4- نهر الاردن : وعده ووعيده: مفاوضات جونستون وما بعدها

 

 

مفاوضات جونستون وما بعدها

 فكتور خوري

نشر هذا المقال في  ايار / مايو 1961 ، العدد السابع ، الرائد العربي

وهو المقال الرابع والاخير في سلسلة " نهر الاردن : وعده ووعيده " المؤلفة من اربع حلقات            

راجعنا في الحلقات الثلاث الاولى من هذه السلسلة فائدة مشاريع تحويل نهر الاردن بالنسبة  الى اسرائيل وتطور فكرة التحويل منذ هرتزل حتى المشروع الذي تطبقه اسرائيل اليوم . وقد حاولنا وضع المشاريع المختلفة في سياق تاريخي وتنظيمي موحد ، وضمن إطار جغرافي وطبيعي ، قلما بحث فيه نهر الاردن ، وهما المفاوضات التي دارت حول مشروع الامم المتحدة المعروف بمشروع جونستون او مشروع التنمية الموحد ، من جهة ، والمراحل التي قامت الدول العربية بتنفيذها ، إما استزادة للفائدة من المياه المهدورة او محاولة منها لمنع اسرائيل من الاستفادة منها . 

ولعله من الصعب جداً بحث أي من الموقفين بمعزل عن الآخر . ولذا ، فإنه من الافضل إتباع التسلسل التاريخي في تطور القضية . 

أعد في سنة 1952 المهندس ميلز بنجر Mills E. Bunger مدير دائرة مصادر المياه في بعثة النقطة الرابعة بالاردن مشروعاً مبدئياً لتنمية منطقة الغور الاردنية وريها من مياه نهر الاردن ورافده نهر اليرموك. وأعد هذا المشروع بناء على طلب من الحكومة الاردنية . غير انه لا توجد اي دراسة متكاملة وموحدة لهذا المشروع الذي لم ينشر إطلاقاً . وكل ما يمكن الاطلاع عليه ينحصر في تصريح للسيد ولينغ Welling ، مدير عمليات النقطة الرابعة في الاردن آنذاك  والذي القاه امام مجلس الوزراء الاردني ، بالاضافة الى تقرير لبنجر يدرس فيه امكانية تنفيذ مشروعه . والذي يهمنا في هذا المشروع كونه " يهدف الى أقصى حد ممكن من التنمية لوادي الاردن من دون ان يفترض مفاوضات قد تكون مستحيلة في الوقت الحاضر " . وبمعنى آخر ، كان يهدف الى استخدام مياه الروافد العربية من دون ان يدخل في حسابه امكانية التعاون مع اسرائيل. وقد تم له ذلك بعد ان إكتشف موقعاً مناسباً لاقامة سد لخزن مياه نهر اليرموك قرب محطة المقارن على سكة حديد الحجاز ، بينما كان جميع المهندسين الذين درسوا مشروعات الوادي يفترضون ان بحيرة طبريا هي المكان الطبيعي لتخزين المياه الموسمية ، من سنة الى أخرى . غير ان الظروف السياسية التي جعلت بحيرة طبريا تقع تحت ادارة غير عربية ، قد فرضت استبعاد قبول الاطراف العربية ، ولأسباب غير اقتصادية بخزن المياه المعدة لري الاراضي العربية فيها . وهكذا ، فإن بنجر ، الذي حلَ المشكلة الفنية التي كانت تقف في وجه تنمية اليرموك على اساس عربي ، قد حل بذلك ايضاً العقدة السياسية التي كانت تعترض هذه التنمية. 

