاهالي في انشاء المؤسسات وادارتها ضماناً لتوافق برامجها مع حاجات الاهالي وتأكيداً للعلاقة بين المؤسسة والمجتمع الذي تخدمه .

- لما كانت الادارة المحلية وسيلة فعالة في تتنمية المجتمع ، وتدريباً للمواطنين على ادارة شؤونهم بأنفسهم ، فان المؤتمر يوصي باعتبار نظام الادارة المحلية جزءاً من مشروعات تنمية المجتمع المحلي في العالم العربي، واستثارة الوعي العام للاخذ بهذا النظام وتكوين الاجهزة اللازمة لذلك .

- العمل على توسيع فرصة اشتراك افراد المجتمع المحلي في ادارة شؤونهم بأنفسهم ومراعاة تمثيل الفئات المختلفة في المجتمع في الادارة المحلية والعمل على تدريب اعضاء المجالس المحلية والاضطلاع بمهام الحكم المحلي .

- اعتبار المرأة قوة عاملة ومنتجة في تنمية المجتمع وضرورة اشتراكها في مجالات النشاطات المختلفة واتاحة الفرصة المناسبة لها لتسهم في زيادة دخل الاسرة ودخل المجتمع بصورة عامة ، وذلك عن طريق تزويدها بالمعلومات والمهارات التي تمكنها من القيام بدورها في ميادين العمل والانتاج الى جانب دورها الطبيعي في نظام الاسرة ووظائفها .