مشاكل التنمية الاقتصادية في العالم العربي

 


نشرت هذه المراجعة لكتاب " مشاكل التنمية الاقتصادية " لمؤلفه محمود حسن صوان في كانون الثاني / يناير 1961 ، العدد الثالث ، الرائد العربي.

الكتاب الذي نعرضه هذا الشهر يعالج المشكلة الاقتصادية الأساسية التي تواجه المجتمع العربي ، ألا وهي مشكلة التنمية . فمع ان أمور التنمية الاقتصادية قد إستقطبت افكار الكثيرين من الدارسين والباحثين باللغات الاجنبية ، إلا ان كتاب مشاكل التنمية الاقتصادية في العالم العربي هو احدى الدراسات القليلة والمعدودة المتعلقة بالمنطقة والمكتوبة بالعربية .

يقول السيد محمود حسن صوان في الفقرة الاولى من كتابه : " ان التنمية الاقتصادية السليمة ما هي الا مشكلة تكوين رأس المال الحقيقي ، وتسير وفقاً لخطة مرسومة وبرنامج مدروس ، وتهدف الى إنماء الدخل القومي بمعدل يفوق معدل تزايد السكان . ويحدد مستوى المعيشة الفرق بين المعدلين . فكلما ارتفع معدل تزايد السكان ، ارتفع معه المعدل المطلوب لزيادة الدخل الحقيقي " . بهذا التعريف يضع السيد صوان الاساس النظري لبحثه الاقتصادي بعد ان قسَم الموضوع الى ستة فصول تمتزج فيها النظرية الاقتصادية بالواقع الاقتصادي العربي بنسب مختلفة .

الفصل الأول من الكتاب هو ، في غالبيته ، مقدمة نظرية تعطي القارىء فكرة مقربة عن مفهوم التنمية الاقتصادية كاسلوب للقضاء على انخفاض مستوى الدخل ومظاهر التدني الاقتصادي في المناطق المسماة " غير متطورة اقتصادياً " . والعلاج الذي يقترحه المؤلف للتنمية الاقتصادية ، في هذا الفصل ، يتم على ضوء العوامل المختلفة والمشتركة في خلق " التأخر الاقتصادي ، مثل انخفاض متوسط دخل الفرد وانتشار البطالة المقنعة والزيادة السريعة في عدد السكان وانخفاض مستوى التقنية الخ...

ومن جهة اخرى ، تقوم العوامل المختلفة والمشتركة في خلق " التقدم الاقتصادي " ، مثل الجو العام المؤاتي للتقدم ، ووجود رأس المال ، والمنظمين والخبراء الخ .. وقبل ان ينتهي المؤلف من هذا الفصل يتطرق الى مشكلة الرقعة الارضية الانتاجية ومشكلة تزايد السكان في اربع بلدان عربية .

يقل الطابع النظري في الفصل الثاني وينتقل البحث الى واقع " التبادل التجاري العربي والتجارة الخارجية " . وفيه يحلل المؤلف نوع واتجاه وكمية التبادل التجاري وميزان المدفوعات بين البلدان العربية، وبين البلاد العربية مجتمعة وبلدان العالم ، ويربط كل ذلك ببحث نظريعن علاقة التجارة الخاجية وميزان المدفوعات بخطة التنمية . ثم ينتقل من التجارة الى الزراعة مستعرضاً مظاهر الوضع التخلفي الزراعي في البلاد العربية . فقوانين الايجارات واشكال التملك الاقطاعيوضعف فعالية الفلاحين والارض وعدم كفاءة المؤسسات ومظاهر فنية اخرى ، كلها تسهم في انخفاض الانتاجية الزراعية على امتداد الوطن العربي .

يستخلص السيد صوان من فصله هذا ضرورة تبني مشاريع الاصلاح الزراعي لبعث الطاقات الزراعية الكامنة ولرفع مستوى الدخل الفردي والعام في البلاد العربية ، بعد ان يكون قد استعرض مشاريع الاصلاح الزراعي ( إعادة توزيع الارض ) في سبع دول عربية . ولا تقتصر زيادة الانتاجية الزراعية على الاصلاح الزراعي فحسب ، بل تتعداه الى رسم سياسة زراعية متكاملة ، وزيادة استخدام التكنولوجيا في الزراعة ، وتنويع الانتاج وتسويقه ، وانشاء مشاريع الري والاصلاح .

أما الفصل الرابع فيتطرق الى التصنيع . والتصنيع هو موضوع الساعة في البلاد العربية النامية . وقد عنى المؤلف عناية خاصة بتقديم صورة واضحة عن حركة التصنيع في عشر دول عربية ممهداً لها بدراسة نظرية متكاملة عن أسباب إنخفاض الانتاجية الصناعية في الوطن العربي . وعزا المؤلف اسباب انخفاض الانتاجية الصناعية الى ضيق السوق العربية المجزأة تبعاً للتقسيم السياسي للدول العربية ولافتقار بعض المناطق للخامات الاولى وللطاقة وشحة رؤوس الاموال والخبرة التكنولوجية والادارية . ويعالج المؤلف في هذا الفصل ايضاً قضايا البترول العربي وصناعته ودوره في حركة التصنيع العربي .

ينتقل الكتاب في فصله الخامس الى بحث مشاكل تمويل خطة التنمية . وهو بحث في النظرية الاقتصادية ويتعلق بالسبل المستعملة والمرغوبة لتزويد عملية النهضة الاقتصادية برأس المال الضروري .

إشتمل الكتاب في نهايته على مراجع مهمة بالعربية والانكليزية تتعلق بشؤون النمو والانماء في البلدان المتخلفة والبلاد العربية ، كما اشتمل على مجموعة قيمة من البيانات الرقمية والجداول .