لما كانت الحدود السورية - الاردنية تقطع نهر اليرموك في نقاط عديدة ، وكانت البحيرة الاصطناعية المقترح انشاؤها تفترض إغراق بعض الاراضي التابعة لسوريا ، فإن الحكومتين السورية والاردنية توصلتا الى اتفاق على توزيع المياه والكهرباء من هذا النهر . وعقدت معاهدة بهذا الشأن في دمشق بتاريخ 4 حزيران / يونيو 1953 . وقد نصت هذه المعاهدة على ان تخصص لسوريا ثلاثة ارباع الطاقة الكهربائية المنتجة من سد المقارن ومحطة العدسية ( راجع ادناه ) ويخصص الباقي ، أي 25 بالمئة للاردن ، على ان تدفع الحكومة الاردنية ، بالمقابل ، 95 بالمئة من تكاليف إقامة السد وصيانته ، بينما تدفع سوريا 5 بالمئة فقط. والسبب في هذا الفارق بين الاكلاف والمنافع يعود الى ان الاردن سوف يستعمل المياه المخزونة في السد لري وادي الاردن ، بينما لا تستفيد سوريا إلا من الطاقة الكهربائية وجزء قليل من مياه روافد اليرموك الثانوية .  

في 30 اذار / مارس 1953 عقدت إتفاقية أخرى بين الاردن ووكالة الغوث UNRWA خصصت بموجبها الوكالة اربعين مليوناً من الدولارات الاميركية لتنفيذ هذا المشروع . وأبرمت هذه الاتفاقية في كانون الاول / ديسمبر من السنة ذاتها .  

أنشأت الحكومتان السورية والاردنية لجنة مشتركة مركزها عمان للاشراف على تنفيذ هذه الاتفاقية وإقامت المشروع ،عرفت باسم " لجنة اليرموك السورية الاردنية " . 

يشمل مشروع بنجر بناء سد على نهر اليرموك الأعلى قرب محطة المقارن ، إرتفاعه 128 متراً بإمكانه ان يستوعب 500 متر مكعب من المياه . وتنحدر من جهته الجنوبية المياه في انبوب ضخم ، يجرها تحت الضغط الى محطة توليد الكهرباء قرب قرية العدسية . ومن ثم تتابع المياه سيرها في قناة تقع شرقي الاغوار الاردنية لتروي الضفة الشرقية من غور الاردن ، والتي تبلغ مساحتها 435 الف دونم . ويقدر مجموع المياه التي ستستغل بفضل هذا المشروع نحو 435 مليون متر مكعب سنوياً . 

أما الطاقة الكهربائية فتولد في المقارن والعدسية من محطتين تبلغ الطاقة المنتجة منهما معاً 218 مليون كيلو وات ساعة . وتبلغ قدرة محطة المقارن المركبة 12000 كيلو وات وقدرتها الحقيقية 8500 كيلو وات ساعة. أما قدرة محطة العدسية المركبة فتبلغ 25000 كيلو وات وقدرتها الحقيقية 20000 كيلو وات . وقدر بنجر تكاليف المشروع ، بأسعار 1953 ، بما يلي ( بالاف الدنانير الاردنية ) : 

            اعمال الري ومنشآتها باستثناء منشآت الطاقة الكهربائية 13639

             سد المقارن 128 متراً                                                       5200

             قناة اليرموك                                                                   1466

            قنوات الري                                                                      6680    

            اعادة تسيير الخط الحديدي                                                 293

            الدراسات والتخطيط والاشراف                                             536

            المحطات الكهربائية وشبكات التوزيع                                     3203

            المجموع العام                                                                 17378

بالاضافة الى جدية المشروع المقترح من الناحية الفنية والسياسية والاقتصادية ، فإن له جانباً فنياً مهماً ، كان في يوم من الايام ، خاصة خلال فترة مفاوضات جونستون ، من أهم النواحي المطروحة على بساط البحث . فقد إفترض بنجر ، بناء على عدد من الدراسات التي أجراها مع مهندسيه في الميدان ، ان معدل استهلاك دونم الارض الواحد من المياه هو حوالى 2000 متر مكعب في السنة . وهذا الرقم هو أكثر الارقام التي أعطيت جدية وواقعية . غير انه بالامكان تخفيض هذا الرقم اذا افترضنا ان وادي الاردن سوف يزرع قمحاً وحبوباً أخرى ، مثلاً . ويظهر من متابعة بحثنا ان هذا كان هدف عدد من الباحثين ، خاصة اذا تابعنا النظر في الاعتبارات التي لا تقع تماماً ضمن اطار البحث الاقتصادي . ومن مطالعة وقائع مفاوضات جونستون ، مبعوث الرئيس الاميركي الى الشرق الاوسط حول موضوع نهر الاردن ، يتضح لنا الدور الذي لعبته هذه النقطة بالذات . 

ففي آب / اوغسطس سنة 1953 قدمت الامم المتحدة للاردن وسوريا ولبنان ومصر واسرائيل مشروعها الموحد لتنمية مصادر نهر الاردن وروافده وواديه . وفي خريف 1953 أرسل الرئيس الاميركي أيزنهاور مبعوثاً خاصاً الى الشرق الاوسط لمفاوضة الحكومات العربية واسرائيل حول امكانية وشروط تنفيذ مشروع التنمية الموحد ، الذي عرف في ما بعد بإسم مشروع جونستون ، على اسم المبعوث الاميركي اريك جونستون . وكان الرئيس الاميركي ايزنهاور قد استلم مهامه في اوائل سنة 1953 ، أي حوالى نصف سنة قبل طرح مشروع جونستون وسحب عرض تمويل مشروع بنجر من التداول رغم الاتفاقية الموقعة بهذا الخصوص . والذي نهدف اليه من هذا السرد السريع لتتابع الاحداث وتواريخها هو التلميح الى ان مشروع جونستون والمشروع العربي المقابل الذي قدم خلال مفاوضات جونستون في آذار / مارس 1953 ليس إلا مشاريع سياسية مرتبطة بظروف سياسية ، أهمها التغيير الجذري الذي تلا استلام الرئيس ايزنهاور لمهامه كرئيس للولايات المتحدة . 

مشروع التنمية الموحد

أعدت هذا المشروع مؤسسة شاس ماين Chas T. Main inc. في مدينة بوسطن ، بناء على طلب وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين . وقد أشرفت سلطة وادي تنسي الاميركية على إعداد هذه الدراسة . ولعل من المفيد ان نذكر ان سلطة وادي تنسي كانت قد أسهمت ، باعارة الوكالة اليهودية عدداً من كبار مهندسيها ، في وضع مسودة مشروع " سلطة وادي الاردن " الذي نشر باسم جيمز هيز James Hays ، وإصبح ، في ما بعد اساساً لجميع المشاريع اليهودية ( راجع المقال الثالث من هذه السلسلة ) . ولا شك بأن هذه الخبرة قد أسهمت في تسهيل مهمة مؤسسة " ماين " في وضع دراستها التي إقتبست عدداً من عناصر مشروع " سلطة وادي الاردن " الاسرائيلي . 

تجب الاشارة هنا الى ان مقدمة تقرير " مشروع التنمية الموحد " تؤكد على نقطتين : الاولى ، ان الدراسة مبنية على دراسات مكتبية وليس على دراسات ميدانية . وهذا عائد، في رأينا الى خبرة " سلطة وادي تنسي " في المنطقة من خلال مهندسيها ، وخاصة الكولونيل باركر . واما النقطة الثانية ، فهي ان واضعي المشروع لم يقيموا اعتباراً للحدود السياسية ، وانما اهتموا فقط بالفائدة الاقليمية للمشروع وناحيتها الاقتصادية بنوع خاص .

يشمل المشروع العناصر الآتية :

1 – قناة رئيسة تبدأ في نهر بانياس ، الذي ينبع في الاراضي السورية ، وتقاطع نهري اللدان والحاصباني ، الذي ينبع في لبنان ، وتحول كل مياه هذه الانهر الثلاثة لري المنطقة الشمالية من وادي الاردن حتى غور بيسان جنوباً . وتقع هذه المنطقة بكاملها في فلسطين المحتلة ، وبالتالي فلن تستعمل اية كمية من مياه هذه الانهر العربية الثلاثة في ري أي ارض عربية . وتقدر كمية المياه المحولة ب 284 مليون متر مكعب سنوياً، تكفي لري 416 الف دونم في شمالي اسرائيل .

2 – قناتان رئيستان تبدآن في بحيرة طبريا وتسيران حتى البحر الميت ، احداهما شرقي النهر وتعرف بقناة الغور الشرقية ، والثانية غربية وتعرف باسم قناة الغور الغربية . وتروي هاتان القناتان بالراحة by gravity 579 الف دونم ، منها 307 الآف دونم داخل الاراضي العربية تروى من قناة الغور الشرقية ، و183 الف دونم من الاراضي العربية ايضاً تروى من القناة الغربية ، بالاضافة الى 89 الف دونم من الاراضي المحتلة.

3 – تخزين مياه اليرموك مبدئياً في بحيرة طبريا . ويحول النهر الى طبريا بواسطة سد منخفض شرقي قرية العدسية . وترتفع ، بذلك ، قدرة البحيرة على استيعاب المياه الجددة من 500 مليون متر مكعب حالياً الى 830 مليون متر مكعب سنوياً ، وذلك بزيادة ارتفاع السد المنخفض القائم على مصب البحيرة الجنوبي من ثلاثة امتار الى خمسة امتار . ويمكن ايضاً ربط قناة الغور الشرقية بسد العدسية لاستدرار المياه منه مباشرة.

4 – اقامة سد لتوليد الكهرباء في موقع المقارن لا تكون له اية فائدة للري ، ويكون ارتفاعه 81 متراً . وترفض " سلطة وادي تنسي " فكرة تخزين المياه العربية خلف سد مرتفع في المقارن ( 148 متراً ) على أساس كلفته المرتفعة . ومن المفيد ان نذكر ان الدراسة المكتبية النظرية التي قامت بها " سلطة وادي تنسي " تغاير الى حد كبير النتائج التي توصلت اليها الدراسة الميدانية التي قام بها بيكر وهرزا وأدت الى ان استنتاجات بنجر كانت كلها مصيبة ، وان سداً في المقارن لخزن المياه للري ولتوليد الكهرباء ارتفاعه 168 متراً هو مفيد ومؤهل للتنفيذ ، وان كلفته أقل بكثير مما قدرته " سلطة وادي تنسي " .

5 – بناء محطة لتوليد الكهرباء في موقع العدسية تديرها مياه اليرموك ، ومحطة اخرى في موقع تل حي في المنطقة المحتلة تديرها مياه نهر الحاصباني المتدفقة من سد يشاد على نهر الحاصباني داخل الاراضي اللبنانية ، وتعود كل الطاقة المولدة من المحطة والمياه القادمة من نهر الحاصباني الى اسرائيل .

            اسم المحطة                قدرتها                           الطاقة المنتجة سنوياً

            العدسية                         38000 ك.و.                     134000000 ك.و.س.

            تل حي                          27000 ك.و                      76000000  ك. و. س.

6 – قدرت كلفة المشروع ب 121 مليون دولار اميركي ( اسعار 1953 ) على افتراض ارتفاع سد المقارن 81 متراً فقط . ولا تشمل هذه الكلفة ثمن الاراضي وكلفة القنوات الفرعية وكلفة شبكات توزيع الكهرباء وفوائد رأس المال خلال مدة الانشاء . وتوزع هذه الكلفة على أساس 88 مليون دولار للري و 33 مليون دولار للمنشآت الكهربائية .

7 – توزيع المياه والاراضي بموجب مشروع التنمية الموحد ( مشروع جونستون ) على الشكل التالي :

                                الوحدة القياسية            المجموع           البلاد العربية      اسرائيل

                                                                                      مجموع       لبنان        سوريا       الاردن

المساحات المقترح ريها    الف دونم                        936       520        -       30          490         416

المياه الموزعة                 مليون م م          1305     879       -                     50         829         426

من الانهر                        "   "                   923       602       -                      50       552         321

من الاودية                       "  "                    342       257       -                     -         257           85

من الآبار                         "   "                   40         20         -                      -          20           20

اذا نظرنا ، في لمحة سريعة ، الى خريطة المشروع والى الارقام المذكورة اعلاه ، نتفهم موقف الدول العربية من مشروع جونستون ورفضهم له . غير ان الظروف والمعطيات غير الاقتصادية للمشكلة كانت أبعد أثراً في رفض المشروع من عدالة توزيع المياه والاراضي . ولا بد هنا من ان نستعرض النقاط التالية :

1 – يشكل المشروع تراجعاً من قبل وكالة الامم المتحدة لإغاثة وتشغيل للاجئين الفلسطينيين عن اتفاقها مع الحولة الاردنية الموقع بتاريخ 30 اذار / مارس 1953 والذي تتعهد بموحبه بتمويل المشروع .

2 – تدفع حكومة الولايات المتحدة 70 بالمئة من موازنة وكالة الغوث .

3 – ارسال جونستون ، المبعوث الخاص للرئيس ايزنهاور الذي كان قد تسلم مهام منصبه منذ فترة وجيزة فقط ، يشير الى الاهمية التي كانت تعلقها حكومة الولايات المتحدة على المشروع .

4 – كون المشروع لا يتعارض مع مشروع هيز Hays الاسرائيلي ، بل على العكس ، فان " سلطة وادي تنسي " التي اسهمت في وضع مشروع هيز ، قد أشرفت على إعداد مشروع التنمية الموحد . وقد أدخلت عليه عدداً من عناصر مشروع هيز مثل محطة تل حي للكهرباء وتخزين المياه في بحيرة طبريا والنسبة المرتفعة من مخصصات الماء للمنطقة الاسرائيلية التي تجعل من الممكن تحويل الفائض لري السهل الساحلي، واستخدام مياه نهر الحاصباني لري اراضي اسرائيل وحرمان لبنان منها ، وغيرها من العناصر .5 – رفض المشروع لفكرة تخزين المياه في خزان المقارن ، أي لفكرة خزن المياه العربية في ايد عربية . 

دخلت كل هذه العناصر في حساب العرب حين رفض ممثلوهم فكرة " مشروع التنمية الموحد " في المفاوضات التي جرت في جونستون في خريف 1953 وشتاء 1954 . غير ان الاسباب التي أعطيت اثناء المفاوضات كانت اسباباً ومبررات فنية ، لأن المشروع كان يشدد على كونه مشروعاً فنياً صرفاً ، مبرراً بهذا تجاهله للمعطيات الاجتماعية والسياسية للمشروع . 

في هذا الوقت ، كان العمل جار في تحويل نهر العوجا الذي يصب بجانب تل ابيب ، الى النقب في انابيب ضخمة قطرها 275 سنتمتراً ، تنفيذاً للمرحلة الثامنة من مشروع هيز (راجع الحلقة الثالثة من هذه السلسلة). وكان الاستعداد لتنفيذ المرحلة السادسة يسير حسب مخططات شركة " رندل بالمر " التي درست موضوع تجفيف بحيرة الحولة . وكانت مراحل اخرى من مشروع هيز بطريق التحقيق مثل مشروع سد البطون . وفي تشرين الاول / اكتوبر 1953 نشر في القدس المحتلة مشروع هيز المعدل والذي اصبح يعرف بمشروع السنوات السبع الاسرائيلي . 

وجدت الحكومات العربية نفسها في موقف يمكن تلخيصه كما يلي :  

1 – اذا رفضت " مشروع التنمية الموحد " تكون قد أعطت وطالة الغوث مبرراً للانسحاب من اتفاقية 30 اذار / مارس 1953 والتي سبق لها ان تعهدت بموجبه بتمويل مشروع بنجر . وتستمر اسرائيل ، على أي حال ، بتنفيذ مشاريعها الخاصة بري اراضيها والاستيلاء على مصادر المياه من مستنقعات الحولة ونهر الاردن .

2 – اذا قبلت مشروع جونستون :

             أ – تكون قد اعترفت باسرائيل وتعاونت معها .

            ب – تكون قد ارتكبت خطأ تكتيكياً بموافقتها على اعطاء اسرائيل 35 بالمئة من اجمال المياه .

            ج – تكون قد أسهمت بتنفيذ مشروع هيز لصالح اسرائيل .

            د – تكون قد تنازلت عن عدد من مواقفها الحيوية في أهميتها القومية .

            ه – تكون قد تنازلت عن موارد مائية وكهربائية مهمة .

            و – تكون قد أعطت اسرائيل كل الامتيازات والمنافع الاقتصادية التي تتوخاها ، بالاضافة عن شرعنة هذه التنازلات .

            ز – تكون قد تنازلت عن مشروع بنجر . 

تحاشياً لهذا الموقف الحرج ، رأى المفاوضون العرب ان يتقدموا بمشروع مقابل لا يكون رفضاً قاطعاً لمشروع " التنمية الموحد " ولا يشكل له قبولاً كاملاً ، بل يمكن اعتباره اولاً ، رد فعل ايجابي ، وثانياً ، يترك مجالاً للحد من الاضرار . فقام المهندسون العرب بوضع مشروع مقابل ، عرف فيما بعد بالمشروع العربي المعدل لسنة 1954 ، وهومبني على المبادىء العامة التالية :

1 – تخزين المياه العربية ، خاصة مياه نهر اليرموك في ارض عربية وليس في بحيرة طبريا .

2 – استخدام موارد الطاقة الكهربائية العربي ( الحاصباني في لبنان ، والمقارن والعدسية في الاردن ) لمنفعة البلاد العربية .

3 – اذا كان لا بد من اعطاء اسرائيل حصة من المياه فلتكن لها المياه التي لا تتمكن الدول العربية من استخدامها في الوقت الحاضر . وهذه ، بشكل خاص ، هي مياه بحيرة طبريا وأودية الاغوار الشمالية الشرقية ومياه البانياس واللدان السوريين .

4 – في حالة استفادة اسرائيل من المياه او الطاقة تكون مشاريعها منفصلة ادارياً وتنظيمياً وهندسياً عن المشاريع العربية ، وبذلك ينتفي الاعتراف بها او التعاون معها .

لا نجد ضرورة في الغوص بتفاصيل المشروع العربي . فهو مشروع قدم لاغراض المفاوضة فقط وكرد فعل ايجابي يقلل الى أدنى حد ممكن من اضرار مشروع جونستون والاحتمالات التي أوردناها اعلاه . 

برز أثناء مفاوضات جونستون مشروع قطن Cotten Scheme  الاسرائيلي . وكان يهدف الى تصوير مشروع جونستون وكأنه حل وسط بين المشروع العربي والمشروع الاسرائيلي الجديد . وانطلق هذا المشروع من المعطيات الاولية لمشروع التنمية الموحد ، مدعياً انه اذا كان مشروع التنمية لا يأخذ بالاعتبار الحدود السياسية في المنطقة ، وانما يهدف الى منفعة المنطقة ككل ، فلا ضير مثلاً من استغلال موارد لبنان المائية المهدورة كنهر الليطاني لاحياء الصحاري في جنوبي اسرائيل .  

طبيعي والحالة هذه ان يعتبر البعض فشل المفاوضات سنة 1954 انتصاراً لاسرائيل ، بينما يرى البعض الآخر فيها  تفشيلاً  لمشروع جونستون وتخلصاً منه .

غير ان الواقع الجغرافي لم يتغير بفعل هذه المفاوضات . فالحكومتان السورية والاردنية ظلتا قادرتين على تنفيذ مشروع بنجر ، كما ان اسرائيل كان بامكانها ، هندسياً ، تنفيذ اجزاء رئيسة من مشروعها . وهذا ما يحصل الان فعلاً . غير ان الامر الذي تغير هو ان لجنة اليرموك الاردنية السورية المشتركة تحولت مع الزمن من دائرة صغيرة الى مؤسسة ذات استقلال اداري وامكانيات هندسية وانتاجية كبيرة . وقد أثبتت في عدد من الظروف كفاءتها لتنفيذ مشاريعها ومتابعتها . ففي سنة 1954 طلبت الحكومة الاردنية من شركتي ميكل بيكر وشركة هرزا للهندسة إعداد دراسة تفصيلية لنهر الاردن مبنية على أدق المعلومات والتفاصيل . وقامت الشركتان بتحضير أكمل دراسة في تاريخ هذا النهر ، تقع في ثمانية اجزاء وعدد من الملحقات ، عرفت بمشروع بيكر - هرزا . وقد تبنت سلطة قناة الغور هذه الدراسة ، وهي الآن بصدد تنفيذ مرحلتها الاولى . وتدرس هذه السلطة ايضاً إمكانية بناء سد المقارن على ارتفاع 147 متراً وتمويله ، لتخزين المياه وانتاج الطاقة الكهربائية . فاذا أتمت بناء قناة الغور الشرقية كاملة وبناء سد المقارن ومحطات الكهرباء التابعة له ، تكون قد نفذت مشروع بنجر . وتتجه الانظار الآن الى محاولة اعادة احياء لجنة اليرموك الاردنية ، وذلك بإضافة عدد من من الممثلين عن سوريا الى سلطة قناة الغور .  

تجدر الاشارة الى أن دراسة بيكر – هرزا التفصيلية قد أكدت أكثر استنتاجات بنجر ، وخالفت الكثير من آراء واضعي مشروع التنمية الموحد لسلطة وادي تنسي . 

مشروع بيكر – هرزا

يصنف مشروع بيكر – هرزا الاراضي القابلة للري في وادي الاردن الى اراضٍ صالحة للزراعة ( من ثلاث نوعيات ) وأراضٍ قابلة للاستصلاح ، وأخرى غير قابلة للزراعة . ومجموع مساحة الاراضي في انحدار الاردن يبلغ 942840 دونماً مزروعة كما يلي :

            أراضي قابلة للزراعة                      347530 دونماً                              36.9 %

            اراضي قابلة للاستصلاح                172310 دونماً                              18.3 %

                                                            ------------                                 -------

                                                            519840 دونماً                              55.2 %

            غير قابلة للزراعة                       423000 دونماً                                 44.8 %

                                                            -------------                                --------

            المجموع                                     942840 دونماً                              100.0 %

وقد راعى مشروع بيكر – هرزا الاراضي الصالحة والقابلة للاستصلاح ( 519840 دونما) بالاضافة الى أراضي سهل المزاريب في سوريا ومساحته 54000 دونم . 

أما أهم عناصر المشروع فهي :

1 – سد في المقارن ارتفاعه 71 متراً وقدرته على التخزين 47 مليون متر مكعب . ويمكن زيادة ارتفاعه على مراحل الى 147 متراً ( مشروع بنجر ) لتوليد الكهرباء وخزن المياه بقدرة 460 مليون متر مكعب .

2 – سد تحويلي على اليرموك قرب قرية العدسية لتحويل مياه النهر الى قناتي الغور الشرقية والغربية .

3 – قناة الغور الشرقية ( الشمالية ) وقناة الغور الشرقية ( الجنوبية ) وقناة الغور الغربية . ويبلغ مجموع طولها 159 كيلو متراً . ويجري العمل الآن على بناء المرحلة الاولى من قناة الغور الشرقية ( الشمالية ) التي قسمت الى ثلاثة أقسام ، انتهى بناء 70 بالمئة من القسم الاول ، ولزم بناء القسم الثاني الى شركة ايطالية.

4 – قنوات ثانوية وفرعية تتفرع من القناة الرئيسة مع محطات ضخ .

5 – قنوات تصريف للمياه الفائضة .

6 – مشروع تنمية الوحدات الزراعية . وهو يهدف الى توزيع الوحدات الزراعية على المزارعين بحدود 35 دونماً للمزرعة الواحدة . وقد تم توزيع 360 مزرعة من هذا القياس تحت اشراف سلطة قناة الغور الشرقية .

قدرت كلفة المشروع ( 1953 ) ب 109 ملايين دولار اميركي موزعة كما يلي :

            قناة الغور الشرقية ( الشمالية )                   29372800          دولار اميركي ( 1953 )

            قناة الغور الشرقية ( الجنوبية )                    39065900          دولار اميركي

            قناة الغور الغربية                                         40280800          دولار اميركي

                                                                        ------------

            المجموع                                               108719500        دولار اميركي

 كما قدَر المشروع كلفة الدونم من الاراضي في غور الاردن كما يلي :

            دولار اميركي                                           المساحة بالدونم              كلفة ري الدونم

            قناة الغور الشرقية ( الشمالية )                         16950               69.70 دولاراً

            قناة الغور الشرقية ( النوبية )                            18360               82.00    دولاراً 

            قناة الغور الغربية                                           15110                98.00 دولاراً

                                                                        --------

            مجموع المساحة                                     50420

            معدل الكلفة                                            82.00    دولاراً

 ويقدر ان مداخيل المشروع سوف تزيد عن أكلافه بنسبة 2.58 الى واحد . 

تقوم سوريا الآن بانهاء مشروعها الخاص بري 54000 دونم من الاراضي في سهل المزاريب شمالي اليرموك ، وينتظر الانتهاء من الاعمال بحلول صيف 1961 . 

كما تدرس احدى الاجهزة الفنية في الاردن امكانية تمويل وبناء سد المقارن .  

إن النقطة الاساسية التي أثرناها في بحثنا هذا تدور حول تحويل مياه نهر الاردن الى اسرائيل . انما الواقع يبقى ان اي عمل عربي ضمن إطار الاقتصاد والهندسة لن يحول دون تحويل اسرائيل لنهر الاردن ، ذلك انه، حتى المشروع العربي المعدل ( 1954 ) قد يئس ، كما رأينا من امكانية تحويل الروافد الى البلدان العربية .

أما مشروع القناة الشرقية والمزاريب ، فلا يمكن ان يؤثرا في مشروع اسرائيل ، وذلك لأن اليرموك يقع جنوبي منطقة التحويل . تبقى امكانيات ثلاث :  

الاولى ، هي بناء قناة تتجه من الحاصباني الى الباناس ومنه الى اليرموك . وهذه امكانية لم تدرس هندسياً واقتصادياً . ويقدر بعض الخبراء انها تفوق في كلفتها كلفة مجموع مشروع نهر اليرموك . 

الثانية ، تحويل نهر الحاصباني لري الاراضي اللبنانية . 

الثالثة ، استخدام الوسائل المتاحة امام الحكومات العربية من ضغط عسكري او سياسي . ومع ان الحل الثالث خارج عن نطاق بحثناً ، فإن عدم أهلية الامكانيتين الاولتين للتنفيذ لا يترك مجالاً للخيار . وهنا يخرج الامر عن كونه مجرد بحث اقتصادي ، ويصبح اختيار الامكانية الفضلى والاشد والافعل لمنع التحويل في أيدي السلطات ذات الاختصاص .